الحلقة الثانية من بودكاست رُشد (الظاهرة الترامبية): نيويورك خرّجته رئيسًا.. كيف صنعته الغابة الخرسانية؟

أخبار
د. محمد العضاضي: الظاهرة الترامبية التي غيرت الولايات المتحدة (الحلقة 2/6)

جوزيت صفير: في ست حلقات، نقدم تحليلًا معمقًا للترامبية، الظاهرة التي غيّرت المشهد السياسي الأميركي. في هذه الحلقة الثانية، ننتقل من الجذور الدينية العميقة للمجتمع الأميركي إلى مدينة نيويورك، حيث ولد وترعرع دونالد ترامب، محاطًا بعالم المال والأعمال، في بيئة لم تكن تؤهل أي شخص ليصبح رئيسًا، لكنها كانت التربة المثالية لرجل تحدى كل القواعد.

من الحي الشعبي إلى الأبراج الذهبية

يقول د. محمد العضاضي: “ترامب لم يولد في عالم السياسة، بل وُلد وسط ناطحات سحاب، وتربى على قواعد المال قبل أن يتعلم أي شيء عن الحكم”. يشير العضاضي إلى أن ترامب نشأ في حي كوينز، وهو أحد أحياء نيويورك الشعبية، حيث كان والده، فريد ترامب، رجل أعمال ناجحًا في مجال العقارات. “والده لم يكن مجرد مطور عقاري، بل كان شخصًا يفهم قواعد اللعبة المالية بذكاء شديد. كان يبني للعامل البسيط، لكنه كان يفكر كإمبراطور”، يوضح العضاضي.

لم يكتفِ ترامب بالسير على خطى والده، بل كان طموحه أكبر بكثير. “كوينز لم تكن تكفيه، كان يرى نفسه في مانهاتن، حيث المال والنفوذ والقوة”، يقول العضاضي. “لم يكن مهتمًا فقط بالربح، بل بالشكل، بالصورة، بالعلامة التجارية التي تحمل اسمه”. وهكذا، بدأ ترامب في بناء الأبراج الفاخرة التي تحمل اسمه، ليصبح اسمه نفسه سلعة فاخرة تباع في عالم العقارات.

لا يغيب عن الأضواء

“لم يكن ترامب رجل أعمال تقليديًا، بل كان نجمًا منذ اللحظة الأولى”، يقول العضاضي. “كان يفهم الإعلام بنفس قدر فهمه للعقارات. كان يعرف كيف يُحدِث ضجة، كيف يجذب الكاميرات، وكيف يخلق قصة تملأ العناوين”. هذه المهارة جعلته ضيفًا دائمًا على الصحف والقنوات التلفزيونية، حتى قبل أن يصبح نجمًا تلفزيونيًا ببرنامجه الشهير “ذا أبرنتيس”.

“ذا أبرنتيس لم يكن مجرد برنامج مسابقات، كان درسًا في الهيمنة. ترامب لم يكن مقدمًا، كان الحاكم المطلق. كان يصنع الأبطال ويطيح بالخاسرين بجملة واحدة: أنت مطرود!”، يضيف العضاضي. هذا البرنامج لم يجعله فقط أكثر شهرة، بل صقل صورته كقائد حاسم، رجل لا يتردد، شخص يرى الأمور بوضوح مطلق. “وهذا بالضبط ما سيحتاجه لاحقًا في السياسة”.

السياسة؟ ليست للضعفاء

“السياسة لم تكن حلم ترامب، بل كانت تحديًا جديدًا”، يقول العضاضي. “لطالما كان لديه رأي في الشأن العام، كان يعلق على القضايا الكبرى، لكن لم يكن ينظر إليه كسياسي جاد”. في الثمانينيات، ظهر في مقابلات تحدث فيها عن إمكانية ترشحه للرئاسة، لكنه كان يقول ذلك بنوع من السخرية. “كان يرى السياسيين كضعفاء، كأشخاص لا يفهمون القوة الحقيقية، لكنه لم يكن يفكر بجدية في منافستهم حينها”، يوضح العضاضي.

لكن بحلول 2015، تغيّر كل شيء. “قرر أن يدخل السباق، ولكن بطريقته الخاصة. لم يحاول أن يكون مثل بقية المرشحين، لم يتحدث بلغتهم، لم يلتزم بقواعدهم. دخل المعركة كأنه داخل إلى صفقة، صفقة ضخمة يريد أن يربحها”، يقول العضاضي.

وهكذا، بدأ في تفكيك خصومه واحدًا تلو الآخر. “لم يكن يناقشهم، كان يسخر منهم. لم يكن يقدم وعودًا تقليدية، كان يبيع أحلامًا جديدة. لم يكن يخاطب النخب، بل كان يخاطب الناس العاديين، الذين يشعرون بالغضب، الذين يريدون قائدًا يكسر النظام”، يضيف العضاضي.

نيويورك صنعت الوحش على غفلة من واشنطن

“ترامب هو ابن نيويورك، بكل ما في هذه المدينة من صخب، وفوضى، وطموح بلا حدود”، يقول العضاضي. “لكن عندما وصل إلى واشنطن، لم يكن يدخل فقط إلى البيت الأبيض، بل كان يدخل إلى عالم مختلف تمامًا. عالم لم يكن مستعدًا له، ولم يكن هو مستعدًا له أيضًا”.

يختم العضاضي بقوله: “ما حدث في 2016 لم يكن مجرد انتخابات. كان انقلابًا على الطريقة التقليدية في ممارسة السياسة. كان إعلانًا بأن قواعد اللعبة القديمة لم تعد تعمل. وترامب؟ كان الرجل المناسب لهذه اللحظة الفوضوية”.

هذه الحلقة تسلط الضوء على كيف أن نيويورك لم تكن مجرد مسقط رأس ترامب، بل كانت مصنعه، المكان الذي صاغ شخصيته وجعله مستعدًا لقلب السياسة الأميركية رأسًا على عقب. لكن، كيف استقبل الحزب الجمهوري هذا الدخيل؟ وكيف تمكن من تدمير خصومه داخل حزبه قبل أن ينتقل إلى مواجهة الديمقراطيين؟ هذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة.

* تبث “إيلاف” حلقات بودكاست رُشد حوار مع الدكتور محمد العضاضي بالاتفاق مع “هات بوست” التي تعمل تحت مظلة هتلان ميديا، ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة.