عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

أوباما بين الرياض وجاكرتا

الجمعة ١٨ مارس ٢٠١٦

زادنا حيرة، في حديثه لمجلة «أتلانتيك». كيف، ولماذا، تغيرت عقيدته doctrine في سبع سنوات؟ الحقيقة أن الرئيس باراك أوباما كان أكثر زعيم أميركي استطاع كسب محبة العرب والمسلمين، في أصعب وقت للجانبين. فقد افتتح عهده مع منطقتنا بأسلوب حميمي غير مألوف لنا. ألقى خطبتين في قلب أهم مدينتين إسلاميتين تاريخيتين، القاهرة وإسطنبول. وكانت كلمته في جامعة القاهرة قطعة أدبية رائعة، باح فيها برؤيته للإسلام والسلام، وعن تجربته في جاكرتا، وأصوله الأفريقية والمسلمة جزئيًا. كسب محبة كثيرين من الثلاثمائة مليون عربي، الغاضبين عادة من أميركا. لا شك أن أوباما، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، كان أول زعيم أميركي يصل إلى قلوب المسلمين. غلطته الكبرى هي سوريا، حيث لا أحد يفهم لماذا رئيس أقوى دولة في العالم يرفض أن يساعد شعبًا، قُتل منه نصف مليون إنسان؟ في حديثه، نشعر أن الرئيس، بعد أن أفرغ ما في صدره، أنه، على الأرجح، بدل كثيرًا من رؤاه. ففي بداية رئاسته ظهر علينا أوباما دافئًا، متحمسًا، راغبًا في التواصل، وفي هذا الحديث نشعر به باردًا، محبطًا، منكفئًا! ومن اللكمات الغاضبة التي سددها أوباما إلى أصدقائه لم يستثنِ السعودية. وكثيرون من خصوم الرياض احتفوا بانتقادات الرئيس، واستخدموها للتشفي من السعودية، التي لها أطول علاقة مستقرة في المنطقة مع الولايات المتحدة، لكن رغم آرائه السلبية لم يلمح إلى…

صدمة حديث أوباما

الخميس ١٧ مارس ٢٠١٦

تمنيت لو قال الرئيس الأميركي باراك أوباما كلامه العاصف لجيفري غولدبيرغ الأخير في مجلة «أتلانتيك»، قبل خمس سنوات، ربما كانت آثاره مختلفة. هذه المرة صراحته أغضبت أصدقاءه وفي الوقت نفسه هناك القليل الذي يمكنه أو يمكنهم عمله في الفترة المتبقية لإقناعه بخطأ رأيه أو تغيير مواقفهم. بعد سبع سنوات رئاسية، اكتشفوا أن الرئيس يحمل رأيًا مختلفًا لم يبح به لهم من قبل. وكما قال لي أحدهم إنه مثل أن تكتشف آراء زوجتك بعد عمر طويل من العلاقة. ومع أنني أتفق مع الرئيس أوباما في كثير من الأشياء، بما في ذلك نقده لنا حول قصورنا في معالجة التطرّف، وأهمية تمكين المرأة في المجتمع، فإن هناك أيضًا الكثير مما يستوجب الجدل حوله. حديث أوباما طويل جدًا، ومرهق، لأنه ليس نصًا تقليديًا يمكننا أن نفهمه في سياق واحد. وهذا يعود ربما لأن محاوره، جيفري غولدبيرغ، التقاه عدة مرات، وسافر معه في بعض رحلاته، وجمع أحاديثه في صياغته الأخيرة التي نشرها. وغولدبيرغ يعرف أوباما جيدًا، حيث سبق أن أجرى معه عدة مقابلات منذ توليه الرئاسة. ويعرف المنطقة بشكل جيد، كونه أميركيًا وإسرائيليًا غطى لبنان وشمال العراق من قبل. وقد نجح أوباما في إغضاب أصدقائه فقط، السعودية وحكومة بريطانيا وتركيا وإسرائيل. ولم يكن الرئيس يتحدث بشكل عفوي كردود سريعة، بل نرى إجاباته عميقة، استمدها من…

