الخميس ١٦ يوليو ٢٠١٥
في أحد برامج الفتوى، التي تعرض في أوقات العصاري، فاجأ أحد المتصلين الشيخ الذي كان يتلقى الأسئلة ليجيب عنها بسؤال غريب لا يخلو من طرافة.. انفجر المشاهدون ضحكاً بطبيعة الحال وبطبيعة الفطرة؛ إلا أن شيخنا الفاضل تصنع «الكحة» بدلاً من أن يضحك.. لا أعرف لِمَ كتمها؟ هل كانت ستقلل من محبته في قلوبنا؟ أم أنها لا تليق بهيبته؟ * * * لاشك في أن صورة عالم الدين أو طالب العلم الشرعي تتعرّض لحملات تشويه مزاجية أو ممنهجة، بحسب رغبات وخلفيات من يقف خلف تلك الحملات، وهو أمر ليس بالجديد، فمنذ أن رفض إبليس الامتثال لأمر السجود، وصراع الخير والشر دائم على الأرض، وهو ناموس لن ينتهي إلا بانتهاء الأرض ذاتها. لكن دور المشايخ في إيجاد الصورة الذهنية الصحيحة عنهم في المجتمع ذاته لازالت خجولة، وأمامها طريق طويل لتصل إلى قلوب وعقول الناس أولاً، وتزيل الحاجز الوهمي والوصاية ثانياً، ومن ثم يصبح التلقي أسهل وأكثر قبولاً وحميمية، وأولى الخطوات في تصحيح الصورة الذهنية هي التصرف على السليقة والابتسام على الأقل! أتابع منذ فترة بعض الذين نصبوا أنفسهم أوصياء، ويوغلون في استخدام مصطلحات «العامة» و«العوام»! وبالطبع معنى استخدام مصطلح «عامة»، الذي لم يرد في كتاب ولا سنة لكن يبدو أنه لا يندرج ضمن «بدعة وضلالة» لدى البعض، بأنه يوجد «خاصة» فوجود عامة…
الأحد ٠٥ يوليو ٢٠١٥
الحوارات الرمضانية، مهما حاولت فيها الابتعاد عن المطبخ، فإنها يجب أن تدور في فلك «الأكل»؛ حتى لو كان بمفهومه السلبي! في شقة الحرية يجلس العزّاب - وما أدراك ما جلسة العزاب في شقة الحرية - يتحدث صديقي وهو بوزاره وفانيلته عن المجد الذي ينوي الوصول إليه، تتبعثر لديك الصورة الذهنية بين ما يقوله وما تراه.. يردد بيتاً لأحدهم: لا تحسب المجد (تمراً) أنت آكله.. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا! تُبين له أن العرب أرادت أن تقول بأسلوب مؤدب: أنه لن يفلح حتى يأكل (...)! يقسم آخر بأن الشاعر كان صائماً، لأن التمر مؤجل إلى موعد معلوم! وهكذا تعود دورة الحوار إلى المطعم الذي سنفطر فيه اليوم.. الإيقاع السياسي على حياتنا الأكولية أصبح واضحاً.. أحدهم يرفض تناول «الجلو كبابي» ومشتقاته، لأنه لا يثق بالدولة المصدرة، ولا يريد دعمها، والآخر يطلب منا التأكد من ميول أي صاحب مندي مشكوك في انتمائه، وفي احتمالية استخدامه لتيوس مستوطنة في مناطق تتبع الحوثيين، وبالمثل فهناك دعوات لمقاطعة الأكل السوري واللبناني والعراقي والتركي، لعدم توافق مواقفنا السياسية معها.. تنحصر الخيارات في المنسف والطاجين، بينما يتمتم أحدنا في الزاوية بأن يديم الله التوافق السياسي والعلاقات الطيبة مع الهند؛ لأنه لا يستغني عن البرياني! وحده المسخن يثير الحيرة هل زيته من «زتونات أبوالعبد» أم من «زتونات أبوفادي»!…
