الإثنين ١٨ يناير ٢٠٢١
ثمة مشروعات أصيلة، نابعة من إيمان عميق بالأفكار التي تقوم عليها، مقصود بها وجه الله والخير لعباده، وثمة على العكس مشروعات ديكور وتقليد، تحرّكها المنافع دون إيمان حقيقي بها، لا يراد بها وجهه سبحانه، ولا غاية منها إلا تحقيق مصالح خاصة. والمشروع الأصيل الحقيقي تعرفه من جذوره الممتدة في الأرض، ونمو فكرته تدريجياً وبمسار طبيعي لا مفاجآت فيه، واتساقه مع الظروف من حوله، وولادته في بيئة منسجمة معه، وكأنما المشروع جزء من صورة اكتملت به. ومشروع «البيت الإبراهيمي» هو بحق من المشاريع الإماراتية ذات الأصالة، حيث يشاد الآن في جزيرة السعديات بأبوظبي مجمع ضخم متوقع افتتاحه عام 2022، يضم ثلاثة مبانٍ منفصلة لمسجد وكنيسة وكنيس، وحديقة رئيسة للمجمع، ومبنىاً رابعاً مخصصاً كمتحف ثقافي يجتمع فيه الأشخاص بمختلف انتماءاتهم. ولم يأتِ هذا البيت الأول من نوعه في العالم من فراغ، ولا يقام في فراغ، بل وُلد على أرض كانت وما تزال عاصمة عالمية للتسامح الديني، بل لا تدري أي بقعة من هذه المعمورة غير الإمارات جديرة بحمل هذه الرسالة العالمية في الأُخوّة الإنسانية، إذ إن هذا البيت قد اكتمل بنيانه في الإمارات حتى قبل وضع حجر أساسه، من خلال واقع يعيشه الجميع على هذه الأرض، وكل ما هنالك أنه صار للتسامح الديني عنوان ملموس يمكن الذهاب إليه وطرق أبوابه. إن التسامح…
الخميس ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦
أعتقد أن الضجة التي ثارت حول ما قاله الداعية السعودي عبدالله السويلم ضجة مفتعلة، فقد قال السويلم عبر برنامج تلفزيوني إن زنا المحارم أهون من ترك الصلاة، وأن بعض العلماء ذهبوا إلى أن تارك الصلاة كافر، بينما من يزني بمحارمه يرتكب فعلاً محرماً مذموماً.. فهل هذا الكلام شاذ عن الثقافة الدينية السائدة؟! ربما السويلم أغضب الناس حين اقترب بكلامه من منطقة محظورة تتعلق بالأعراض والمحارم، لكن كلامه في نهاية المطاف يأتي في سياق ثقافة تقيم الدنيا ولا تقعدها على رأس من «يضرّ» نفسه، لكنها لا تفعل ذلك لو ألحق الضرر بغيره، وتعلي من شأن من يفيد نفسه، ولا تعلي بالقدر نفسه من يفيد غيره. فقبل سنوات أدخلوا جنازة رجل كان قد انتحر إلى مسجد في مصر للصلاة عليه، فامتنع الإمام بحجة أنه مات كافراً، ثم حدثت ضجة بين المشايخ لوجود آراء فقهية تجيز الصلاة على المنتحر الذي لم يستحل ذلك الفعل، واعتباره مرتكباً كبيرة من الكبائر كالقتل. فلو أنهم أدخلوا جنازة رجل كان قد قتل ألف إنسان بريء، لما تردد الإمام في الصلاة عليه والدعاء له بالرحمة، لكنه تورّع عن الصلاة على شخص آذى نفسه فقط! وفي غزة أطلق إسماعيل هنية لقب «الأيدي المتوضئة» على جماعته، معرضاً بخصومه «الفتحاويين» الذين لا يؤدون الصلاة كما يظن، بعد أن دعت «فتح» أنصارها…
الخميس ٢٣ يوليو ٢٠١٥
