كاتبة إماراتية
خلال رحلتنا في الحياة تمر علينا نعم كثيرة لا يدركها أي كان، إذ يتعامل الناس مع وجود بعضها كأمر حتمي وطبيعي، بل إن بعضنا لا يلحظها رغم أن كل ما هو موجود يترتب عليها أساساً وقد تختفي بسبب غياب تلك النعمة بين ليلة وضحاها، كنعمة الأمن. في سلم أولويات الحاجات الإنسانية تأتي الحاجة للأمن في المرتبة الثانية تسبقها الحاجة للبقاء، أي أن حاجتنا لنبقى أحياء تتبعها مباشرة أن تكون حياتنا هذه آمنة. ويعني المفهوم الإنساني للأمن تلك القدرة على العيش في محيط يضمن فيه الفرد سلامته الجسدية من العنف والاعتداء، وسلامة ممتلكاته من السرقة والتخريب، وأمن محيطه بما يضمن أمنه النفسي.
المثير فعلاً أنه في سلم الاحتياجات الإنسانية -خصوصاً الذي وضعه «ماسلو» ويعتمد على التراتبية في بناء الحاجات- كل الحاجات تعتمد على توافر عنصر الأمن والأمان، سواء الحاجات السابقة لها أو اللاحقة، على سبيل المثال من أول الحاجات الفسيولوجية التي توفر عنصر البقاء للإنسان هي الحاجة للغذاء، ولكن كيف للإنسان أن يوفر طعامه لنفسه إذا لم يكن آمناً في رحلة بحثه عنه.. وهكذا. فما بالك بالحاجات اللاحقة كالحاجات الاجتماعية والتواصل وحاجات التقدير وحاجات تحقيق الذات، التي يبدو الحديث عنها نوعاً من العبث في حالة عدم توافر الأمن الذي لا يمكن أن يوجد بالصدفة أو بالعادة، بل يحتاج إلى نوايا وقدرات خاصة لإيجاده، وإلى جهود وسهر رجال لتحقيقه.
كثيرون يتوقفون عند هذا الأمر باعتباره تحصيل حاصل، رغم كون ما يترتب عليه هو ما يمكن اعتباره حصيلة طبيعية لوجوده. ففي الحياة هناك مكتسبات لا يعرف قيمتها إلا بفقدها كالأمن، ولأننا نعيش في وقت أصبح فيه فقد هذه القيمة سهلاً بين ليلة وضحايا، يجب علينا أن نكون مقدرين حقاً لقدرتنا على المضي في يومنا آمنين على أجسادنا وممتلكاتنا، وما يعنيه ذلك من أمان نفسي يجعلنا نصل لسلم احتياجاتنا الإنسانية.
المصدر: الاتحاد