مشاهد رفاهية سعودية ترحل مع المخالفين.. ومعادلة «طوابير الانتظار» تنقلب

أخبار

بعد أربعة أيام على بداية حملة التفتيش للعمالة المخالفة، تبدلت معادلة طوابير الانتظار في العاصمة السعودية الرياض. فبعدما كان السكان يمضون الوقت الأطول في طوابير الحركة المرورية المزدحمة دائماً، دخلت طوابير انتظار القهوة الصباحية وغسيل السيارات وتوصيل الوجبات على الخط وتضاعفت لحظات الانتظار فيها أمس، فيما بدت الشوارع الرئيسة سالكة في ساعات الذروة على غير العادة.

في الصباح وأمام «كشك» لبيع القهوة للسيارات اضطر وليد آل علي إلى التأخر عن دوامه الصباحي والانتظار دقائق مضاعفة قبل أن يشتري قهوته الصباحية، وحين سأل عن السبب أجابه الشاب السعودي الذي يقف خلف الكاشير بأن عدد العمال بات أقل بسبب الحملة. وفي المساء أيضاً تتضاعف لحظات انتظار وصول الوجبات السريعة كما لم تعد مقاهي الشيشة مكاناً مناسباً للحصول على خدمة مرفهة كما في السابق بسبب التأخر في إنجاز طلبات الزبائن.

لكن سير العمل في كشك القهوة ومقهى الشيشة كان أحسن حالاً من محال كثيرة أغلقت أبوابها أمس بسبب تعذر تأمين عمال نظاميين، كما هي الحال مع عدد من البقالات والمغاسل ومحال البنشر التي رصدتها «الحياة» جنوب وشرق وشمال الرياض.
ولم تعد عروض الغسيل اليومي للسيارة في الحارة والسوق ومكان العمل متاحة كما هي الحال قبل 48 ساعة، إذ تبخرت العمالة وتبخرت معها عروض غسيل السيارات. فيما عرض عامل يمني السوبر ماركت الذي يديره شمال الرياض إلى التقبيل وإلغاء خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل، لأن كامل فريق عمله السوبر ماركت من أقاربه الذين لا يحملون إقامات نظامية أو ليسوا على كفالة صاحب البقالة، على حد وصفه.

وفي المدارس تعالت أصوات مديرات مدارس للمطالبة بحلول تعوض غياب عمال النظافة اليومية عن المدارس، فيما اشتكى معلمون وطلاب لـ«الحياة» من تحولهم إلى عمال نظافة فضلاً عن إعداد القهوة والشاي والتأكد من نظافة دورات المياه. أما غسيل السيارة وإن تضايق البعض من ساعات الانتظار الطويلة ومن غياب كثير من الخدمات الترفيهية التي طالما سلم من يعيش في السعودية جدلاً بوجودها، فإن ملامح إيجابية أفرزتها بداية حملة التفتيش وتتعلق بالحركة المرورية التي تؤرق سائقي السيارات في المدن الكبرى، ففي الشوارع الرئيسة بدت الحركة المرورية سالكة أمس حتى في ساعات الذروة، لذا فإن 30 دقيقة كانت كافية للشاب بدر الراجحي للوفاء بموعده والوصول إلى شارع البطحاء جنوب الرياض في وقت مبكر، على رغم أنه انطلق من شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) في الشمال، مقارنة بنحو ساعة كاملة يتطلبها مثل هذا المشوار في الأيام العادية بسبب الزحام المروري الكبير في الطرق الرابطة بين جنوب العاصمة السعودية وشمالها.

شبح انخفاض مستوى الخدمات «يلوح»… ونساء مهددات بـ«بطالة إجبارية»

انتهت المهلة وبدأت الحملة، تم الضبط وهرب آلاف العمالة أو اختفوا، أغلقت محال تجارية كثيرة أبوابها.. ملامح عاصفة اقتصادية خدمية بدأت تهب على السوق السعودية وتهدد بهبوط في مستوى الخدمات وتضخم في أسعار الأيدي العاملة في ظل عدم استعداد السوق السعودية لإيجاد بديل للانسحاب الكبير حتى الآن، وعدم تجهيز بنية كوادر وطنية تنوب عن أصحاب المهن المغادرين من السعودية.

بدأ الشاب أحمد رحلة يومه بعد انتهاء ساعات عمله، ونام من دون تناول وجبة غداء حتى مساء اليوم الثاني من حملة الضبط، وباتت المحال التي يقصدها كل مساء مغلقة في وجهه، وفقد أيضاً الشيف الذي كان يتناول وجبة العشاء لديه كل يوم في أحد المطاعم بمدينة جدة.

