الأحد ١٠ أغسطس ٢٠١٤
قبل أن يصعد أحد أصدقائي المنصة للتصوير مع زوجته وأمه وأخواته في ليلة عرسه، استوقفه قريبه. سحبه من معصمه حتى كاد أن يخلع يده وجره إلى زاوية قصية. طلب منه بصوت خفيض ألا يبتسم لزوجته أمام الحضور حتى لا يعتقدوا أنه غير مصدق أنه ارتبط بها وأنه (ميت) عليها؛ فتغتر عليه ويصبح علكا يلوكه الناس. استشهد عمه بقصص عدد من أقاربهما الذين سمّاهم (خرافا) دلالة على خضوعهم لزوجاتهم وإظهارهم مشاعر السرور في زواجاتهم على رؤوس الأشهاد. أذعن صديقي لنصيحة عمه خشية أن ينضم إلى قائمة (الخراف) مبكرا. كلما صعد درجة في اتجاهه إلى (الكوشة) لمصافحة زوجته ازداد تجهما وعبوسا. حاولت المصوّرة الفلبينية، التي تلتقط له وزوجته الصور التذكارية أن تثنيه عن تكفهره؛ لكنه لم يعبأ بمحاولاتها. كلما طلبت المصوّرة من زوجته أن تمسك بيده من أجل ألبوم الزواج المرتقب سحبها. واصل صديقي عبوسه وتقطيب جبينه حتى هبط من المسرح وغادر القاعة. اعتقد صديقي أنه أطفأ أحاديث الناس في مهدها بتجهمه لكنها أشعلها. فقبل أن ينصرف من القاعة شرع الحضور في التساؤل والدعوات: "ألا يحبها؟ هل بينهما مشكلة؟ أعانها الله عليه". الأسوأ لم يأت بعد. خيمت غمامة حزن على شقتهما الصغيرة عندما تسلّما ألبوم زواجهما وصورهما الأولى المشتركة. كانت صورا بائسة، حزينة، ومثيرة للشفقة. العروس تبتسم والعريس متجهم كأنه في سرادق…
الخميس ٢٤ يوليو ٢٠١٤
أسوأ قرار يمكن أن يتخذه أحدنا هو استصغار ذاته. أن يرى أنه أقل من مهمة معينة أو أصغر من حلم محدد. على قدر طموحك تصل. إذا طموحاتك كانت صغيرة ستظل ضئيلاً، وإذا كانت كبيرة ستكون عملاقاً. كل أولئك الذين نجحوا وتركوا خلفهم إرثاً بديعاً هم الذين سافروا إلى أحلامهم البعيدة. الذي لا يذهب لا يصل لأنه يظل يراوح مكانه. فمن يريد أن يحقق شيئاً ويترك بصمة عليه أن ييمم وجهه شطر الأحلام الكبيرة. الكل يسلك الطرق المعبدة. القليل هم من يسلك الطرق الوعرة. لكن هؤلاء القلة هم الذين يكتشفون ويخلدون. أما البقية مجرد عابرين تحسبهم أيقاظاً وهم رقود. يعتقد المحامي "ويلي غاري" أن اعتداده بنفسه وثقته بقدراته هو الذي جعله محامياً لا يشق له غبار. كان يتجه إلى القضايا الصعبة التي يدير المحامون الآخرون ظهورهم لها. لا يترافع عن أي مدعٍ لديه قضية عادية أو بسيطة. يبحث عن القضايا المعقدة وغير المتوقع نجاحه أو غيره فيها. يؤمن أن القضايا العادية ستصنع منه محامياً تقليدياً، أما القضايا الاستثنائية ستمنحه ألقاباً لا حصر لها وستجعله اسماً يرتبط بالدهشة والإثارة والتميز. انتزع من شركة ديزني نحو 240 مليون دولار، و139 مليون دولار من شركة انهيزر بوش. لم يتوقف الأمر عند ذلك. فلقد أجبر شركة التبغ العملاقة "ار جي رينولدز" بدفع مبلغ 23.6 مليار…
الأحد ٢٠ يوليو ٢٠١٤
