لم تكن محاولة الحوثيين الانقلاب على الشرعية في اليمن إلا فصلا جديدا بدا مخلصا للغاية لفتنة كادت تمزق صنعاء قبل 220 عاما.
وكان كتاب “البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع” للقاضي محمد بن علي بن محمد الشوكاني عرض ليحيى بن محمد الحوثي الذي أحدث فتنة كبيرة في صنعاء، مؤكدا أن “الحوثي المولود عام 1160 للهجرة أصيب بجنون في أيام شبابه، وأثيرت بسببه فتنة في 14 رمضان 1216 في صنعاء، حيث دأب على سب بعض السلف، والصراخ باللعن، فيصرخ معه من يحضر لديه من العامة”.
وشدد الشوكاني في كتابه على أن “الحوثي لا يفهم ما في الكتاب لفظا ولا معنى، بل يصحف كثيرا، ويلحن لحنا فاحشا، وكان يملي على الناس في مسجد الإمام صلاح الدين، فأراد أن يكون ذلك في جامع صنعاء، لكنه منع من ذلك، فثار أتباعه في الجامع، ورفعوا أصواتهم باللعن، ومنعوا من إقامة صلاة العشاء” فاندلعت الفتنة.
لم تكن محاولة الحوثيين الانقلاب على الشرعية في اليمن، وإثارة القلاقل والفتن، إلا فصلا جديدا من فصول الفتنة التي كادت تمزق صنعاء قبل 220 عاما.
وكان القاضي محمد بن علي بن محمد الشوكاني الذي ولد في هجرة شوكان في اليمن عام 1173 للهجرة ومات حاكما فيها سنة 1250 للهجرة، قد عرض في كتابه الشهير، للسيد يحيى بن محمد الحوثي الذي أحدث فتنة كبيرة في صنعاء في عصره.
و”البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع” كتاب في تاريخ أعلام المسلمين من القرن الثامن الهجري إلى عام 1250 للهجرة، ذكر فيه من يحسبه من المجتهدين، وأهل العلم، وألحق بهم العباد والخلفاء والملوك والأدباء إن كانوا على جلالة قدر، ولم يشترط فيمن عاصرهم، إذ أوردهم في كتابه كونهم بلغوا الذروة. وقد اهتم ببيان سنة الولادة والوفاة، إن اطلع عليها، ورتب كتابه على حروف المعجم، فبلغت تراجمه 596 ترجمة.
جنون أيام الشباب
يقول الشوكاني في ترجمته ليحيى بن محمد الحوثي ثم الصنعاني “ولد تقريبا سنة 1160 للهجرة، أو قبلها بيسير أو بعدها بيسير، ونشأ بصنعاء فاشتغل بعلم الفرائض والحساب والضرب والمساحة، ففاق في ذلك أهل عصره وتفرد به ولم يشاركه فيه أحد، وصار الناس عيالاً عليه في ذلك، ولم يكن له بغير هذا العلم إلمام، مع أنه قد توجه إلى الطلب ولكن كان كل حظه في هذا العلم، وهو رجل خاشع متواضع كثير الأذكار سليم الصدر إلى غاية يعتريه في بعض الأحوال حدة مفرطة، وكان قد حصل معه جنون في أيام شبابه ثم عافاه الله من ذلك، وما زال مواظبا على الخير، لكنه قليل ذات اليد بما يضيق صدره لذلك مع كثرة عائلته ويسر الله له ما يقوم به بعد مزيد امتحان وهو شيخي في علم أخذت عنه علم الفرائض والوصايا والضرب والمساحة”.