ألم يكن الحزب إرهابيًا قبل اليوم؟

الأحد ١٣ مارس ٢٠١٦

آخر تصنيف لـ«حزب الله» اللبناني كإرهابي جاء من الجامعة العربية في القاهرة، وقبلها من مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، في حين كنّا نظن أنه إرهابي منذ عقد مضى، عندما اغتال صفوة القيادات اللبنانية، ثم انخرط في قتل آلاف المدنيين السوريين. بالفعل كان إرهابيا ولا يزال، لكن لم تكن هناك الجرأة على البوح رسميًا بذلك، حتى أعلنت الحكومات العربية رسميًا الأسبوع الماضي أن «حزب الله» إرهابي. ولم يدافع عن الحزب في اجتماع وزراء الخارجية، سوى لبنان المغلوب على أمره، والعراق شبه المغلوب على أمره، والجزائر التي عودت الجامعة العربية على تأييدها إيران منذ أن قامت بدور العراب في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين الذين احتجزوا في سفارتهم في طهران! أما التسع عشرة دولة عربية الأخرى فقد اصطفت صراحة هذه المرة ضد «حزب الله»، في تغيير سياسي وشعبي كبير غاضب يلف العالم العربي ضد الحزب. وإلى قبل أسابيع قليلة مضت كانت معظم الحكومات العربية تتحاشى انتقاد «حزب الله» علانية، حتى بعد تورطه في القتال في سوريا، وحتى قبِل ذلك، عندما ثبت أنه من ارتكب سلسلة جرائم اغتيال قيادات لبنانية، وعلى رأسها رفيق الحريري. وكذلك عندما استدرج «حزب الله» إسرائيل للهجوم على لبنان وتدميره، باختطافه جنديين إسرائيليين، وفي الأخير اعترف بأنه أخطأ التقدير. ولم تتجرأ حينها سوى حكومتين عربيتين على انتقاد الحزب، والبقية…

الجامعة العربية.. المصرية

السبت ١٢ مارس ٢٠١٦

في مطلع الثمانينات جئنا، كطلاب من واشنطن، لزيارة القاهرة ضمن درس العلوم السياسية. ولا أدري لماذا اختار أستاذنا أن نزور ذلك المبنى القديم الجميل على شارع طلعت حرب، نادي الدبلوماسيين. فيه التقينا عددًا من العاملين في وزارة الخارجية المصرية، وكان كل شيء فيه يوحي بالأرستقراطية وأيام الباشاوات. علق أستاذنا، ألن تايلور، بأن الدبلوماسية المصرية ظلت، حتى بعد ثورة 1952. من النخبة، معظم من يعمل فيها من عائلات توارثت الوظيفة السياسية الخارجية، أو من المتميزين في دراساتهم. وكان ذلك النادي الخاص، الذي بناه معماري فرنسي، يرمز للدبلوماسية الراقية، ويضم من السفراء إلى الطهاة الذين يتم تكليفهم بالعمل في السفارات المصرية في أنحاء العالم. الدبلوماسية المصرية العريقة، مثل نادي الدبلوماسيين الذي عمره مائة عام، بقيت محافظة على تقاليدها وخبراتها. وأحمد أبو الغيط، مثال للدبلوماسي الراقي، الذي يملك سيرة مميزة في البعثات الدبلوماسية المصرية من نيويورك إلى موسكو، ووزيرا للخارجية، تعامل مع ملفات مختلفة تمثل قضايا المنطقة وتشابكاتها مع العالم والقوى الكبيرة. ومع أن هناك من يشتكي من احتكار مصر لمنصب الأمين العام للجامعة العربية إلا أن أي جهة عربية لم تستطع تقديم ما يمكن أن تتفق عليه الدول الأعضاء الاثنتان والعشرون، إلا باعتماد من ترشحه دولة المقر. لم يظهر مرشح، ولا بلد غير مصر، مقبولة للجميع. وكشفت الأحداث الماضية أن المشكلة الحقيقية…

