كاتب وصحفي سعودي
في الوقت الذي كان يستقبل الرئيس محمد مرسي وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، كان مساعد الرئيس المصري عماد عبدالغفور يفتتح في «قلب القاهرة»، وعلى بعد أمتار من تلك المحادثات، مؤتمراً لنصرة «الشعب العربي الأحوازي»، يعد الأول من نوعه لجهة انعقاده في البلاد العربية.
تزامن الزيارة الرسمية الإيرانية مع انعقاد المؤتمر لم يمنع السياسة المصرية الجديدة من عقده، على رغم ما تشهده العلاقات المصرية – الإيرانية من نمو وتقارب، بل حضر مساعد الرئيس المصري لافتتاحه في خطوة لافتة، واستمر لمدة يومين، وناقش مختلف جوانب القضية الأحوازية، وشدد في بيانه الختامي على ضرورة التنبه للخطر الإيراني ونزعاته التوسعية والطائفية والشعوبية، داعياً الدول العربية إلى تبني القضية الأحوازية، ودعم الأحوازيين لاستعادة حقوقهم المغتصبة من إيران، منذ سيطرتها على الإقليم على يدي رضا شاه العام 1925.
زيارة الوزير الإيراني للقاهرة ليست الأولى، بل الثالثة منذ سقوط نظام حسني مبارك في 2011، إلا أنها هذه المرة اكتسبت أهمية سياسية بعد تسرب معلومات (غير مؤكدة) تتحدث عن زيارة سبقتها لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني لمصر، ولقائه أحد مستشاري الرئيس المصري الذي يحتل مركزاً قيادياً في جماعة «الإخوان المسلمين»، من أجل الإسهام في نقل التجارب الإيرانية في المجالين الأمني والعسكري للجانب المصري.
لا شك في أن هذه «التسريبات» في بداية التقارب بين البلدين تقلق دول الخليج العربية، ما يستدعي منها التحري عن صحة ذلك اللقاء المزعوم، والتأكد من مدى الالتزام المصري بأن «أمن الخليج من أمن مصر»، أو أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي فيما «تخطو السياسة خطواتها»!
أيضاً، المصادر تحدثت عن رغبة إيرانية في شأن تطوير العلاقات مع مصر، وهذا حق للبلدين، ولا يمكن لدول كالخليجية تقيم علاقات ديبلوماسية مع طهران، وبينها اتفاقات تجارية واقتصادية وأمنية، أن تحاسب مصر على خطوة سيادية مثل هذه، أو اعتبارها ترتكب خطأ استراتيجياً. إنما الخطورة في علاقة مثل هذه، بحسب رأيي، تكمن في ما ورد على لسان بعض المصادر المصرية التي قللت من أهمية الاختلاف في وجهات النظر بين القاهرة وطهران في شأن الأزمة السورية التي تؤرق كل الشارع العربي، وإشارتها إلى أن الحكومة المصرية «أصبحت مقتنعة بالخيار السياسي الذي تلتزم به الحكومة الإيرانية»، وهذا مغاير للسياسة الخليجية المعلنة من نصرة الشعب السوري، كما أن هناك من يعتقد بأن الخلاف المصري – الإماراتي في شأن «خلية الإخوان الإماراتية» ربما أسهم في دعم العلاقات الإيرانية – المصرية.
في المقابل، يجب تشجيع خطوة مصر بعقدها مؤتمراً لنصرة الأحواز، وعدم التقليل من خطوة استباقية مثل هذه تبرز رغبتها في استعادة قوتها ومكانتها في المنطقة، خصوصاً أن ما ورد في البيان الختامي للمؤتمر الذي تلاه صباح الموسوي، بحسبما نشرت صحيفة «اليوم السابع»، أن المجتمعين أكدوا أنه آن الأوان لكي تتصدر قضية الأحواز أجندات المنظمات العربية والعالمية. لذلك، هناك من يرى أن الخطوة المصرية «موقتة» وبمثابة «مقايضة» لإيران بقضية محلية قبل استئناف العلاقات بشكل كامل، لسبب بسيط أن مصر أيضاً متخمة بالأحزاب والتيارات التي تنازع «الإخوان» السلطة، وحتى وإن أظهرت الحكومة المصرية أنها غير راعية للمؤتمر فهي في الوقت نفسه موافقة عليه وداعمة له.
اللافت في المؤتمر، قوة اللغة ضد إيران، وشراسة البيان الختامي، وإصرار القوى الإسلامية المشاركة على عقد المؤتمر مرة في كل عام لنصرة الشعب الأحوازي العربي، مع التوافق على إنشاء أمانة عامة تقوم على متابعة وتنفيذ توصياته والترتيب لعقد مؤتمرات مقبلة، وهو ما يعني أن الحكومة المصرية تريد جلب القضية الأحوازية إلى واجهة العلاقات العربية – الإيرانية وفي قلب المفاوضات بين البلدين.
لا شك في أن إيران تعيش في المرحلة الراهنة «حالة مرتبكة»، جراء التضييق الدولي عليها من جهة والخناق الشعبي على حلفائها في سورية والعراق ولبنان («حزب الله») من جهة أخرى، ما يجعلها تسارع في إيجاد مخارج وتحالفات جديدة لها في المنطقة، عبر التقارب مع مصر ومع تونس أيضاً بعد دعوتها وفداً تونسياً يتكون من 14 أستاذاً جامعياً قاموا أخيراً بزيارة جامعة الإمام جعفر الصادق التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني في طهران.
في مقالات سابقة، طالبت دول الخليج خصوصاً والدول العربية عموماً بضرورة تبني قضية الأحواز، إذ إنها في الأساس إمارة عربية، وعدد سكانها كبير من الشيعة والسنة العرب، ويمارس على الشيعة من القمع والاستبداد مثلما يمارس ضد السنة، إلا أن هؤلاء العرب الأقحاح لم يخضعوا يوماً للحكومات الإيرانية المتعاقبة، ومتى ما وجد الأحوازيون دعماً ومساندة خليجية وعربية تقوم على خطة عمل ومشروع سياسي واضح، فإنهم قادرون على استعادة حقوقهم والتأثير في سياسات إيران الخارجية، بل وستشرب طهران من الكأس التي تحاول أن تسقيها لدول خليجية وعربية عبر التدخل في شؤونها الداخلية والتوسّع على حسابها.
المصدر: صحيفة الحياة