الأحد ٢٠ مارس ٢٠١٦
في أمسية من أمسيات عام 1416هـ وقف الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، رحمه الله، بُعيد تعيينه وزيراً للمعارف على خشبة مسرح جامعة الملك سعود ليتحدث في محاضرة له بعنوان «تعليمنا إلى أين؟» عن تطلعاته إلى نظام تعليمي مختلف، متحدثاً ومسهباً في قضايا المنهج والمعلم والخدمات التعليمية والإرشاد والتقويم، فقدم رؤية للعلاج الشامل لنظام التعليم تبدأ «بدراسة تقويمية شاملة تستقصي نواحي القوة في هذا النظام لتزيد من فاعلياتها وتكشف عن مواطن القصور فتقترح وسائل للتغلب عليها حتى يحقق التعليم الأهداف المرجوة منه لخير المجتمع وخير المواطن». كنت أجلس بين الحضور استمع لكلماته المتفائلة، وكانت استجابة الحضور بمثل ذلك التفاؤل لما عرف عن الوزير الراحل من خبرة طويلة في العمل التربوي، ومن شخصية مثالية لقيادة وزارة المعارف، ومن إدراك بأن مشكلات نظام التعليم على رغم ضخامتها وحساسيتها إلا أن الهمة العالية والعزيمة الصادقة قادرة على التغلب على تلك المشكلات والتقدم إلى الأمام بنظام تعليمي قادر على إنتاج أجيال متعلمة ومثقفة ومتمكنة علمياً وعملياً وقادرة على المنافسة، أجيال تعتز بالقيم والثوابت وتفتخر بالماضي، ولكنها تتطلع إلى المستقبل وتحمل هم العمل والإنتاج والإسهام في بناء الوطن ورفع مكانته بين الأمم. واليوم بعد أكثر من 20 عاماً على تلك المحاضرة يحق لنا أن نتساءل مجدداً: «تعليمنا إلى أين؟» نعم، تحقق الكثير في عهد الوزير الرشيد،…
الأربعاء ١١ ديسمبر ٢٠١٣
أشرت في المقالة السابقة إلى أن المدرسة العقلانية الجديدة تدرك أن أمور الغيب وما يندرج في باب العقيدة ليست في نطاق إمكانات العقل البشري، فالمدارس الفلسفية التي حاولت استكشاف أمور الغيب من طريق المنطق أو العلم التجريبي أو من استخدام ما يسمى بالإلهام أو الأساطير أو السحر وغيرها من الوسائل، لم تصل إلى إجابات يطمئن لها الإنسان «العاقل»، ولهذا كان لزاماً للعقل البشري أن يطمئن إلى ما جاء به الوحي الإلهي، وهو في عقيدتنا الكتاب الخاتم القرآن الكريم والسنة الصحيحة. وإذا كنا نحن المسلمين نؤمن بصحيح العقيدة ونعتبرها ركناً أساساً للنجاة يوم القيامة، فإننا في الوقت نفسه نحترم عقائد الآخرين، انطلاقاً من تعاليم القرآن والسنة ذاتها التي احترمت حرية الإنسان في اختيار معتقده، بل اعتبرت أن الحرية هي شرط الحساب يوم الدين، وامتثالاً لقول الله تعالى: «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». وفي الإطار نفسه، فإن المدرسة العقلانية الجديدة تدرك أيضاً أن ما يندرج في باب العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج والعبادات الأخرى التي يتقرب بها العبد إلى ربه، هي أيضاً ليست في مجال تبرير العقل البشري وتأويله لأسباب وجوبها ولا لكيفية أدائها، فلا يمكن أن نبرر لماذا فرضت الصلاة بهذا…
الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٣
في أمسية من الأمسيات الثقافية لمجلس الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي الرمضاني قبل أربعة أعوام تقريباً، ألقيت محاضرة بعنوان: «إحياء المدرسة العقلانية الإسلامية»، ولاقت في ما أظن استحسان الحضور الكرام، وعزمت بعد تلك المحاضرة أن أتابع البحث والدراسة في هذا الموضوع، لكي أحاول أن أغوص في إشكالاته وأسباب غياب مدرسة العقل عن رسم صورة معقولة للنهضة الإسلامية والعربية المفقودة منذ أكثر من سبعة قرون، ولكن الكسل الفكري والانشغال بأمور الحياة الأخرى جعل قراءاتي ودراساتي محدودة في هذا الاتجاه. وقبل