كانت والدتي، حفظها الله ورعاها، تطمح إلى أن أصبح مهندسا. تضاعفت هذه الأمنية عندما التحقت بكلية العمارة والتخطيط. منذ يومي الأول في الكلية وهي تناديني بالمهندس. حتى بعض أقاربي كانوا يطلقون عليها لقب أم المهندس. المشكلة لا تكمن هنا. المشكلة تكمن في أنني لم أستسغ التخصص، لم أشعر وأحس به، كنت مأخوذا بالصحافة. كانت الصحافة تجري في دمي. أذهب إلى محاضرتي كي أفرغ منها. جسدي في الكلية وقلبي في الصحيفة. كنت أسمع كثيرا قبل انضمامي إلى كلية العمارة عن حب من طرف واحد. عندما دخلتها تعرفت على اللا حب من الطرفين. عانيتُ كثيرا حتى حان موعد الطلاق. التحدي الكبير كان كيف أخبر والدتي؟ أو كيف أخذلها بأقل عدد من الخسائر؟ لم أستطع مواجهة دموعها وخيبة الأمل، التي تكسو وجهها. راوغت. خرجت من الجامعة دون أن تعلم. كلما شاهدتني سألتني عن الجامعة بحماس وأجبتها بفتور. إحساسها قادها إلى أن تعرف أني غادرت الجامعة وأني لن أكون مهندسا. كان شعورا أليما تجرعناه معا. مرضنا طويلا. هوت طموحاتها كثيرا. بعد أن تعافيت قليلا رتبت معي حقائب رحلتي الجديدة بلا حماس. فهي لا تعلم فربما أكون أضرب موعدا مع خيبة أمل جديدة. فلم تفق من الصدمة بعد. إذ ما زال الناس ينادونها بأم المهندس. تعبت أمي من الألم ومن التصويب للناس. مرت السنوات وتخرجت…
الخميس ١٧ يوليو ٢٠١٤
عندما تزرع بذور الفاكهة ولا تنمو جيدا. لا تلم البذور. ابحث عن الأسباب الحقيقية، التي لم تجعلها تنمو وترتفع عاليا. قد تحتاج إلى أسمدة، أو مياه، أو أشعة شمس أقل. إذا كانت لديك مشكلات مع أصدقائك أو عائلتك فلا تلقِ باللوم عليهم. فربما كانوا جائعين لمشاعرك الدافئة أو عطشانين لكلماتك الرقيقة أو منزعجين من شمس انفعالاتك الحارة المسلطة عليهم. يقول الشاعر الفيتنامي، ناتهانه، إن الآخرين لا يخذلوننا إلا إذا خذلناهم أولا، كالنباتات تماما. علاقاتك مع من حولك كالأشجار. لن تكبر وتثمر إذا لم تسقها وتروِها وتعتنِ بها. لن تجد بذورك، التي تركتها خلف منزلك أشجارا مزدهرة إذا أهملتها ونسيتها. ربما تكبر قليلا ثم تذبل. أو تطول وتصبح كأعجاز نخل خاوية، لا تقيم الأود. أحبَّتك يحتاجون إليك كما تحتاج إليهم. اغمرهم بهطول كلماتك، وسيل مشاعرك، وتدفق اتصالاتك. أسعدهم بابتسامتك وعطائك ورسائلك. أكرمهم باهتمامك؛ لتجد ما تنتظر وتترقب وأكثر. كن بريقا تشعل أيامهم بالفرح عبر تشجيعك ووصلك، ولا تك حريقا يأتي على لحظاتهم إثر غيابك وتقصيرك. أصدقاؤنا يبهتون وينطفئون ويخفقون لأننا لم نمدهم بتواصلنا. هم كالمهاجمين في كرة القدم لن يحرزوا أهدافنا دون أن نبعث لهم تمريرات تسعدهم وتسعدنا. هذه التمريرات هي مشاعرنا وكلماتنا وحرصنا. تزهر وتتفتح الورود كلما نمت بجوار بعضها. وتهلك إذا نمت وحيدة ويتيمة. تستطيع أن تقاوم الميكروبات بكفاءة…
الأحد ١٣ يوليو ٢٠١٤