هل ترسل إيران قوات لليمن؟

الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦

لم يجب بـ«لا»، نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية عندما سئل إن كانت بلاده سترسل مستشارين عسكريين لليمن كما تفعل في سوريا، بل أوحى بـ«نعم»، قائلا بأن الجمهورية الإسلامية تشعر بواجبها في اليمن كما تفعل لمساعدة الحكومة والشعب في سوريا! إيران موجودة في اليمن قبل الانقلاب على حكومة عبد ربه منصور هادي العام الماضي، وتنامي وجودها سبب رئيسي وراء إقدام السعودية على بناء تحالف عسكري وشن حرب هناك. فقد تأكدت شكوكها بأن إيران وراء استيلاء وكيلها، ميليشيا الحوثي، على العاصمة، وإرسالها كميات كبيرة من الأسلحة، ومن تسميهم بالمستشارين العسكريين، لدعمهم. وبعد استيلاء حليفها على السلطة مع الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، أعلنت عن تسيير رحلة طيران يومية للعاصمة صنعاء، بعد أن كانت ترسل واحدة في الأسبوع، ولا توجد لإيران صادرات لليمن سوى السلاح والمقاتلين. وحتى بعد نشوب الحرب، وإغلاق مطار صنعاء، وتولي الأمم المتحدة تفتيش السفن المتجهة لليمن، استمرت إيران ترسل شحنات أسلحة بطرق مختلفة. أستراليا أعلنت أول من أمس أن سفينة حربية تابعة لها عثرت على كميات أسلحة على متن سفينة قامت بتفتيشها متجهة من إيران لليمن، وقبلها بعشرة أيام أبلغ وزير الخارجية الأميركي الكونغرس أنه تمت إعادة سفينة إيرانية مماثلة، وبالطبع لا يكلف إيران سوى ثمن إيجار سفن رخيصة لتكرار المحاولة عدة مرات. وهذا كله يقود…

دشتي الكويت

الإثنين ٠٧ مارس ٢٠١٦

تستطيع أن تقول إن في الكويت ديمقراطية لأن هناك برلمانًا أعضاؤه منتخبون، وحكومة تتم مساءلتها من قبل النواب، وهناك شيء من النقد في الصحافة الكويتية. وفي نفس الوقت تستطيع أن تقول إن الكويت دولة مثل محيطها، فيها حقوق ممنوعة، وتجاوزات قانونية، وحكومتها لا تنتخب، وإعلامها المخالف يُعطل وتُسحب تراخيصه. ولهذا تمر الكويت بتحديات نتيجة التناقضات، حيث يجوز لنائب برلماني متطرف، مثل عبد الحميد دشتي، أن يهاجم ويتهم ويحرض على من يشاء، بحكم أنه منتخب، ويمثل رأي فئة في الشارع الكويتي، وأن الدستور كفل له هذا الحق. وتستطيع أن تقول إن النائب دشتي تجاوز المعقول، ويعرض مصالح البلاد العليا لأضرار كبيرة مع جيرانها، ويفتح بابًا خطيرًا للفتنة داخليًا بين السنة والشيعة. وسبق للسلطات العليا أن تدخلت في ظروف استثنائية، بأن جردت الجنسية ممن اعتبرتهم يمثلون خطرًا على أمنها، وأغلقت محطات تلفزيون تجاوزت حدودها، وسجنت مغردين على التواصل الاجتماعي، وألغت حصانة نواب، وحكم عليهم بالسجن. نسبيًا، يمكننا اعتبار ديمقراطية الكويت معقولة لكنها ليست ديمقراطية «ويستمنستر»، وفي المنطقة هنا لا أحد يقبل التجاوزات على الغير باسمها. الكويت، تعيش، مع دول المنطقة، زمنًا خطيرًا، سياسيًا وأمنيًا، يصعب معه مسك العصا من المنتصف. ومهارة الساسة الكويتيين التي عُرفوا بها في معالجة أزماتهم الداخلية والإقليمية قد لا تفيد كثيرًا، فالرياح عاتية وتهب على الجميع، وليس من…

