إعلامي سعودي
المعضلة هي في التفريق بين الخراف والذئاب، هذا ما يحاول الرئيس إيمانويل ماكرون أن يفعله، المواطنون المسلمون في فرنسا ليسوا المشكلة إنما المتطرفون. والأمر ينطبق على عموم الفرنسيين. هناك جماعات عنصرية معادية وهناك جماعات إسلامية متطرفة، أما الغالبية من الناس فليست محل الشك والملاحقة.
زار ماكرون أحد المساجد، وخاطب الجالية المسلمة، وقال – ما لم يعجب البعض – إنه لن يسمح بوجود حركات انفصالية، هذه جمهورية واحدة وعلى الجميع أن يتعايشوا فيها، ويقبلوا بالاحتكام إلى قوانينها. استنكر الرئيس على من يرفضون مصافحة النساء، ومن يمتنعون عن التطبيب الحديث، أو الدراسة في مدارس الحكومة، فهذا انفصال ثقافي. الحقيقة أن بعض الممارسات خيارات شخصية، فلا تستطيع الدولة أن تجبر أي رجل على مصافحة النساء، لكن من حقها ملاحقة ذوي التلاميذ عندما يُقصرون تعليم أبنائهم على التدريس في المسجد أو البقاء في بيوتهم. هذا الانفصال الثقافي تتدخل فيه السلطات بقوة القانون وتعاقب عليه الوالدين.
ماكرون، مثل العديد من السياسيين الأوروبيين، مع احترام الأديان والتعبد، فهي حقوق محفوظة في الدستور، لكن ماكرون يشتكِي من أن هناك جماعات تحاول خطف الجالية المسلمة الكبيرة إلى أهدافها السياسية. فقد أصاب بعض مسلمي فرنسا ما أصاب المجتمعات المسلمة في دولها الأصلية، من حالة تطرف فكري وغلو ديني. إنها ليست مجرد أفكار متشددة تنتقل مع المسافرين، وعبر السفر والاختلاط، بل إن معظمها نشاطات منظمة توجهها جماعات ذات أهداف سياسية.
ماكرون حذر تركيا، واتهمها بأنها مصدر التمويل والدعم والتنظيم، وهذا جزء من القصة. بالفعل إسطنبول اليوم هي عاصمة التطرف في العالم، والمقر الرسمي للجماعات الإسلامية الهاربة من مصر والخليج والسودان وسوريا وغيرها. لكن المشكلة ليست في تركيا بل في أوروبا. فقد سمحت لهذه الجماعات بالوجود وتملك كيانات قانونية واقتصادية وسياسية، حتى عندما بات واضحاً أنها على ارتباط بجماعات خطيرة في منطقة الشرق الأوسط، وتعمل وفق أجندة سياسية معادية للنظام الذي يؤويها.
مفهوم الحرية الغربية الذي تدثرت به هذه الجماعات يناقض صلب فكرها. وكما قال أحد المؤسسين في لندن علانية، الغرب لي مثل المرحاض أقضي حاجتي فيه. تأسست هذه الجماعات بسهولة مستفيدة من نظام الحرية في دول مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا. وصارت مصدر توتر وخطراً أمنياً على أوروبا التي أصبحت أمام إشكالية عويصة؛ كيف لها أن تحظر التعبير وهي التي تقدس الحرية؟
المشكلة الثانية أن في أوروبا جماعات أخرى لا تقل خطورة على المجتمع، يمينية فاشية ونازية ويسارية متطرفة، كيف ستمنع المنظمات الإسلامية التي تعلمت قواعد اللعبة القانونية والسياسية، ويستمتع منتسبوها بحقوق الجنسية المكتسبة؟
الذي يجعل هذه الجماعات المتطرفة المنتسبة للإسلام أكثر خطورة من منظمات فاشية أخرى أنها ضد المجتمع كله، وتستهدف المسلمين بالتغيير واستخدامه وجعله شبه معزول تحت رحمتها. ولأنها ترتبط بمصادر مالية كبيرة في الخارج، وتدار أيضاً من جهات أجنبية! فهل يمكن اعتبارها جماعة عميلة أم أنها فقط جماعة منشقة على مجتمعها الجديد؟
بعد سبات طويل، بدأت أوروبا تتحرك ببطء شديد سواء بسبب الضغوط الانتخابية أو نتيجة المعلومات الصادمة، مثل التي نشرتها الصحافة الفرنسية عن الأشخاص والأموال التي وراء هذه الجماعات. إن حظر هذه الجماعات ينقذ المسلمين في الغرب وينقذ الغرب من نفسه.
المصدر: الشرق الأوسط