الفتنة العظيمة
ويكمل الشوكاني “في ليلة رابع عشر من رمضان سنة 1216هـ ثارت بسببه فتنة عظيمة بصنعاء، وذلك أن بعض أهل الدولة ممن يتظاهر بالتشيع مع الجهل المفرط والرفض باطنا، أقعد الحوثي على الكرسي الذي يقعد عليه أكابر العلماء المتصدرون للوعظ، وأمره أن يملي على العامة كتاب “تفريج الكروب” للسيد إسحاق بن يوسف المتوكل، وهو في مناقب علي كرم الله وجهه، ولكن لم يتوقف الحوثي على ما فيه، بل جاوز ذلك إلى سب بعض السلف مطابقة لغرض من حمله على ذلك لقصد الإغاظة لبعض أهل الدولة المنتسبين إلى بني أمية، كل ذلك لما بين الرجلين من المنافسة على الدنيا، والمهافتة على القرب من الدولة، وعلى جمع الحطام، فكان صاحب الترجمة (الحوثي) يصرخ باللعن على الكرسي، فيصرخ معه من يحضر لديه من العامة وهم جمع جم، وسبب حضورهم هو النظر إلى ما كان يسرج من الشمع وإلى الكرسي لبعد عهدهم به، وليسوا ممن يرغب في العلم، فكان يرتج الجامع ويكثر الهرج ويرتفع الصراخ، ومع هذا فالحوثي لا يفهم ما في الكتاب لفظا ولا معنى، بل يصحف تصحيفا كثيرا، ويلحن لحنا فاحشا، ويعبر بالعبارات التي يعتادها العامة ويتحاورون بها في الأسواق، وقد كان في سائر الأيام يجتمع معهم ويملي عليهم على الصفة التي قدمنا ذكرها في مسجد الإمام صلاح الدين، فأراد أن يكون ذلك في جامع صنعاء الذي هو مجمع الناس ومحل العلماء والتعليم، لقصد نشر اللعن والثلب والتظاهر به، فلما بلغ ذلك خليفة العصر -حفظه الله- جعل إشارة منه إلى عامل الأوقاف السيد إسماعيل بن الحسن الشامي أنه يأمر (الحوثي) أن يرجع إلى مسجد صلاح الدين، فأمر السيد المذكور الفقيه أحمد بن محسن حاتم رئيس المأذنة أن يبلغ ذلك إلى (الحوثي) فأبلغه، فحضر العامة تلك الليلة على العادة ومعهم جماعة من الفقهاء الذين وقع الظلم بهذا الاسم بإطلاقه عليهم، فإنهم أجهل من العامة، فلما لم يحضر (الحوثي) في الوقت المعتاد لذلك، وهو قبل صلاة العشاء، ثاروا في الجامع، ورفعوا أصواتهم باللعن، ومنعوا من إقامة صلاة العشاء، ثم انضم إليهم من في نفسه غل على الدولة أو متستر بالرفض، ثم اقتدى بهم سائر العامة، فخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء، وقد صاروا ألوفا مؤلفة، ثم قصدوا بيت الفقيه أحمد حاتم فرجموه، ثم بيت السيد إسماعيل بن الحسن الشامي فرجموه، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيرا من الطاقات ونحوها، وقصدوه إلى مدرسة الإمام شرف الدين يريدون قتله فنجاه الله وهرب من حيث لا يشعرون، وقد كانوا أيضا قصدوا قتل الفقيه أحمد حاتم فهرب من الجامع إلى بيتي، ونحن إذ ذاك نملي في شرحي للمنتقى مع حضور جماعة من العلماء، ثم بعد ذلك عزم هؤلاء العامة، وقد تكاثف عددهم إلى بيت السيد علي بن إبراهيم الأمير ورجموه وأفزعوا في هذه البيوت أطفالا ونساء وهتكوا حرما، وكان السبب في رجمهم بيت السيد المذكور أنه كان في تلك الأيام يتصدر للوعظ في الجامع، ولم يكن رافضيا لعانا، ثم عزموا جميعا وهم يصرخون إلى بيت الوزير الحسن بن عثمان العلفي وإلى بيت الوزير الحسن بن علي حنش، والبيتان متجاوران فرجموهما، وسبب رجم بيت الأول كونه أموي النسب، ورجم بيت الآخر كونه متظهرا بالسنة متبريا من الرفض، فأما بيت الفقيه حسن حنش فصعد جماعة من قرابته على سطحه ورجموهم حتى تفرقوا عنه وأصابوا جماعة منهم، أما بيت الفقيه حسن عثمان فرجموه رجما شديدا واستمروا على ذلك نحو أربع ساعات حتى كادوا يهدمونه، وشرعوا في فتح أبوابه ووقع الرمي لهم بالبنادق فلم ينكفوا لكونه لم يظهر لذلك فيهم أثر، إذ المقصود بالرمي ليس إلا مجرد الإفزاع لهم، ثم بعد ذلك غار بعض أولاد الخليفة -حفظه الله- وبعض أصحابه فكفوهم فانكفوا.
أفعال الكفار
وقد فعلوا ما لا يفعله مؤمن ولا كافر، وفي اليوم الآخر أرسل الخليفة -حفظه الله- للوزير والأمراء وقد حصل الخوف العظيم من ثورة العامة وطال التراود والمشاورة بينهم، ومن بعد ذلك أرسل لي -حفظه الله- فوصلت إليه -حفظه الله- فاستشارني فأشرت عليه أن الصواب المبادرة بحبس جماعة من المتصدرين في الجامع للتشويش على العوام وإيهامهم أن الناس فيهم من هو منحرف عن العترة وأن التظاهر بما يتظاهرون به من اللعن ليس المقصود به إلا إغاظة المنحرفين ونحو هذا من الخيالات التي لا حامل لهم عليها إلا طلب المعاش والرياسة والتحبب إلى العامة، وكان من أشدهم في ذلك السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي فإنه كان رافضيا جلدا مع كونه جاهلا جهلا مركبا، وفيه حدة تفضي به إلى نوع من الجنون، وصار يجمع مؤلفات من كتب الرافضة ويمليها في الجامع على من هو أجهل منه، ويسعى في تفريق المسلمين ويوهمهم أن أكابر العلماء وأعيانهم ناصبة، يبغضون عليا، كرم الله وجهه، بل جمع كتابا يذكر فيه أعيان العلماء وينفر الناس عنهم، وتارة يسميهم سنية، وتارة يسميهم ناصبة، ومع هذا فهو لا يدري بنحو ولا صرف ولا أصول ولا فروع ولا تفسير ولا حديث، بل هو كـ(الحوثي) في التعطل عن المعارف العلمية، لكن (الحوثي) يعرف فنا من فنون العلم كما قدمنا، وأما هذا فلا يعرف شيئا إلا مجرد المطالعة لمؤلفات الرافضة الإمامية ونحوهم، الذين هم أجهل منه.
