الجمعة ٢٧ مايو ٢٠١٦
خمسون دولارًا وبضعة سنتات أصبح سعر البرميل، مما يجعله أسعد أخبار هذا العام حتى الآن. فقد كانت التوقعات أن تستمر أسعاره في الانحدار إلى العشرينات من الدولارات، وتتسع الأزمة الاقتصادية حتى تهز كل المنطقة، لا الدول المصدرة للبترول فقط. وهذا الصعود الصامت للسعر لا يمنع أن ينتكس ويبدأ مرحلة جديدة من الآلام الاقتصادية، إنما أعادت الدولارات شيئا من الروح للأسواق المتعبة. ويعزى سبب الارتفاع الأخير إلى الاضطرابات في مناطق النفط النيجيرية، واستمرار الإصلاحات في بعض منشآت النفط في منطقة الشرق الأوسط، التي اختارت التوقيت الأقل كلفة لوقفها، إضافة إلى استمرار المعارك في محيط المناطق المنتجة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق. سعر النفط الرخيص في إجازة مؤقتة، وربما يعاود الهبوط من جديد، إن لم يكن هذا العام ففي السنوات القريبة، ونترك قراءة الاحتمالات لخبراء سوق البترول، لكن انعكاساته ومخاطره قضية تهمنا جميعًا، من مهتمين بالشأن السياسي إلى الاجتماعي. كابوس النفط الرخيص بدأ مع استخراج النفط الصخري بكميات اقتصادية، وتزايد حصته المنافسة في السوق إلى درجة جعلت من الولايات المتحدة دولة مصدرة للبترول! بسببه نشعر للمرة الأولى أننا نواجه تهديدًا حقيقيًا للواقع الذي تعودنا عليه منذ عقود، دول المنطقة تعتمد على النفط بوصفه سلعة شبه وحيدة، هو مصدر حياتها. وهذا لا يخص دول الخليج، بل يشمل دولاً مثل مصر، التي تعتمد على…
الثلاثاء ٢٤ مايو ٢٠١٦
الرقة ليست غريبة على الحروب، فقد سبق للمغول أن احتلوها بعد بغداد ودمروها واستوطنوا فيها حتى تم طردهم منها بالقوة. وهي أخيرًا توشك على أن تتحرر من حكم تنظيم داعش الذي مارس من الفظائع ضد أهلها ما يفوق التصور. وما نشر ليس من دعاية الأعداء، بل مقاتلو التنظيم هم من كانوا يسوقون لصورتهم المرعبة، ويصورون الذبح الجماعي للأهالي، ورمي الأحياء من أعالي المباني، ويفاخرون باغتصاب الفتيات في المدارس، ويبثون أخبارهم بقتل الأجانب، وتوظيف السكان سخرة، رغما عنهم. الرقة صارت عاصمة الرعب في العالم، بعد أن تحولت المدينة إلى معسكر تجمع فيه إرهابيون من كل مكان، شكلوا جيشًا كبيرًا من جنسيات متعددة. أما لماذا اختاروا الرقة عاصمة دون بقية البلدات السورية والعراقية التي وقعت تحت نفوذهم، فالسبب يكمن في النفط. المحافظة فيها آبار البترول السورية ومنشآته، اختارها الإرهابيون لتمويل مشروع دولتهم، وكانوا يبيعون النفط بلا تمييز، ومن خلال صفقاته تصالحوا مع نظام بشار الأسد في دمشق، وكان الزبون الأول. ومقابل شراء القوافل البترولية حصل النظام على ما هو أكثر من تمويل المحطات الكهرباء، فقد عمل «داعش» باعتباره جيشا للأسد، واستهدف بالقتال الجيش الحر وبقية فصائل المعارضة السورية، وكذلك دخل في معارك مع التنظيمات الكردية. أما بالنسبة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن معركة الرقة أهم عمل عسكري وسياسي لها منذ خمس…
