كاتبة إماراتية
عندما قرر الستيني «فيلشي» العودة إلى مسقط رأسه في نابولي بعد غياب طال أربعة عقود لرؤية أمه الهرمة، بدا الأمر في غاية الشاعرية خصوصاً عندما بدأ في إضافة ذلك الدفء لها وحولها قبل أن تغادر الحياة. غير أن هذا الدفء انقلب إلى عاصفة قارسة قلبت مزاجي بعد أن قلبت كيان «فيلشي» بطل الفيلم الإيطالي Nostalgia «نوستالجيا» الذي تعود قصته لرواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الإيطالي «إيرمانو ريا» صاحب رواية «الإقالة من الحياة» والتي لي عودة إليها قريباً.
يتعثر بطل الفيلم في ذكرياته التي غلبته رغم تحذيرات كل من حوله بالرحيل بعيداً، ليلقى مصيراً لم أتوقعه إطلاقاً كمشاهدة سلبتني تماماً فكرة الحنين. ولكني كغيري سقطت في ذلك الشرك، وتذكرت قول ماركيز: «لقد محا الحنين، كالعادة، الذكريات السيئة، وضخّم الطيبة». هذا تماماً ما يفعله الحنين، أكثر المشاعر التي تنسحب على الإنسان بعذوبة، فيعيد ترتيب الذاكرة بالصور القديمة الممتلئة بألوان السعادة عن أماكن بعيدة أو قلوب راحلة، أو أحوال زائلة، فيطفو الحزن على الروح التي غلبها الشوق. وللحنين مراتب عديدة، ليس أولها الشوق على الفائت، ولا الحرقة على المفقود آخرها. فبعضهم يضنيه الوجع، فيغدو مفجوعاً بألمه الذي يتحول إلى شفرة للقطع، قطع كل شيء.. حتى حياته نفسها!
للحنين تلك السلطة، فقط لكونه يضخم اللحظات الجميلة، لتصبح مرغوبة بشدة وقابعة بعمق مكدرة لدواخلنا. كذلك قد تكون هذه الأسباب نفسها هي دواعٍ لعلاجه! ولكن كيف؟ قد تكون للعودة «بحذر» إلى المكان القديم والتواصل مع الرفيق البعيد أو عادة تجربة الأحوال المهجورة أثر كبير في تغيير الصورة وإعادة تصفيتها بعيداً عن تضخيم الطيبة التي ذكرها ماركيز. جربوا العودة لأولئك الذين تحنون إليهم ولتلك الأمكنة التي لازمت ذاكرتكم بشدة، ستجدونها مختلفة تماماً عما سكن في وجدانكم، ستجدون أغلبها لا يستحق ذلك الحنين.. ووجعه القاسي.
المصدر: الاتحاد