الأحد ٢٧ أكتوبر ٢٠١٣
ماذا يفعل الرئيس الأميركي أوباما؟ هل لديه مشكلة فيما يتعلق بالشؤون الدولية؟ ما هي مشكلته ومشكلة إدارته تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ وحتى توضع هذه الأسئلة في سياقها يجب أن نسرد بعض قراراته. مثلا، تعلم إدارته أن خطر «القاعدة» وحركة طالبان والإرهاب لم يزل قائما في أفغانستان ولهذا قرر الإصرار على سحب قواته من هناك. وفي منظومة الأعداء والأصدقاء يتخذ دائما قرارات معاكسة لما يفترض أن يكون، فمثلا يفترض أن روسيا والصين أعداء استراتيجيون للولايات المتحدة، وأن بريطانيا وفرنسا وألمانيا هم حلفاؤها، ولهذا قرر أن يمشي خلف استراتيجية الرئيس الروسي بوتين في صعود روسيا كقوة عظمى وفي حصر القضية السورية في السلاح الكيماوي، وقرر في الوقت نفسه أن يتجسس على الرئاسة الفرنسية وعلى الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أي باختصار أن يتبع الأعداء ويتجسس على الحلفاء. أي منطق يحكم هذه الرؤية! وفي سياساته تجاه المنطقة فإن أعداء أميركا معروفون تقودهم إيران وسوريا وحزب الله، أي محور ما كان يعرف بالممانعة، وحلفاؤها معروفون كذلك، يجمعهم محور الاعتدال أي السعودية ودول الخليج ومصر والأردن، فهل تغيرت تصرفات وقرارات أوباما تجاه الأعداء والحلفاء في المنطقة عما فعله دوليا؟ الواقع يجيب بالنفي، لقد اختار أن يفتح صفحة جديدة مع إيران ويرسل لها رسائل الود ويتصل برئيسها ويتواصل معها دبلوماسيا دون أن يأخذ في الاعتبار…
الإثنين ٢٤ يونيو ٢٠١٣
ضمن سياق التخبطات «الإخوانية» المستمرة والمستقرة بعد وصولهم لسدة الحكم بمصر أطلق عصام العريان نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب في مجلس الشورى تصريحات شديدة العدائية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تصريحات استهجنها الكثير من المصريين قبل غيرهم، وعبرت عن ذلك تصريحات ومواقف أعلن عنها كثير من المصريين إنْ عبر برامج إعلامية شهيرة أو مظاهرات عفوية أو غيرها من وسائل التعبير. قال العريان في حديثه المشين طالباً من السفير المصري علي العشيري مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية أن يقول للإمارات بأن «صبر المصريين نفد، وأن سلوكهم مشين، ويجب أن يصل إليهم أن مصر لن تتوجع لأنهم صمدوا 60 عاماً بلا توجع»... هو هنا يتحدث عن «الإخوان المسلمين» وليس عن المصريين كما هو واضح، وأضاف «واهم من يتوقع حدوث شيء في 30 يونيو، يجب أن يفهموا (يقصد الإمارات) جيداً أن سندهم الوحيد هو مصر، وأن تسونامي القادم سيكون من إيران وباكستان وليس من مصر»، وأكد «ياسيادة السفير، قول لهم إيران النووية قادمة، وإن تسونامي قادم من إيران وليس من مصر، والفرس قادمين، وهتصبحوا عبيداً عند الفرس». لا يمكن لأي مسؤولٍ أو دبلوماسي أو مشتغلٍ بالسياسة أن يصدق أن نائباً مصرياً يمكن أن يتلفظ بمثل هذه الألفاظ العدائية والوقحة على دولة عربية شقيقة…
الأحد ٢٣ يونيو ٢٠١٣
