الأربعاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٣
استكمالاً لمناقشة أوضاع سوق العمل السعودية، وما يُضخُّ في مختلف جنباتها من قراراتٍ وبرامج وإجراءات من قبل وزارة العمل، مع الإشارة هنا إلى أنَّ ما قامت به وزارة العمل منذ مطلع 2011 وحتى تاريخه، يُعد الحزمة الأكبر من القرارات والإجراءات في تاريخ الأجهزة الحكومية منذ تأسيس البلاد! ما يؤكدُ حرصها على معالجة اختلالات سوق العمل، وسعيها الحثيث لأجل رفع مساهمة العمالة الوطنية في السوق، غير أنّه فات على وزارة العمل أنَّ ما تعانيه السوق من تشوهاتٍ بالغة التعقيد، كان مصدرها الرئيس تشوهاتٌ أكبر بكثيرٍ من قدرتها وحدود صلاحياتها، وهو ما أحاولُ إيصاله إلى دوائر القرار فيها منذ بدأتْ بإعلان وتنفيذ برامجها المتتالية. كما هو معلومٌ ومثبتٌ في مجال السياسات الاقتصادية؛ أنَّ محاولة اتخاذ حلولٍ ''جزئية'' و''منفردة'' تجاه أزماتٍ وتحدياتٍ منشأها الرئيس أزماتٍ وتحدياتٍ أكبر وأعمق على مستوى الاقتصاد الكلي، ستأتي نتيجتها الحتمية وخيمةً إلى حدودٍ تتجاوز بمساوئها مساوئ الواقع الراهن الذي يحاول المخطط الاقتصادي معالجته! هذه حالة. الحالة الأكثر خطراً من السابقة؛ أنْ تهرول أكثر من جهةٍ حكومية في اتجاه الحلول ''الجزئية'' و''المنفردة'' وفق النسق المشار إليه أعلاه! بمعنى أنَّ يتولّى كل جهازٍ حكومي تنفيذ مهامه ومسؤولياته وتحدياته، لكن بجهودٍ منفصلة أو شبه منفصلة عن ما يقوم به غيره من الأجهزة الأخرى. هنا؛ هيهات أنْ تتمكّن من رصْد أو تتبع…
الإثنين ٢٩ يوليو ٢٠١٣
أصدر صندوق النقد الدولي أخيراً تقريره السنوي المعتاد عن الاقتصاد السعودي، مشاورات المادة الرابعة لعام 2013م، وهو التقرير الذي يُظهر تقييم وتوصيات خبراء الصندوق تجاه مختلف التطورات والسياسات لدى الدول الأعضاء فيه، ومن ضمنها بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية. تضمّن التقرير أهم القضايا والملفات الاقتصادية في البلاد، إضافةً إلى أبرز الآفاق والمخاطر التي تلوح حول أداء الاقتصاد وعلاقاته الخارجية، ورؤية الصندوق تجاه مختلف السياسات الاقتصادية الراهنة (التقرير كاملاً، منشور على الموقع الإلكتروني للصندوق:www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/scr/2013/cr13229a.pdf). هناك الكثير من القضايا الاقتصادية تطرّق إليها التقرير، تتطلّب نقاشاً عميقاً وطويلاً لأهميتها البالغة جداً، وهو ما لا تسمح به مساحة المقال هنا، ولعله يُتاح مستقبلاً العودة إليها حسب كل قضية. الأهم في مقال اليوم ما تضمّنه التقرير في توصيته رقم (38) صفحة (25)، التي نصّتْ على التالي: أوصى خبراء الصندوق باتخاذ عددٍ من التدابير على مستوى السياسات، لضمان مواصلة تخفيض عجز الموازنة في 2018م وما بعدها، تتضمن هذه التدابير: (1) مواصلة وضع قيود محكمة على الرواتب والأجور، و(2) تطوير مصادر الإيرادات غير النفطية (ضريبة القيمة المضافة والضرائب غير المباشرة) بما يتماشى مع زيادة حجم الاقتصاد غير النفطي، و(3) رفْع أسعار الطاقة المحليّة تدريجياً مع مرور الوقت، و(4) ضمان جودة الإنفاق وكفاءته، بما في ذلك عن طريق الاهتمام الوثيق بالنتائج التي يتم تحقيقها في قطاعات الصحة، والتعليم،…
السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٣
كما بيّنت في نهاية المقال الأخير، أنّ تفاصيل مهمة وكثيرة ضمن سلسلة المقالات الثلاث ''هيكلة الاقتصاد.. أمْ زيادة الرواتب فقط'' سأعود إليها بالمزيد من الحديث. وقبل أنْ أسترسل في تلك التفاصيل المهمّة جداً، هناك بعض المعلومات ''الموثّقة''، يجب معرفتها من جميع الأطراف المعنيّة بموضوع زيادة الرواتب، سواء في القطاعين الحكومي أو الخاص: (1) شكّل بند رواتب العاملين في القطاع الحكومي نحو 32 في المائة من إجمالي مصروفات الحكومة، وتقدّر وزارة المالية وفقاً لصندوق النقد الدولي أن تُحافظ على هذه النسبة إلى نهاية 2017. هذه النسبة تختلف عمّا يروّج له عن جهل بأن نسبة الرواتب إلى إجمالي مصروفات الحكومة تتجاوز 65 في المائة! (2) فيما شكّل بند رواتب العاملين في القطاع الخاص أقل من 16.5 في المائة من إجمالي النفقات التشغيلية لكافّة منشآته، وأقل من 7 في المائة من إجمالي إيراداته التشغيلية ''المسح الاقتصادي 2010م لمصلحة الإحصاءات العامّة''. (3) بلغت نسبة السعوديين العاملين في القطاع الحكومي بنهاية 2012 إلى 93.7 في المائة، فيما بلغتْ نسبة العاملين منهم إلى إجمالي العمالة في القطاع الخاص للعام نفسه إلى 13.4 في المائة، وتظل معرفة النسبة الأخيرة المتعلقة بالقطاع الخاص بالغة الأهمية، كونها صغيرةً جداً، والأصغر منها حصّة العاملين السعوديين من إجمالي فاتورة الأجور المدفوعة، والتي تُقدّر في حدود 7 إلى 8 في المائة فقط…
الثلاثاء ٠٩ يوليو ٢٠١٣
قبل الحديث عن السنوات العشر القادمة 2013-2022، من الأهمية بمكانٍ استعراضُ خلاصة أهم ما حدث خلال السنوات العشر الأخيرة 2003-2012م. سجّل الاقتصاد الوطني معدل نمو حقيقي في المتوسط تجاوز 7 في المائة، وتمكّن الاقتصاد غير النفطي من تحقيق معدل نمو حقيقي في المتوسط أكبر منه بلغ نحو 8 في المائة. أمّا على مستوى الميزانية الحكومية، فقد ساهم تحسّن أسعار النفط خلال ذلك العقد بأكثر من 353 في المائة، من 24.3 دولار لبرميل النفط العربي الخفيف نهاية 2002م إلى نحو 110 دولارات نهاية 2012م، في إضفاء تحسّنٍ غير مسبوق على قدرة الميزانية، مكّنها من رفع إجمالي إيراداتها خلال العقد إلى 7.3 تريليون ريال (الإيرادات النفطية 89.2 في المائة، الإيرادات الأخرى 10.8 في المائة)، مقابل إجمالي مصروفات بلغت أكثر من 5.2 تريليون ريال (المصروفات الجارية 73.7 في المائة، المصروفات الرأسمالية 26.3 في المائة)، وعزز من مقدرة الحكومة نحو خفض حجم مديونيتها خلال العقد، من 685.2 مليار ريال (97.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) إلى 98.9 مليار ريال بنهاية 2012م (3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وأدّى التحسّن في مستويات أسعار النفط إلى إضافة نحو 2.1 تريليون ريال إلى رصيد الاحتياطيات الحكومية. على مستوى مخرجات التعليم (العالي، الفني)، تجاوز إجمالي الخريجين خلال الفترة 1.3 مليون خريج وخريجة، وبإضافة المتسربين من التعليم…