الخميس ١٩ مايو ٢٠١٦
عندما ظهر أن خمسة عشر من الإرهابيين الذين شاركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر هم سعوديون، أدركنا حينها أننا أمام أزمة قد تدوم لسنوات في العلاقات بين بلدين كانا دائما صديقين وحليفين. ومرت ما تبقى من أسابيع ذلك العام، 2001، والسنوات اللاحقة، بطيئة، إلى أن استكملت لجنة التحقيقات عملها، وأكدت براءة السعودية، وطُوي الملف. لكن الأسابيع الماضية شهدت أعلى درجات التوتر بين الرياض وواشنطن، وزاد الطين بلة أن مجلس الشيوخ، وبالإجماع، أقر تشريعًا يفتح الدرب لأهالي ضحايا الهجمات لرفع دعاوى ضد السعودية، إن أثبتوا في المحكمة أنها ضالعة في تلك الهجمات! لكن سبق، وفي واحدة من أكبر عمليات التحقيق في التاريخ، أن قلب التحريون والمفتشون الأميركيون كل حجر، بحثا عن أدلة تقودهم إلى كل من له علاقة بتلك الجريمة ولم يجدوا دليلا ضد السعودية. كانت كلها تقود إلى تنظيم القاعدة، الذي هو العدو الأول للسعودية، الذي باشر حربه ضدها منذ التسعينات. ولا يمكن أن يخطر على بال أي سياسي أميركي ملم بشؤون الشرق الأوسط، وكذلك أي خبير أمني أو استخباراتي، وجود علاقة للسعودية بما فعله تنظيم القاعدة، سواء تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن أو أي مكان آخر في العالم. والحقيقة لم تتحول هذه التهمة السخيفة إلى موضوع سياسي جاد إلا في الآونة الأخيرة، مع ما أصاب العلاقة السياسية من…
الثلاثاء ١٧ مايو ٢٠١٦
في مدينة لندن أكثر من ثمانية ملايين نسمة، بينهم نحو مليون مسلم، ورغم ما ألحقه المتطرفون في أنحاء أوروبا بسمعتهم، انتخبت أغلبية السكان مسلمًا، صديق خان، عمدة للعاصمة البريطانية، مما كان مفاجأة للكثيرين. العمدة هنا وظيفة مهمة، فميزانية المدينة 17 مليار جنيه إسترليني، تفوق نصف ميزانيات العواصم العربية مجتمعة، وتخدم لندن ستة مطارات، وفيها 43 جامعة، ومقر لصناعة الإعلام الدولية، ويقيم فيها أكبر عدد من الأثرياء في العالم. لا يمكن أن تجد روحًا متسامحة أكثر من أن يمنح سكان هذه المدينة البروتستانتية التاريخية العمادة لمسلم. على أية حال خان نفسه، لندني، ليس إمام مسجد، ولا داعية، ولا علاقة له بنشاطات دينية، وقد كسب الجولتين الانتخابيتين ببرنامج مدني، وعد فيه أهالي العاصمة بتعزيز الأمن، وخدمات بلدية أفضل، وتحسين مستوى الإسكان. لندن عانت من المتطرفين المسلمين، كما عانى سكانها المسلمون مما لحق بسمعة ديانتهم من تشويه نتيجة جرائم تنظيمات إرهابية، مثل «القاعدة» و«داعش». وعرفت المدينة لسنوات دعاة متطرفين يحرضون ويبثون دعوات الكراهية، مع أن لندن هي التي آوتهم قبل غيرها من جوع وخوف، ثم انقلبوا عليها يحضون على العنف ويحقرون نظامها. خان المسلم قد يتبنى سياسة أكثر تشددًا من العمدة السابق ضد المتطرفين المسلمين حتى يوقف مدّ التطرّف. وله آراء صريحة سابقة كان قد أعلنها ضد حزب الله وحماس، وقد أعرب عن…