بعد طول تلكؤ أعلن البيت الأبيض تغيرا مهما تجاه الأزمة السورية، فهو أعلن عن تقديم «مساعدات عسكرية» وعن «تسليح المعارضة» وأعلن عن قناعته بأن «النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيماوية» وأن أميركا «ستدافع عن مصالحها في المنطقة» و«ستتفاهم مع حلفائها في دول الثماني». كل واحدة من هذه العبارات المنتقاة بدقة تمثل معنى أو معاني جديرة بالملاحظة، وقد انتقل النقاش في أروقة الإدارة الأميركية من التسليح إلى فرض مناطق حظر جوي بل إلى ضرب المطارات التي يستخدمها نظام الأسد وضرب دفاعاته الجوية كما بدا متحمسا لذلك جون كيري وزير الخارجية، وهو اقتراح وإن رفضه رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي إلا أن دلالته مهمة في تجاوز مرحلة طالت من التردد والحيرة. أما الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة والتفاهم مع حلفاء الولايات المتحدة في دول الثماني وفي المنطقة ففيه إشارة جديرة بالملاحظة لتغيير اللهجة الأميركية تجاه الموقف الروسي المتعنت. وعلى الرغم من التحفظ الذي أبداه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تجاه تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر فإن «مصادر دبلوماسية فرنسية قالت إن هناك (قرارا سياسيا) بالتجاوب مع الطلبات التي قدمها رئيس هيئة أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس الأسبوع الماضي للحصول على الأسلحة النوعية التي تحتاجها المعارضة» («الشرق الأوسط»، الجمعة). وقد بدأ هذا التوجه الأميركي الفرنسي البريطاني تجاه التسليح يقع…
الثلاثاء ١١ يونيو ٢٠١٣
الحديث الطائفي ليس مستساغاً ولا مرغوباً، غير أن بعض الأزمنة تفرض مفرداته ومصطلحاته على الجميع، واستخدام تلك المفردات للتوصيف والشرح وإيصال الأفكار، يختلف تماماً عن نصبها معايير ومقاييس يحاكم على أساسها نوايا الأفراد وإيمان الجماعات. تنعم دول الخليج العربي باستقرار وأمان وتنمية كانت نتيجة تعب الآباء والأجداد، ورؤى القادة وتفاني الشعوب، وقد شارك المواطنون الشيعة في كل مجالات الاستقرار والبناء والتنمية في هذه الدول، فمنهم سياسيون مخضرمون ودبلوماسيون عريقون، ومثقفون كبار ورجال أعمال ورجال دين وغيرهم، وقد أسهموا جميعاً بالكثير من الإنجازات الوطنية على المستويات كافة، وتحمّلوا مسؤوليات وقدّموا خدمات جليلة لبلادهم ومواطنيهم تستحق الإشادة والتقدير والاستذكار، ويجب أن يتم هذا كله باعتبارهم مواطنين كاملي الوطنية لا باعتبارهم شيعة. على طريقة تفادي الأضرار قبل وقوعها، واستقراء المقبل، فإنه في ظل الصراعات السياسية الكبرى في المنطقة، والتي اختارت الجمهورية الإسلامية في إيران لها جسراً طائفياً صارخاً سيدفع بحكم طبيعة الأشياء والتاريخ إلى أن ينتشر ويتصاعد الخطاب الطائفي على المستويات كافة، وستنخرط كثير من التيارات في معارك طائفية لا تبشر بأي خيرٍ على مستوى نوعية الخطاب وطبيعة العلاقات وحجم التفاعل، وستتفشى التفاصيل الطائفية تبعاً لانتشار ما يستدعيها من مواقف وأحداث مقبلةٍ سيكون الكثير منها شنيعاً ومؤلماً على المستوى الإنساني من دون شكٍ، ولكن تجييرها لتصبح سلاحاً طائفياً للتفرقة هو ما يجب الانتباه…
