كيف تبدأ مشروعا رياديا ناجحا؟

أخبار

تبدأ الحكاية بحلم، بفكرة، بحافز يفجر تلك الرغبة في إطلاق مشروع ناجح. عندما يجد الحلم البيئة المناسبة له، فإن هذا يساعد على أن يتحول إلى حقيقة، وأن يضع الإنسان كل ساعات يومه وطاقته وخبرته في سبيل تحقيق ذلك الحلم. هذا ما يميز “الرياديين” عن الشركات الكبرى التي تملك رأس المال، وتبحث عن المشروع المضمون الذي يحقق الربح الكبير، بناء على خطة عمل واضحة، وبعيدا عن المغامرات بأنواعها.

في القرن الماضي، كان هناك إيمان كبير بالشركات الكبرى ودورها الاقتصادي، وعززت المفاهيم الرأسمالية هذا الإيمان، ولكن في التسعينات الماضية، حصل تحول عالمي، وصار هناك إيمان يتزايد سريعا بدور المبادرات الريادية الاقتصادي، وقد تحدثت عن هذا قبل أسابيع بتفصيل، كما تحدثت الأسبوع الماضي عن التطوير الذي نحتاجه على مختلف المستويات حتى نصل لـ”المجتمع الريادي” الذي يمكنه أن يجعل تحقيق الأحلام سهلا، وبناء المبادرات الريادية سريعا ومكثفا وناجحا.

لكن ماذا عن الأفراد والمشاريع؟ ما هي وصفة النجاح؟ ما الذي ينبغي أن يفعله المستثمرون والرياديون لضمان أن جهودهم الضخمة واستثماراتهم لن تذهب سدى؟

تحدثت بهذا الشأن مع الأستاذ رشيد البلاع، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة المبادرات الوطنية (N2V)، والذي يملك واحدة من أنضج التجارب العربية على الإطلاق في مجال الاستثمار وإدارة المبادرات في مجالات الإعلام الرقمي. سألته كل الأسئلة أعلاه، وكان حوارا شيقا مبنيا على خبرة البلاع العملية، وليس الرؤى النظرية أو الأكاديمية.

سر النجاح الأساسي في إطلاق المشاريع الريادية الناجحة هو الإدارة، أي باختصار القدرة على أن يقود الشخص الشركة للنجاح بسبب معرفته وخبرته الإدارية، وليس فقط بسبب روح الحماس التي يملكها مؤسس الشركة. الإدارة الناجحة معناها الانضباط الكامل في التعامل مع الشركة من حيث التخطيط والإدارة المالية والتنفيذية، وهذا حسب ما يقول رشيد البلاع يشرح سبب فشل الكثيرين، لأن التجربة تقول إن مؤسس الشركة لا يمكنه في كثير من الأحيان إدارتها بشكل ناجح. هناك في الحقيقة أزمة في السوق العربي في إيجاد المديرين المميزين، حتى لو وجدت الرواتب الكافية، هناك نقص حاد في الخبرة الإدارية والتعليم الإداري، الذي يتوافق مع الشعور بالتحدي والطموح لدى المؤسس لنصل في النهاية لتجربة ناجحة. لذلك يقول البلاع إنه دائما يبحث عن ذلك المبادر الذي بنى خبرة إدارية في إحدى الشركات، ثم قرر في الثلاثينات من عمره مثلا أن يؤسس شركته الخاصة مستفيدا من تلك التجربة الطويلة. باختصار: الفكرة الجيدة وحدها لا تكفي.

في رأي البلاع، بناء المجتمع الريادي لا يبدأ بحاضنات الأعمال وإيجاد صناديق تخلق مئات المبادرات دفعة واحدة، بل لا بد أن تأخذ الأمور دورتها الطبيعية التي يمر بها أي سوق، وهذا يبدأ بخلق قصص نجاح، ينتج عنها إقبال على الاستثمار في قطاع معين، مما ينتج عنه توسع السوق وتنظيمه واستيعابه للمزيد من المشاريع والاستثمارات. بناء على ذلك، فالأولوية يجب ألا تكون لكم المبادرات، بل لخلق قصص نجاح تختار بانتقائية عالية، ويتم التركيز عليها حتى تنضج، وبعدها سيساهم ذلك في نضج السوق نفسه ونموه بشكل تلقائي.

لكن البلاع يؤكد على أن دور الوزارات والهيئات الحكومية حيوي جدا في تحقيق هذا النجاح. يقول: كثير من رجال الأعمال الناجحين بدؤوا نجاحهم من خلال الغرف التجارية التي ساعدتهم في بناء شبكة من العلاقات الدولية، واستفادوا من كثير من الدعم الحكومي التثقيفي، والمبادرات تحتاج مثل هذا الدعم الحيوي. هناك نقص كبير كما يقول البلاع في المؤتمرات وورش العمل واللقاءات المتخصصة. يسأل البلاع: ألا تستحق التجارة الإلكترونية مثلا وهو القطاع الأهم اليوم في عالم المبادرات الرقمية، ألا تستحق مؤتمرا دوليا ضخما يتم تمويله حكوميا ويتم فيه تبادل التجارب العالمية والمحلية ومناقشة القضايا والمشكلات؟

مثل هذه الجهود ستساعد على نضج المبادرين وتثقيفهم وستساعدهم على النجاح بالشكل الذي سيطلق القوى الطبيعية في السوق، ولو أضيف إلى ذلك نضج لدى المبادر نفسه من حيث تجربته العملية السابقة في إحدى الشركات المميزة، فإن هذا سيخلق وضعا مثاليا.

أن تبدأ مشروعا ناجحا يتطلب أن تعرف كيف تتم صناعة النجاح، ولأننا نقصد هنا النجاح التجاري والمالي، فإن صناعة النجاح تعني فهم أصول الإدارة والتمويل، وامتلاك خبرة السوق التي تساعدك على تجنب تحدياته والظفر بفرصه الثمينة.

المصدر: الوطن أون لاين