حينما تراجع دائرة حكومية وتجد أن إجراءات المراجعة لا تستغرق سوى دقائق أو – في أسوأ الأحوال- ساعات قصيرة، فأنت لن تفكر أصلاً في البحث عن واسطة تسهل لك معاملتك. وحينما تعرف أن النظام يسري عليك مثلما يسري على الآخرين فأنت لن تفكر في البحث عمن يحميك من تعقيدات المراجعة.
تنتشر “الواسطة” عندما يختل النظام وحينما يستهتر الموظف بأوقات الناس ومشاغلها لأنه “من أمن العقوبة أساء الأدب”. والمؤسسات التي تسعى لتنمية أفرادها لابد أن تشدد الرقابة على الأداء وتتيح برامج نوعية للتدريب والتطوير. ثمة فرق بين إدارة لا تذهب لها إلا وأنت “مسلح” بالواسطة وأخرى لا تحتاج أن تجري أي اتصال قبل الوصول إليها.
حينما تذهب لإدارة حكومية تعرف أن موظفيها ملتزمون بأوقات الدوام ويبحثون عن أفضل الطرق لإنجاز معاملات الناس، وفقاً للنظام والعدالة المتاحة للجميع، فأنت لا تحتاج لشفيع أو صديق “يفزع” عند المدير.
مشكلة أن نبحث عن واسطة في كل صغيرة وكبيرة. ثم تصبح “الواسطة” ثقافة سائدة في المجتمع. فمن توسط لك اليوم لإنجاز معاملة قد يطرق بابك غداً لمساعدته بواسطة تنجز له معاملة. والأهم أن نرسخ ثقافة الالتزام الوظيفي وحب خدمة الناس لدى موظفينا خصوصاً في الإدارات الخدمية. كم مرة رأيت مسناً يدعو لموظف شاب بالتوفيق لأنه أعانه على إنجاز معاملته. وفي ثقافتنا ما يحثنا على خدمة الناس وتيسير أمورها قدر المستطاع.
مشكلة تنموية أن نهدر أوقاتنا في مراجعات الدوائر الحكومية ومتابعة معاملات ما كان لها أن تستغرق الوقت الطويل لو أسسنا لثقافة الالتزام والإخلاص في العمل. ثم حرصنا على تدريب وتأهيل موظفي القطاعات الخدمية لاستثمار جديد التكنولوجيا في سرعة إنجاز المعاملات. وعندها قد تصبح فكرة البحث عن واسطة عند المراجعة فكرة لا تخطر على البال إلا في الحالات النادرة.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٧٤) صفحة (٢٨) بتاريخ (٠٣-٠٩-٢٠١٢)