الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦
اطلعت على وثيقة نادرة كتبت في الأول من مارس (آذار) عام 1945 تبين طبيعة العلاقة السعودية - الأميركية المتوترة، وتذكرنا باليوم. في ذلك العام لم تكن الحكومة الأميركية قد عينت سفيرًا لها في جدة، واعتمدت على من يمثلها، كان يسمى حينها «الوزير». ولأن وزير الخارجية الأمير فيصل بن عبد العزيز كان غائبًا، كلف الملك عبد العزيز مستشاره، نائب وزير الخارجية حينها يوسف ياسين، بأن يبعث برسالة للوزير الأميركي ريفز تشايلد بعد أن شاب العلاقة خلافات، ومنعت واشنطن بيع الأسلحة للسعودية. كتب ياسين: «نحن مستعدون لعمل كل شيء يساعد على تقوية الروابط بين الشعبين، وأن كل مطالبها تلك التي تخدم المصالح المشتركة ستجاب، والتسهيلات المطلوبة للولايات المتحدة ستمنح لها، لكن بشكل يضمن سيادة البلاد ولا يجعل المملكة العربية السعودية عرضة لأي انتقاد خارجي أو يفسر من القائلين بأن البلاد العربية السعودية مستعمرة أميركية». واستطرد يقول إن «المصالح المشتركة بين حكومة الولايات المتحدة والحكومة العربية السعودية ليست كمصالحها مع الدول الأخرى، ونحن نتمنى أن نقوي تلك المصالح؛ لذا البلاد العربية السعودية سيسرها أن ترحب بوفد أميركي خاص أو أن تبعث بوفد عربي سعودي يرأسه أحد الأمراء على أن مثل هذا الوفد أو ذاك لن يؤلف إلا إذا تأكدت البلاد العربية السعودية بأن الولايات المتحدة الأميركية لديها الاستعداد لإعادة النظر في موقفها وأنها…
الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١٦
ما يجري اليوم في بلاد ما بين النهرين٬ العراق وسوريا٬ امتداد لصراع عقود بين قطبين أساسيين إيران والمجموعة العربية. بدأ منذ قيام الثورة الإيرانية٬ وتهديد آية الله الخميني حينها أنظمة المنطقة بتغييرها بالقوة٬ تحت برنامج تصدير الثورة الإسلامية بالقوة٬ وما تلاها بنشوب الحرب بين العراق وإيران التي دامت ثماني سنوات. هدأت سنتين فقط ثم غزا رئيس العراق الكويت٬ فجلبت تدخلات دولية اختتمت بالغزو الأميركي للعراق وتسلل الجماعات المسلحة٬ مثل «القاعدة» ثم «داعش»٬ إلى العراق وسوريا٬ حيث الفراغ وضعف أنظمة الحكم. أراها حالة اضطراب مترابطة٬ ومستمرة منذ عام 1979 وحتى هذا اليوم٬ وهي قابلة للاستمرار طالما أن القوى الإقليمية عاجزة عن خلق حالة توازن٬ إما عسكرية أو سياسية عبر تفاهمات تنهي النزاع. ولا بد أن نفهم المنطق والدوافع خلف رغبة النظام الإيراني في استمرارية الصراع في العراق والخليج وسوريا وفلسطين. فهو من ناحية يريد تحقيق رغباته التوسعية. يرى أن على حدوده الغربية دولا عربية أصغر حجما من إيران٬ وتمثل أكثر مناطق العالم ثراء بالنفط٬ كالعراق ودول الخليج. ويدرك أن الغرب لن يقبل بسهولة٬ بالتخلي عن مناطق البترول المهمة له كمصدر للطاقة٬ لهذا حاول نظام آية الله فرض هيمنته بوسائل مختلفة٬ ولم ينجح كثيرا إلا أخيًرا٬ ولا شك أن «داعش» خدمت إيران التي انضمت للتحالف الغربي والروسي تحت علم محاربة الإرهاب. العراق…
