قد يكون مجرد التصريح بعبارة “مكتبات خالية من الكتب” يكفي لاذكاء مشاعر الغضب لدى محبي القراءة، فالمصطلح الصادم ظهر في ثمانينيات القرن الماضي من خلال تقارير بشرت بفكرة وجود “مكتبات بلا أوراق”، وكل من يتذكر هذا الشعار ربما سيكون أكثر تقبلا لهذه الفكرة الحديثة عند طرحها.
وربما يعيد هؤلاء النظر في الفكرة مع اقتراب افتتاح أول مكتبة عامة تخلو من الكتب الورقية في صيف العام الجاري في مقاطعة بيكسار بولاية تكساس الأمريكية.
وتعد المكتبة “بيبليوتك” مشروعا منخفض التكلفة ينطوي على طموحات كبيرة، اذ سيجري افتتاح فرعها الأول في منطقة فقيرة نسبيا.
وسوف تضم المكتبة مائة قارئ اليكتروني للاستعارة فضلا عن عشرات الشاشات التي يمكن للجمهور من خلالها تصفح الكتب، غير أن المستخدم الأكثر انتفاعا بمحتوى المكتبة المبدئي المتمثل في 10 الاف عنوان رقمي سيكون على الأرجح المستخدم الذي يرتاد المكتبة من منزله.
وستكون المكتبة بلا أدنى شك خالية من الكتب الورقية على الرغم من أن هذا التعبير لا يستسيغه الكثيرون أمثال لورا كول، منسقة مشروع بيبليو تك، اذ تفضل وصف المشروع بأنه “مكتبة رقمية”، حيث ستتوافر بها الكتب لكن في شكلها الرقمي.
“ليست مجرد مكتبة”
وقالت كول “بالنسبة لنا يمثل ذلك حلا لمشكلة متنامية فإنه يتحتم علينا النظر إلى سبل تقديم خدمات للمناطق الفقيرة.”
وقالت “على الرغم من أن مدينة سان انطونيو بتكساس أبلت بلاء حسنا من حيث توافر المكتبات العامة، فذلك يفيد في سهولة الانتفاع بالمشروع عن طريق المواطنين الذين يعيشون بها.”
ولن تتأثر المكتبات العامة الغنية بالكتب في سان انطونيو بالمشروع.
وعلى النقيض من ذلك تأتي مقاطعة بيكسار خالية من تقديم خدمات المكتبات العامة، وتقول كول “اعتقد اننا نتمتع بميزة هناك، فهم لم يسبق لهم قط الانتفاع بالمكتبات لدرجة أنه لا توجد حتى مكتبة لبيع الكتب.”
فمن خلال توفير كتب اليكترونية لنحو 1.7 مليون مواطن، يقدم مشروع بيبليو تك، الذي تكلف 1.5 مليون دولار، مساحة تعليمية لمجتمع كبير.
كما سوف يتيح المشروع شراكة مع مدارس محلية فضلا عن تنظيم دورات تدريبية مسائية للتعليم الرقمي.
المكتبة الذكية
ويرى نيلسون وولف، قاضي مقاطعة بيكسار وصاحب فكرة المشروع، أنه بمثابة تجربة لبرنامج اوسع في المقاطعة، وسوف يجرى الاستعانة بمصادر تمويل اخرى بغية دعم الخدمات.
وبعتبر وولف من المولعين باقتناء الاصدارات الاولى من الكتب، ويقول “العالم يتغير وهذه هي الوسيلة الأفضل، والسبيل الأكثر فعالية هو تقديم خدمات لمجتمعنا.”
واستشهد وول بما حققه ستيف جوبزمؤسس شركة ابل.
غير ان مشروع (بيبليو تك) اكتسب دافعا من نجاح مكتبة كلية الهندسة للكتب غير الورقية بجامعة تكساس سان انطونيو التي افتتحت قبل ثلاث سنوات، التي كانت أول مكتبة أكاديمية للكتب غير الورقية.
وخارج تكساس، احتلت مكتبات الكتب غير الورقية نصيبا كبيرا في القطاع الاكاديمي، لمواكبة التغير السريع في العلوم والرياضيات والهندسة.