الجمعة ١٩ يونيو ٢٠١٥
.. وقد شارك في بطولة اليولة هذا العام كل من: مصبح عبدالله الغفلي، وحمد سلطان الكتبي، وحمدان سعيد الرميثي، وتامر عبدو بسيوني، وسيف بن سويلم الكتبي، وسعيد باللومية العامري. هل رأيت ملامحك حين قرأت اسم «تامر عبدو بسيوني» بين اليويلة؟! كان هذا بالضبط شعوري يوم أمس وأنا أقرأ الخبر: وقد أعلنت كل من الكويت والبحرين وإندونيسيا واليابان وقطر والأردن أن يوم الأربعاء هو المتمم لشهر شعبان! في المنطقة الخلفية من عقلي هناك من يدندن بأغنية افتح يا سمسم القديمة.. وواحد لا ينتمي.. وتلك كل القصة! أحترم اليابان جداً وأحبها أكثر مما يفعل الشقيري نفسه.. لكن ما الذي تفعله هنا؟! بل حقيقة ما الذي نفعله نحن هنا إذا كان اليابانيون قد أدلوا بدلوهم في الموضوع؟! لا يفتى وشاكوهارو أكيبارا في المدينة.. يا رجل.. حتى أسماؤهم تنم عن ذكاء شديد! لا يمكنني تخيل شخص غبي اسمه «أكيبارا»! هذه البلاد الجميلة التي قدمت لنا أجمل الأدوات الكهربائية (التي لا تخترب).. وأفضل السيارات (التي لا يطيح سعرها بعد الخروج من باب الوكالة).. وأجمل أفلام الرسوم المتحركة (التي لا تخدش الحياء العام ولا تتعرض لحملات شيلها من بيتك).. التي يعرف من زارها أنهم يطبقون كل تعاليمنا، الأهم بكثير من تحري رؤية الهلال.. بدءاً من قبول الآخر.. وليس انتهاء بأجمل الدروس للعالم في التعامل مع الأزمات…
الثلاثاء ١٦ يونيو ٢٠١٥
«أُستاز عبدالله تعال بسرعة».. أن تأتيك هذه العبارة من المؤسسة يعني أن تترك ما في يديك وتذهب مباشرة، دون المرور بمرحلة تسخين الموتر والتخلص من غاز «شيء ما – أكسيد الكربون» الذي يخرج من المكيف في بدايات تشغيله! في الطريق إلى المؤسسة أتساءل عن سبب هذا الاستدعاء المفاجئ! هل «الجهات المعنية» لديها ملاحظات أخرى على ما أكتب؟ هل خبصت في الآونة الأخيرة؟ لكن لحظة! لقد قال لي صديقي: أستاز عبدالله (هكذا بالضبط بالزاي)، لم يقل عبود أو عبادي أو أبوالعبد، ومعنى ذلك أن المدير العام فوق رأسه، أو أن هناك مسدساً مصوباً إلى الرأس ذاته! في المؤسسة كانت الأمور مختلفة عن أيامي العادية! ما هذه اللوحة؟ هل قرر مسؤول الكراج أخيراً تخصيص موقف لي؟ بل ويسبق اسمي في اللوحة التي تعلو الموقف حرف الـ«أ.» (ألف ونقطة)، هذا كثير، لكن هل هي «أستاذ» أم «أستاز»؟ لا أعتقد أنها «المدعو»، فهناك همزة، كما تلاحظون «يا بتوع اللغة»! الجميع يبتسم بتملق، الأصدقاء يسألون عن أسرتي وأمي، لمحت «مجات» عدة، وهي جمع «مج»، والمج نوع من الأكواب الخزفية الواردة إلينا من بلاد الكفار لوضع القهوة، كان هناك العديد منها على مكتبي من زملاء مختلفين، رئيس التحرير يقوم بنفسه بصب القهوة لي، ومساعدوه يعرضون عليّ الاهتمام بصفحات مختلفة، الثقافية، الفنية، حتى الصفحة الرياضية، لي أنا؟…
