عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

نهاية العالم!

آراء

قبل الثانية عشرة بثوانٍ أعادت فتح عينيها اللتين بقيتا مغمضتين مدة طويلة، بسبب مصطلح اعتدنا سماعه، أخيراً: «إهمال طبي»، في تلك اللحظة ولكي يتأكد الأطباء أنها لم تفقد الذاكرة تماماً.. أشاروا إليّ وسألوها: هل تعرفين من هذا؟ لم تجبهم، لكنها ابتسمت.. وكان هذا هو كل ما أنتظره منذ مدة.. كان هذا يكفيني جداً.. في اللحظة نفسها التي كان البعض يتوقع فيها نهاية العالم، كان عالمي قد بدأ للتو واللحظة!

ليس لدي ما أخسره في هذه الدنيا إلاهي! وقد خسرتها فعلياً، لذلك فقد كنت أغلي من الغضب في داخلي، سأتفرغ لفضح المستشفيات الحكومية. كنت غاضباً، سأبدأ بتجميع الوثائق والإدانات والشهادات. كنت يائساً، سأجعلها على النمط الأميركي قضيتي حتى الموت. كنت أحمق، سأنتظر المسؤول عند سيارته بعد الدوام! بالطبع مع قليل من الأسئلة والاستفسارات للزملاء والضحايا والقراء هنا وهناك، اكتشفت أنني لا أمثل ظاهرة، لكن ما حدث لي ولها كان مجرد حالة تتكرر بالعشرات، في ظل إهمال وفوضى إدارية وتخطيطية عارمة في هذا القطاع، وهو ما يجعل الجميع «يسنفر» بصحته إلى ألمانيا وتايلاند وحتى مقديشو، إذا توافرت لهم فرصة!

الحمد لله أننا مسلمون، والقضاء والقدر والإيمان بهما يلعب دوراً رئيساً في توجيه بوصلة حياتنا، كما أن إيماننا بالنصوص وعلامات الساعة والأحاديث المروية جعلنا من أقل الناس اهتماماً بأكذوبة نهاية العالم، لكن الهرج والمرج، وتصدر الرويبضة، وإسناد الأمر لغير أهله، يدل على أننا في ذاك الطريق سائرون، وإن لم ينته العالم فوراً كما توقع مشايخ حضارة المايا.

أعجبتني عبارة ذكية للزميل هارون في الزميلة «الخليج»، «لو كان في حضارة المايا خير، كانت ما انقرضت»!

أفسدوا عليّ نهاية العالم، كما أفسدوا عليّ مفاجأة «الكريسماس»، التي كنت أعدها لها، كنت أنوي شراء شجرة ووضعها في منتصف المجلس في منزلنا، ليس لأننا ليبراليون أو متحررون أو نحتفل بأعياد الآخرين، بل على العكس تماماً، لأنها من جيل يعتز كثيراً بموروثه، لذا فقد كانت تعتبر شجرة «الكريسماس» لا تختلف كثيراً عن قطعة حشيش أو الشمعدان اليهودي، ووجودها في مدننا و«مولاتنا» يعني مصيبة، فما بالك أن تكون في المجلس! لذا فقد كنت أمني نفسي بالحصول على المتعة في مراقبة ردة فعلها ووجهها الجميل حين تغضب، وتقسم بأنها ستشوي عليها الكستناء في الباحة الخلفية!

«إهمال طبي».. نحن آسفون، أخطأنا! بهذه البساطة.. بهذه البساطة! تماماً مثل «بعضهن».. تحرق النجوم الموجودة في حياتك كلها وتقول بكل بساطة: أنا آسفة، لقد أخطأت.

ليتني أنا من فقدت الذاكرة!

المصدر: الامارات اليوم