تشبيه
ويشبه الرجلين رجل آخر هو أحد عبيد مولانا الإمام، حفظه الله، اسمه ضرغام، رأس ماله الاطلاع على بعض كتب الرافضة المشتملة على السب للخلفاء وغيرهم من أكابر الصحابة، فصار هذا يقعد في الجامع ويملي سب الصحابة على من هو أجهل منه، فهذه الأمور هي سبب ما قدمنا ذكره فلما أشرت على مولانا الإمام، حفظه الله، بحبس هؤلاء وجماعة ممن يماثلهم حصل الاختلاف الطويل العريض في مقامه الشريف بين من حضر من أولاده ووزرائه، ومنشأ الخلاف أن من كان منهم مائلا إلى الرفض وأهله فهو لا يريد هذا، ومن كان على خلاف ذلك فهو يعلم أنه الصواب وأنها لا تندفع الفتنة إلا بذلك، فصمم مولانا -حفظه الله- على حبس من ذكر، ثم أشرت عليه -حفظه الله- أن يتتبع من وقع منه الرجم ومن فعل تلك الأفاعيل فوقع البحث الكلي منه ومن خواصه، فمن تبين أنه منهم أودع الحبس والقيد، وما زال البحث بقية شهر رمضان حتى حصل في الحبس جماعة كثيرة، فلما كان رابع شوال طلب الإمام -حفظه الله- الفقهاء المباشرين للرجم فبطحوا تحت طاقته وضربوا ضربا مبرحا، ثم عادوا إلى الحبس، ثم طلب في اليوم الثاني سائر العامة من أهل صنعاء وغيرهم المباشرين للرجم ففعل بهم كما فعل بالأولين، وضربت المدافع على ظهور جماعة منهم ثم بعد أيام جعلوا في سلاسل حديد، وأرسل بجماعة منهم إلى حبس زيلع، وجماعة إلى حبس كمران، وفيهم ممن لم يباشر الرجم السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي المتقدم، وسبب ذلك أنه جاوز الحد في التشديد في الغرض كما قدمنا، وأما (الحوثي) ومن شابهه في هذا المسلك، فإنه حبس نحن شهرين، ثم أطلق هو ومن معه، وكذلك عامل الوقف السيد إسماعيل بن الحسن الشامي والسيد علي بن إبراهيم الأمير والفقيه أحمد حاتم فإنهم حبسوا مع الجماعة وأطلقوا معهم، وبالجملة فهذه فتنة وقى الله شرها بالحزم الواقع بعد أن وجلت القلوب وخاف الناس واشتد الخطب وعظم الكرب وشرحها يطول، وبعد هذه الواقعة بنحو سنة عوّل (الحوثي) في أن يكون أحد أعوان الشرع، ومن جملة من يحضر لدي، فأذنت له، وصار يعتاش بما حصل له من أجرة تحرير الورق، وذلك خير له مما كان فيه”.
مؤسس حركة المتمردين تلميذ في مدرسة الملالي
الحوثيون حركة متمردة مسلحة اتخذت من محافظة صعدة في شمال اليمن مركزا لها، وعرفت باسم الشباب المؤمن أو أنصار الله أو “الحوثيين” نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004 ويعد الأب الروحي للجماعة التي تأسست عام 1992.
وقائد الحركة حاليا هو عبدالملك الحوثي، الأخ الأصغر لمؤسس “منتدى الشباب المؤمن” حسين بدر الدين الحوثي.
وتأثرت حركة الحوثيين بأطروحات بدر الدين الحوثي وهو أحد فقهاء المذهب الزيدي المتأثر بالمذهب الشيعي المناهض للمذهب السني الحنبلي في اليمن.
وسافر بدر الدين الحوثي إلى طهران، وأقام بها عدة سنوات، وتأثر بالمذهب الشيعي الاثني عشري والخميني، وأعتقد بإمكان تطبيق النموذج الإيراني على اليمن.
واتهم عدد من فقهاء الزيدية “منهم مؤسسون لحركة الشباب المؤمن” الحوثيين بالخروج عن المدرسة الزيدية والاقتراب من الإثني عشرية أو أنهم زيدية متطرفون وهو اتهام تشاركهم فيه الحنابلة المعادية للحوثيين، حيث ركزت الحركة على جلب بعض النشاط الشيعي الاثني عشري اجتماعيا ودينيا في المنطقة، فبنت المدارس الدينية التي اسمتها المعاهد العلمية في صعدة والجوف وصنعاء بأموال الصدقات والزكاة السنوية التي تجمع من سكان صعدة.
المصدر: صحيفة الوطن السعودية