الأحد ٠٢ يونيو ٢٠١٣
إن الإرهاب لا دين له ولا طائفة ولا مذهب، فهو ذو مسببات مختلفة منها الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو يعبّر عن نفسه في كل مرحلة تاريخية بحسب معطيات عصره وظروف زمنه. كان الإرهاب فيما يزيد على عقد من الزمان له واجهة إسلامية سُنية عبر تنظيم القاعدة والتنظيمات المشابهة له، ولكنّ الدول التي واجهته تقف على رأسها بعض الدول السُنية كالسعودية، وحين يجري على نطاق واسع في الغرب على المستوى الأكاديمي أو السياسي تبنّي أن الإرهاب ماركة مسجلة باسم المسلمين السنّة وأن الطائفة الشيعية الكريمة بريئة منه فإن الشواهد والأحداث التي تدلّ على وجود إرهاب شيعي بالمنطق الطائفي كثيرة ومتعددة منذ عقود، وهو يتم برعاية كاملة من الجمهورية الإسلامية في إيران. الفرق هو أن الجماعات الإرهابية السنية لم تزل منفلتة العقال وقد أصبحت لاحقا مطية سهلة تحركها إيران بينما الجماعات الإرهابية الشيعية تحولت إلى مؤسسات منضبطة تحت راية الجمهورية الإسلامية، وما يجري اليوم في سوريا من تدفق الإرهابيين الشيعة وقتالهم في كل مكان في عرض البلاد وطولها ومجيئهم من شتى البلدان يشير إلى تصاعد في هذا النوع من الإرهاب؛ «حزب الله اللبناني المحتل» يجوس خلال الديار السورية و«ميليشيات الفضل بن العباس» تأتي زرافات ووحدانا من العراق، و«المقاتلون الحوثيون» يتوافدون من اليمن تباعا، وهم جميعا يمارسون أبشع أنواع القتل والتدمير ضد الشعب…
الإثنين ٢٠ مايو ٢٠١٣
يتساءل البعض إما جهلاً وإما خبثاً لماذا يهتمّ بعض الكتاب والمثقفين بالكتابة عن الإخوان المسلمين وتاريخهم وخطابهم وطبيعة جماعتهم قديماً وحديثاً؟ ولئن كان سؤال الجاهل متفهماً في موضوعٍ يعتبره جديداً عليه، وربما لم يسمع به من قبل فإن سؤال المتخابث ليس كذلك، فهو سؤال يراد به إما قصر الكتابة عن «الإخوان» على أتباع الجماعة، أو إثارة الاتهامات واللغط حول الطروحات الجادة التي تقدم نقداً علمياً رصيناً لجماعة «الإخوان». ابتداءً فجماعة «الإخوان» كغيرها من الجماعات والأحزاب والتيارات في المشهد العام والكتابة عنها كالكتابة عن غيرها، فلا أحد يستنكر الكتابة عن الأحزاب الشيوعية أو «البعثية»، أو عن التيارات اليسارية أو القومية أو اليسارية، وليس ثمة داعٍ للتفريق هنا. وجماعة «الإخوان» ذات تاريخ طويل في التنظيمات السرية والتفجيرات والاغتيالات والعنف بشكل عام تنظيراً وممارسةً، وهو أمر يحتاج لجهد بحثي وتاريخي لا لإثباته فحسب، بل لإبرازه للكثيرين ممن لا يعرفون من تاريخ هذه الجماعة، إلا وهم أن عناصرها وأتباعها مجرد رجال دين همّهم الدعوة ونشر الخير. ثمّ إن جماعة «الإخوان» تمثل نموذجاً صارخاً لخلط الدين بالسياسة واستغلال الدين لخدمة الأهداف السياسية، فهي ليست كالأحزاب الأخرى، التي تمارس السياسة بشكل صريح ومباشر لا مداراة فيه ولا لبس، ومن هنا فهي أجدر بالتناول والدرس والشرح من غيرها. وجماعة «الإخوان» على مستوى الخطاب مرت بمراحل مختلفة حدّ…