لمسة تاريخية
يتضح ان مكتبات الكتب غير الورقية ليست خيارا أرخص بالنسبة للجامعات التي تعاني تعثرا ماليا وكذا السلطات المحلية، فانتاج اصدارات رقمية لكتب نصية يمكن ان يكون مكلفا أيضا.
وهناك بعض المكتبات التي لن تتحول ابدا الى مكتبات كتب غير ورقية لان مجموعاتها تضم كتبا تمثل قيمة تاريخية في حد ذاتها.
وعلى الرغم من رقمنة هذه النصوص النادرة في ظل برامج كتلك التي تنظمها شركة غوغل، مازالت هذه الكتب في هيئتها المادية موارد ضرورية للباحثين.
ويقول كريستوفر بلات، مدير المجموعات والدوريات في مكتبة نيويورك العامة، ان استخدام الاصدار الرقمي للكتاب احيانا لا يكفي.
وقال “يزور الناس من شتى ارجاء العالم مكتبتنا، ليس فقط من أجل الانتفاع بكتاب، لكن أيضا من اجل لمسه والاحساس به”.
لكن مكتبة نيويورك العامة تضم ايضا بين جنباتها عالما رقميا بجوار الكتب الورقية.
وقال بلات إن المكتبة أعارت 880 ألف كتاب اليكتروني العام الماضي، ما يمثل زيادة بواقع خمس مرات مقارنة بعام 2008.
وأضاف أن المكتبة أصبح لديها 91 فرعا في شتى أرجاء المدينة، قائلا “اذا انظرت إلى إعارة الكتب الالكترونية، فسوف تحتل رقم اثنين او ثلاثة من حيث الاستخدام الشهري.”
أرفف المكتبة
وعلى نقيض بعض التقارير، لا تسعى مكتبة نيويورك العامة إلى خفض استحواذها على الكتب، على الرغم من ان نحو 1.5 مليون كتاب مكدس في بناية المكتبة المركزية الشهيرة في شارع 42 في مانهاتن.
لكن سوف يجري نقل الكتب إلى مخازن تحت الارض كجزء من برنامج اصلاحي يبدأ العام الجاري.
وأضاف بلات أن المساحة سوف تستخدم لانشاء مكتبة عامة جديدة “فريدة”، لكنها لن تكون لكتب غير ورقية، بل “ستكون هناك المزيد من الكتب”.
وأشار أن المكتبات غير الورقية لا تعني أنها أرخص تكلفة، فالناشرون يتكبدون رسوما يدفعونها للمكتبات تفوق خمس مرات سعر الكتاب العادي من أجل اصدار كتاب الكتروني لعنوان مرغوب فيه.
ويعتقد ان ذلك أحد اسباب كثيرة ستحد من انتشار مكتبات الكتب غير الورقية.
اغلاق المكتبات
ولا تكمن القضية الأساسية في بريطانيا في وجود الكثير من مكتبات الكتب غير الورقية، بل في وجود احياء أصبحت تخلو من المكتبات حيث دأب كتاب على المشاركة في حملات لمواجهة خفض التمويل الذي يفضي إلى اغلاق المكتبات في بعض الأحياء.
ويؤمن الان جيبونس، مؤلف كتب اطفال، بدور المكتبات، لاسيما المكتبات المدرسية، لكن هاجسا يساوره كلما سمع بمكتبة كتب غير ورقية، اذ يقول “علينا ان ندير هذا التغير بذكاء، الخطر كل الخطر هو ان تتضاءل القراءة.”
وأكد على أن مساحة المكتبة وامين المكتبة تعد عناصر بالغة الاهمية، فالكتب يمكن استبدالها باجهزة القراءة الالكترونية مشيرا إلى أن كثيرا من الاطفال على سبيل المثال يجذبهم استخدام الحاسب اللوحي اكثر من زيارة المكتبات المكدسة بالكتب.
واضاف “القضية الوحيدة بالنسبة لي هي كيفية تشجيع القراء الجدد، ولا اعتقد ان ذلك يحدث في بيئة شبكات التواصل الاجتماعية.”