الثلاثاء ١٤ يونيو ٢٠١٦
لم يتوقع كثيرون أن يتحول الاستفتاء المزمع عقده بعد عشرة أيام٬ حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه٬ إلى كابوس! كانت التوقعات السابقة أن أغلبية كبيرة راضية بعضوية الاتحاد الأوروبي٬ في حين فاجأت الاستطلاعات الأخيرة بأن ميلاً أكبر عند الشعب البريطاني برفضها. وقد تحولت حملات الاستفتاء إلى كرة قدميتقاذفها السياسيون. الاتحاد الأوروبي نفسه نموذج معقد من التعاون الإقليمي٬ يتألف من 28 دولة٬ يتحدث أهله 24 لغة٬ مما يجعل الترجمة في عاصمة الاتحاد٬ بروكسل٬ مهنة رائجة حيث يتعين ترجمة كل ما يدور. مواطنو الاتحاد الأوروبي خمسمائة مليون نسمة٬ ومساحته أكثر قليلاً من أربعة ملايين كيلومتر مربع٬ أي ما يعادل تقريًبا مساحة بلدين عربيين فقط٬ الجزائر والسعودية٬ لكنه يعتبر من أغنى اقتصادات مناطق العالم ومستوى دخل الفرد مرتفع. تاريخًيا٬ علاقة بريطانيا بالاتحاد غير مستقرة منذ البداية٬ ونظرة إلى الخريطة كفيلة بشرح الأسباب٬ كونها جزيرة منفصلة عن اليابسة الأوروبية٬ وتعتبر نفسها في حال دفاع مستمر عن كيانها. عندما تقدمت بريطانيا لعضوية الاتحاد الاقتصادي الأوروبي في عام ٬1963 وقف ضدها رئيس فرنسا شارل ديغول٬ واستخدم الفيتو ضدها. وكان في بريطانيا غضب عليه٬ لأن ديغول الذي كان مطلوًبا من الألمان إبان احتلال فرنسا٬ أعطته بريطانيا كل مساعدة للقتال ضمن دول الحلفاء٬ وهزيمة الألمان٬ وتحرير فرنسا. وبعد عشر سنوات من الفيتو دخلت بريطانيا الاتحاد الأوروبي٬…
الأربعاء ٠٨ يونيو ٢٠١٦
فقط لأن فريقه خسر انتخابات بلدية ألغى تاريخ ودور السعودية في عشر سنوات حافلة وخطيرة! صعب أن أصدق أن هذا نهاد المشنوق، وزير الداخلية والبلديات اللبناني، السني، الحريري! كل هذا من أجل تبرير هزيمة انتخابات بلدية، فقط! بعد خسارة فريقه في طرابلس أمام منافسه السني الآخر، أشرف ريفي، وبدلا من أن يتحمل المسؤولية، هاجم المشنوق السعودية والملك عبد الله، رحمه الله، قائلا إنهم من يلامون على ما طرح من انتقادات في الانتخابات ضد سعد الحريري. وكل هذا الانقلاب من أجل تبرير هزيمة في انتخابات بلدية! بعيدا عن الوفاء والمروءة والنبل، وأي من القيم الحميدة، كنّا نتوقع من أخينا نهاد، ومن معه، على الأقل شيئا من الأمانة للتاريخ، وأنا أعرف أنه لن يستطيع أن يقنع معظم اللبنانيين، بمن فيهم السنة، بما قاله ضد السعودية وملكها الراحل، لأننا نتحدث عن تاريخ لم يطو ملفه بعد. فقد كانت هي الدولة، شبه الوحيدة، التي وقفت إلى جانب بلاده، وساندت فريقه السياسي، وبسببه عرضت مصالحها للضرر والخطر سنوات طويلة! والصديق الوزير المشنوق أكثر اطلاعا من أن يصدق كلامه عندما لام السياسة السعودية على الانتكاسات التي تعرض لها رئيسه سعد الحريري خلال السنوات الماضية. وأفترض أنها انفعالات اللحظة، لحظة فضيحة الهزيمة في طرابلس. فالملك عبد الله، تغمده الله برحمته، شخصية مهمة في تاريخ المنطقة، وأفترض أنه…