كان حارس الأرجنتين، سيرخيو روميرو، يقرأ ورقة كتبتها له زوجته خلال ركلات الترجيح أمام هولندا في دور الأربعة بنهائيات كأس العالم 2014. ويتفاءل روميرو بورقة زوجته، التي رافقته منذ أولمبياد بكين 2008، التي أحرز فيها مع ميسي ذهبية الأولمبياد. وكتبت له فيها: "ستصبح بطلا". مرت سنوات عديدة على الورقة التي كتبتها زوجته. لكنه ما زال يحملها معه في أي مباراة يخوضها. يقرأها كلما شعر بصعوبة الموقف. يؤمن سيرخيو أن الورقة لن تجعله يفوز. لكن يدرك أنها تجعله يستجمع قواه عندما تخور في اللحظات العصيبة ويبتسم. لا يختلف عنه كثيرا، النجم الهولندي ماركو فان باستن، أفضل لاعب في العالم عام 1992. لقد كان يضع في جاربه ورقة كتبها له والده يقول فيها: "لا يوجد أفضل منك يا بني. تملك قدما لا تضل طريق المرمى. قم وثابر حتى تحرز هدفا". كان يقطف الورقة من جاربه كلما سقط بعد محاولة فاشلة. كلما نسي أنه لاعب حاسم وعظيم، ينهض بعدها كحصان أصيل يجيد الفوز مهما تعثر وسقط، كانت تمده هذه الورقة بطاقة مثيرة، كلما قرأها تذكر صورة والده وعائلته الذين يراهم في كل حرف في الورقة، يشعر بهم يهتفون أمامه حتى لو كانوا لا يتابعون المباراة. يعتبر فان باستن كلمات أبيه المحفز الأول، الذي يرويه ويسقيه ويمنعه من الذبول والانكسار. أحتفظ شخصيا بدعوات تكتبها…
الخميس ١٩ يونيو ٢٠١٤
يلف الغموض معظم المشاريع التقنية في الوقت المعاصر إثر التغييرات المتسارعة، التي يشهدها العالم السايبري. هذه الطفرة الهائلة أجهزت على كل التنبؤات التي تعتري نجاح وديمومة أي مشروع. أصبح الخيار الوحيد لمواجهة هذا المصير المجهول هو الشروع في تنفيذه بعد قراءة السوق وعمل الجدوى الاقتصادية اللازمة. إذا كان الجزم بنجاح أي مشروع في أي مجال صعب للغاية، فإن الأمر يعد مستحيلا في مجال التقنية الحديثة. المنصات الإعلامية الجديدة والتطبيقات والمواقع التفاعلية باتت تغير جلدها على نحو جنوني ومتكرر كي تبقى على قيد الحياة وسط هذا التنافس المحموم، فكيف بالتي لم تبصر النور بعد؟ التردد وسط هذه الأجواء التنافسية لن يصنع عملا جيدا. قد يجنبك الخسارة. لكن لن يخدم فكرتك ومشروعك. فلا حل أمام رياديي الأعمال الجدد والمتحمسين لأفكارهم سوى الانطلاق وخوض التجربة. المحاولة وحدها هي التي ستحدد مدى ملاءمة الفكرة وجدواها. وربما ستطورها وتجعلها أكثر نضجا وفاعلية. ولا شيء يعبر عما أقوله سوى المصطلح الشهير: "رمي"السباغيتي" على الحائط". فعند رمي السباغيتي (المعكرونة) على الحائط ستعرف إذا كانت السباغيتي قد طهيت بما فيه الكفاية أم لا. فإذا التصقت بالجدار فمعناها أنها طهيت جيداً. أما إذا ارتطمت وسقطت مباشرة فإنها تعطي مؤشرا أنها لم تطبخ جيدا وتحتاج إلى مزيد من الطهي؛ لتصبح ناضجة وجاهزة للأكل. لذلك يتحتم علينا أن نخرج أفكارنا من…