الأحد ٢٨ أبريل ٢٠١٣
في حديث صريح ومباشر بث الاثنين الماضي تحدث الملك عبد الله بن عبد العزيز مستحضرا الأجواء المضطربة في عدد من الدول العربية وركز حديثه حول من يغررون بالأطفال والشباب ويدفعونهم للسفر إلى مواطن الاضطرابات حيث يتعرضون للقتل والاعتقال. كان حديثا حانيا على الشباب الغر وحازما مع المغررين الراشدين وهو رأى أن من الواجب تغليظ العقوبة على هؤلاء المحرضين، وفي خلفية الحديث الملكي فقد خاضت المملكة العربية السعودية واحدة من أقسى وأشرس الحروب مع إرهاب تنظيم القاعدة منذ 2003 وخرجت مظفرة بدحر الإرهاب والإرهابيين، ولكن بقي الإرهابيون إلا ربعا، أولئك الذين يغررون بالشباب ويرسلونهم لساح الوغى وهم في رغد عيش. الإرهاب يتحرك وينشط حيث تكون الفوضى، والفوضى متفشية في كثير من دول العالم العربي، سواء تحت اسم الربيع الأصولي أو في مواطن أخرى كالعراق وسوريا واليمن، ولقد ذاقت كثير من البلدان العربية ومنها السعودية مرارة الزج بفلذات أكبادها في أتون حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل تحت شعارات الجهاد المقدس التي يطلقها محترفو الفتن ومشعلو الحرائق. لقد أدت السعودية ما عليها وزيادة في مكافحة الإرهاب، وعلى بعض الدول الغربية التي دعمت الربيع الأصولي أن تتحمل مسؤولياتها تجاه حركات العنف الديني التي تنشأ جراء ذلك والتي تجد ملاذات آمنة إن تحت ظلال السلطات الأصولية الجديدة وإن في مواطن الفوضى التي تأخر…
الأحد ١٤ أبريل ٢٠١٣
بدأ «لي كوان يو» مؤسس سنغافورة الحديثة كتابه الضخم «من العالم الثالث إلى الأول: قصة سنغافورة: 1965 - 2000» بخطاب لجيل الشباب «الذين اعتبروا الاستقرار والنمو والرخاء قضايا مسلما بها»، مذكرا إياهم: «لا نستطيع تجاهل حقيقة أن النظام العام والأمن الشخصي والتقدم الاقتصادي - الاجتماعي، والرخاء والازدهار، ليست من النظام الطبيعي للأشياء». كثيرة هي الأفكار التي تثيرها قراءة تجربة مميزة لرجل بنى بلاده من الصفر، وخلق تجربة تنموية تثير الإعجاب لكل من اطلع عليها، حيث واجه بالتخطيط السليم والرؤية الصائبة كل الصعاب والعوائق التي لم تزل تعيق كثيرا من بلدان العالم من صغر المساحة إلى التعدد الإثني بكل ما يرمز إليه من التعدد الطائفي أو القبلي أو الآيديولوجي، وكيفية تعامله معها كمعطيات حقيقية على الأرض يجب مواجهتها وإحسان التعامل معها. من أهم تلك الأفكار التي تفرض نفسها على القارئ العربي المقارنة بين تجربة سنغافورة وما يجري في العالم العربي، بعد ما كان يسمّى بـ«الربيع العربي»، فكم نحن بحاجة لتذكير جيل بأكمله في العالم العربي بأهمية الاستقرار السياسي والتنمية والأمن والتقدم ضمن برامج وخطط عملية بعيدا عن الشعارات العامة والجوفاء التي تتلقفها عقول النخب من أفواه الجماهير وعقول الجماهير من مجاملات النخب. لقد كان واقعيا صرفا في قيادة بلاده، فكان مشروعه واضحا ورؤيته صافية، وهو يضع دائما لكل مشكلة حلا عمليا،…