الخميس ٠٤ يونيو ٢٠١٥
في تلك الصندقة الجميلة القريبة من البحر والتي شهدت اثنا عشر عاماً من أعوامنا .. وفي العام الأول منها تحديداً .. قال لنا المدرس الذكر .. الذي كان يدرس جميع المواد بموهبة ما .. بأن مشركي قريش كانوا يصنعون صنماً من التمر أو التوفي أو الجيلاتين .. حتى إذا جاع احدهم قام فاكله .. كان الصف ينتفض انتفاضاً من الضحك .. يالؤلئك المشركين الحمقى !! .. نحن طلاب الأول ابتدائي –ب نرى الغباء واضحاً في ذلك التصرف .. فكيف برجل قرشي كبير وضليع في اللغة ويركب الخيل !! .. إنه غباء الكفرة .. كنا تقريباً ثلاثون أو شيئاً وثلاثون .. تخونني الذاكرة .. لا زال أغلبنا ابن فريج .. ومرت ثلاثون اخرى على تلك السنون .. بعددنا تماماً .. ولا زلنا نلتقي .. ولكن ما تغير هو أن الدائرة عادت إلى النقطة الأولى فأغلب الثلاثون أصبحوا لا يرون غضاضة في وجود الأصنام في حياتهم مرة أخرى .. وجزء كبير منهم أصبح يتفهم دوافع الآكلين لآلهتهم في فترات الجوع .. لم يعد احد يجد في القصة دعابةً أو شيئاً مضحكا .. جزء كبير من الثلاثون يرون بأن لكل شخص القدرة على النظر إلى هذا الكون من زاويته وأن تفكيرك هو الذي سيقودك لاتخاذ إله من تمر أو شعير .. أو أي…
الأربعاء ٠٣ يونيو ٢٠١٥
تقول القصة العباسية الشهيرة إن أميراً ما للمؤمنين خرج في صيد، وأضاع حرسه، وبلغ منه العطش مبلغه، فدخل بيتاً من بيوت المؤمنين، الذين هو أميرهم بالطبع، وطلب ماء، فلما شرب الأولى قال لصاحب الدار: أتعلم من أنا؟ فأجاب الرجل بالنفي، فقال له الأمير ممازحاً: أنا أحد قواد جيوش أمير المؤمنين، ثم شرب الثانية وقال: أتعلم من أنا، فأجاب الرجل نافياً ثانية، فقال له: بل أنا وزير من وزراء أمير المؤمنين، فلما شرب الثالثة قال الحقيقة للرجل: أنا أمير المؤمنين، فما كان من الرجل إلا أن أسقط الكأس من يدي الأمير وقال له: إليك عني يا عدو الله، لو شربت الرابعة لقلت إنك رسول الله، يقال إن الدولة العباسية انتهت والوزراء يحاولون إقناع الأمير بالتوقف عن الضحك، على أنك تعرف بالطبع أن أخبار الرجل قد انقطعت تماماً واختفى! لا تنس أن عاصمة العباسيين كانت بغداد! أتذكر هذه القصة اللطيفة وأنا أتساءل كيف يمكن للمسؤولين أن يعرفوا آراء الناس الحقيقية في القرارات والمبادرات والاقتراحات، والناس لا تعبر عن آرائها إلا طبقاً لمن صدرت عنه، فحين يخرج مدير دائرة أو أي مسؤول أعلى أو أصغر في اجتماع رسمي ليطرح أفكاره.. استراتيجيته.. رؤاه، فهو يطرحها بشكل رسمي، ومن الطبيعي أن تصبح المجاملات هي سيدة الموقف، تبدأ السكرتيرة بكلمة: واو.. شو هيدا! ويتبعها الجمع: خطير..…
الأحد ٢٤ مايو ٢٠١٥