الأحد ١٥ يونيو ٢٠١٤
في حمّى كأس العالم الجارية رأيت أن أواكب هذا الحدث باستعراض جذور ثلاثة مصطلحات ومواضيع رياضية تتكرر على مسامعنا كثيرا. الحصان الأسود، مصطلح يطلق على الفريق أو المنتخب أو الشخص، الذي يحقق نتائج إيجابية غير متوقعة في البطولات أو المنافسات التي يشترك فيها. هذا المصطلح ليس له أصل عربي، بل هو مترجم عن "Dark horse"، وأصل المصطلح إنجليزي، إذ ظهر في أوائل القرن التاسع عشر، وخلال سباقات الأحصنة. الحصان الأسود، استخدم لأول مرة في التاريخ 1831، حيث ذكره المؤلف بنيامين دزرائيلي في رواية بعنوان "الدوق الشاب"، وفي تلك الرواية فاز بالسباق حصان غير معروف، فأطلق عليه لقب الحصان الأسود رغم أن لونه أبيض. منذ ذلك اليوم أصبح المصطلح يطلق على أي شخص يصل إلى منصب أو موقع بشكل مفاجئ. فاستخدم المصطلح سياسيا كثيرا، ومن ذلك عندما تم انتخاب جيمي كارتر رئيسا لأمريكا 1976، فقبل انتخابه بعام لم يكن أحد خارج جورجيا، مسقط رأسه، يعرف اسمه. لكنه بعد ذلك أصبح رئيسا لإحدى أهم وأكبر دول العالم. لذلك أطلق عليه لقب الحصان الأسود. ويستخدم المصطلح رياضيا بغزارة ويرتبط بالفرق المغمورة، التي تحقق نتائج غير متوقعة. فلا يكاد تمر أي مناسبة رياضية دون الإشارة إلى حصان أسود فيها، فالدوريات والمنافسات والبطولات في أرجاء العالم تهدينا كل مرة حصانا أسود جديدا. ولا علاقة لترجمة…
الخميس ٠٥ يونيو ٢٠١٤
تزوجت السيدة نورة قبل نحو 20 عاما من ابن عمها. كافحت في سنواتها الأولى لتنجب طفلا دون جدوى. راجعت أكثر من طبيب واستشاري وكانت كل النتائج تشير إلى أنه لا توجد لديها أي مشكلة. سألها الطبيب أن يقابل زوجها ليجري له بعض الفحوص ليرى إذا كانت لديه أي مشكلات صحية. أظهرت النتائج أن الزوج عقيم ومسألة إنجابه شبه مستحيلة. خضع الزوج لفحوص أكثر من مركز طبي متخصّص في السعودية وخارجها أكدت صحة تشخيص الطبيب. تعلق الزوج ببصيص أمل وأخذ عديداً من الأدوية وأجرى عمليات عدة لكن لم يكتب الله لها النجاح. بعد نحو سبع سنوات من المحاولات الممضة عرض الزوج على نورة أن ينفصل عنها حتى تتمكن من الزواج من شخص آخر ينجب لها وتنعم بطفل يملأ عليها حياتها. رفضت رفضا قاطعا. ضحت بالأمومة. شغلت نفسها بعمل الخير وركزت على الأطفال الفقراء والأيتام. كانت تعمل معلمة في الصباح وفي المساء تنتقل من منزل إلى آخر لتهدي الأطفال الملابس والهدايا المتنوعة وساعات تقضيها بينهم تقرأ عليهم القصص. تخبرني نورة أنها انشغلت طوال الأيام الماضية بحضور حفلات تخرج أبنائها الصغار. تقول في رسالة إلكترونية بعثتها لي من جدة إن أمهات كثيرات دعونها لحضور حفل تخرج أبنائهن لأنها أسهمت في إسعادهم يوما ما. تسألني في ختام رسالتها: "ألست أغنى أم؟ من لديه مثل…
الخميس ٢٩ مايو ٢٠١٤
