عبدالله بن مداري الحربي
عبدالله بن مداري الحربي
محاضر بقسم ادارة الاعمال بجامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية منذ عام 2008م ، مبتعث لدراسة الدكتوراة بجامعة University of Hull - United Kingdom

واقع المؤسسات الاكاديمية

آراء

واقع المؤسسات الاكاديمية :  المنافسة للتطوير من أجل البقاء

التحديات التي واجهتها المؤسسات الاكاديمية خلال العقود المنصرمة رسخت الحاجة الماسة لتطوير بنيتها التنظيمية وبرامجها وكوادرها التعليمية ليس لذات التطوير بل من أجل البقاء والاستمرار، هذه التحديات بعبارة موجزة كانت ولا زالت وقودا لعصر جديد برزت ملامحه تظهر من خلال التنافس المحموم لاستقطاب الكفاءات واستثمارها لخلق بيئة اكاديمية دائمة التطوير، ومن خلال تبني البرامج التقنية المتطورة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وأخيرا من خلال بناء شراكات معرفية وتبادل علمي للخبرات فيما بين الجامعات ذاتها من جانب وبين برامج التمويل ومصادر الدعم المادي من قبل الشركات والحكومات الراعية للبحث العلمي من جانب آخر.

ولعل أبرز هذه التحديات التي فرضت واقعا جديدا مارس ضغوطا متعددة على هذه المؤسسات ما يلي :

–  الدور الفعال الذي لعبته المراكز والمؤسسات الربحية في اشعال الروح التنافسية لتقديم برامج وتخصصات ذات روح تفاعلية مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات المرحلة المتسمة بالتغيير المستمر والسعي الحثيث للحصول أكبر قدر من الحصة السوقية – ليس الجانب المادي فحسب بل حتى البشري من خلال اختيار أفضل المدخلات لانتاج أبحاث ودراسات ذات جودة عالية-.

–  النشاط الدؤوب لهيئات ومنظمات الاعتماد الاكاديمي في وضع شروط ومعايير دقيقة ومقاييس صارمة وإجراءات متكاملة لضمان جودة المؤسسات الاكاديمية ومتابعة تقويمها وصولا للاعتماد المؤسسي بشكل عام والاعتماد الاكاديمي للبرامج والتخصصات العلمية بشكل خاص.

–  الدور الحاسم الذي قادته قوائم رتب أو تصنيف الجامعات من حيث لفت الانتباه لأهمية تقييم جودة المنتج الجامعي (النشر العلمي، المناهج ، الأداء الاكاديمي…. الخ) ودوره في تميز الجامعات مقارنة ببقية الجامعات المحلية أو الدولية، هذه القوائم مارست دور المقيّم المستقل والمراقب الخارجي سعيا للرقي بمستوى جودة التعليم العالي.

–  ظهور العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا المجال ودورها في تشكيل نظريات وصياغة مفاهيم حديثة كاقتصاديات التعليم العالي وخصخصة الجامعات وسبل تطوير وتمويل مراكزها البحثية ومرافقها الاكاديمية، ولعل هذا المحور بالذات ساهم بشكل واضح في تسريع عجلة تطوير العملية التعليمية في هذا القطاع الحيوي من خلال إضفاء المزيد من الصبغة العلمية لمسارات التطوير والعائد منه على الاقتصاد المحلي والتنمية السياسية والاجتماعية بصفة عامة.

–  انخفاض الدعم الحكومي لهذه المؤسسات – الحكومية منها بالتأكيد- باعتباره أحد متطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، مما حفز هذه المنظمات – تحت رعاية وتأييد الحكومات – لايجاد بدائل تمويلية متعددة وبرامج شراكة دائمة وحاضنات تقنية سواء محلية أو اقليمية أو دولية لدعم برامجها واستراتيجياتها الاكاديمية وهذا بلا ريب يستلزم اعادة النظر في شكل هذه البرامج وأهدافها بما يتفق مع سياسات ومصالح الممولين.

–  زيادة الطلب على هذه المؤسسات من قبل الأجيال الشابة باعتبار أن التعليم الجامعي أقصر الطرق لتحسين المداخيل الفردية أو أفضل السبل للحصول على الفرص الوظيفية الملائمة دخلا ومكانة اجتماعية، هذا عدا كون التعليم الجامعي بابا للتأهيل العالي المتخصص مقارنة بالبرامج التعليمية الأخرى.

–   تنامي الوعي الاجتماعي بفعالية البرامج الاكاديمية وقدرتها على تشكيل هوية جديدة ونمطا شخصيا مغايرا للأفراد عقب اتمام متطلبات التخرج مقارنة بما هو كائن قبل هذه المرحلة، هذا بدوره عزز الثقة في هذه البرامج وبنى تصورا ايجابيا جعل هذه المراكز تحت ضغط التطوير المستمر لمواكبة هذه التطلعات وتعزيزها.

إن مفهوم البرج العاجي الذي كانت تتحصن به الجامعات والإدعاء بحصانتها من الذوبان في المجتمعات وأنها معاقل العلم والمعرفة – رغم وجاهة هذه الإدعاءات- أصبحت مفاهيم مثالية لا تجد في الوقت الحاضر من يروج لها إلا قلة من الجامعات التي ما زالت تعيش على أطلال الماضي العريق وتغرد خارج السرب.

لذلك، لا غرابة أن تتسارع الجامعات – تحت وطأة التنافس الحاد فيما بينها- نحو بلورة استراتيجيات وخطط عمل متوازنة تتسق مع هذه المتغيرات رغبة في تحقيق عوائد أكبر وترسيخا لدورها في خدمة المجتمع وتلبية لتطلعات وآمال كوادرها العلمية بل أيضا مواكبة للوعي والإدراك المتنامي للأجيال الشابة والمجتمعات الحديثة.

بعبارة أخرى، أصبحت المؤسسات الاكاديمية في ظل هذه الظروف تعمل بمفهوم استقطاب العميل سواء كان طالبا أو باحثا أو ممولا، وترتكز في سياساتها على تطوير المنتج – سواء كان منجزا بحثيا أو منهجا اكاديميا أو نوعية متميزة من الطلاب الخريجين – والتسويق المتقن لبرامجها وإمكانياتها. وبذلك فإن الجامعات الحديثة تتبع نهجا احترافيا مبني على رؤى محددة وغايات مدروسة الهدف منها إجمالا التطوير المستمر وفق معايير واضحة ودقيقة.

هذه البيئة التنافسية الحادة جعلت الجامعات الحكومية على المحك فإما أن تعتمد على نهج التطوير المستمر وإما أن ترضى بالخروج مبكرا من حلبة صراع الأقوياء.

خاص لـ ( الهتلان بوست )