عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
في العام 1987، كان رمزي ابورضوان المولود في مخيم الأمعري للاجئين قرب بيت لحم ، طفلا في الثامنة من عمره خلدته صورة شهيرة وهو يحمل حجرا بيده في مواجهة جنود اسرائيليين. اما اليوم فهو عازف كمان وموسيقى شهير يقيم ما بين الضفة الغربية وفرنسا.
وفي 18 اكتوبر، اخترقت رصاصة قناص اسرائيلي صدر الشابة داليا نصار التي كانت الفتاة الوحيدة في تظاهرة للشبان الفلسطينيين قرب مستعمرة “بيت إيل” القريبة من مدينة رام الله. اخترقت الرصاصة صدر داليا واخطأت قلبها بفارق ملليمتر واحد فقط واستقرت قرب عمودها الفقري، لكنها نجت من الموت بأعجوبة. والدها المتحدر من مدينة نابلس فقد قضى بدوره 13 عاما في السجون الاسرائيلية فيما دخلت والدتها المقدسية الأصل اضرابا عن الطعام في غرف التحقيق الاسرائيلية أيضا. ولاولئك الذين لا يرون في انتفاضات الفلسطينيين سوى تحريض ديني، نذكر أن داليا شابة مسيحية وناشطة يسارية.
بين رمزي ابورضوان الطفل عام 1987 والشابة داليا نصار في 2015 انتفاضتان وأربعة حروب اسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقاسم المشترك هنا بين جيل الأبناء وجيل آبائهم هو مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. هذه ليست قصة جديدة، بل انها الرواية الفلسطينية الوحيدة منذ بدايات القرن الماضي عندما اعطت حكومة الاحتلال البريطاني ما لا تملك لمن لا يستحق، اي بالضبط منذ 98 عاماً.
لهذا فان لكل جيل فلسطيني ثورته التي يسمها بخصائص وسمات زمنه. يدخل الآباء السجون وقد يخرجون منها وقد لا يخرجون ويأتي الأبناء ليسيروا ضمن المصير نفسه ودائما بمواجهة العدو نفسه: الإحتلال الاسرائيلي.
حتى يوم أمس، بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين منذ اوائل شهر اكتوبر 52 شهيدا من بينهم 10 اطفال اصغرهم رضيع عمره 16 شهرا قتل مع والدته في غارة جوية اسرائيلية على قطاع غزة. ومع هذا، يأتي السيد وزير الخارجية الاميركي جون كيري يوم السبت الماضي وبعد ان اكد على “اهمية تفادي العنف”، يأتي ليطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس “منع الخطب الحماسية والتحريضية الملتهبة التي لا تفعل سوى زيادة التوتر”. ترجمة هذا الكلام الدبلوماسي اللطيف: “على الفلسطينيين ان لا يثوروا”.
لقد ظل التلاعب بالكلمات والمعاني حقيقة ملازمة لكل الصراعات في العالم، منذ الحقبة الاستعمارية على الأقل. فالقوى الاستعمارية التي حكمت بلدانا اخرى بالجيوش والحديد والنار كانت تصف كل مقاومة لاحتلالها بأنه “ارهاب”. لكن في الصراع العربي – الاسرائيلي، تكتسب الكلمات سحراً أخاذاً. فاذا كان الخلاف على ترجمة قرار الامم المتحدة رقم (242) ما بين “الاراضي التي احتلت” و”أراض احتلت” قد غدا قصة معروفة شغلتنا لعقود، جاءت محطة “بي بي سي” في العام 2000 وبعد قليل من مقتل الطفل محمد الدرة بخمس واربعين رصاصة اخترقت جسده الصغير وعممت على مراسليها في الاراضي الفلسطينية المحتلة بضرورة استخدام عبارة “في تبادل لاطلاق النار” بدلا “برصاص الجيش الاسرائيلي” في الاشارة للحادث واي حادث مماثل مراعاة على ما يبدو لمشاعر الجنود الاسرائيليين المعتادين على توزيع الحلويات على الاطفال الفلسطينيين.
هذا الهوس غير الطبيعي بالتلاعب بالكلمات لدى الاسرائيليين والغربيين أخذ ينمو تباعاً خصوصا بعد توقيع اتفاق اوسلو عام 1993. والآن بعد مرور 22 عاماً على ذلك الاتفاق، فإن النتيجة هي ان هذا الهوس تزايد بشكل كبير مع ميل بات متأصلاً لتفادي التاريخ بانتقائية شديدة أو تشويهه.
فالمسؤولين الاميركيين والغربيين عندما يتعاملون مع انتفاضات الفلسطينيين المتكررة ضد الاحتلال الاسرائيلي، يتحدثون بلغة تصور هذه الانتفاضات وكأنها أحداث طارئة ومستجدة اندلعت نتيجة لاسباب عرضية من حياة يومية عادية متحاشين تماما الاشارة الى كل اشكال القمع والاذلال التي يتعرض لها الفلسطينيون على يد الاسرائيليين، بل ويتحاشون الاشارة الى الاحتلال الاسرائيلي باعتباره السبب والحقيقة الوحيدة التي تدفع الفلسطينيين للثورة. يتحاشون تماما الاشارة الى ان الضفة الغربية والقدس الشرقية اراض محتلة ويتفادون بالطبع الاشارة الى 22 اتفاقاً لم تحترمها اسرائيل أبداً. أبعد من هذا، يتفادون اي اشارة الى مسؤولية الاحتلال الاسرائيلي ويساوون بين الاحتلال والشعب الخاضع للاحتلال.