قانون مكافحة التمييز والكراهية يعد في رأيي إطاراً لصورة التسامح في الإمارات، وهو ما يدفع للتفاؤل بالتزام الجميع به، ومع هذا فقد كان من المهم قطع الطريق على أفكار التمييز والكراهية التي قد تصل إلينا من الخارج. وأثير تساؤل عمّا إذا كان القانون قد جرّم النقاشات الدينية بنصه على أنه لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي لإتيان أي قول أو عمل من شأنه التحريض على ازدراء الأديان أو تجريحها أو السخرية منها أو الإساءة إلى الكتب السماوية أو دور العبادة أو التطاول على الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو الإساءة إليهم. وأعتقد أنه ما من قانون يجرّم النقاش ما دام ملتزماً بمعايير البحث العلمي ويقوم على حسن النيّة وبغرض كشف الحقائق، وشتان بين الإساءة وإبداء الرأي، ولو لم يوفق صاحبه. وشتان بين من يحاول محاكاة الآيات القرآنية، ومن يجتهد في البحث حول مضامينها، فيصيب أو يخطئ. وشتان بين من يسبّ الرموز الدينية، ومن يتناول بالدراسة والتحليل مواقفهم وأدوارهم، مع المحافظة على الأدب والاحترام الواجبين لمكانتها. وأثير تساؤل عمّا إذا كان القانون يعاقب من يسيء إلى دين غير سماوي، باعتبار أن القانون نفسه تحدث عن الأديان السماوية. وهنا ينبغي التفريق بين الإساءة إلى دين غير سماوي، وهو عمل لا معنى له أساساً، وبين الإساءة إلى…
الجمعة ١٠ يوليو ٢٠١٥
حكاية المثل القائل «غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون» من الحكايات المعروفة عن ملكٍ مرّ في أثناء تنزهه بعجوز مقوس الظهر واهن القوة يغرس فسيلاً، فتوقف مأخوذاً بنشاط العجوز وسأله عن سنّه، ثم قال له: ومتى تأكل ثمر ما تغرس وأنت في الثمانين من عمرك وهو لا يثمر إلا بعد عدة سنوات؟! فأجاب العجوز بذلك الجواب الذي ذهب مثلاً. وأعتقد أننا في الإمارات في أمسّ الحاجة إلى تأريخ شخصية مجتمع ما قبل الاتحاد، فالنهضة الإماراتية التي أصبحت حديث أهل الأرض، وقريباً ستصل أصداؤها المريخ، وهذه التنمية الشاملة التي نراها بأعيننا في كل شبر من الإمارات، ونعيشها، وننعم بها، هي في رأيي انعكاسٌ لشخصية مجتمع الأجداد، وثمرة غرسهم. شخصية المجتمع التي أعنيها هي قيم أفراد مجتمع ما قبل الاتحاد، وثوابتهم، وقناعاتهم، وميولهم، وتطلعاتهم، ومشاعرهم، وخطوطهم الحمراء، وآدابهم العامة، وطرائق تفكيرهم، ووجهات نظرهم، واتجاهاتهم، وسلوكياتهم، وطباعهم. وأزعم أن الخير كان عنواناً لشخصية ذلك المجتمع، ولا أعني بالخير هنا ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أنه ينحصر في مساعدة المحتاجين، فرغم أن بذل المال للمحتاج أمر محمود، لكنه من أهون الأمور على النفس في مقابل أن يكون الإنسان خيّراً تتجلى فيه قيم الرحمة والشفقة والرأفة والمحبة والصدق والوفاء والأمانة والعدل والإنصاف والمروءة، ومكارم الأخلاق بشكل عام. ولا شيء غير الخير، وغرس الخير، يفسّر الثمر…
الخميس ٢٨ مايو ٢٠١٥
كان غريباً عنوان وغلاف كتاب ثروت الخرباوي، القيادي السابق في جماعة «الإخوان»، فقد حمل الكتاب اسم «أئمة الشر.. الإخوان والشيعة أمة تلعب في الخفاء»، وتقاسم الغلاف مع حسن البنّا، مؤسس «الإخوان»، الخميني، المرشد السابق للثورة الإيرانية، في ترسيخ لفكرة أن التشيع تنظيم سياسي يتدثر بحب آل البيت، كتنظيم «الإخوان» الذي يستغل الدين لمآرب سياسية. وفي الاتهامات المتبادلة في مواقع التواصل بين بعض السُنة والشيعة بشأن ما يجري في سوريا والعراق، يمكن ملاحظة عبارة «جرائم الشيعة» في مقابل عبارة «جرائم داعش». وعند الحديث عن النظام الإيراني، يستبدل بعضهم الشيعة بملالي طهران، فيتحدث مثلاً عن «التقارب الأميركي الشيعي»، وهو في الحقيقة يقصد التقارب مع نظام ولاية الفقيه في إيران. ورغم أن التشيع مذهب إسلامي، فإنه يتم ترسيخ فكرة أنه تنظيم أو دولة، وليس مذهباً تعبدياً يمكن أن يعتقد به أي شخص ولا يكون له أية صلة بأي تنظيم أو دولة، ليكون حتى المسيحي الذي تحوّل إلى الإسلام على مذهب التشيع، داخلاً تحت واحدة من تلك التصنيفات التي تنضوي جميعها تحت الأيديولوجية الخمينية، رغم أنه يمكن أن يعيش الشيعي منعزلا عن بقية الشيعة، ولا يعترف أساساً بمرجعية الخميني، ويكون في الوقت نفسه شيعياً حسب تصوّره لنفسه. وما يهم هنا شيعة الخليج والتصوّر الذي يأخذونه عن أنفسهم بسبب تصنيفهم بتلك الطريقة، وكذلك التصوّرات التي…
الجمعة ١٧ أبريل ٢٠١٥
رفع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عمرو حمزاوي قبعته لساسة طهران في مقال له بعنوان «عن كفاءة الدولة الإيرانية»، وهو ليس أول مَن «يرى مِن الجمل أذنه»، فهناك صف من المثقفين يصفقون إعجاباً بسياسات الملالي، ولو من باب حثّ دولهم على اللعب بالطريقة الإيرانية! يقول حمزاوي إن إيران انتزعت الاعتراف بحقها النووي، وبوضعها كقوة إقليمية كبرى، وذلك عبر مؤسساتها المتماسكة، وحشدها الطاقات الداخلية لتحمل العقوبات، وتكثيفها العلاقات مع بعض الدول، وصنعها صورة عالمية إيجابية عنها، ومدّ نفوذها عبر الورقة المذهبية، وتسليح وتمويل حلفائها، وختم شهادة التقدير التي سطرها للدولة الإيرانية بقوله: «هذه هي الحقائق، فدعونا لا نتجاهلها إن أردنا الخروج من ظلامية واقعنا العربي المعاصر». ورغم أن حمزاوي أشار في نصف سطر إلى وجود انتهاكات للحقوق والحريات في إيران، وهو دأب كل المعجبين بـ«كفاءة» الدولة الإيرانية، ففي رأيي أن هذا هو مربط الفرس، وأن تلك الكفاءة تنبع أساساً من الضغط المتواصل على 80 مليون إيراني وتحميلهم أكلاف السياسات التي تبهر السُّذج. كان يمكن اعتبار سياسات طهران نموذجاً يحتذى في انتزاع الاعتراف بالحقوق والمواقع، لو لم يكن الإيرانيون يدفعون ثمناً باهظاً من حريتهم حتى في ارتداء الثياب، ومن حقهم في التواصل حتى عبر موقع «تويتر» المحظور هناك، وهو الأمر الذي ساهم مع القمع في تماسك مؤسسات دولة الكفاءة، ومن رفاهيتهم في…
السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤
