إعلامي سعودي
في سوريا، هذه ليست المرة الأولى، ولا الثانية، ولا العاشرة، التي يُرش فيها أهالي المدن ويخنقون مثل الحشرات بالغازات الكيماوية.
إن لم تكن حياة آلاف السوريين بذات قيمة عند الذين يتفرجون بلا مبالاة فإن العالم كله في خطر من هذه السوابق التي أصبحت عملاً مألوفاً ومقبولاً بالسكوت عنه وعدم محاسبة المجرمين. السكوت عما تفعله الأنظمة الثلاثة في سوريا سيجعل كل مدن المنطقة مفتوحة للقتل بالغازات مع توسع الحروب وبرودة ردود فعل العالم حيالها.
القتل الجماعي ضد المدنيين بدأ منذ أربع سنوات ولا يزال مستمراً. أول ما سمعنا به في حرب سوريا كان في 19 مارس (آذار) عام 2013 في ضواحي حلب، وتلاها هجوم كيماوي آخر في 29 أبريل (نيسان) في سراقب، وتلاها هجوم على الغوطة في 21 أغسطس (آب)، وبعدها بثلاثة أيام رشت بلدة جوبر، وبعدها بيوم هوجمت كيماوياً صحنايا في 25 أغسطس. كل هذه الهجمات المتعددة والمتلاحقة نفذت في العام نفسه ورغم كثرتها لم يحاسب أحد. ورغم تكرر الجرائم والأدلة ظل النظام السوري ينكر أنها كيماوية، كان يقول إنها مجرد مسرحية إعلامية ومبالغات، مما اضطر المعارضة السورية، بالتعاون مع الأمم المتحدة، إلى جلب جثة ماتت بالسارين ونقلها إلى الولايات المتحدة لتحليلها وثبت قطعاً أنه غاز الأعصاب المحرّم.
المشكلة ليست في توفر الأدلة، وهي كثيرة، وليست في المجرمين الأنظمة الثلاثة، بل في المجتمع الدولي ومؤسساته الذي صار يتجاهل وبشكل خطير سلوك المجتمع الدولي الغريب تجاه جرائم عادة يعتبرها هجوماً عليه وخطراً على الجنس البشري. جرأة الأنظمة الثلاثة، السوري والإيراني والروسي، على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا والسكوت عنها، تشجع حكومات وتنظيمات في اللجوء إليها لأنها سلاح رخيص وسهل وفعال ومرعب نفسياً.
لنقارن بينها وبين ردة الفعل على حادثة محاولة اغتيال العميل الروسي في بريطانيا التي ارتكبت فقط نتيجة للاستهانة والاستكانة. فهي لم تكن الأولى، وما سبقها من جرائم تركت بلا محاسبة. فقد مات أحد الروس وهو يركض وطوي ملف التحقيق رغم أن هناك شبهة في أنه قتل بالسم، كان ذلك عام 2012. البوليس أغلق التحقيق. تكررت الجريمة قبل شهر مضى في إحدى الحدائق، عندما وقع عميل روسي مزدوج وابنته من اعتداء غامض استهدف الاثنين، ويعتقد أنه غاز كيماوي للأعصاب. اعتبرته بريطانيا هجوماً خطيراً على أراضيها، وطردت عدداً كبيراً من الدبلوماسيين وأعلنت مقاطعتها بطولة كأس العالم لكرة القدم في روسيا. وما كان للخطوة البريطانية وحدها ثقل كبير، حيث قوبلت بالسخرية في موسكو لولا أن تضامنت معها عشرات الدول في العالم، وفرضت عقوبات على روسيا وطردت عدداً كبيراً من الدبلوماسيين في ردة فعل لم يشهد لها مثيل منذ الحرب الباردة. الآن موسكو تريد الحوار لأنها شعرت بخطر ما حدث ونسب إليها سواء كان فعلاً لها علاقة أم أنها بريئة.
مثل نظام سوريا، فإن إيران دولة لا تبالي بالتضحية بمواطنيها ولا تتردد في القتل الجماعي لمن تعاديهم. مثل إيران لن تتوانى غداً عن اللجوء إلى مخزونها الكيماوي لقتل الآلاف من الناس في كل مكان تحارب فيه، الحروب تزداد ووسائل القتل الجماعي والدمار الشامل لم يعد يعرف حدوداً.
المصدر: الشرق الأوسط