الثلاثاء ٠٧ يونيو ٢٠١٦
التطور الإيجابي الأخير أن روسيا صارت تسوق الحل السلمي٬ الداعي لإشراك المعارضة السورية٬ وذلك لأول مرة منذ دخولها عسكرًيا الحرب إلى جانب النظامين السوري والإيراني. الجانب السلبي تريد أن تبقي بشار الأسد مع معظم الصلاحيات الرئيسية وتنازل عن جزء للمعارضة٬ وهذا حل سّيئ وبالتأكيد مرفوض للمعارضة ولن ينجح. هل يمكن أن يطور الروس أفكارهم بما يمكن المتفاوضين من التوصل إلى حل أخيًرا؟ الروس أكملوا نصف عام٬ وبعد دخولهم بآخر تقنية السلاح المتطور في مختبراتهم٬ لم يحققوا كثيًرا من وعدهم بدحر أعداء نظام الأسد٬ حتى مدينة حلب التي تعهد الروس بتحريرها لا تزال معظمها في يد المعارضة. وهذا لا ينفي أن قوات الأسد وحليفه حزب الله حققوا تقدًما على الأرض بالسيطرة على بعض المواقع والبلدات٬ لكنها ليست انتصارات حاسمة٬ ولا يوجد في الأفق القريب حدوث مثل هذا الاحتمال. والانتصارات المحدودة للنظام ليست نتيجة لجهود الروس والإيرانيين العسكرية٬ بل في معظمها هي نتائج للضغوط على تركيا التي اضطرت لإغلاق ممرات عبور المسلحين والتمويل٬ وتسببت في تقليص دعم الدول المساندة للجيش الحر وبقية القوى السورية المسلحة. ورغم هذه الانتكاسات فإن المعارضة السورية لا تزال تمسك بثلث مساحة سوريا والنظام بأقل من الثلث والجماعات الإرهابية بنحو الثلث أيًضا. كما أن الروس ذاقوا في منتصف الشهر الماضي أول هزيمة لهم موجعة٬ أعادت ذكرى أفغانستان عندما…
الجمعة ٠٣ يونيو ٢٠١٦
يتردد حاليًا الكثير حول الفلوجة العراقية، حيث توشك حرب كبيرة أن تقع. يقال: إن المدينة هي مركز «داعش» الإرهابية. وميليشيات شيعية عراقية طائفية تحاصر المدينة السنية. وجود قيادات وقوات إيرانية مع القوات العراقية في محيط الفلوجة. في مقدمة القوات العراقية التي تحاصر الفلوجة فرق سنية وقيادات سياسية سنية. مقاتلون من عشائر الأنبار السنية أيضًا يشاركون في الاستعداد لدخول المدينة. وقوع جرائم ارتكبتها ميليشيات شيعية ضد النازحين من أهالي الفلوجة السنة. أهالي الفلوجة يشتكون من بطش وجرائم تنظيم داعش السني. على الرغم من التناقضات الصارخة في الروايات السابقة فإنها صحيحة جميعًا. هذه حكاية الفلوجة اليوم، التي تلتقي عندها متناقضات العراق. يقف على أبوابها قائد ميليشيات إيران قاسم سليماني، مع وزير الدفاع السني خالد العبيدي، مع رئيس البرلمان السني سليم الجبوري، مع رئيس الوزراء الشيعي حيدر العبادي، مع قيادات من ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية، وكذلك توجد في المقدمة قوات عشائرية من سنة الأنبار تشارك في محاصرة «داعش». وجود هذه التشكيلة من القوى العراقية المتناقضة على أسوار الفلوجة وفي معسكر واحد، لا يعني أنها على وفاق، بل على العكس، تأكيد على الاختلافات ونقص الثقة، حيث توجد في معركة دعي إليها الجميع، وكل من شارك له رأي يخالف الفريق الآخر في إدارة المعركة، وإدارة المدينة، والتعامل مع الوضع الآن، ولاحقًا بعد تحريرها الموعود. الذي…
