استخدمت روسيا والصين أمس الجمعة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإسقاط مشروع قرار أمريكي دعمت فيه واشنطن للمرة الأولى وقفاً «فورياً» لإطلاق النار في غزة ربطاً بالإفراج عن الرهائن، في نصّ شبّهته موسكو ب«نفاق» لا يسعى جدياً لوقف المعارك المستمرة منذ أشهر. فيما أفادت مصادر دبلوماسية أمس الجمعة أن مجلس الأمن الدولي سيصوّت اليوم السبت على مشروع قرار يدعو بوضوح إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في غزة. وسيتم التصويت على المشروع الذي أعده العديد من أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين في الساعة 14,00 ت غ، وفق ما قالت المصادر المذكورة لوكالة فرانس برس.
وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفلد إن الفيتو المزدوج ليس «خبيثاً فحسب»، بل «سخيف» أيضاً. وأضافت «بكل بساطة لا ترغب روسيا والصين بالتصويت لصالح قرار صاغته الولايات المتحدة»، وأنهما تفضّلان رؤية الولايات المتحدة «تفشل» على حساب تحقيق المجلس «نجاحاً». ولوّحت غرينفيلد باستخدام الفيتو لإسقاط مشروع آخر يدعو بشكل مباشر إلى «وقف فوري لإطلاق النار» سيتم طرحه للتصويت اليوم السبت. بدوره، ندد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالفيتو «الخبيث». وقال قبيل مغادرته إسرائيل في ختام جولة إقليمية «في ما يتعلق بالقرار الذي حظي بدعم قوي للغاية، ولكنه شهد بعد ذلك لجوء روسيا والصين إلى الفيتو في شكل خبيث، أعتقد أننا كنا نحاول أن نظهر للمجتمع الدولي شعوراً بأن من الملحّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار مرتبط بالإفراج عن الرهائن». ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، استخدمت الولايات المتحدة، حق النقض (الفيتو) غير مرّة لإسقاط مشاريع قرار في المجلس تدعو لوقف إطلاق النار، معتبرة أن ذلك سيصبّ في صالح الحركة الفلسطينية. لكنها طرحت على التصويت مشروع قرار نصّ على «الضرورة القصوى للتوصل إلى وقف فوري ومستديم لإطلاق النار» لحماية المدنيين وإدخال مزيد من المساعدات، وأيّد «تحقيقاً لهذا الغرض» الجهود الدبلوماسية الجارية لتأمين التوصل لوقف إطلاق النار هذا «فيما يتصل بالإفراج عن جميع الرهائن المتبقين».
وعلى رغم أن الولايات المتحدة تذكر للمرة الأولى في مشروع القرار الوقف الفوري لإطلاق النار، إلا أنها لم تقرن ذلك بعبارات مثل «يدعو» أو «يطلب»، ما أثار حفيظة روسيا التي تملك بدورها حق النقض في مجلس الأمن. ونال نصّ مشروع القرار تأييد 11 دولة من الأعضاء ال15 في مجلس الأمن، ورفضته روسيا والصين والجزائر، بينما امتنعت غويانا عن التصويت. ورأى المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا أن الولايات المتحدة لا تبذل أي جهود لكبح جماح إسرائيل، ساخراً من واشنطن لحديثها عن وقف لإطلاق النار بعدما «مُحيت غزة فعلياً عن وجه الأرض». وأضاف «شهدنا مسرحية معتادة تنطوي على نفاق»، مؤكدا أن مشروع القرار الأمريكي «مسيّس بشكل مبالغ فيه وهدفه الوحيد هو استرضاء الناخبين ورمي طعم لهم عبر الإشارة إلى نوع من وقف إطلاق النار في غزة».
ولم يذكر قراران سابقان طابعهما إنساني تبناهما المجلس، إضافة إلى قرار تبنّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حركة (حماس)، وهو ما انتقدته إسرائيل. وبعد هذا الرفض للنص الأمريكي، سيتم طرح نص بديل يرعاه سبعة أعضاء غير دائمين في المجلس (الجزائر، مالطا، موزمبيق، غويانا، سلوفينيا، سيراليون، سويسرا) للتصويت اليوم السبت عند الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت غرينتش، بحسب مصادر دبلوماسية. وهذا المشروع «يحض على وقف نار إنساني فوري لشهر رمضان» والإفراج الفوري عن كل الرهائن المحتجزين، وفق النسخة التي اطّلعت عليها فرانس برس. وقال السفير الصيني جون تشانغ «إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن وقف إطلاق النار، فلتصوّت لصالح المشروع الآخر».
لكن نظيرته الأمريكية أبدت تحفظات، معتبرة أن هذا النص قد يعرض للخطر الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصل إلى اتفاق هدنة مقابل إطلاق سراح رهائن. وهي الحجة نفسها التي بررت بها واشنطن استعمالها الفيتو آخر مرة.
ومن جهته، أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا تعكف على إعداد مشروع قرار آخر. ووفق مصدر دبلوماسي، فإن هذا النص الأوسع والأطول أجلاً يتضمن تعزيز وقف إطلاق النار المحتمل، وإطلاق سراح الرهائن، ودور السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة في غزة بعد الحرب، وإعادة إطلاق العملية السياسية.(وكالات)