الإثنين ٠١ أبريل ٢٠١٣
إن قتامة المشهد العربي وضبابية الرؤية فيه، وعمق التشابك بين المعطيات التي يمكن أن يستعصي فرزها نظراً لكونها متداخلةً ومعقدةً تصعب من محاولات فهمها وتحليلها وتمحيصها في حالة التشابك والتداخل الحالية، ولكن ذلك لا يمنع من محاولات الفرز والنقاش. مقتل الشيخ سعيد رمضان البوطي يمثل نموذجاً معبراً في هذا السياق، فهو عالم سني وفقيه له وزنه واعتباره، وقد تمّ اغتياله في مسجدٍ بعملية قيل إنها انتحارية قتل فيها معه ما يزيد على العشرين شخصاً. اختلفت ردود الأفعال تجاه الحادثة بين من يراها عملاً جهادياً ضد واحدٍ من المدافعين عن نظام بشار ومن يراها عملية إرهابية استهدفت فقيهاً مع طلابه في دار عبادةٍ هي المسجد، وبين هذين الموقفين أطياف عديدة يختار كل منها زاوية نظره للحادثة ومعاييره في التوصيف والحكم. إن الفرز مفيد هنا في التخفيف من ضبابية المشهد، فكون البوطي فقيهاً ذا مؤلفات غزيرة وتقدير علمي أمر لا يشكك فيه أحد ممن يعرف إنتاج الرجل الغزير ومعاركه الفقهية طويلة الذيل، وكونه وقف مع النظام، ودافع عنه أمر ظاهر كذلك، ويمكن التفريق في موقفه هذا بين مرحلتين: المرحلة الأولى: مرحلة حافظ الأسد الأب وابنه بشار قبل بدء الاحتجاجات منتصف مارس 2011 والثانية: مرحلة بشار بعد هذا التاريخ وحتى اليوم، ففي الأولى كان كغيره من الفقهاء التقليديين الذين ينشغلون بالفقه والعلم بعيداً…
الأحد ٣١ مارس ٢٠١٣
طبيعي جدا أن تصطرع التيارات الفكرية والأحزاب السياسية في كل الأزمنة والعصور، والمشهد المعاصر في العالم العربي جزء من هذا التاريخ في صراع الأفكار والمناهج والرؤى والمصالح، واستحضار تاريخ وطبيعة هذه التيارات والأحزاب والأفكار ولو جزئيا هو عامل مهم في أي محاولات جادة تطمح لمزيد فهم ودقة تحليل. وفي ظل الربيع الأصولي العربي يجدر استحضار شيء من تاريخ جماعات الإسلام السياسي التي استولت عليه، وبالعودة إلى التاريخ الحديث بمصر حيث كانت هي الدولة الرائدة عربيا في كافة المجالات في القرن التاسع عشر وغالب القرن العشرين، فإننا نجد أنه وصولا لحقبة الأربعينات والخمسينات كان ثمة ثلاثة تيارات تصطرع في المجال الثقافي والديني والسياسي هي: أولا المثقفون ذوو الطرح الديني الجديد والمتعمق في التراث. ثانيا: مؤسسة الأزهر والطرح الفقهي والعقدي التقليدي. ثالثا: جماعة الإخوان التي صنعت خطابا هجينا سنأتي على تفصيل بعض جوانبه. أما المثقفون والمفكرون والأدباء فقد اتجه عدد غير قليل منهم في تلك الفترة إلى التأليف الديني بعد صولات وجولات فلسفية وفكرية وأدبية خاضوها طوال حياتهم، فقدموا إنتاجات ضخمة في قراءة التراث في تلك المرحلة، إنْ عبر شخصيات كما صنع عباس العقاد في سلسلة «العبقريات»، وإنْ عبر تناول السيرة النبوية والمراحل الأولى من تاريخ الإسلام كما فعل طه حسين في «على هامش السيرة» و«الشيخان» و«الفتنة الكبرى»، وإنْ عبر التاريخ الإسلامي…