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦
لعقود طويلة كانت للولايات المتحدة سياسة تقوم على ثوابت في منطقة الشرق الأوسط، أعمدتها رفض المشروع النووي الإيراني، والالتزام بأمن إسرائيل، وتأمين سلامة مصدر الطاقة، أي نفط الخليج. لهذا واجهت واشنطن إيران تطالبها بأمرين؛ أن تقلع عن مشروعها النووي، وأن تتوقف عن نشاطاتها العدائية الخارجية. وبنيت ثوابت السياسة على بعضها، فالمشروع النووي الإيراني يهدد أمن منطقة الخليج البترولية، وكذلك حليفتها إسرائيل، التي تهدد بشكل مستمر مصالح الولايات المتحدة. لكن منذ وصول باراك أوباما للبيت الأبيض لم تتطابق سياساته مع الثوابت الأميركية المألوفة، هذا رأي عدد من السياسيين في منطقة الشرق الأوسط. وقد أحدث تبنيه سياسة مختلفة صدمة في المنطقة، بما في ذلك الخليج وإسرائيل، التي اعتبرت الاتفاق النووي مع إيران، وإطلاق يدها في المنطقة، تغييرًا خطيرًا في قواعد اللعبة، وتلومه على رفع وتيرة العنف وزيادة التسلح. يبقى السؤال، هل السياسة الحالية خاصة بأوباما، تعبر عن رؤيته للعالم، أم أنها تعبر عن تحول استراتيجي في واشنطن؟ وقد سبق لأوباما أن تحدث عن هذا التحول أكثر من مرة، قال إن بلاده لم تعد ترى منطقة الشرق الأوسط مهمة للولايات المتحدة، وأنها ستتجه بشكل أكبر نحو خدمة مصالحها العليا في منطقة المحيط الهادي، باتجاه الصين وجاراتها. فهل سيسير الرئيس، أو الرئيسة، المقبل للولايات المتحدة في درب أوباما، ويعزز مفهوم الانفصال عن المنطقة وقضاياها،…
الأحد ٢٩ مايو ٢٠١٦
في الكويت تتردد حكاية محتال استخدم المنابر لجمع الأموال باسم المحتاجين ليكتشف أنها تذهب لحسابه. وليس غريبا أن تستخدم المساجد لخداع المصلين لجمع الأموال أو بث الأفكار، إلا أن هذا المقبوض عليه يتميز بأنه خدع الجميع ومن دون تمييز طائفي. فقد بدأ مع حلقات المتصوفة مدعيا أنه شيخ منهم، ثم انتقل إلى مساجد السنة الأخرى معتليا ثلاثة منابر، جامعا الأموال من المصلين الخاشعين باسم المحتاجين، وبعد أن سرق من سرق لبس العمامة السوداء وادعى أنه سيد وذهب إلى حسينيات الشيعة، يلطم معهم ويجمع ما استطاع جمعه من أموال. وربما لو كان في الكويت أكثر من كنيسة للبس اللص الصليب وصلى بالناس، ونهب منهم ما تجود به نفوسهم للفقراء والمحتاجين. الاحتيال باسم الدين وسيلة سهلة وبضاعة رائجة، وليته مقصور على الأموال، بل كما نرى يسرقون عقول الناس وأولادهم. الآلاف من صغار الشباب باعوا أرواحهم للمحتالين باسم الجهاد، ورحلوا للقتال في حروب المنطقة من أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، في عمليات احتيال دينية هي الكبرى في تاريخنا، والكثير منهم إلى اليوم لا يعرف كيف، ولماذا حدث ذلك. واحدة من أشهر القصص عن داعية سوري يكنى بأبي القعقاع، تولى مهمة استقبال واستضافة وترتيب عمليات تدريب وإرسال الشباب المسلم الذي قدم من أنحاء العالم متحمسا للقتال في العراق. وفي عام 2007 قتل…