ترددت نادية طويلا قبل استكمال إجراءات ابتعاثها إلى أمريكا. فالعديد من أقاربها عارضوا فكرة دراستها في الخارج كونها في عمر خطر على حد زعمهم. لقد كانت في الخامسة والعشرين، وقتئذ. أي أن قطار الزواج سيفوتها لو ذهبت إلى الولايات المتحدة. لم تخش نادية ضياع الزوج فحسب، إنما الوظيفة كذلك. فرغم أنها غير موظفة آنذاك إلا أن عمتها حذرتها من أن الوظائف ستهطل عليها إذا سافرت وحينها ستصرف بقية حياتها في الندم والانتحاب إثر قرارها بالالتحاق ببرنامج الابتعاث. كان شقيقها الأصغر هو الداعم الرئيس لها قال لها تعالي عندي وارمي كل الكلام الذي سمعته خلف ظهرك. راق لها كلام شقيقها كثيرا لأنه يتوافق مع رغبتها في متابعة دراستها في التخصص، الذي طالما كانت تحلم بدراسته لكن عدم وجوده في السعودية حال دون تخصصها فيهِ. سافرت إلى أمريكا وبدأت الدراسة. عانت الغربة رغم وجودها مع شقيقها لكن معاناتها الأكبر كانت مع حالة القلق التي انتابتها بسبب خشيتها أن يصح كلام الأقارب في أنها ستخسر أكثر من أن تكسب إثر قرارها بمتابعة دراستها العليا في الخارج. سيطرت على نادية الوساوس خلال شهورها الأول لكنها بدأت تخفت تدريجيا مع انغماسها في دراسة الماجستير ومتطلبات الدراسة المكثفة. لم تعد تملك وقتا كبيرا لتفكر وتتأمل وتسترجع ما قيل وما يقال. بعد نحو تسعة أشهر فقط تلقت…
الخميس ١٥ مايو ٢٠١٤
أظهر الطالب محمد ذكاءً كبيراً وحضوراً ذهنيا فريداً خلال مشاركته في برنامج إثرائي تعليمي في الدمام. انبهر المدرب الذي يشرف عليه بأدائه ونباهته. كان يفوق أقرانه بمراحل. يحل المسائل المستعصية بسرعة، ويساعد رفاق فصله بحماسة. شعر مدربه بمسؤولية كبيرة تتمثل في استمرار تشجيع الطالب حتى يصبح عالماً أو باحثاً يُشار إليه بالبنان إثر إمكاناته وشغفه. رأى مدربه أن ينقل مشاعره وانطباعه وتجربته إلى مدير المدرسة التي يدرس بها محمد حتى يحظى باهتمام ومتابعة تليق بوعيه، ويُوضع له برنامج يُعنى بتطوير قدراته حتى يحقق النجاح المنشود. لكن المدرب فُوجئ عندما نقل رأيه إلى مدير المدرسة برأي صادم للمدير، قال فيه: "أنت متأكد أنك تتحدث عن محمد أو شخص آخر؛ لأن الطالب الذي تتحدث عنه هو أحد أكثر طلاب المدرسة إهمالاً. لا يحل الواجبات، ولا يحترم معلميه، ولا يكترث بالحصص". حينها استعرض المدرب صورة محمد في جوّاله، وقال: "أقصد هذا الطالب". عندما رأى المدير الصورة قال فاغراً فاه: "إنه محمد فعلاً. الطالب المهمل وليس الطالب الجاد المميز الذي تتحدث عنه". حرص المدرب أن يحسم الأمر عبر تسجيل ورشة أعدّها بحضور محمد ليعرضها على مدير مدرسته فيما بعد. دهش المدير حينما شاهد التسجيل، ودعا معلمي محمد إلى أن يشاهدوه حتى يروا كيف يتألق طالبهم خارج فصولهم. هذه الحادثة غيّرت مسار محمد. نال اهتماماً…
الخميس ٠٨ مايو ٢٠١٤