تفادي الصدام السعودي الإيراني

الأحد ٠٤ أكتوبر ٢٠١٥

هذه أعلى درجة من التوتر بين الجارتين السعودية وإيران، منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وذلك قبل 27 عامًا. وليس عسيرًا على المتابع أن يتفهم دوافع القلق السعودي من إيران. فهي تتمدد حتى أصبحت توجد عسكريًا في محيطها، شمالاً في العراق وجنوبًا في اليمن، وجماعاتها تنشط كمعارضة في البحرين شرقًا، وتدير القتال مباشرة في سوريا. إيران تستثمر الكثير من رجالها وأموالها في مشروع يبدو هدفه محاصرة دول الخليج. ولولا هذا التوتر ما حولت القيادة الإيرانية بأعلى مستوياتها، المرشد الأعلى والرئيس روحاني، حادثة التدافع في موسم الحج إلى قضية وصعدتها سياسيًا. فالحج منطقة تزاحم، ووقوع حوادث فيه محتمل بوجود مليونين ونصف المليون حاج في المشاعر الدينية المحدودة المساحة والزمن. والهدف من ذلك تحريض الشعب الإيراني وتبرير نشاطات الحكومة الإيرانية في الخارج. والاحتجاج الإيراني الآخر هو ضد ما تسميه بـ«الحرب العسكرية السعودية في اليمن»، مع أنه تدخل جاء بموافقة كل أعضاء مجلس الأمن، وبمساندة عشرات الدول الإسلامية. إيران وجدت أن استثمارها في دعم المتمردين الحوثيين، وهم جماعة صغيرة، يتبخر بعدما كانوا قريبين من الاستيلاء على الحكم، وحكم اليمن، عندما قاموا بتنفيذ انقلابهم واعتقال رئيس الجمهورية الشرعي. وقد قطع «التدخل السعودي» الطريق على الإمدادات العسكرية الإيرانية بحرًا، وجوًا، بإغلاقه ميناء الحديدة، وقصف مدرج مطار صنعاء، والاستعانة بالبحرية الأميركية لفرض رقابة بحرية ضد المدد من…

علي سالم انتصر عليهم

السبت ٢٦ سبتمبر ٢٠١٥

بعض المثقفين لا يرى في الكاتب المسرحي المصري الكبير الراحل، سوى أنه رمز التطبيع مع إسرائيل، يجردونه من كل ما قدمه لملايين العرب، وللثقافة العربية، من أعمال أصبحت خالدة. ولا نريد أن نجردهم من حقهم في انتقاده وانتقاد من لا يحبون، لكن المرفوض هو إرهاب المثقفين بسبب مواقفهم السياسية، بتخوينهم وعزلهم ومحاربتهم، هي أكثر من حالة تعبير، وأكثر من مجرد رأي مضاد. يتجاهل هؤلاء تاريخه وإنتاجه، ويسعون فقط للتشهير به بسبب خلافهم السياسي معه. وفي النهاية، التاريخ هو الحكم، سيتذكره وسينساهم. علي سالم من الشخصيات الرائعة التي أضافت إلى الفن والثقافة وحتى في السياسة. وهجومهم عليه فشل في إسكاته، فشلوا في ثنيه والتراجع عن مواقفه، بخلاف بعض الفنانين والروائيين، الذين لم يحتملوا الهجمة وقرروا «التوبة». وعدد مِن مَن شنوا الحملات عليه في حياته وبعد مماته، هم من المنافقين الذين ينتمون لدوائر لها علاقات سياسية وإعلامية وثيقة بإسرائيل، وبعضهم من عرب إسرائيل الذين تحولوا نحو الشعبوية ومحاولة استرضاء فئات من الجمهور. وما تبقّى هم من الإسلاميين، من فئة الإخوان، التي لو طال بها الحكم لكانت أكثر واقعية من الرئيس المصري أنور السادات، الذي أنجز حربًا وسلمًا أكثر مما حققه مدعو القومية والإسلامية. لم يتزحزح عن موقفه، كمثقف وصاحب رأي، عن مفهوم أن العلاقة مع الإسرائيليين، لا تعني أبدًا التخلي عن حقوق…

