كاتبة سعودية
عشقت “الوطن” مذ كانت حلما بصحيفة تعبر عن جنوب الحب فإذا بها لا ترضى بأقل من أن تكون الوطن. أن تكتب للوطن أي أن يكون شغلك الشاغل الذي لا تنام عنه إلا لتصحو له بل أن يتسامى بعقلك مع أبخرة القهوة ونسمات الصباح وتهوى لهواه وتعشق كل شقاء يفضي له هذا الهوى وذو الهواء.
جعلت اليوم أولى مقالاتي هنا عن ممانعة الكتابة ورضوخ الكاتب لها، فقد تأخذنا فكرة ما وتحول لغتنا بيننا وبين التعبير عنها، أو نجيد اللغة في وقت نعجز عن جياد الأفكار الأصيلة لأن الكتابة إبحار لا يهدأ يبحث عن الأجمل ويطمح للأكمل.
هل أحدثكم عما تعرفون؟ بالتأكيد لا لكني أسترجع مع نفسي كل الخطوات الأولى بدهشة الاكتشاف وحب المغامرة والخوف مما لم نحسب له حسابا. الكتابة هي ملامسة سماء الطموح والتحليق عاليا وأقدامنا لا تزال ملتصقة بأرضنا.
بعد هذه المصافحة الأولى مع أرواحكم تبقى الكتابة قضية ومسؤولية أخلاقية نعبر من خلالها خليطا من الحقائق نستخلصها من سيل من الرغبات المتضاربة والرؤى المتباينة لما هو واقع وما نرجوه من أفضل، لأننا يجب أن نتقبل فكرة أن نسعى للأجمل فلا نعترض لمجرد الاعتراض كما أننا لا نتصالح مع القائم ونقبله على علاته، فالكتابة وعي يتجاوز الواقع المعاش إلى الواقع المأمول، لكن لمن نكتب؟ ومن يقرأ؟
كنا نعد القراءة سياحة بين أفكار الآخرين تثير مخيلتنا ونشاركهم فيما يرون فهل تغيرت الصورة اليوم؟ برأيي نعم تغيرت فقارئ اليوم متواصل مع الكاتب يتفاعل مع أفكاره التي يطرحها مؤيدا أو معارضا ويريد منه أن يناقش قضاياه ويطرح همومه ومطالبه ويتحمل المسؤولية الأخلاقية الناتجة عن هذه المطالبة كيف لا وهو صوته الأعلى الذي ينقل مشاهداته ويصور معاناته ويقرر ما يجب أن يصل للمسؤول مما يظنه خافيا أو مجهولا.
هل أعد أن أكون هذا الصوت؟ أتمنى فأنا من المهمومين بكل قضية ومطلب إنساني يخدم حقوقنا ووعينا ويردم الفجوة بيننا وبين كل السابقين لنا حضارة ووعيا.
أول موضوع لي سيكون عن أهم مجال يشكل وعينا الحضاري ألا وهو التعليم الذي لا يخفى علينا، ما يعاني منه من أكثر من جهة وليس آخر معاناته إقناع الطلاب ذكورا وإناثا بالحضور وتقليص فترات الغياب المرافقة لكل إجازة.
أول معاناة تصافحنا في التعليم هي الاتفاق على تراجع مستوى المخرجات من مختلف المراحل، فالتعليم ما قبل الجامعي وضعت له اختبارات القياس المتنوعة بعد أن عجزت الدرجات عن قياس مستوى الطلبة الحقيقي، هذا جانب والجانب الآخر هو انعدام رضا جميع الأطراف من الطالب مرورا بالمعلم إلى المسؤول وكل طرف يلقي التهمة على الآخر فأين المشكلة؟!
المستعرض لتاريخ التعليم لدينا يلاحظ أن معاناتنا من ضعف مخرجات التعليم تتناسب طرديا مع مرور السنوات حتى طال الضعف بعض مخرجاتنا التربوية التي تصب في بحيرة التراجع التعليمي، فما أهم أسباب التراجع؟
ربما نظرة للحياة بما فيها من مغريات تقنية وترفيهية وربما اقتصادية تجتذب الطالب بل وأستاذه كما حدث أيام طفرة تداول الأسهم التي اقتحمت صفوف الدراسة حينها، تمثل هذه المغريات عاملا مهما في التراجع، فمن يتصفح التقنية في الدرس يضرب عن التعليم وأهدافه صفحا، إلا أن الواقع يقرر أسبابا مهمة في التراجع منها طرق التقويم والمناهج التي أعيت من يطورها، فلا طالب اليوم يقرأ بطريقة أفضل من طالب الأمس، ولا معلم اليوم المدرب على استخدام التقنية أبرع من معلم السبورة السوداء والطباشير!
برأيي المتواضع أن المشكلة تشترك فيها الأطراف جميعها من الأصل للفرع والعكس، ولنبدأ بالطالب – ومثله الطالبة – صاحب المستوى الضعيف، وهو أذكى الأطراف ويستغل المتاح له ليجمع النجاح مع بذل أدنى جهد ممكن، خاصة وهو يجد صعوبة في التفكير في فرصه الجامعية والوظيفية من ناحية، ومن ناحية أخرى يستغل الفرص التي تتاح له للقفز من مرحلة لأخرى دون جهد يذكر، فالتقويم لبعض أو كل المواد عامل مساعد على النجاح الأقرب للفشل وسياسة اقتصاديات التعليم التي تحرص على تحقيق نسب عالية في النجاح حتى لا يتكرر رسوب وبقاء التلاميذ في مراحل الدراسة سنوات طويلة تكلف الدولة وترهق ميزانيتها دون فائدة أو منفعة تعود على العملية التعليمية.
هنا نصل للمعلم الذي يحاسب في أدائه الوظيفي على وجود مستويات متدنية أو أي إخفاق لتلاميذه ولو مرده الإهمال من الطالب الذي أمن العقوبة فأساء التحصيل!
وفي ظل هذه الحيرة تقف الوزارة ضد أي إخفاق في المواد الصعبة نسبيا، والتي تعتمد على الفهم كالرياضيات أو اللغة الإنجليزية أو النحو مثلا، فحينا ترفض ارتفاع نسب الإخفاق وتارة تسعى للتخفيف من عدد المواد المخفق فيها حتى ابتكرت مواد يتم تجاوزها وخفضت درجة النجاح للأربعين أو 28% من درجة المادة الأصلية!
الحل لهذا التراجع برأيي هو أن يعاد للتعليم هيبته وتعود نسب النجاح كما كانت ويحول الطالب الراسب منازل أو ينتقل للتعليم الأهلي حتى يجتاز المرحلة التي أخفق بها.
مجرد وجهة نظر تعيد للتعليم هيبته ولا ترهق الميزانية فما رأيكم؟
المصدر: الوطن أون لاين