السبت ١٤ مايو ٢٠١٦
في دبي مكان لكل إنسان، هذا سرها. ومثل الملايين، عندما انتقلت للسكنى والعمل فيها، وجدتها مرحبة ومتسامحة، عشت فيها عقدا ونيفا. المبدعون، والمغامرون، والمبتدئون، والباحثون عن مساحة لأنفسهم، الشباب والكبار، النساء والرجال، وجدوها مدينة النجاح، لا تشعرك بأنك أجنبي، ولا غريب، أو تعاملك منبوذا. وكعادة هذه المدينة التي تميز نفسها، صارت دارا كبيرة للإعلام والصحافة، الحديث منها والقديم، نجحت رغم شكوكنا في أنها تستطيع أن تفي بوعودها لصعوبة الإعلام وإشكالاته. وفي الأيام الماضية كررت احتفاليتها الإعلامية السنوية، المنتدى والجائزة. ووجدتني شخصية العام الإعلامية، وشرفني الشيخ محمد بن راشد راعي الحفل بالجائزة السنوية. ويجب علي الاعتراف بأن الجائزة لا تخصني وحدي، لأن كل ما حققته كان عملا جماعيا، سواء في المطبوع أو التلفزيوني أو الوثائقي أو الرقمي والتواصلي. والذين عملت معهم عددهم أكبر بكثير من أن تتسع سطور هذه الزاوية لذكرهم، والمعارك التي خضتها بعضهم دفع حياته لها، تغمدهم الله برحمته. لم تكن وظيفة روتينية ولم نكن في منافسة مهنية محترمة. ولهذا أهديها أولاً لكل من افتدى حياته لها، ومن عانى بسببها، ومنهم أخي جواد كاظم الذي نجا من الاعتداء عليه، وهناك من عاش في الأسر زمنا طويلا مثل أخي بكر عطياني، وقبله وائل عصام، والذين خاطروا بحياتهم يعبرون الحدود للمجهول. وهناك جيش من الزملاء الأصدقاء الذين كانوا وراء هذه النجاحات،…
الأربعاء ٠٤ مايو ٢٠١٦
المأساة الإنسانية في حلب أعظم من أن نستطيع وصفها، تمثل ذروة المِحنة السورية. وعدم تحدي المعتدين سيعطيهم بطاقة مفتوحة لفعل ما يشاءون في منطقتنا. حلب ستفتح شهية إيران وحلفائها للعدوان من دون حدود، هذه هي المحصلة من فشل العمل الإقليمي والدولي. أما بالنسبة إلى السوريين أنفسهم فإن المعتدين سينجحون في تدمير ما بقي واقفا، وارتكاب المزيد من الجرائم، لكنهم لن يحققوا هدفهم بإعادة بسط سلطة بشار الأسد على حلب وغيرها. منذ العام الماضي، عندما دخلت القوات الروسية سوريا وشاركت في الحرب إلى جانب قوات نظام بشار الأسد، ومع القوات الإيرانية، وهي تتحدث عن «تحرير» مدينة حلب. لا يزال الوضع كما هو، رغم ما زعمته موسكو من سحب قواتها واتضح أنه ليس صحيحا. الإيرانيون سبقوا الروس بعامين في إرسال قوات إلى هناك، ومثل الروس لم يفلحوا. وكبرت قوات الحرس الثوري الإيراني قدراتها بتشكيل تحالف واسع من الميليشيات الدينية المتطرفة من «حزب الله» اللبناني، و«عصائب الحق» العراقي، والأفغان وغيرهم، وفشلت. وهي النتيجة نفسها التي فشل في تحقيقها جيش الأسد منذ بداية المواجهات مع مواطنيه في انتفاضة عام 2011. مقاتلات السوخوي والميغ الروسية، ومعها الطائرات السورية، تتمتع بسيادة كاملة على الجو بسبب حرمان المعارضة السورية من الحصول على صواريخ ودفاعات أرضية، ونجح سلاح الجو الروسي والسوري في شيء واحد فقط، في تدمير المدن…