في الثمانينات كان هناك ذلك الكتاب الذي بقي متصدراً بورصة الكتب فترة طويلة، كان المؤلف لكاتب أميركي يدعى «ديل كارنيجي» تحت اسم: «كيف تكسب الأصدقاء».. ترجم الكتاب إلى عشرات اللغات وبيع منه أكثر من 16 مليون نسخة.. كان ذلك في زمان يكتب الناس على بيوتهم «أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. لطالما استعبد الإنسان إحسان»، بدلاً من عبارة «ونشرب إن وردنا الماء صفواً.. ويشرب غيرنا كدراً وطينا»، هل تجد الأمر غريباً؟! أنا لا أراه كذلك إطلاقاً.. فالناس جُبلت على حب كسب قلوب الناس ومحبتهم.. لكن بالطبع لكل قاعدة شواذ! شواذ الفكر وشواذ المنطق وشواذ كل شيء.. دائماً يسيرون عكس السير.. لا أعرف ما الذي يمكن أن يستفيده أولئك الذين يستقتلون على كسب العداوات؟ تطبيق كل النظريات وكل الأمور التي تؤدي لأن يكرهك الناس؟!! ما هو السر.. وصلنا هكذا في غمضة عين إلى منتصف عام 2015، نحن الذين كنا لا نعرف هل سنعيش حتى عام 2000 ونرى ما الذي سيحدث للأجهزة الكهربائية بسبب ما عرف آنذاك بـ«علة القرن»! ها نحن سنودع 15 عاماً أخرى!.. يا للسرعة!.. هل فكرت في أن تتزوج أخيراً.. اذهب إلى الخطابة وستصدمك بأن الفتاة الموجودة في الصفحة الرابعة في الكاتالوج والتي أبديت إعجابك بها من مواليد عام 2001.. وهي تبحث عن زوج.. العمر يمر أيها الأحمق الكبير.. وأنت…
الأحد ٠٣ مايو ٢٠١٥
سأصدقك القول.. الحب من عند الله.. أحببته حين شدا بـ«صاير إنتا سندباد». كنت أحياناً أسمعها ثم أستغفر، وأحياناً أخرى أستغفر، ثم أسمعها! وأحببته حين وصل إلى ما يعرف بالقمة/القاع، بحسب المتحدث، وفي أي اتجاه يتحدث. أحببته حين أصبح ثورياً يطالب بالحريات، ويقف في وجه الميليشيات الدموية التي تعطي ولاءها لما وراء حدود العروبة، على حساب أبناء الوطن، والمصير الواحد، أحببته حين رحل أو حين جاء، وأحببته حين عاد أو حينما ارتحل، أو قل انتكس، إن شئت هذا، لا يهم بحسب أي أرض تقف عليها، وأي عرض تنتوي انتهاكه اليوم! لحية فضل شاكر، التي أصبحت قضية لبنان والوطن العربي الأهم، في فترة ما، هي فعلياً ليست لحيته صدقني، لا أقصد أنها تركيب، ولكنها حقيقة لحيتنا جميعاً، هي ذلك الرمز الذي نضعه في أحيان معينة لظرف معين، ثم نراجعه أو نتراجع عنه. لحية فضل شاكر حين وضعت فقد أظهرت مخاوفنا كلها، في داخل كل منا فضل شاكر، يخاف على «طرابلس» الخاصة به، بعضنا يخاف عليها من دولة تعتقد أنها عظمى، وبعضنا يخاف عليها من ميليشيات الموت، وبعضنا يخاف عليها من انقلابيين جهلة «يحوثون» النار أينما وجدوا، نختلف في درجات الخوف، ونختلف في طرق التعامل معه، البعض يتجاهل كل المؤشرات ويردد أن الأمور طيبة، حتى يجد نفسه يُطارد كمطلوب للعدالة بتهمة الإرهاب، والبعض…
الخميس ٠٢ أبريل ٢٠١٥