أيام عدت من جديد للنظر في الأفكار التي سطرتها في مسودة المحاضرة، ووجدت أن بعضاً منها يصلح لأن يطرح من جديد في مثل هذه المقالة وربما مقالات مقبلة، وبخاصة أن أحداثاً عظاماً لامست شغاف قلوب بعض العرب، وأنعشت آمالهم بنهضة جديدة، ومن أهم تلك الأحداث بلاشك ثورات الربيع العربي التي لا تزال تداعياتها تحرك الرمال التي سكنت لفترة طويلة من الزمن. فبعد أن فشل خيار «الجهاد» المسلح الذي قادته جماعات متطرفة خلال 20 عاماً في إحداث تغيير حقيقي في واقع المسلمين، فشل أيضاً ما يسمى بـ«الإسلام السياسي» الذي وصل إلى سدة الحكم بعد ثورات الربيع العربي في تقديم نموذج يمكن أن يكون مقبولاً في الإطار السياسي المحلي والدولي المعاصر، وفي الوقت نفسه يقدم مشروعاً متسقاً مع المقاصد العظمى لقيم…
الإثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٣
طالبت في أكثر من مناسبة بتغيير نظام التعليم العالي والجامعات الحالي الذي صدر العام 1414هـ (1994) بنظام جديد يمنح الجامعات السعودية حكومية كانت أم أهلية استقلالية حقيقية عن كل السلطات خارج الجامعة حتى تتمكن من بناء منظومتها الأكاديمية والإدارية وفق ما تمليه عليها الخبرة والمهارة والمعرفة القيادية لدى النخبة الأكاديمية داخل الجامعة. لا أعتقد أن عيوب النظام الحالي بخافية على كل من يتابع الوضع الراهن في الجامعات ويقارنه بما يحدث على الساحة الدولية من حراك وتطور وصدقية. فالنظام الحالي يقيّد الجامعات من أن تنطلق نحو بناء شخصيتها وقدراتها الذاتية، ويقيدها من أن تقوم بدورها المأمول في قيادة التنمية الشاملة في المملكة من خلال تأهيل القوى البشرية، ومن خلال البحث العلمي ومن خلال دورها العلمي والثقافي والتنويري. أما التطور الذي حصل في مجال التعليم العالي خلال الأعوام العشرة الماضية فقد كان تطوراً كمياً تمثل في تأسيس عدد كبير من الجامعات الحكومية والأهلية، ولكنه كان قاصراً جداً عن إحداث تغيير حقيقي في هوية الجامعات فضلاً عن التحسن في جودة المقررات الأكاديمية، ورفع مستوى التدريس، وفي مستوى البحث العلمي وصدقية الجامعات وحسن إدارتها. لكن أصداء المطالبة بتغيير نظام التعليم العالي لا تزال ضعيفة، فمعظم القيادات الأكاديمية في الجامعات تتجاهلها لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بعدم القدرة على نقد النظام الحالي لاعتبارات شخصية، ومنها…
الثلاثاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٣
لن أمل من تكرار الحديث عن قضايا التعليم حتى يصبح لدينا هنا في المملكة العربية السعودية نظام تعليمي يليق بهذه البلاد، فيسهم في رفعة ورقي أهلها، ويلبي حاجات التنمية بمختلف اختصاصاتها ومجالاتها، ويقدمها كدولة رائدة في التنمية البشرية على مستوى العالم. ولئن كانت جميع قضايا التعليم مهمة وحيوية في ظل نظام يتأرجح بين الضعيف والمتوسط على أحسن تعبير، إلا أن قضية المعلم ومهنة التعليم تبقى الأهم للمكانة العليا التي يحتلها موقع المعلم. «الحديث في هذه المقالة للمعلمين والمعلمات على حد سواء» في نجاح أو فشل خطط التطوير والإصلاح التي تعتمد على أكثر من مستوى في هيكلية النظام التعليمي. أعتقد أن هناك شبه إجماع بين أهل الفكر والرأي في بلادنا على أن مكانة وقيمة مهنة التعليم انحدرت في شكل كبير خلال الـ30 عاماً الماضية، نتيجة عوامل عدة، من أهمها تطبيق خطط مرتجلة لسعودة قطاع مهم وحيوي، كان يتوسع في شكل خيالي، وبالتالي كان الاهتمام، ولا يزال، بالكم على حساب الكيف، وهو ما أدى إلى تدني مستوى التأهيل للمعلمين والمعلمات، فانعكس ذلك على كفاءة الأداء التربوي والتعليمي، وأدى إلى ضعف المخرجات التعليمية، فتذمرت الجامعات من مستوى مدخلاتها، وتذمر سوق العمل من ضعف الثقافة وضعف الاستعداد لدى مخرجات التعليم، وتذمر أولياء الأمور من عدم وجود البيئة التربوية والتعليمية التي تساعد أبناءهم في النجاح…
الأربعاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٣
لا يكاد يخلو مؤتمر اليوم في مجال التربية والتعليم خصوصاً والتنمية البشرية عموماً من الإشارة إلى أهمية تعليم الطلاب مهارات «التفكير النقدي» Critical Thinking Skills، وتدريبهم منذ الصغر على تحليل ونقد الظواهر والمعلومات والأقوال والإدعاءات، لمعرفة ما إذا كانت صحيحة أو صحيحة جزئياً أو خاطئة، بدلاً من التسليم التلقائي وقبول ما يتلقاه الطالب من دون فحص ومناقشة واقتناع. بل إن الاهتمام بهذا المهارات تتجاوز الطرح الأكاديمي في المؤتمرات إلى قيام مؤسسات ومنظمات وبرامج تسهم في زيادة الوعي بأهمية هذه المهارات، وتقدم التجارب والوسائل المناسبة لتطبيقها على المستوى التعليمي لكل المراحل العمرية. هذا الاهتمام بالتفكير النقدي يزداد يوماً بعد يوم، نتيجة الانفجار المعرفي واختلاط المفاهيم والمصطلحات والحقائق العلمية بالآراء المجردة التي لا تستند إلى دليل يثبت صحتها بالتجربة العلمية أو القياس. وإن كان التفكير النقدي مهم في العلوم الطبيعية البحتة كعلوم الطب والفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء والظواهر المناخية والطبيعية الأخرى وغيرها، إلا أنه أخطر وأهم في العلوم الإنسانية التي تتأثر في الأهواء والرغبات والأيديولوجيات والتوجهات السياسية والدينية وغيرها. من أجل ذلك، سعت الأنظمة التعليمية في كثير من دول العالم على أن تطوير المناهج والمقررات العلمية في المدارس والجامعات وفق منظومة متقنة تشمل أهدافاً تعليمية تتجاوز نقل المعرفة إلى اكتشافها، وتبحر بالطالب من خلال الأنشطة المتنوعة والواجبات المنزلية التي تعزز مهارات التحليل…
الإثنين ٢٩ أبريل ٢٠١٣
كان مقـرراً وصـولـي – مع بعض الزملاء - إلى مدينـة بوسطن الأميركية في الـسـاعة الخامـسـة عـصـر يـوم الاثـنين 15 نيـسان (أبريل)، ولكن شـاء المولى عز وجل أن تتـأخر رحـلتــنا مـن دبـي إلـى نـيـويــورك ثـلاث سـاعـات، مـا أدى إلـى تـغـيـيـر موعد رحلـتنا المـواصـلـة مـن نيويورك إلى بوسـطن إلى الساعة الـثامنة مساء... وصلتنا أنباء الانفجارين اللـذين حصلا في نهاية سباق الماراثون السنوي في بوسطن ونحن على متن الطائرة المتجهة إلى نيويورك، ما أثار فـينا القلـق حول تـداعيات الحادثـة على الإجـراءات الأمـنية في المطارات وفي المدينة التي سـنمـضي فيهـا يومين، وقد زادت من حـدة الـقـلق الأنـباء التي ذكـرت أن هـناك طالبـاً سـعودياً مشـتـبهاً بأن لـه صـلـة بالحـادثة، وأنه يـرقد في المسـتشفى جـراء الانـفـجـار. تجاوزنا إجراءات الجوازات في مـطار جـون كنـيدي في نيويورك في شكل اعتيادي ومن دون تـأخـير، فكان ذلـك مـحل ارتياح كبـير، ثم وصـلنا إلى بوسـطن في نـحو السـاعة التاسعـة مـساء واستـقلينا سيارة الأجرة إلى الفندق الذي يقع بالقرب من موقع الانفجارين. كان الحضوران الأمني والإعلامي لافتين. فرجال الأمـن في كل مكان، وسيارات النقل التلفزيوني تـقف في الشوارع المحـيطة بالـفندق، وبسبب إغلاق الشوارع الموصلة إلى الفندق، طلب منا السائق النزول في شارع فرعي على بعد مئات الأمتار، فسحبنا حقائبنا إلى الفندق وسط رجال الأمن وسيارات الإعلام. وعند البوابة الرئيسـة، طلب منا رجال…