مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
وأنا أقرأ يوميات كاتب التشيك الكبير فرانز كافكا بكل بؤسه وسوداوية حياته وطفولته ، أتساءل ماذا يهم الناس في قراءة المذكرات واليوميات والسير الذاتية والروائية ؟ وأجدني أبتسم وأنا أقرّ بأنه إذا كان الإنسان يقرأ لعدة أسباب فإن أحد أهم الأسباب هو التلصص على تفاصيل الحياة والأشخاص، وليس كمثل هذه الكتب ما يمكن أن يروي نهم التلصص والمتلصصين!
واهتماماً وتأييداً للتلصص سأتحدث هنا عن كتابين منهما، وربما تحدثت عن المزيد لاحقاً!
الأول هو «هوس العبقرية ..الحياة السرية لماري كوري»، ويتناول الكتاب حياة ماري كوري، الإنسانة، المكتشفة، والمرأة الاستثنائية التي تحدت التمييز ضد المرأة في عصرها لتكون أول امرأة تحصل علي الدكتوراه في العلوم من جامعة السوربون، وأول من حصل على جائزة نوبل مرتين في الفيزياء والكيمياء، وأول سيدة في الأكاديمية الفرنسية في العلوم. الكتاب سيرة غنية بالتفاصيل الإنسانية والعلمية، منحتنا فرصة الإطلالة على حياة ماري كوري وإنجازاتها، وعلى مسيرة العلم خلال تلك الفترة الحافلة بالإنجازات التي عايشتها ماري كوري العالمة ورائدة النشاط الإشعاعي.
المصادفة أن سيرة حياة مدام كوري كانت أول كتاب قرأته في حياتي وأنا في الصف الخامس الابتدائي ضمن سلسلة مبسطة حول حياة العظماء .
الكتاب الثاني هو «رسائل ديستويفسكي» للمترجم العراقي خيري الضامن: تكمن أهميته في أن الجميع سيجدون فيه الكثير من المعلومات الغنية والدقيقة عن حياة الروائي الشخصية، والأشخاص الذين كانوا محيطين به، والأفكار التي تبناها، وتلك التي قادته للاعتقال والسجن، وتجريده من منصبه العسكري، كما سيجد متصفحو الرسائل فرصة حقيقية لدخول فضاء رحب من عوالم ذلك المجتمع الذي تحرك وتنقل فيه ديستويفسكي، والاتجاهات الفكرية في القرن التاسع عشر بكل زخم أفكارها ورموزها الكبيرة.
لقد قرأت هذه الرسائل بشغف حقيقي، لا أدعي أنني تمكنت من الانتهاء منها، وهي التي تزيد على الألف صفحة، لكنني قرأت الكثير منها، أنا الشغوفة والمعلقة منذ عقود بعوالم الأدب الروسي ( تولستوي، وتشيكوف، وجوجول، ومكسبم غوركي، وألكسندر سولجنيتسين، وغيرهم .. ). أعظم وأجمل من اخترع معجزة اسمها الرواية، هذا العالم الكبير الذي دخلت إليه قارئة لما أزل طفلة في المرحلة الإعدادية حين وقعت يداي على روايتين لديستويفسكي، «الجريمة والعقاب»، و«الإخوة كرامازوف»، التي قرأتها دون أن أستوعب الكثير مما جاء فيها، لأفاجأ بعد سنوات طويلة أنني في الحقيقة كنت قد قرأت الجزء الثاني من الرواية من دون أن أنتبه!!
المصدر: البيان