كافح إسحاق محمد حرسي، مواليد 1988، للحصول على تذكرة دخول نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين وحفل افتتاح مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة، الذي أقيم يوم الخميس 1 مايو 2014 بكل الوسائل. ظفر إسحاق بعد محاولات بتذكرتين له ولشقيقه كمال. قاتل إسحاق لمشاهدة حدث لن يشاهده. فهو كفيف. لكنه لا يفوت أي فرصة ثمينة تمر أمامه دون أن يحاول أن يلتقطها. عاش إسحاق كل لحظة في الحدث. رأى كل شيء بعيون شقيقه الذي وصف له الأهداف والتمريرات والألعاب النارية بنشوة لامست شغاف قلبه وطبعت في ذاكرته. يفقد إسحاق حاسة البصر، لكن لم يفقد حاسة الاستمتاع بالتفاصيل. استأذن من عمله في مكتبة الملك فهد العامة في جدة لحضور هذا الحدث الذي لا يتكرر. يعتبر إسحاق نفسه محظوظا؛ لأنه يسمع ويشم ويتذوق ويتخيل، وهذه الحواس تجعله يبصر ما لا نبصر، ويرى أشياء لا نراها. فخياله يضفي نكهات على المشاهد تعطيها ألوانا لا نعرفها وأشكالا لم يسبق أن رأيناها. يتابع إسحاق الدوري المحلي والمنافسات الكروية الأوروبية. يعود لبعض المقاطع القديمة المنشورة على "يوتيوب" للاعب الهلال الدولي السابق، يوسف الثنيان؛ ليستمتع بمهاراته التي يصفها المعلق بمتعة ويتأثر ويطرب بها إسحاق. يلعب إسحاق كرة القدم مع أقرانه، ويتمنى لو كان أخف وزنا حتى يصبح لاعبا ماهرا يخترق الصفوف واللاعبين بسلاسة. أكثر ما يضايق إسحاق…
الأحد ٢٠ أبريل ٢٠١٤
عاش المهندس المعماري محمد السعيد شهورا ممضة بعد تخرجه في الجامعة. حاول البحث عن وظيفة ملائمة لكن لم يجد. سألته شقيقته فاطمة أن يساعدها في إيصال أطباق الحلويات، التي تعدها لزبائنها في الإنستاجرام ــ تطبيق لمشاركة الصور والفيديو ــ فوافق شريطة أن يحصل على نسبة 30 في المائة. فوجئ محمد بإقبال الزبائن على منتجات شقيقته بشكل فاق توقعاته. حصل على دخل جيد شجعه على مراسلة عديد من الطاهيات والطهاة، والباعة الإلكترونيين عبر الإنستاجرام في الرياض، مكان إقامته؛ ليعمل سائقا لتوصيل طلبات زبائنهم. اتفق مع مجموعة جيدة جعلته يتوسع في الخدمة، ويوظف سائقين معه لتلبية الطلبات العديدة. حصل محمد على عرض جيد من إحدى الشركات الكبيرة للعمل في أرجائها. لكنه رفض العرض، مواصلا عمله كسائق وشاب أعمال واعد. يعمل محمد حاليا على تسجيل مؤسسته رسميا بعد أن اشترى عدة سيارات سيسخرها لخدمة مشروعه. يصل دخل محمد شهريا إلى نحو 60 ألف ريال فضلا عن الهدايا التي يحصل عليها من عملائه. يشعر محمد بامتنان لكل الشركات والمؤسسات، التي رفضت تعيينه مبكرا لأن رفضهم جعله يفكر في خيارات لم يكن سيطرق أبوابها لو كان موظفا. إن عديدا من الفرص العظيمة، التي تتاح لنا تأتي عن طريق الأبواب الضيقة، التي نجد صعوبة في الدخول عبرها أو ربما لا نفكر حتى في الدخول من خلالها.…