الأحد ٠٧ يوليو ٢٠١٣
إني لأرجو أن يُؤخذ ما سأدوّنه في هذا المقال على محمل الجد، وأن يجد آذاناً صاغية! ليس لشيء إلا لتحقيق الاستقرار ثم الاستقرار ثم الاستقرار. نواة أي مجتمع بشري هي الفرد، تحيط به أسرته كدائرة أوسع قليلا، لكنها الأوثق ارتباطاً بذلك الفرد من أي رباط آخر، وهكذا تجتمع آلاف أو ملايين الأسر لتكوّن مجتمعاً واحداً ضمن حدوده الدولية المتعارف عليها. لا جديد هنا، فالأمر معلوم لدى الصغير والكبير منا، لكنه أحياناً يغيب عن حيثيات كثيرٍ من قراراتنا المصيرية، التي يتمنى المرء لو أنها غابت عن ذاكرتنا ولم تغب عن حيثيات تلك القرارات! وعليه؛ إنْ تعرّض هذا الفرد لأي ضغوطٍ مادية ونفسية مهما كان وزنها، فإن آثارها تنتقل فوراً لمحيطه الأسري، ومن ثم لتجتمع بصورة أكبر على حساب المجتمع بأكمله! قد تتطور الأمور لما هو أسوأ من ذلك، فقد تتسع دائرة تلك الضغوط لتعمَّ أفراداً أكثر عدداً، وقد يزداد ثقلها عليهم مع مرور الوقت وديمومتها! بل قد تجلب مزيداً من الضغوط الأخرى المختلفة نوعاً وكمّاً، وتمضي تلك الدوائر في الاتساع والتعمّق ما شاء الله لها أن تمضي، إلى أنْ تنتهي إلى ما قدّر الله لها من نهايةٍ، هي في أوّل الأمر ونهايته لا تتجاوز كونها سُنة من سنن الخالق في خلقه، غير أنها بالنسبة إلى البشر لا أقل من أن يصفها…
الخميس ٠٤ يوليو ٢٠١٣
ثبتَ لنا تضخّم أسعار الأراضي والعقار بأكثر من خمسة أضعاف معدل نمو دخول الأفراد خلال 2007-2012، وثبت أنّ رالي أسعارها المتصاعد جاء بدافعٍ من لهْث السيولة الهائل محلياً وراء قنواتٍ للاستثمار؛ فلم تجد إلا تلك الأراضي القفار لتُلهب أسعارها، ولحقتها تالياً السيولة المضاربية لتزيد الحريق اشتعالاً فاق الوصف، دافعاً ثمنها باهظاً الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي بكل شرائحه العمرية. غذّى تلك الحرائق إضافةً لضيق فرص الاستثمار المحلية ومعوقات بيئتها، احتكار الأراضي بصورةٍ جعلتْ من معدلات تركّزها في يد قلّةٍ ضيقةٍ جداً من كبار الملاك؛ الأعلى على مستوى اقتصادات العالم! محوّلاً تلك المساحات الشاسعة من الأراضي القابلة للتطوير على مستوى مدن وحواضر البلاد، الكافية لسُكنى أكثر من 65 مليون نسمة، ولتقبع ساكنةً خامدةً في غياهب الاحتكار، وخلف الشباك المنيعة الشائكة، ولتحلّق في آفاقنا الإعلامية والاقتصادية العبارة الأكثر تضليلاً وكذباً وتزييفاً ''شح الأراضي''. جنّد العديد ممن استفاد ويستفيد - دون أدنى وجهٍ للحق- من الحالة المعقدة، التي وصل إليها المجتمع السعودي إزاء ''أزمة الإسكان''، أؤكد أنّها جنّدتْ بضيق عددها وأفقها أدواتها المشروعة وغير المشروعة لبثِّ تلك المقولة المضللة الكاذبة! والعمل كتابةً وقولاً وخطاباً على نشر إطروحاتٍ تزعم وصلها بالنظريات الاقتصادية؛ عناوينها الرئيسة: (1) تحركات أسعار الأراضي والعقار الصاعدة أمرٌ مقبول، ويتوافق مع النمو الاقتصادي المحلي، وحجم الإنفاق الحكومي الهائل، إلى آخر تلك الهرطقات…