الأربعاء ٢٧ أبريل ٢٠١٦
وصفها أحدهم بأنها أكبر عملية تسويق دعائية في تاريخ المنطقة، وأنها فقاعة إعلامية، معلقًا على التكثيف الإعلامي والوعود والنشاطات المرافقة لمشروع «رؤية المملكة العربية السعودية عام 2030». ومن الطبيعي أن ترافق الدعاية دعاية مضادة، ومن الطبيعي أن يكون هناك تشكيك في كل الخطط التنموية في المنطقة، لأنها عجزت عن أن تنتج سنغافورة جديدة، أو ماليزيا جديدة، عدا عن التجربة الإماراتية وبدرجة أقل الأردنية. إلا أن المشروع السعودي طموح وضخم جدًا لا يقارن حتى بالاثنتين، وتواجهه تحديات واضحة للجميع، وليس مستغربا أن يكون بين الناس محبط متشكك، ومتحمس متفائل. بالنسبة لي شخصيًا، أعتقد أن الأفكار عظيمة جدا، وممكنة جدا، بل ويجب أن تحدث، لأنها ليست خيارًا على الإطلاق. أيضًا، أنا قلق، مثل كثيرين، من جبال من الصعوبات الكثيرة والكبيرة في طريق التنفيذ. لكن في السعودية، وفي كثير من دول المنطقة، إمكانيات وموارد مكتسبة وأخرى طبيعية، متى ما أحسنت إدارتها ستنتج بلدانا ناجحة، والسعودية نموذج لها. كل ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، والمسؤول عن إدارة الاقتصاد والتنمية، مهندس المشروع، معقول ومنطقي ويمكن تنفيذه متى ما وجدت الإدارة والإرادة والعزيمة، وقد أشعل الآمال والحماس بما تحدث عنه. هل هي دعاية؟ لا أتصور أن أحدًا يعمل في مجال العلاقات يمكن أن ينصح أي سياسي بأن يقدم مشروعًا فيه وعود…
السبت ٠٩ أبريل ٢٠١٦
هناك من اعترض على استنتاجي بأننا في مناخ أكثر حرية، عطفًا على ما تحدثت به في لقاء معي عن الإعلام، نظمته مشكورة الغرفة التجارية السعودية في المنطقة الشرقية التي جمعت لفيفًا من أهل المهنة والمهتمين بها، زملاء وأصدقاء. والجملة الناقصة عادة تشوه الحقيقة، فالمقصود هنا بالحرية الواسعة عند مقارنته بالسنين الماضية، عندما كنت أنا محررًا ومراسلاً، وحتى رئيس تحرير أتعامل مباشرة مع النشر وقوانينه. وقد وضعت التبدلات التي مرت بها المهنة في إطارها، بما فيها دخول التقنية حيث حررت المهتمين بالتعبير من احتكار المؤسسات، حدث ذلك نتيجة ظهور الإعلام الرقمي، والتفاعلي، والتواصلي، طبعًا إلى حد ما، لأنه لا تزال هناك قيود قانونية وأعراف مجتمعية تؤثر على ما ينشر على كل المنصات. إنما قطعًا، صارت المساحة واسعة حتى في دائرة الصحافة التقليدية، صحفًا ومجلات وكتبًا ومحطات تلفزيون. في الإعلام، بمنصاته المتعددة، توجد اليوم آلاف مؤلفة من الأصوات تعبر، وتجادل، وترفض، وتطالب، وتقترح، ولم يكن لمثلها وجود في الماضي القريب. اليوم تقرأ نقاشات مطولة ترفض ما تطرحه المؤسسات الراسخة والحكومات، وقد طار وزراء من مناصبهم بسبب التعبير الجماعي، وألغيت قرارات كذلك. اليوم، أيضًا، لم يعد رجال الدين فوق النقد، جميعهم، ربما باستثناء المفتي لمكانته، يرد عليهم ويناقشون، وكذلك القضاء والقضاة. اليوم تناقش المسائل المحرمة بالأمس، مثل حقوق المرأة، وقضايا الانتخاب، وتحميل الدولة…