كان طفلاً جميلاً في إحدى الفعاليات المدرسية التي كانت تقام بمناسبة ما، جيء به ليعتلي المنصة ويرتل بضع آيات من الذكر الحكيم. الحق أنني وصاحبي ذهلنا من طريقته الجميلة في الإلقاء، وسماحة وجهه، وإتقان المخارج الذي لا يتناسب مع صغر سنه، انتهت الفقرة والكثيرون يدعون له، ودعا صاحبي له من قلبه: الله يحفظه ويبعده عن الجهاد والمجاهدين! كان صديقي صادقاً في محبته ودعائه من القلب، لكن يبدو أنه شاهد آثار الصدمة على وجهي، فأوضح موقفه: أنت تعرف أنني لا أقصد أن يبتعد عن جهاد المال، كوموون! لايزال وجهي بلاستيكياً، ولا أستطيع التخلص من تعبير القرف، وصديقي يكرر: هيا أيها الأحمق، هل قال لك أحدهم إنني أراك جميلاً، ومستعد لـ«البحلقة» في وجهك أكثر من هذا؟! أنت تعلم أنني أقصد أن يبعده الله عن الإرهاب! أعلم! لكنك استخدمت مصطلحاً يخصنا نحن، لا الإرهابيين، غداً ستدعو له بالبعد عن الصلاة والحج والزكاة! يجيبني وهو يشير إلى البطاقة التي تحمل صورتي، وأنا أنظر برومانسية إلى العدسة، وتحتها كلمة «إعلامي»: إنها مشكلتكم أنتم يا بتوع الجرايد، نحن نكرر ما تقولونه.. حركات جهادية.. مجاهدون.. جهاديون.. لوموا أنفسكم، ويمكنك الآن الجلوس وفك التعبير الأبله.. لن تؤثر عليّ! لقد كان صديقي صريحاً إلى حد الجرح، لكنه صادق جداً، فنحن المسؤولون، وبغفلتنا وحماقتنا سببنا ضرراً كبيراً لهذا المصطلح الراقي،…
الخميس ٢٦ مارس ٢٠١٥
يبدو الجميع متململين وهم ينتظرون ذلك المسؤول السمج الذي اعتادوا أن يفرض عليهم الوصول إلى قاعة الاجتماعات قبله لكي يدخل عليهم مثل النجم وهو يرطن ببضعة مصطلحات إنجليزية، ثم يبدأ تشغيل البروجكتر ويريهم «شرائح» عدة تمتلئ برسومات بيانية عن استراتيجية العمل والأهداف التي يجب تحقيقها في المرحلة التالية.. يتطرق إلى معلومة في رسمة بيانية معينة يبدأ البحث عنها في ملف الصور.. البروجكتر لايزال يعمل.. يقوم المحاضر بتقليب الصور.. وفجأة تمتلئ القاعة بالشهقات والضحكات المكتومة الشامتة.. يتلعثم المحاضر.. يبدأ جبينه بالتعرق.. يعتذر كسيراً وهو يقول: أرسلها لي أحد الزملاء ونسيت حذفها.. يحاول بلا جدوى أن يطفئ البروجكتر.. الذي «يجيم» كما هي العادة في هذه المواقف.. ينطفئ أخيراً بعد أن انطفأت ثقته بنفسه.. وسمعته.. إلى الأبد. في قصة أخرى يقوم أحد محال الهواتف المتحركة الذي يعمل فيه مجموعة من الشباب ولمجرد التسلية بعمل قائمة من الفحوص التي يجب عليهم إجراؤها حين دخول هاتف متحرك للتصليح وبجوار كل منهم مربع صغير: تنظيف الشاشة.. فحص البطارية.. فحص حالة الجهاز الخارجية.. الفحص الأخلاقي.. وهو فحص اقترحه أحدهم لمعرفة مدى أخلاق صاحب الهاتف المتحرك.. فتكون نتيجة هذا الفحص أنهم وجدوا ما لم يجده علي بابا في المغارة.. في هواتف الجميع.. تتغير معاملتهم للزبون المحترم الذي رسب في الفحص الأخلاقي.. يبدؤون بالتغامز لدى دخوله.. يدرك الأمر ويقسم…
الإثنين ١٦ مارس ٢٠١٥
