كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
رغم اكتظاظ برنامج زيارة الملك سلمان إلى مصر، باللقاءات والفاعليات والقرارات والاتفاقيات المتنوعة في مختلف الشؤون والاهتمامات السعودية/ المصرية، إلا أن الاهتمام الإعلامي الخاص والشعبي انشغل كثيراً بالجدل الدائر حول الجسر البري الذي سيشيد على البحر الأحمر بين السعودية ومصر، ثم طغى على هذا بالطبع الانشغال باستعادة (أو إعادة) جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية إلى المُلكية السعودية.
أتفهّم تماماً انشغال أي شعب بفقدان مترٍ واحد من أرضه، فكيف بجزيرتين حساستين في موقع استراتيجي بالغ الأهمية، لكن الأمور أصبحت واضحة الآن لمن يبحث عن الحقيقة، أما من يبحث عن التشويش فلن يتوقف مهما سقتَ له من أدلة وبراهين.
هذا الجدل، الذي بلغ درجة من التناحر والتراشق، كاد أن يغيّب الوعي بأبعاد زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر ثم من بعدها مباشرة إلى تركيا، رغم ما لا يخفى من التوتر والقطيعة بين الجمهوريتين.
من هو الزعيم العربي الذي يستطيع الآن أن ينتقل من مطار القاهرة إلى مطار أنقرة أو العكس، من دون ترانزيت ترضية؟!
لا يستطيع أن يتجاوز العثرات والعوائق الديبلوماسية في الطريق بين قوتين عظميين متخاصمتين في المنطقة، إلا زعيم دولة عظمى ثالثة في المنطقة أيضاً. وما أقوله هنا ليس من الإطراء الرخيص، فمن يستطيع أن ينكر أو يتغافل عن الثقل الاستراتيجي للسعودية ومصر وتركيا في هذه المنطقة، ودور الدول الثلاث في ضبط درجة الحرارة السياسية للرجل (المتوتّر): الشرق الأوسط؟!
وسواء حمل ملف الزيارتين الملكيتين مساعيَ للوساطة بين الشقيقتين أم لا، فإن رمزية الزيارتين المتواليتين تعطي دلالة عن الثقل السعودي المتصاعد في المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، رغم التحديات المحلية والإقليمية والدولية المتكالبة على العالمين العربي والإسلامي.
كما أن الزيارتين التاريخيتين والحفاوة البالغة في العاصمتين الكبيرتين تقدم برهاناً على أن السياسة السعودية ترتقي فوق الحسابات الأيديولوجية التي يظن المتورطون فيها أنها هي الشغل الشاغل للجميع. فقبلة المسلمين، وكما كتبتُ مراراً، أكبر كثيراً من أن تنجرّ الى صراعات حزبية مستهلكة للوقت والجهد. هي لن تتوانى في أن تكون طرفاً وسيطاً لتحقيق المصالحة ورفع الظلم، لكنها لن تتورط في أن تكون طرفاً ثالثاً في الصراع.
الجسر التوافقي الذي تصنعه زيارات الملك سلمان بين دول المنطقة هو الجسر المعنوي الكبير الذي ينبغي أن لا ننشغل عنه وعن أبعاده الاستراتيجية بالجسر الحسي الصغير.
المصدر: صحيفة الحياة