هل يستطيع بشار إقامة دولة علوية؟

الأربعاء ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥

سبب طرح التساؤل هو التدخل العسكري الروسي غير المسبوق في حجمه في سوريا، والأكبر منذ أن أنهى الرئيس المصري وجود الاتحاد السوفياتي على أرض بلاده في عام 1972. النشاط الروسي العسكري في سوريا معظمه في اللاذقية، ومنطقة الساحل حتى ميناء طرطوس جنوبًا، التي توصف بأنها مشروع محتمل لدولة علوية، في حال سقط النظام أو تم تفكيك الدولة السورية.القوات الروسية، والطائرات المقاتلة، وعمليات التشييد على الأرض من مطارات وسكن ومستودعات في سوريا، تظهر واضحة في الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية. وهي التي دفعت واشنطن إلى التساؤل رسميا عن أهداف الروس.وعندما كتبت مقالي قبل أيام تعليقًا على رواية أن الرئيس السوري بشار الأسد يطلب الاستعانة بالروس، للتخلص من هيمنة حليفه الإيراني عليه، جاء ذلك في إطار نقاش هذا السيناريو الجديد لو كان صحيحا، والتطور الخطير بغزو الروس سوريا. طبعًا، لا بد من التشكيك في رواية خلاف الأسد مع الإيرانيين، وأنه سبب استعانته بالروس، لأسباب متعددة، فالإيرانيون أقوى من الروس في سوريا، ويحيطون بها عسكريا من العراق ولبنان. إنما تظل نوايا مجيء الروس مريبة، وستظهر حقيقتها بعد فترة ليست بالطويلة.ولو أخذنا فرضية التقسيم، وأن الأسد يخطط للجوء إلى ساحل البحر المتوسط، ويبني هناك دولة علوية، بسبب تزايد هجوم المعارضة على العاصمة، فإن بناء دولة هناك، وحمايتها، سيكون أصعب كثيرا من الاحتفاظ بالحكم…

هل يغيّر المال والانفتاح الإيرانيين؟

الجمعة ١١ سبتمبر ٢٠١٥

استمعت إلى سلسلة الأحاديث التلفزيونية الأميركية التي تعقّب على تبعات الاتفاق النووي مع إيران، معظمها متفائل بأنه سينهي حقبة من المواجهة، وبعضها اعتبرته مثل الانفتاح على الصين في السبعينات، وكيف تحوّلت الدولة الشيوعية المتزمّتة إلى نظام ليّن معتدل صديق للولايات المتحدة، رغم أن النظام لم يتغير.وتبقى قراءة المستقبل مجرد تخمين، وبعضها تمنّيات. والكثيرون يتمنّون فعلاً أن تتغيّر إيران إلى الأفضل، أن تكون صينًا جديدة، ودولة تضيف إلى العالم إيجابية وسلامًا.ويمكن أن يصدق حدسهم وتتغيّر إيران إلى الأفضل، وتتحوّل إلى دولة تهتمّ بالتنمية والتحديث، وتنافس دول المنطقة، ودول العالم، في العلوم والاقتصاد والسياحة. إنما هذا الاحتمال مرهون بتغيير التفكير القيادي الذي أقام دولته ضد مفاهيم التحديث. فقد كان بين القيادات الإيرانية الأولى من الثورة دعاة للتحديث المدني، وتطوير النظام، والتحوّل نحو إيران جديدة، لكنَّ هؤلاء سرعان ما خسروا المعركة وبعضهم انتهى إلى الإعدام، والبعض الآخر أُحيل إلى التقاعد، على اعتبار أنهم خانوا مبادئ الثورة التي قالوا إنها تقوم على بناء دولة لا تشبه دولة الشاه التي كانت تفاخر بالتحديث والتطوير.حدث هذا منذ زمن بعيد، وقد ساعد الانغلاق المتشدّدين على الإمساك بالحكم وإدارته وفق مفاهيمهم المُعادية للعلاقات مع الغرب وضد التحديث. بنوا حول الشعب الإيراني أسوارًا عالية، ولم يبقَ للبعض منهم سوى زيارات محدودة لمدن مختلفة عن مدنهم، مثل دبي وأنقرة.ولو أن…