الجمعة ٢٧ مايو ٢٠١٦
خمسون دولارًا وبضعة سنتات أصبح سعر البرميل، مما يجعله أسعد أخبار هذا العام حتى الآن. فقد كانت التوقعات أن تستمر أسعاره في الانحدار إلى العشرينات من الدولارات، وتتسع الأزمة الاقتصادية حتى تهز كل المنطقة، لا الدول المصدرة للبترول فقط. وهذا الصعود الصامت للسعر لا يمنع أن ينتكس ويبدأ مرحلة جديدة من الآلام الاقتصادية، إنما أعادت الدولارات شيئا من الروح للأسواق المتعبة. ويعزى سبب الارتفاع الأخير إلى الاضطرابات في مناطق النفط النيجيرية، واستمرار الإصلاحات في بعض منشآت النفط في منطقة الشرق الأوسط، التي اختارت التوقيت الأقل كلفة لوقفها، إضافة إلى استمرار المعارك في محيط المناطق المنتجة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق. سعر النفط الرخيص في إجازة مؤقتة، وربما يعاود الهبوط من جديد، إن لم يكن هذا العام ففي السنوات القريبة، ونترك قراءة الاحتمالات لخبراء سوق البترول، لكن انعكاساته ومخاطره قضية تهمنا جميعًا، من مهتمين بالشأن السياسي إلى الاجتماعي. كابوس النفط الرخيص بدأ مع استخراج النفط الصخري بكميات اقتصادية، وتزايد حصته المنافسة في السوق إلى درجة جعلت من الولايات المتحدة دولة مصدرة للبترول! بسببه نشعر للمرة الأولى أننا نواجه تهديدًا حقيقيًا للواقع الذي تعودنا عليه منذ عقود، دول المنطقة تعتمد على النفط بوصفه سلعة شبه وحيدة، هو مصدر حياتها. وهذا لا يخص دول الخليج، بل يشمل دولاً مثل مصر، التي تعتمد على…
الثلاثاء ٢٤ مايو ٢٠١٦
الرقة ليست غريبة على الحروب، فقد سبق للمغول أن احتلوها بعد بغداد ودمروها واستوطنوا فيها حتى تم طردهم منها بالقوة. وهي أخيرًا توشك على أن تتحرر من حكم تنظيم داعش الذي مارس من الفظائع ضد أهلها ما يفوق التصور. وما نشر ليس من دعاية الأعداء، بل مقاتلو التنظيم هم من كانوا يسوقون لصورتهم المرعبة، ويصورون الذبح الجماعي للأهالي، ورمي الأحياء من أعالي المباني، ويفاخرون باغتصاب الفتيات في المدارس، ويبثون أخبارهم بقتل الأجانب، وتوظيف السكان سخرة، رغما عنهم. الرقة صارت عاصمة الرعب في العالم، بعد أن تحولت المدينة إلى معسكر تجمع فيه إرهابيون من كل مكان، شكلوا جيشًا كبيرًا من جنسيات متعددة. أما لماذا اختاروا الرقة عاصمة دون بقية البلدات السورية والعراقية التي وقعت تحت نفوذهم، فالسبب يكمن في النفط. المحافظة فيها آبار البترول السورية ومنشآته، اختارها الإرهابيون لتمويل مشروع دولتهم، وكانوا يبيعون النفط بلا تمييز، ومن خلال صفقاته تصالحوا مع نظام بشار الأسد في دمشق، وكان الزبون الأول. ومقابل شراء القوافل البترولية حصل النظام على ما هو أكثر من تمويل المحطات الكهرباء، فقد عمل «داعش» باعتباره جيشا للأسد، واستهدف بالقتال الجيش الحر وبقية فصائل المعارضة السورية، وكذلك دخل في معارك مع التنظيمات الكردية. أما بالنسبة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن معركة الرقة أهم عمل عسكري وسياسي لها منذ خمس…