الخميس ٠٧ أبريل ٢٠١٦
الأخبار السعيدة أننا لم نعد نسمع شكاوى الأهالي من سفر لأبنائهم للقتال في سوريا، وانقطعت الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تعزي في قتلاهم هناك أيضًا! يبدو أن عمليات التجنيد التي كانت منتشرة قد تقلصت كثيرًا بعد الملاحقات الأخيرة، ورحلات المقاتلين إلى بوابات الحرب إلى سوريا شبه توقفت. فقد أثمر التعاون الإقليمي في التضييق على الدعاية السياسية، والدينية، وجمع الأموال المناصرة لـ«الدعوات الجهادية»، لكن هذا السكوت لا يعني أنه لم يعد هناك متعاطفون مع تنظيمي داعش وجبهة النصرة، بل تقلص نشاطهما. وتزامن تجفيف منابع الدعم الخارجي مع عمليات مطاردة وقصف تستهدف التنظيمين داخل سوريا، ضمن حرب كبيرة يذاع القليل عنها، حيث تتعاون كثير من الأجهزة الأمنية الإقليمية والدولية في تعقب هذه الجماعات وتحديد مواقعها وقياداتها، واستهدافها بالقصف اليومي. ولأننا لا ندري عدد أفراد هذه «الجماعات الجهادية» فإنه يصعب أن نصدق التقديرات المتداولة عن حجم خسائرها، حتى تقدير عدد العرب والأجانب بينهم غير معروف، حيث تأرجحت الأرقام بين السبعة آلاف والثلاثين ألف مقاتل غير سوري منخرطين في الحرب هناك. وأجزم أنه لن يمكن تدمير خلاياها تمامًا، بدليل وجود بقايا من «جهاديين» لا يزالون يقاتلون في أفغانستان والعراق إلى اليوم. السر في الحرب والفوضى. وما دام استمرت الحرب في سوريا ستبقى هناك جيوب متطرفة تقاتل، ولا أستبعد أن تعود لاحقًا بقوة…
الثلاثاء ٠٥ أبريل ٢٠١٦
مرت سنة على الحرب التي تقودها السعودية مع التحالف العربي هناك منذ إسقاط الحكومة الشرعية! والسؤال يفرض نفسه، ما النتيجة؟ هل نقول إن صنعاء لم تحرر، وإنه لم يُقضَ على قوات العدو؟ أم نقول إنه تم إسقاط حكم الانقلاب، وإفشال مشروع إيران في خلق دولة جنوب المملكة العربية السعودية تهدد الخليج كله وتغير معادلة التوازن الإقليمي؟ لنقارن حرب اليمن بحرب أفغانستان. الولايات المتحدة دخلت الحرب هناك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، أي منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، وتستطيع أن تقول إنها دمرت منظومة «القاعدة»، وأقصت حكومة طالبان طوال هذه الفترة. بمقاييس أفغانستان، قوات التحالف العربي فعلت في سنة أكثر مما فعله الأميركيون في عقد ونصف العقد. حققت نتائج مماثلة، إضافة إلى أنها فعليًا تسيطر على مساحات ومحافظات يمنية أكثر من خصومها. وهذا لا يعني أنها قضت على قوات الرئيس السابق علي صالح ولا ميليشيات الحوثي، كما أن تنظيم القاعدة المستوطن هناك، قبل الحرب بسنوات، لا يزال حيّا يهاجم قوات الشرعية والتحالف. وبعد مرور عام لا شك أن المكاسب السياسية والميدانية هي التي قلصت عدد الأصوات المعارضة، والمتشككة، ففي منطقتنا المنكوبة، من الطبيعي أن يكره أهلها الحروب. عندما شنت أولى الهجمات الجوية، في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي، كان الحوثيون وقوات صالح قد استولوا على…
