كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.
مذعوراً استيقظ صباح السابع عشر من فبراير، تتردد من حوله أصوات يسمعها للمرة الأولى في حياته، وترقص وجوه لم يألف رؤيتها طوال سني حكمه الأربعين!، ماذا يحدث؟ وكما المصدوم راح يفرك عينيه ويتلمس وجهه للتأكد من يقظته، لكن لا شيء يتغير!، حلّ المساء وما زالت الأصوات والوجوه ذاتها تحوم فوق رأسه الأشعث، حاول أن يرتدي أقرب خارطة لجسده المتهالك ويبتدع مشهدا كوميديا كعادته، لكن الحيلة لم تنفع، إنها المرة الأولى التي يبدو فيها القذافي سمجا ثقيل الظل، صُدم الرجل وصرخ بأعلى صوته: من أنتم!؟ كررها عدة مرات لكن لا أحد يجيب!، كل من حوله لا يعرفون شيئا، لا أحد يعرف هؤلاء ومن أين خرجوا، ناموا ليلة أمس بعد أن تأكدوا من إغلاق الوطن جيدا، واستيقظوا في الصباح على ثورة!
يمكن لهواة التصنيف أن يضعوا صرخة القذافي «من أنتم» كأهم عبارة تطلق في القرن الحادي والعشرين، فقد كان العقيد الليبي صوت الاستبداد العربي في هذا التساؤل، الكل استيقظ صباحا وهو يردد: من أنتم؟، لا يعرف الحاكم العربي من أمر شعبه شيئا، لا قدرة لديه على التنبؤ بما يريدون، آلاف السنوات الضوئية تفصل بين القصور الرئاسية العربية ومحيطها، وحدهم أصحاب الكروش المتدلية يدخلون هذه القصور ويخرجون منها، وهؤلاء ليسوا سوى طبول فارغة لا تحمل في داخلها أي مضمون، لكنها طبول لئيمة وخبيثة إلى أبعد مدى، تعرف ماذا تأخذ وماذا تمنح بالضبط.
في مكتب وزير الداخلية العربي الوثير، يدخل ضباط بـرتب ممنوحة لا مستحقة، وارتباك كبير يشوب المشهد المهيب، الكل يحاول تقديم إجابة شافية لما يجري حولهم، لماذا يثور الشباب العربي في كل مكان؟ الضباط الأغبياء لا يملكون إجابة واضحة ومحددة، ويقدمون شرحا يشبه الهذيان لسيدهم الصامت، تنتهي جلسة التباحث دون أن تنتهي الهستيريا في نفوس الحاضرين، ثمة من قال إننا نملك القوة والسلطة والعصا والسجون، ونملك الأموال نغدقها يمنة ويسرة، والمقصود هنا من يجلس عن يمين السيد وعن يساره!، أصحاب الكروش الأمنية لا يعرفون شيئا عن الخارج، لا يعرفون شيئا عن الشارع، لا يعرفون شيئا عن الشباب العربي الثائر، تقول سيرتهم الذاتية إنهم تخصصوا في فهم السيد وإيماءاته والتفاته وفرحه وغضبه ونزقه وجنونه، إنهم يتعاملون معه في كل حالاته، ويفهمون أمرا واحدا فقط، السمع والطاعة!
وزارات الداخلية العربية منيعة، لكن الاسمنت لا يكفي، هنا جيش من المدنيين لا سلاح بيدهم، يرددون كلمة واحدة فقط في وجه القوات الخاصة، يقولون «لا» في وجه العسكري الهزيل الذي يقابلهم في الشارع، ويقولون «لا» في وجه العسكري السمين القابع في المكاتب الوثيرة، ويقولون «لا» أكبر وأقوى وأشد في وجه السيد، لكن السيد لا يفهم أبدا ولا يريد أن يفعل، قال له ضابط عديم الكفاءة: أنشأنا إدارة جديدة لمكافحة التمرد عبر الإنترنت، أقسام تتخصص في الفيس بوك وتويتر والشبكات الاجتماعية، وسنحارب هؤلاء المندسين في عقر صفحاتهم الشخصية، سنقتحم إيميلاتهم ونراقب كل شاردة وواردة، سنحاصر عباراتهم وتهكمهم ومطالبهم الاجتماعية ونضيق الخناق عليهم، سنصدر قانونا يجرم حقهم في التعبير عن أي شيء، وسنقضي عليهم فرداً فرداً!
شبكة الاتصالات بين من تبقى من القادة العرب لا تنقطع، لا وقت للعزاء والمباركة والتهاني الزائفة، فالكل ينقل ما تلقاه من الخبراء الأغبياء للآخر، الضابط الأخرق وبعد أن حصل على موافقات بتعيين أبنائه في السلك العسكري الخاص، وبمزايا تليق به وبأبنائه، يملك كلمة السر في تلك المحادثات الرسمية!، تنقل نشرات الأخبار الحكومية تفاصيل المحادثات الثنائية وتسهب في حجم القضايا مثار النقاش، لكن أمرا واحدا تم تبادله في تلك الاتصالات، محاولات الإجابة على تساؤل القذافي: من أنتم!!، ومن هنا كانت أساليب المواجهة واحدة في كل الثورات المعلنة والكامنة، لم ينتبه هؤلاء، ولا فِرَق المستشارين الملحقة بهم، ولا الضباط الأغبياء المرتزقة في مكاتبهم الخلفية، أن مدونا عربيا لم يتخرج من الجامعة بعد، يملك الإجابة الشافية والكافية على تساؤلهم، ووحده يملك المخرج لأزمتهم الخانقة.
العرب القطرية