انتهت الأزمة لدى أحمد وأكل ما تيسر له من طعام لكنه تفاجأ في المقهى بأن الخدمة أصبحت ذاتية، فهو من قام بتعبئة رأس الشيشة والمباشرة على نفسه، ليكون هذا حال معظم نظرائه من رواد المطاعم والمقاهي بعد فرار عدد ليس بالقليل من العمالة وإخراج آخرين بطرق نظامية.

عبير شابة سعودية طموحة استقالت من عملها بسبب عدم تمكنها من إيجاد بديل لسائقها الذي اعتادت أن يوصلها إلى عملها، والذي كان يتقاضى 400 ريال، في حين كانت تتقاضى هي راتباً قدره 4500 ريال من الشركة الخاصة التي تعمل بها.

الآن بات عليها أن تدفع تكاليف الاستقدام البالغة 12 ألف ريال تقريباً، إضافة إلى تأمين سكن لسائق وراتب شهري لا يقل عن 1200 ريال وشراء مركبة خاصة لا تقل قيمتها عن 50 ألف ريال، هنا قررت عبير البقاء في منزل أسرتها والاكتفاء بمصروفها الشهري الذي لا يتجاوز 500 ريال.

وأوضحت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية في آخر نشرة مسح للقوى العاملة في الدورة الأولى من العام 1434هـ، أن عدد العاطلين من العمل السعوديين وصل إلى 629 ألف فرد، يمثل الذكور منهم 265 ألفاً والإناث 363 ألفاً.

والنسبة الأعلى منهم حاملو مؤهلات علمية لا تتناسب مع سوق العمل من حيث جاهزيتها لممارسة الأعمال الأولية كالطبخ والنظافة ومهنة سائق وعامل مغسلة ونحوها من مهن خدمية أو حرفية.

فيما لم تجد بعض المنشآت حلاً سوى الإغلاق، وبدا على حظائر مواشٍ في مدينة الدمام وقف النشاط وأصبحت مهجورة، وقام أصحابها بنقل الماشية إلى أماكن نائية في الصحراء أو إلى حظائر باعة آخرين، على أمل «تجاوز هذه الأزمة والعودة إلى السوق من جديد».

كما اضطر أصحاب حظائر مواشٍ أخرى بعد الاستغناء عن عمالهم المخالفين حرصاً منهم على عدم تجاوز النظام إلى وضع لافتات يدونون فيها رقم الهاتف الخاص، ليكون وسيلة اتصال مع الزبون ويكون التفاهم معه هاتفياً، وتستكمل عملية البيع واستلام النقود من طريق أحد العمال الذين يمارسون الرعي في الحظائر المجاورة.

وفي الجانب نفسه، تقلص عدد العمالة التي كانت تتمركز على امتداد شارع مكة الواقع بمدينة الخبر في شكل ملاحظ، وهو يحوي عدداً كبيراً من محال زينة السيارات التي بدأت في العمل من طريق نظام الحجز.

واتخذ زبائن تلك المحال أقصر السبل وأسهلها في تظليل سياراتهم الذي يستغرق في الغالب نحو نصف ساعة أو أكثر، إذ لوحظ أصحاب مركبات يترددون بين الحين والآخر حتى ينتهي بهم الأمر إلى أخذ رقم هاتف العامل الذي يعاود الاتصال بهم بعد الانتهاء من المركبة التي يعمل عليها ليبدأ في تظليل التي بعدها إلا أنه وصل سعر تظليل السيارة إلى 150 ريالاً.

إلى ذلك، قادت الحملة التفتيشية إلى اختفاء العمالة التي تمارس ذبح المواشي في مسلخ أهالي مدينة الخبر، فيما كان عدد المتبقين حتى أمس لا يتجاوز الخمسة من جنسيات متعددة منهم 3 يمنيين، علماً أنه يتسع لأكثر من 25 عاملاً بالتجهيزات كافة ومئات الذبائح يومياً، ما جعل الزبائن يغادرون بعد غياب العمال الذين تعودوا على الذبح لديهم، ثم العودة إلى استلام الذبائح جاهزة بعد مدة قصيرة، مرجعين ذلك إلى الثقة والمعرفة من خلال التعامل الطويل الذي يقودهم أحياناً إلى الاتصال بهم، وتوصيتهم في اختيار ذبائح بأنفسهم، واستشارتهم في أفضل الأنواع الموجودة في السوق بغرض شرائها.

المصدر: صحيفة الحياة