الخميس ١٩ مايو ٢٠١٦
عندما ظهر أن خمسة عشر من الإرهابيين الذين شاركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر هم سعوديون، أدركنا حينها أننا أمام أزمة قد تدوم لسنوات في العلاقات بين بلدين كانا دائما صديقين وحليفين. ومرت ما تبقى من أسابيع ذلك العام، 2001، والسنوات اللاحقة، بطيئة، إلى أن استكملت لجنة التحقيقات عملها، وأكدت براءة السعودية، وطُوي الملف. لكن الأسابيع الماضية شهدت أعلى درجات التوتر بين الرياض وواشنطن، وزاد الطين بلة أن مجلس الشيوخ، وبالإجماع، أقر تشريعًا يفتح الدرب لأهالي ضحايا الهجمات لرفع دعاوى ضد السعودية، إن أثبتوا في المحكمة أنها ضالعة في تلك الهجمات! لكن سبق، وفي واحدة من أكبر عمليات التحقيق في التاريخ، أن قلب التحريون والمفتشون الأميركيون كل حجر، بحثا عن أدلة تقودهم إلى كل من له علاقة بتلك الجريمة ولم يجدوا دليلا ضد السعودية. كانت كلها تقود إلى تنظيم القاعدة، الذي هو العدو الأول للسعودية، الذي باشر حربه ضدها منذ التسعينات. ولا يمكن أن يخطر على بال أي سياسي أميركي ملم بشؤون الشرق الأوسط، وكذلك أي خبير أمني أو استخباراتي، وجود علاقة للسعودية بما فعله تنظيم القاعدة، سواء تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن أو أي مكان آخر في العالم. والحقيقة لم تتحول هذه التهمة السخيفة إلى موضوع سياسي جاد إلا في الآونة الأخيرة، مع ما أصاب العلاقة السياسية من…
الثلاثاء ١٧ مايو ٢٠١٦
في مدينة لندن أكثر من ثمانية ملايين نسمة، بينهم نحو مليون مسلم، ورغم ما ألحقه المتطرفون في أنحاء أوروبا بسمعتهم، انتخبت أغلبية السكان مسلمًا، صديق خان، عمدة للعاصمة البريطانية، مما كان مفاجأة للكثيرين. العمدة هنا وظيفة مهمة، فميزانية المدينة 17 مليار جنيه إسترليني، تفوق نصف ميزانيات العواصم العربية مجتمعة، وتخدم لندن ستة مطارات، وفيها 43 جامعة، ومقر لصناعة الإعلام الدولية، ويقيم فيها أكبر عدد من الأثرياء في العالم. لا يمكن أن تجد روحًا متسامحة أكثر من أن يمنح سكان هذه المدينة البروتستانتية التاريخية العمادة لمسلم. على أية حال خان نفسه، لندني، ليس إمام مسجد، ولا داعية، ولا علاقة له بنشاطات دينية، وقد كسب الجولتين الانتخابيتين ببرنامج مدني، وعد فيه أهالي العاصمة بتعزيز الأمن، وخدمات بلدية أفضل، وتحسين مستوى الإسكان. لندن عانت من المتطرفين المسلمين، كما عانى سكانها المسلمون مما لحق بسمعة ديانتهم من تشويه نتيجة جرائم تنظيمات إرهابية، مثل «القاعدة» و«داعش». وعرفت المدينة لسنوات دعاة متطرفين يحرضون ويبثون دعوات الكراهية، مع أن لندن هي التي آوتهم قبل غيرها من جوع وخوف، ثم انقلبوا عليها يحضون على العنف ويحقرون نظامها. خان المسلم قد يتبنى سياسة أكثر تشددًا من العمدة السابق ضد المتطرفين المسلمين حتى يوقف مدّ التطرّف. وله آراء صريحة سابقة كان قد أعلنها ضد حزب الله وحماس، وقد أعرب عن…