الإثنين ٢٤ يونيو ٢٠١٣
اتخذتْ مؤشرات التنمية البشرية خلال الأعوم الخمسة الماضية اتجاهات أكثر تفصيلاً، وأكثر شمولية، وجمعتها تحت مظلة السياسات الاجتماعية. ابتكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تلك المؤشرات المهمة، كانعكاسٍ لخبراته التراكمية ونتائج أبحاثٍ امتدتْ نحو قرنٍ مضى من الحياة البشرية، تركّزتْ على دراسة آثار السياسات الاقتصادية ودور الثروات والأزمات المالية والبيئية، وما تخلّفه وراءها في حياة المجتمعات. كان مؤدّى تلك الرحلة الطويلة اكتشاف أنَّ هناك عوامل أخرى لا تقل أهميةً عن دور تلك المذكورة أعلاه؛ فالأنظمة السياسية والاجتماعية، والخبرات الحضارية للمجتمعات، وأنماط الحياة المتخلّقة كنتيجة عنها، كانت لها أيضاً آثارٌ عميقة، قد تؤيد أو تلغي الآثار المتأتية عن السياسات الاقتصادية والتنموية المعمول بها. هذا بدوره أفضى لابتكار مؤشراتٍ خلاقة جديدة على مستوى سلّم مؤشرات التنمية البشرية، ووصل بها إلى مستوياتٍ أعلى حتى من مجرّد قياس ومعرفة ما تحقق بشرياً، إذْ أصبح العالم بمواجهة شبكة مؤشراتٍ إنسانية أكثر من كونها بشرية، تأخذ في الاعتبار أبعاداً لم يكن مقدّراً لحزمة المؤشرات البشرية استيعابها، ولعل مما يُذكر في هذا الشأن كتغييرٍ محوري فيما أتحدّث عنه؛ تحوّل الاهتمام من مجرد قياس ما تحقق من منجزاتٍ للتنمية، إلى اهتمامٍ أكبر بما تحقق للسياسات الإنمائية! ومن مجرد خلق فرص عمل في الاقتصادات، إلى قياس درجة لائقيتها كفرص عمل أمام الباحثين المؤهلين عنها، ومن مجرد حصر عدد الأطباء والمستشفيات…
الأربعاء ٠٦ مارس ٢٠١٣
كانت أخبار وزارة الصحة ملفتةً جداً خلال الأسبوعين الماضيين: (1) إصابة الطفلة رهام حكمي بالإيدز بمنطقة جازان، بعد حقن جسدها الصغير بدمٍ يحمل مرض العصر الأخطر. (2) وفاة حنان الدوشي في مستشفى الملك فهد بجازان أيضاً، المصابة بمرض الأنيميا المنجلية، وكان سبب الوفاة وفقاً لشهادة الوفاة تجرثم الدم الذي نُقل لها، فيما أرجعت مديرية الشؤون الصحية أسباب الوفاة إلى مضاعفات مرض الأنيميا المنجلية. (3) وفاة المواطن عبدالله الغامدي لحقنه بإبرةٍ في مستوصف خاص بمحافظة نمرة، أدّتْ إلى إصابته بتسمم في الدم، انتشرتْ على إثرها الغرغرينا في جسده ومن ثمَّ توفّى. (4) وفاة الطفلة شريفة العمري (6 شهور) بسبب تشخيص خاطئ بمستشفى الولادة بالدمام حسب والدها، فيما قالت وزارة الصحة: إن الطفلة كانت تعاني من التهاب رئوي ناجم عن الشرقة أثناء الرضاعة، وساءتْ حالتها لاحقاً ما أدّى إلى وفاتها. هل قام مجلس الشورى باستدعاء وزير الصحة لاستيضاح ما يجري بوزارته؟ هل فُتحتْ تحقيقات رسمية حول تلك الكوارث؟ هل ومليون سؤالٍ تدور في خَلد 29 مليون مواطن ومقيم، أصبح الذعر رفيقهم كلما دفعهم المرض لزيارة مرافق هذه الوزارة؟! إننا في مواجهة أخطاء طبية كارثية، ذهب ضحيتها الإنسان! فهل يتم استدراك من تبقّى أمْ ننتظر مزيداً من الضحايا؟! المصدر: صحيفة الشرق