تبدو الإمارات كأنها معنية أكثر من غيرها بملاحقة دبابير الإرهاب، فعلى رغم أن دول المنطقة عموماً تخوض المعارك ضد العنف والتطرف، فمن الواضح أن دولة الإمارات تعمل بتصميم أكبر، الأمر الذي يثير تعجب بعض الفضوليين الذين لا يعرفون الإمارات جيداً. وعلى رغم أن الإرهاب يحتفظ في خزانته بأردية متنوعة، فهناك الرداء السياسي، كما فعلت مثلاً منظمة «الألوية الحمراء» في إيطاليا، والرداء العنصري، كمنظمة «كو كلوكس كلان» الأميركية، فقد أصبح الإرهاب في العقود الأخيرة يتسربل بالرداء الديني، والإسلامي تحديداً، إذ كلما وُصف شخص بأنه إرهابي، تبادر إلى الذهن أنه مسلم، إلى أن يثبت غير ذلك. ومن هذه الحيثية التي انتهى إليها الإرهاب - الابن الشرعي للتعصّب - لنذهب إلى التسامح، وقبول الآخر، والتعايش، وهي القيم التي صارت بدورها تُفهم في سياقاتها الدينية، فحين نقول التعايش، فيخطر ببالنا التعايش بين الأديان، بينما ابتعد في الأذهان التعايش ببعده العرقي مثلاً، ليكون السؤال هو: هل تملك الإمارات خياراً غير أن تخوض المعركة مع التطرف لتحمي شعبها والمقيمين على أرضها ونمط العيش فيها؟ ماذا تفعل الدولة التي تعطي النموذج الأفضل لحالة التسامح الديني، وقبول الآخر المختلف دينياً، والتعايش بين أتباع الأديان؟ دستور الإمارات يشير إلى أن الإسلام دينها الرسمي، وينتمي شعبها إلى الإسلام. الإمارات يعيش فيها ملايين الأشخاص من 200 جنسية، ينتمون لديانات متعددة، فيسمح…
الخميس ٠٣ أبريل ٢٠١٤
كتب مدير تحرير صحيفة «العرب» القطرية تغريدة في «تويتر» متباهياً فيها بقوة قناة «الجزيرة» رغم صغر مبناها، فقال إن حسني مبارك حين زار القناة علّق قائلا: «كل ده من علبة الكبريت دي؟!»، لكن الإعلامي المذكور لم يعرف كيف يرد حين سأله أحد المغردين: وماذا قال شمعون بيريز حين زار مكاتب القناة في الدوحة؟! ولا يمثل العاملون في الصحف حكومات دولهم، ولا يمكن اعتبار تغريداتهم أو حتى مقالاتهم تعبيراً عن وجهة النظر الرسمية لدولهم، لكن تغريدة المباهاة تلك، والجواب الذي لم نعرفه عن السؤال الذي وُجه إلى ذلك الإعلامي، تلخص السياسة القطرية خلال السنوات الأخيرة، وهي ذِكْر نصف الحقيقة فقط، فنحن عرفنا من ذلك الصحفي رأي مبارك في علبة الكبريت، لكننا لم نعرف رأي المسؤول الإسرائيلي في «الجزيرة»؟ وجاءت تصريحات وزير الخارجية القطري في أعقاب سحب معظم دول الخليج العربية سفراءها من الدوحة، لتؤكد سياسة أنصاف الحقائق، فقد ذكر الوزير مثلا أن استقلال سياسة بلاده الخارجية ببساطة مسألة غير قابلة للتفاوض، وأن سحب السفراء لا علاقة له بالأمن الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي، وإنما بسبب تباين في الآراء بشأن مسائل دولية. لكن نصف الحقيقة الآخر أن الدوحة كانت إلى ما قبل ثورات «الربيع العربي»، أقرب إلى المحور الذي كان يُسمي نفسه محور «الممانعة»، والذي كان يضم سوريا وإيران والجماعات المرتبطة بهما…