كان يحظى بامتيازات لم يكن أي من طلبة «المويجعي» يحلم بأن يحصل عليها، فقد كان يستطيع إدخال سيارته وإيقافها إلى جوار سيارات الدكاترة، وكان يحصل على وجبات مجانية من الكافتيريا، وجميع البحوث المطلوبة منا يقوم عدد من الطلبة جلوس الصف الأول بإعدادها له، وبينما طلاب آخرون يشرحون له المحاضرة التي غاب فيها في الأسبوع الماضي، يقوم طالب ثالث أو رابع بأخذ سيارته إلى محطة الغسيل لتلميعها وتبديل الزيت والفلتر! لم يكن رشود بروكسي ابن أحد أفراد الطبقة المخملية، ولم يكن تاجر عقارات، ولم يكن شخصية مجتمع كل ما فيه أنه كان في تلك الأيام يمتلك قائمة كبيرة بها الكثير من الأرقام، التي تبدأ وتنتهي على غرار 194.06.04.01 وتسمح لمستخدم شبكة الإنترنت وهي الوافد الجديد إلى الجامعة بالدخول إلى أي موقع يريده بعد تجاوز رقابة شركة اتصالات، بما يعرف اصطلاحاً بالـ«بروكسي»، كان من الاعتيادي أن تسمع صوت أحدهم كأنه متأخر عن موعد حقنة أفيون، وهو يتذلل بالصوت: رشود الله يخليك عندك بروكسي؟! الجميل أن البعض كان يقول له بعد الحصول على الرقم: الله يجعله في ميزان حسناتك! نشرت صحيفتنا في الأسبوع الماضي بصفحة التقنية مراجعة لأحد التطبيقات الخاصة بحماية الخصوصية، وهي الجيل الجديد من البروكسيات، التي تعرف بالـVPN، حيث إن تشغيلها على الهواتف المتحركة يقوم بما كان البروكسي يقوم به سابقاً،…
الجمعة ١٣ مارس ٢٠١٥
«أنا الشيطان وزني.. ولا حد بيودني أنا مين.. أنا مين أنا مييين أنا مين» • مطرب شعبي مجهول *** وجود إبليس أصبح ضرورة وكمالية مهمة في حياة شعوبنا.. فمنذ نعومة الأظافر، حينما يتم استدعاؤك وسؤالك عن سبب شقاوتك وكسرك للآنية الفخارية السخيفة التي يتم توارثها منذ أيام جد يحمل اسمه موسيقى غريبة، على نمط فنيطل ومجيلط ومجعفل.. إذا حاولت التملص من جريمتك فستعاقب بحسب قانون العائلة إما بكنس الحوش أو بالحبس في خن الدجاج، وغير ذلك من الأساليب التي لم تكتشفها السوبر ناني بعد.. لكنك إذا كنت طفلاً ذكياً فستستخدم فطرتك بإسبال عينيك وادّعاء الندم وذكر العبارة السحرية: «أستغفر.. الشيطان ضحك عليّ!»، وهكذا ستحصل على عناق وقبلات.. ونظرة فخر لأن عقيدتك سليمة.. والآنية الفخارية.. فدا راسك! يكبر الطفل وهو سعيد بهذه الهبة.. فإبليس دائماً موجود.. إبليس وزني .. الشيطان ضحك عليّ.. للمدرس عند ترك الواجب.. للشيخ عند ارتكاب معصية.. للزوجة عند اكتشاف خيانة.. هو موجود دائماً هناك، واقفاً في زاويته المظلمة، سعيد بإلقاء التهم عليه.. المهم أن نستمر.. الأجمل من ذلك أن الألفاظ المحرمة في أي منزل.. يُستثنى هو منها.. مثلاً تذكر حين تُغلق الهاتف بعد حوار قذر مع أحدهم.. ثم تقول: تفوووه الله يلعنه!.. فتأتي (مكتب التحقيقات الأخلاقية المنزلية) غاضبة عليك وتعطيك محاضرة في مساوئ اللعن، وأنه ليس من…