تدخل الخليج في اليمن ومبدأ الردع

الثلاثاء ٠٨ سبتمبر ٢٠١٥

الخسارة المؤلمة في انفجار مأرب؛ الخمسة وأربعون إماراتيًا، والعشرة سعوديين، وكذلك الخمسة بحرينيين على الجبهة مع اليمن، أكدت على جدية الالتزام، وحقيقة التعاون في مواجهة الأوضاع الخطرة في المنطقة التي تزداد صعوبة على الجميع. وهو رغم قسوته يبقى عملا كبيرا ومهما. في رأيي، تكمن أهمية التعاون الخليجي العسكري السياسي ليس بكسب الحروب فقط، بل الأهم في تثبيت مفهوم الردع. بوجود قوة مشتركة تكون التكلفة عالية جدًا على الطرف الآخر. نحن في خضم فوضى عارمة منذ أن تغير المشهد الإقليمي بشكل كبير في عام 2011، والأرجح أن يستمر في فوضاه للسنوات القليلة المقبلة، ويحمل المزيد من المخاطر السياسية والأمنية والعسكرية على دول المنطقة عموما. وهذا يفرض التعاون على دول الخليج وحليفاتها إن أرادت أن توقف التغيير، وتمنع التدخلات الخارجية التي تستهدفها، وتحول دون امتداد الفوضى إلى بلدانها. الثمن لن يكون غاليًا على هذه الدول وحدها التي تدافع عن نفسها، بل ستجعله مكلفًا لخصومها أيضًا. تقلبات المنطقة نتيجة مباشرة للانهيارات التي تلت ثورات تلك السنة، والفوضى التي أعقبتها والمستمرة حتى اليوم. وكذلك بسبب التنازع الإقليمي، الإيراني ضد الخليجي. وبفعل التنازع داخل الدولة الواحدة، مثل الإخوان ضد الدولة في مصر، وتمرد الحوثي مع الرئيس المعزول صالح ضد الحكومة الشرعية في اليمن، والمعارضة ضد نظام الأسد في سوريا، ووقوف الحكومة في ليبيا في وجه…

السعوديات مرشحات وناخبات

الجمعة ٢٨ أغسطس ٢٠١٥

خُصص ثلث المراكز الانتخابية البلدية في أنحاء السعودية للنساء في أول تجربة لهن كمرشحات. خطوة مثيرة للجدل، وحتى أن المؤمنين بأهميتها كانوا يشكون في إمكانية تنفيذها، لكن الملك سلمان أعطى دعمه لها، وبدأت الدوائر الانتخابية في تسجيل النساء كمنافسات للرجال في الترشح وكناخبات. لا شك أنه قرار تاريخي في وقت صعب. ودخول المرأة في الانتخابات المحلية قد لا يكون فعالا إلى ثلاث دورات مقبلة، بعد اثني عشر عاما، وربما أبعد من ذلك. إنما المهم أنها وضعت قدمها، وبدأت تسير في الطريق نحو مشروع تمكين المرأة من أن يكون لها دور فاعل في المجتمع الذي تشكل نصفه. لهذا يجب ألا تحبط الأخبار الواردة عن ضعف مشاركتهن، مفهوم هذا التطور النوعي والتاريخي. دخولها كمرشحة يعطي رسائل مهمة للمجتمع حول رعاية الدولة لمشاركة المرأة وتمكينها من حقوقها، في مسار وعر ومعقد نتيجة الظروف الاجتماعية في المملكة، لم يكن سهلا أبدا، ولا يزال صعبا. منذ الستينات وكل قرار يتخذ رسميا يثير إشكالات صعبة، وفي النهاية يتقبله المجتمع المحافظ، بدءا من تعليم البنات، إلى فتح الجامعات لهن، وتوظيف المرأة، ودخولهن مجالي التطبيب والتمريض، وحتى منحهن هويات وطنية، وكذلك شمولهن ببرنامج الابتعاث للدراسة في الغرب، وتخصيص عشرين في المائة من مقاعد مجلس الشورى لهن، ثم السماح للمرأة بالمشاركة بالتصويت في الانتخابات البلدية، والآن الخطوة أبعد بالسماح…