الخميس ٢٠ مارس ٢٠١٤
لولا الثلاثين عاماً الأولى من عمر الخلافة الإسلامية لوُضعت قواعد الحكم في الإسلام في خانة الأفكار العظيمة لكن غير القابلة للتجسّد، مثل أفكار المدينة الفاضلة التي وضعها أفلاطون، لكن بما أن تلك القواعد طُبقت بصورة جيدة في فترة ما ولو كانت قصيرة، فهذا يُبعد عنها شبهة عدم الصلاحية، ولا يضير تلك القواعد أنها طبّقت بعد ذلك لقرون طويلة بشكل مشوّه وبانتقائية أفرغتها من معناها. وكل النظريات العظيمة والأفكار الخيّرة والمبادئ السامية ما لم تجسّد على الأرض وتعطي البرهان العملي على إمكانية تحققها، فإنها تذهب فوراً إلى خانة الأوهام والمثاليات والطوبائيات، فحين نقول إن من يزرع خيراً يحصد خيراً، ثم لا نجد شخصاً واحداً زرع خيراً ووجد خيراً، فإن قولنا ذلك يصبح مجرد كلام جميل لكن لا قيمة له. وحين نؤمن بالإنسان العربي، وعقله، ومواهبه، وإرادته، وقدراته، وطاقاته، واختياراته، وإدارته، وتخطيطه.. ونؤمن باختصار بأن العربي لا يقل شأناً عن غيره، وبأنه قادر على منافسته والتفوّق عليه، ثم ننظر يميناً وشمالًا فلا نرى إلا طائرات عربية تُلقي بالبراميل على رؤوس العرب، ولا نرى سوى عرب يجزّون رؤوس عرب آخرين ويقطعون أوصالهم، ولا نرى إلا قتلى إثر احتجاجات قاموا بها على تبرئة متهمين في قتل أشخاص آخرين، ولا نرى سوى تفجير في سوق شعبي، ثم نرى تفجيراً أمام باب الطوارئ في أقرب مستشفى…
الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠١٣
عمّرت دولة الخلافة 1292سنة، حكمها نحو 172خليفة وأميراً للمؤمنين، وفي فترات طويلة من عمرها كان هناك أكثر من خليفة في وقت واحد. وأساس دعوات عودة الخلافة قائمة على سيرة خمس خلفاء حكموا 31 سنة، أي 2.3 في المئة من عمر الخلافة. وعلى عكس القاعدة التي تقول: "العبرة بالغالب الشائع لا بالقليل النادر"، يسلط دعاة عودة الخلافة الضوء على الفترة الذهبية والقليلة النادرة من عمرها، لأن الناس ببساطة سينفضّون من حول دعوتهم حين يجدون أن أغلب فترات الخلافة كانت صراعاً على المُلك، واستئثاراً بالسُلطة والثروات، وإخضاعاً للرقاب باسم الله. التاريخ يقول: إن خلفاء الفترة غير الذهبية كانوا رجال سياسة وحسب، يفكرون ويخططون ويتحركون كما يفعل أي سياسي معاصر، إضافة إلى استغلال الدين على طول الطريق، وأستعرض هنا صفحات من تلك الفترة عن معركة "نصيبين" أو "نزيب" التي وقعت بالقرب من حلب. حيث التقى الجيش التركي بالجيش المصري، وكان أحد قادة الجيش الأول بارون ألماني يدعى مولتكه، وفي الطرف الآخر كان الكولونيل سيف، وهو ضابط فرنسي عهد إليه محمد علي، والي مصر من قبل الخليفة، بتأسيس جيش مصر وفق النظم الحديثة، ففعل وأَسلم وصار يدعى سليمان باشا الفرنساوي. ولم يلتقي الجيشان هناك لإجراء مناورات مشتركة، أو للزحف تحت راية واحدة على بلاد الكفار وإعلاء كلمة الله فيها، وإنما ليضرب…
الخميس ١٦ مايو ٢٠١٣
