أحتاج بعد الفراغ من كتابة هذا المقال (ظهر الأمس) أن أبحث في مكتبات هذه المدينة، حيث إقامتي المؤقتة، عن كتاب جمال حمدان، شخصية مصر، كي أحاول من جديد فهم ما يحدث.

مشكلة مصر، لم تكن بعد عامين من التجربة، في السقوط السياسي، بل في سقوطها الثقافي والاجتماعي. ومن العبث أن نقول إن مرسي وجماعته يتحملون المسؤولية. مشكلة مصر أنها استسلمت للعوام وللرعاع، بلا مواربة أو حسن إدارة للكلمات. ومن غير المعقول أن يقول الإحصاء المتحفظ البسيط إن نصف مليار من أهلها خرجوا إلى الشوارع في كل المظاهرات في الشوارع والميادين منذ اليوم الأول وحتى اللحظة. مشكلة مصر الحقيقية أن مجرد (مظاهرة) تحولت بالكذب والتزوير إلى مصطلح (للثورة). الثورة في أركان المصطلح لا تستحق الاسم إلا بعد عقد من الزمن حين تستطيع تغيير كل الوقائع المجتمعية من التعليم إلى الاقتصاد، ومن العيش حتى تأسيس مبادئ الحرية.

مشكلة مصر الكبرى أنها ضاعت بين أحلام المجتمع وبين وعود الساسة.. بين مجتمع يظن أن في يد المؤسسة الحاكمة قدرة مصباح علاء الدين أن يوزع الخبز على المنازل في الصباح، وأن يؤمن في المساء أنبوية الغاز.. مجتمع يظن أن صيانة القطار المتهالك في درج دولة الرئيس، وأن لدى مستشاريه العشرين ونوابه مفاتيح الشقق المفروشة لملايين الباحثين عن سكن. وبين جبهة الإنقاذ وبين جماعة الإخوان ترقص مصر على آمال الفوضى بكل وعودها الكاذبة. بين الليبرالية التي تقول إن لديها (شيفرة) أزرار مصانع الخبز، وبين الجماعة التي تبيع هذا (الإسلام) وتدعي أن لديها مفاتيح الحلول التي ضاعت بعد عام من التجربة. مشكلة مصر الكبرى أن أحداً لم يقل لشعبها كل الحقيقة الكاملة. لم يقل لها أحد إن السياسة هي الاقتصاد، وإن بضعة عشر ملياراً من الاحتياط النقدي الأجنبي لن تقيم شعوباً مثل جيبوتي أو مدغشقر، فكيف لها أن تؤمن هذه الوعود والأحلام لشعب من تسعين مليون نفس، ونصف مليار متظاهر؟ مشكلة مصر أن الجماعة تورطت بالأحلام والوعود في الوقت الخطأ والمكان الخطأ.. إنه الاقتصاد أيتها العزيزة مصر.

المصدر: الوطن أون لاين