تخوض مختلف الأطراف المسلحة في سوريا سباقاً للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، في محاولة لتحصين مواقعها؛ تحسباً لأي مشروع فدرالي محتمل، وفي السياق استولت فصائل معارضة على بلدة تسيل بمحافظة درعا، قرب الحدود مع الأردن وهضبة الجولان.
قال مصدر من المعارضة والمرصد السوري لحقوق الإنسان، إن مقاتلي المعارضة المسلحة استولوا على بلدة بجنوب سوريا بعد يوم من استيلاء المقاتلين على بلدة أخرى من المتشددين في هجوم منفصل في الشمال.
وقال المصدر والمرصد، إن مسلحي المعارضة سيطروا في وقت متأخر من الجمعة على بلدة تسيل بمحافظة درعا قرب الحدود مع الأردن وهضبة الجولان المحتلة، وطرد المسلحون مقاتلين من «كتيبة شهداء اليرموك» و«حركة المثنى» اللتين أعلنتا ولاءهما ل«داعش»، وقال أبو غياث الشامي المتحدث باسم جماعة «ألوية سيف الشام» وهي جزء من تحالف للمعارضة المسلحة في الجنوب: «معركتنا مستمرة ضدهم حتى نطهر المنطقة منهم»، ووصف الهجمات الأخيرة ضد المتشددين بأنها «حملة موسعة ضد داعش».
وهذه ثاني ضربة يوجهها المسلحون للتنظيم أو المقاتلين المرتبطين به خلال أيام، وكان مسلحو المعارضة قد استولوا الخميس في هجوم منفصل في شمال سوريا قرب الحدود مع تركيا على بلدة كانت المعقل الرئيسي للتنظيم في ريف حلب الشمالي.
وتشهد محافظة حلب منذ أكثر من أسبوع، معارك بين جبهة النصرة وفصائل مسلحة من جهة، وجيش النظام السوري من جهة أخرى، وذلك قبيل العودة إلى مفاوضات السلام برعاية الأمم المتحدة، والمقررة يوم 13 إبريل/نيسان الجاري.
ونقلت تقارير إعلامية، أن هذه العمليات العسكرية لا تندرج في إطار الخروق التي شهدتها أكثر من منطقة في سوريا، بُعيد سريان الهدنة العسكرية في 27 فبراير/شباط الماضي، فالعملية العسكرية التي أطلقتها «جبهة النصرة» في اليوم الأخير من الشهر الماضي، هي عبارة عن هجوم منسق ومضبوط يتجاوز في حدوده تلة العيس بريف حلب الجنوبي، حيث شمل الهجوم مساحة عشرات الكيلومترات.
كما أن الهجوم لم يقتصر على «جبهة النصرة» بل شاركت فيه فصائل مدرجة ضمن اتفاق الهدنة، وأهمها حركة ما يعرف ب«أحرار الشام» في مؤشر وفق مراقبين، إلى قرار إقليمي باستغلال الانسحاب العسكري الروسي لاستعادة بعض المناطق المهمة، وأثارت معارك حلب أسئلة عن جدوى الهدنة، ومدى تأثير هذه المعارك في مسار الجولة المقبلة.
وتمكنت الفصائل المقاتلة والمعارضة في محافظة حلب شمالاً، وبدعم تركي ومن طائرات التحالف الدولي بقيادة أمريكية، من السيطرة على نحو عشرين قرية وبلدة كان تنظيم «داعش» قد استولى عليها قبل عامين، وبينها قبل يومين بلدة الراعي التي تضم نقطة عبور رئيسية للمقاتلين من تركيا وإليها.
وفي شمال شرق البلاد، تتقدم قوات سوريا الديمقراطية التي تضم فصائل كردية وعربية نحو محافظة دير الزور (شرق) النفطية التي تشكل كذلك هدفاً لقوات النظام.
أما في محافظة درعا الجنوبية، فقد تمكن مقاتلو «جبهة النصرة» (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) وحركة «أحرار الشام» من انتزاع ثلاث قرى من أيدي مقاتلي تنظيم «داعش» في اليومين الأخيرين.
ويقول الخبير في الشؤون السورية في جامعة أدنبرة «توماس بييريه» لوكالة فرانس برس: «تخوض الأطراف الثلاثة (قوات النظام، والمقاتلون الأكراد، والفصائل المعارضة) سباقاً للحصول على الحصة الكبرى من الكعكة، ليس على حساب تنظيم «داعش» فقط، وإنما – وبشكل غير مباشر – على حساب الأطراف الأخرى أيضاً».
وتسعى الفصائل بدورها وفق بييريه «من خلال تقدمها على طول الحدود التركية، ليس لإبعاد تهديد تنظيم «داعش» فقط، وإنما أيضاً لمنع الأكراد بشكل خاص من التقدم في المنطقة، وكذلك لخلق عمق استراتيجي لها في مواجهة الأكراد أنفسهم والنظام».
ويقول بييريه: «حتى اللحظة لا تزال الكعكة كبيرة بما يكفي حتى يجد كل طرف حصته، لكن المراحل المقبلة ستصبح أكثر تعقيداً» موضحاً أنه «في شرق حلب ثمة مناطق مهمة بالنسبة إلى النظام والأكراد والفصائل في آن واحد».
وإذا كانت المناطق تحت سيطرة تنظيم «داعش» مغرية، باعتبار أنها تضم أبرز الحقول النفطية والغاز والزراعات المزدهرة والقطن، وتقدر مساحتها بنحو أربعين في المئة من مساحة سوريا، فمن الممكن جداً أن تضع النظام والفصائل في مواجهة مباشرة من أجل السيطرة عليها.
وعلى رغم إعلان النظام وقوى المعارضة رفضهما للفدرالية التي أعلنها الأكراد الشهر الماضي في شمال سوريا ومعارضتهما أي مشروع تقسيمي في البلاد حتى الآن، لكن خبراء يعدّون أن الدول الداعمة للطرفين، وتحديداً روسيا والولايات المتحدة، لا تعارض ذلك عملياً.
ويقول الباحث الزائر في معهد واشنطن فابريس بالانش: «يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا موافقتان على الفيدرالية في سوريا» معتبراً أن «إقامة منطقة نفوذ لكل منهما هي طريقة لإضعاف الرئيس السوري بشار الأسد».
وإذا كان الأمريكيون يؤكدون بارتياح أن اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي يستثني تنظيم «داعش» وجبهة النصرة، سمح لمختلف الأطراف بالتركيز على استهداف التنظيم المتطرف، إلا أن السؤال الرئيسي يبقى من سيتمكن من الوصول أولاً إلى الرقة (شمال) أبرز معاقل المتطرفين في سوريا؟.
لكن دبلوماسياً أوروبياً تُشارك دولتُه في التحالف الدولي بقيادة واشنطن أكد لفرانس برس أنه «إذا تمكن الروس والنظام من السيطرة على الرقة، فإن ذلك سيشكل خطوة مصيرية، وسيبرهن، أنهم ربحوا الحرب وأن الفصائل المعارضة لا تسيطر إلا على جيب صغير في الشمال»، وأضاف أن هذه السيطرة في حال حدوثها «جيدة لأنها تعني هزيمة «داعش»، لكنها سيئة في الوقت ذاته لأنها تعني استمرار الحرب الأهلية في سوريا».
المصدر: صحيفة الخليج