اعتبر الكاتب فهمي هويدي أن زيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للإمارات لا تبعث على الارتياح ويشم منها رائحة السياسة، بحجة أن شيخ الأزهر ليس رجل دولة، تحكمه الأعراف والمجاملات، ليقوم بتلك الزيارة! ومثل هذا الطرح يستغرب من شخص عُرف بأنه «مفكر إسلامي»، إذ لا يفرق من يدعون «المفكرين الإسلاميين» بين دين ودولة، كما أن هويدي مغرم بثورة الخميني، حيث يمسك شخص واحد بالسلطتين الزمنية والروحية، وهو إلى ذلك يميل إلى جماعة تتوسل الحكم بشعار «الإسلام هو الحل». وما قاله هويدي قد يصح في أئمة المساجد وليس في القادة الدينيين الكبار، فشيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، زار الإمارات سنة 2007 والتقى بكبار المسؤولين فيها، والقرضاوي، وهو ليس رجل دولة، زار القذافي، والأسد، إضافة إلى زياراته الكثيرة لملوك ورؤساء عدد من الدول العربية والإسلامية. وزعم هويدي أن زيارة شيخ الأزهر لم يكن لها علاقة بالدور العلمي أو الدعوي للمؤسسة التي يرأسها، وهذا يدل على أنه أسير مواقفه المسبقة من هذا الطرف أو ذاك، فشيخ الأزهر وصل الإمارات لتسلم جائزة شخصية العام الثقافية التي فاز بها ضمن جائزة الشيخ زايد للكتاب. كما أن استقبال علماء الدين والاحتفاء بهم ليس غريباً على الإمارات، فقد سبق أن مُنحت جائزة شخصية العام الإسلامية لكبار القادة الدينيين، كالراحل متولي الشعراوي، وأبوالحسن الندوي، وغيرهما، كما أن…
الخميس ٢٩ نوفمبر ٢٠١٢
لا يغيب عن بالي وجه مستثمر روسي قدم إلى الدولة في التسعينيات بقصد مزاولة نشاط تجاري، وأقنعه شخص يرتدي كندورة بتسليمه آلاف الدولارات، ثم اختفى ذلك الشخص. وبسؤال الروسي في التحقيقات عن ضمانات تسليم النقود، قال إن الضمانة كانت الكندورة، فمن يرتدونها معروفون بالشرف والأمانة. يبتعد عن الصواب من يعتقد أن عجلة الازدهار والتنمية في الإمارات ما كانت لتدور لولا النفط، فماذا جلب النفط لدول، ستخطر ببالنا الآن، إلا الدمار والاقتتال؟ أو من يختصر نجاح الإمارات بقوة الإرادة، والكفاءة، والتخطيط، فمن يسوقون شعوبهم للحروب ويصبّون على رؤوسهم البلاء لديهم قوة إرادة أيضاً، وكفاءة، وتخطيط، لكنها تستخدم حطباً لنيران الطمع والعدوان. وواهم من يتصوّر أن الأيدي الخفية هي التي تدفع الدول إلى الهاوية، وأن دولاً تحدد مصير دول أخرى بقرار واحد، أو أن قوة الجيوش هي التي تضمن الاستقرار، أو أن القدرة على مواجهة التحديات تكون بعقد التحالفات مع الدول الكبرى، أو أن دوام النعم من كثرة دور العبادة وانتشار التديّن، فكلها مهمة، لكنها لا تغني شيئاً ما لم يكن أهل البلد في عمومهم خيّرين. لكن للأسف، في قوانين السياسة، لا يُذكر الخير والشر، بحجة أن طبيعة السياسة متغيرة، وربما يخجل المتخصص في العلوم السياسية من ذكر الخير والشر على لسانه، لئلا يصبح «درويشاً» وساذجاً مغفلاً، فالاعتبارات الأخلاقية عندهم تخص البشر…