السبت ٠٢ أبريل ٢٠١٦
هناك أكثر من أربعة آلاف طبيب عراقي يعملون في بريطانيا، رقم لا يخطر على بال، بعضهم وفد إلى هناك من منتصف القرن الماضي، والكثير فروا إلى العاصمة البريطانية منذ بداية سلسلة حروب بغداد، مع إيران والكويت والحرب الأهلية المستمرة إلى اليوم. في وقت كانت بغداد طاردة للمواهب والمبدعين، نخبة منهم وصلت إلى هنا. وكذلك فعلت البغدادية زها حديد، التي غادرت العراق في مطلع السبعينات مع تزايد القبضة الحديدية لحزب البعث، درست في بيروت وعملت في لندن، حيث أصبحت أشهر معماريي العاصمة البريطانية المحافظة رغم أنها كسرت قواعد التصميم والفنون، وقلدتها الملكة إليزابيث وسامها تقديرًا لإنجازاتها. زها حديد أشهر مهندسة معمارية تبهر مبانيها العالم؛ ألف مشروع في أربعين بلدًا بتصاميم فريدة. الراحلة لم تنخرط في العمل السياسي، مع أن والدها كان وزيرا وحزبيًا في العراق، في الخمسينات. كانت تقوم بالبناء في أنحاء العالم في وقت كان هناك من يقوم بالهدم في بلدها، العراق. ولا جدال في أنها من أبرز من أنتجته بلاد بابل منذ أيام حمورابي، وأفضل من صمم وشيّد منذ بوابة عشتار والحدائق المعلقة. بصماتها منتشرة في أنحاء العالم، في الولايات المتحدة حيث صممت متحف روزنثال، الذي وصف بأنه أروع ما بني منذ نهاية الحرب الباردة. وألمانيا كانت أول من قدر موهبتها، وانتشرت أعمالها إلى الصين. وفي الرياض أيضًا، في…
الثلاثاء ٢٩ مارس ٢٠١٦
من السذاجة اتهام الكتّاب والمعلقين بأنهم يشاركون في نشر حكايات محلية عن التطرّف الإسلامي خارج الحدود، ويعينون على التحريض على دينهم وأهلهم وبلدهم! الذي لا يدركه هؤلاء أن كل ما يكتب ويقال دائمًا قابل وجاهز للترجمة المجانية، وأن العالم لا يحتاج إلى مترجمين محليين، ولا إلى كتّاب، ولا إلى محرضين لمعرفة ما يحدث، فوسائل الجمع والعرض والرصد والتحليل البشرية والإلكترونية، والمراكز المتخصصة أكبر مما تستطيع عقولهم تخيله. والأمر الأهم من هذا كله، أن الحقيقة صارت واضحة للجميع، فما يفكر فيه المتطرفون يفعله الإرهابيون. تنظيم القاعدة، في زمن سطوته، سبق أن أصدر كما كبيرًا من أدبيات العنف ومانفيست الحكم كما يريده، وقام منظروه بتأصيل العنف وفق رؤيتهم. والأجهزة المختصة، سواء كانت أكاديمية أو أمنية، لم تعد في حاجة إلى القراءة بين السطور، أو ترجمة المحادثات الهاتفية باللهجات العامية لفك شفرة تفكير المتطرفين، هي في حاجة لمعرفة الأهداف التالية، أما الفكر فهو نفسه مهما تباعدت المسافات وتغيرت أسماء التنظيمات. في البدايات، عند ظهور «القاعدة» كان هناك جدل حول دوافع الإرهاب، وتساؤلات هل هذا الفكر المتطرف أو ذاك، اسمه، ولونه، ومصدره، أيهم وراء الإرهاب الذي يزداد دموية؟ أما اليوم فيوجد كم هائل من الروابط تدل على التطرّف كمصدر للعنف، ولم تعد مجرد نظرية أو استنتاج من باحث جاهل باللغة والدين. والتبسيط لا ينفي…