الأحد ١٠ مارس ٢٠١٣
أقرب وصف لما يجري في دول الاحتجاجات والانتفاضات العربية هو أنها تعيش مرحلة يمكن تسميتها بـ«استقرار الفوضى»، حيث الفوضى تعتبر الحاكم الرئيسي والتفسير الأصوب لكل التصرفات مهما اختلفت التيارات وتباينت التوجهات. في تونس بدأت مرحلة الاغتيالات السياسية واستقالة الحكومات. وفي مصر أصبحت الفوضى سيدة الأحكام على كل مستوى وفي كل مجال، والقتل مستمر وانهيار الاقتصاد يتضاعف بسرعة مخيفة، وقد أصبحت السلطة هناك تخرج المظاهرات كما المعارضة تماما ومؤسسة الرئاسة تصدر القرارات ثم لا تستطيع تنفيذها، والقضاء تحاصره مجموعات مؤدلجة تمنعه من القيام بمهامه تحت سمع السلطة الأصولية الجديدة وبصرها وبأمرها في أحيان كثيرة. في ليبيا يمكن أن يصح القول إن كل فصيل يمتلك قوة مسلحة موالية له قادرة على إلغاء اجتماعات الحكومة وحصار ممثلي الشعب، وإغلاق الطرق، والتواصل مع كافة القوى المتطرفة المسلحة جنوبا وشرقا وغربا. وفي اليمن الأمر لا يختلف كثيرا في صورته العامة، حيث إن «استقرار الفوضى» لا يعوق الحلول السياسية والأحزاب المتصارعة إلا بقدر ما يمنح «تنظيم القاعدة» مجالا رحبا للعمل والتخريب. وعموما فإن كثيرا من الجهود والصراعات والتناقضات هي قبل أن تكون تعبيرا عن المصالح المتناقضة والتوجهات المختلفة إنما تمثل تجليا لمنطق التاريخ ومكتنزاته وإفرازاته في الواقع والذي يصل في مؤداه الأخير إلى تخريب أي مسعى جاد قد يؤثر على «استقرار الفوضى». يقف «استقرار الفوضى» على…
الأحد ٠٣ مارس ٢٠١٣
«الإسلام المسلح» هو تعبير يعني ببساطة تلك الجماعات والتيارات والرموز والأفراد الذين لا يرون من الإسلام إلا السلاح والقتال والعنف بشتى الطرائق ومختلف الأساليب تنظيرا وإفتاء أو تخطيطا وتنظيما أو قتلا وإجراما. بحسب البعض اليوم فإن المساحة شاسعة بين الإسلام المسلح والإسلام السياسي، وهو أمر غير صحيح عند محاكمته تاريخيا؛ فجماعة الإخوان المسلمين أبرز وأقدم ممثلي الإسلام السياسي قد استنبتت - منذ البدء - الإسلام المسلح في داخلها وذلك عبر التنظيم السرّي أو النظام الخاص الذي قام - كما هو معلوم - بالكثير من التفجيرات والاغتيالات ونحوها من أعمال العنف التي صنعها على عينه مؤسس الجماعة حسن البنا، وخططت الجماعة كذلك لإقامة ثورات كما جرى في اليمن الإمامية عام 1948، وهو نهج استمرت فيه الجماعة في عهد مرشدها الثاني حسن الهضيبي حيث نقل عنه الإخواني العتيد يوسف القرضاوي موافقته على استمرار النظام الخاص وأشارت لذلك زينب الغزالي، وقد واصل الطريق سيد قطب الذي تم إعدامه في قضية التنظيم الخاص الجديد الذي تبناه وتولى قيادته والذي يقود أعضاؤه الجماعة اليوم، ومن رحم الجماعة وخطاب سيد قطب خرجت تنظيمات العنف الديني في السبعينات. وفي الثمانينات وعند قيام الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي يحسب البعض أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن لها علاقة بما جرى حينذاك، وهو أمر غير صحيح بل لقد انخرطت…