وفي تعليقه على الانتفاضة الحالية، قدم رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو عرضاً في التلاعب بالكلمات عندما قال ان “توقف مفاوضات السلام والنشاط الاستيطاني ليسا السبب فيما يجري، بل عدم قبول الفلسطينيين لدولة اسرائيل”. بل واتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بانه “قد انضم لداعش”، واستجلب لنفسه سخرية الاسرائيليين انفسهم عندما دفعته الهستيريا الى تبرئة أدولف هتلر من مسؤولية المحرقة ملقيا باللائمة فيها على المفتي الحاج امين الحسيني الذي التقى هتلر لدقائق معدودة في 1941.
لكن عروض الهستييريا الاسرائيلية لم تتوقف عند هذا هذا الحد بل استمرت في الامم المتحدة ايضا عندما عرض سفير اسرائيل داني دانون ما أسماه ورقة تشريح للجسم البشري تظهر افضل الأماكن للطعن. وزعم دانون ان هذه الورقة يتم تدريسها للأطفال الفلسطينيين في المدارس بدلا من الرياضيات والعلوم، لقد كانت الورقة المصممة بدقة وجودة عالية مكتوبة بالانجليزية وعلى ما يبدو فإن دانون نسي ان يبلغ المندوبين في الامم المتحدة ان الانجليزية ليست هي اللغة الرسمية في المدارس الفلسطينية بل العربية، الاهم انه اذا كان هناك من يريد تعليم الاطفال كيف يطعنون بشكل قاتل، فمن الافضل ان يعلمهم ذلك بلغتهم التي يفهمونها جيدا عوضا عن لغة اجنبية. ان اللغة الانجليزية في كذبة كهذه أمر مقصود لكي يقرأ المستهدفين بالكذبة الورقة بلغة شائعة في العالم وليس عرض وثيقة اصلية إن وجدت أصلاً.
ولكي يعرف المرء خلفيات صاحب هذا العرض المسلي، يمكننا الرجوع الى عدد صحيفة “ذي جارديان” في الاول من اكتوبر حيث نشرت تقريرا مطولا عن داني دانون بعنوان “سفير اسرائيل الجديد في الامم المتحدة شوكة اليمين في صف نتنياهو “، اشارت فيه الى ان الوزير السابق في حكومة نتنياهو يملك اصدقاء في مستويات عالية في دهاليز الكونغرس الاميركي من بينهم مرشح الرئاسة الجمهوري المحافظ مايك هاكابي والمذيع اليميني الشهير غلين بيك. كما انه يعد المفضل لدى المسيحيين الانجيليين خصوصا بعد ان نشر كتابه “الارادة لانتصار الدين في الجدل ضد الدولة الفلسطينية واسرائيل للاحتفاظ بالسيطرة على معظم الأراضي المحتلة”. وتشير الصحيفة الى انه كان يتهم نتنياهو داخل حزب الليكود بانه ليس يمينيا بما فيه الكفاية ويدعو الى فرض نوع من اشكال الحكم العنصري على الفلسطينيين. قد تكفي عبارة واحدة لمعرفة نوع هذا الرجل الذي قال في العام 2013 ان “علينا أن نفعل ما هو جيد لإسرائيل وليس التفكير في ما يبدو جيدا في واشنطن” كما قال لصحيفة “ذي تايمز” حسب الجارديان ان “المجتمع الدولي يمكن ان يقول ما يريد ويمكننا أن نفعل ما نريد”.
على مدى سنوات، كانت اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية تحذر نتنياهو من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة لكنه وسائر اعضاء حكومة المستوطنين التي يقودها لم يكترثوا كالعادة. لكن التكهن بانتفاضة جديدة ليس علامة على ذكاء استثنائي لدى اجهزة الأمن الاسرائيلية التي تدرك تماماً نتائج سياسات الاذلال والقمع ضد الفلسطينيين وتحويل حياتهم الى جحيم لا نهاية له.
لكن الانتفاضة الراهنة شلت أجهزة الامن الاسرائيلية لأنها سلبت هذه الاجهزة قدرتها على التصرف والتحكم والعنصر الاخطر في هذا هو انها انتفاضة جيل فلسطيني شاب تعيد التأكيد مجدداً على عجز اسرائيل عن اخضاع الفسطينيين. لهذا فان الهستيريا الاسرائيلية تبدو مضخمة ودفعت الهوس بالتلاعب بالكلمات الى مستوى جديد باعث على السخرية.
تعكس هذه الهستيريا المأزق العميق الذي يعيشه الاسرائيليون، مأزق عبر عنه بتشخيص دقيق ستة من الرؤساء السابقين لجهاز الامن الداخلي الاسرائيلي “الشاباك” الذين ظهروا في الفيلم الوثائقي الاسرائيلي المعنون “الحراس” الذي عرض عام 2012. مع دعوتهم لضرورة صنع السلام مع الفلسطينيين، يقر هؤلاء الستة في الفيلم بأن “اسرائيل هزمت سياسياً واخلاقياً”، فيما يذهب احدهم (ابراهام شالوم) لوصف المأزق بدقة شديدة: “قلوبنا اصبحت قاسية وتحولنا الى وحوش ضارية تجاه الفلسطينيين بحجة مكافحة الإرهاب”.
مترجما عن “غلف نيوز”