الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٨
الثقافة مثل النهر، قوتها في صفائها وتأثيرها في زخم عطائها، وأشجار الحياة لا تنمو إلا بمستوى جريان النهر في عروقها، ولا ترقى الأمم إلا برسوخ ثقافتها وامتدادها باتجاه العالم، وتفرعها واخضرار أوراقها. في الإمارات، هُناك الوعي المتجذر في السقف الثقافي، وهناك الطموح بأن تكون الثقافة القوة الناعمة، ولسان البوح الجميل الذي يرسم صورة الوجدان الإماراتي، والاقتناع بأهمية أن يكون للكتاب مقعد في مجالس الحوار الإنساني، وأن يكون للمثقف حضور في منابر السرد، وما يداخله من قيم وشيم تضيء الفضاء بكلمة سواء تدحض الافتراء، وتجهض الهراء، وتمنع كل ما يفسد مجرى النهر، ويعكر صفاءه. اليوم لم تصبح الثقافة ترفاً وطنياً، أو اجتماعياً، ولم تضح تنفيساً عن ذات مكبوتة، بل هي تحريض حقيقي للذات كي تفرض وجوداً في الوجود، وتفتل خيوط الحياة، كي تصبح قماشة الحرير التي تضع نعومتها على الجسد الإنساني، فتمنحه الجمال، وتهبه حب الحياة، وتفتح للنفس قنوات بسعة المحيط باتجاه الآخر من دون رواسب أو شوائب. فعندما تصفو الثقافة، يصير النسيج البشري، مثل رقراق الماء، مثل أوراق التوت، مثل أشواق الطير، مثل أعناق الإبل مثل أحداق الغزلان. الإنسانية بحاجة إلى ثقافة تنقي الأفكار، وتصفي قاع البئر. الإنسانية بحاجة إلى ثقافة الانتشار السلمي للأفكار، ووعاؤها الحب، ومنطقها الطموح اللا منتهي لتحقيق السلام النفسي والطمأنينة، وكبح جماح النفس الأمارة، وتأثيث الأفئدة…
الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٨
اتحاد كتاب الإمارات بيت الفعل الثقافي، وهو المنطقة التي تنمو فيها أعشاب الفرح، عندما تلتئم الأكتاف وتصير كأغصان شجرة السدر تشد بعضها بعضاً، ولا تجعل للعصافير فجوة الفرار من العش، ولكن ما يحصل الآن هناك تقطيبة على الجباه، مبررها اللا شيء، ومحتواها أنا ومن بعدي الطوفان، وهذا يشبه ما يحصل في المجتمعات السياسية عندما استنفر المدعون، وهدموا المعبد على رؤوس أصحابه، وبقيت المجتمعات مثل قوافل النمل الهاربة من جحيم التشظي. اتحاد كتابنا يحتاج إلى أفراد أسرته، كي تتصافح القلوب قبل الأيدي، ومن دون تصنيف أو تجفيف منابع الحب الذي هو النهر الذي يروي الجذور، ويجعل من التربة حاضنة لكل الأعشاب بألوانها المختلفة، ونحن بحاجة إلى الاختلاف ولكن من دون طواف حول الأنا المتورمة، ومن دون عبادة الذات المحتقنة، ومن دون اللجوء إلى الألغاز التي تفجر نيران الذاتية الفجة والقميئة، والتي لا تعبر إلا عن ضغائن شخصية لا تخدم للود قضية، بل تحول الاتحاد إلى منصة للصراخ الذي يصم الآذان، ويعمي الأبصار عن رؤية الحقيقة، وحقيقة الاتحاد أنه قدم الكثير للثقافة الإماراتية، ومد الشراع إلى المحيط العربي، بحيث أصبحت الإمارات الحضن الدافئ الذي يضع الاتحاد العام للكتاب العرب بين ربوع المحبة والاهتمام، وهذا يكفينا شرفاً أن نكون الحصن الحصين للثقافة العربية، وقد يقول قائل، هذا لا يكفي، وهذا صحيح ولكن الذي…
الثلاثاء ٢٤ أبريل ٢٠١٨
منتمون إلى الشهيد، ذاهبون إلى اسمه، لنلوّن بدمه وجداننا، ونجعل الطريق إلى المجد يبدأ من ذكراه التي تسكن الشوارع، وقارعات ونواصي أحلامنا وأيامنا. علي خليفة المسماري، وكوكبة من شهدائنا الذين أضاؤوا منازلنا بالكرامة، وشرف الانتماء إلى وطن الفخر، والرجال الأماجد، هؤلاء مناراتنا وجبالنا الشم، ننظر إلى المرآة فنراهم، ثم نرى أنفسنا، ثم نرى وطناً يعرج إلى العلا، مجلجلاً بخلاخيل الفرح، وهو يزف عرسان الجنة إلى مثوى الخلود، ويمضي بكبرياء، زاهياً بين الأمم، تضيء سماؤه أسماء رصعت على جبين الوطن لآلئ النصر على كل باغ وطاغ، ومعتد أثيم، ومدت قلوبنا بدماء البهجة، والأمن وقوة الإرادة، لأن وطناً تحرسه أرواح أطهر من ماء النهر، لا تشيخ جذوره، ولا تنثني أغصانه، ولا تعجف أوراقه، ولا تغادر طيوره أعشاش الدفء، والحب والحنان. وطن تطوق تضاريسه سواعد رجال أوفياء، أتقياء، أنقياء، لا يتعكر ماؤه، ولا تتخثر دماؤه، أنه وطن كالنهر يذهب إلى الحياة صافياً، أزهى من نور البدر، وأنصع من قرص الشمس، وأوسع من حلم الموجة على شطآن الخير. شارع علي المسماري في جزيرة الريم، هو صفحة من صفحات هذا البلد، تفتح في كل صباح ليقرأ الجيل عن رجال ضحوا من أجل حرية الإنسان، وقيادة تغرس في الوجود، ثوابت الوفاء، والتفاني من أجل وطن ينجب النبل بصورة رجال يتفانون من أجل أن يكون الوطن هو…
الجمعة ٢٠ أبريل ٢٠١٨
في الشارقة أيام تمضي باتجاه النهر، وفي أحشاء قاربها يكمن السر، وشراعها يرفرف ببياض التاريخ، وزخمه التراثي. في هذا الاحتفاء البهيج رجال دأبوا على إرواء الحياة بماء الذاكرة الحية، ويرسمون على الأرض صورة الإنسان الذي نحت بأصابعه لوحة الفن الأصيل، وأشاع في الوجود معنى التضحية من أجل أن يكون هو والآخر في سفينة واحدة يعبران المحيط، ويروضان الموجة، كي لا تخفق بالهلع. في أيام الشارقة التراثية، الماضي يسري مثل الماء في الذاكرة، ويمد يداً ناصعة من غير سوء باتجاه الحاضر، ويغدق المستقبل بأحلام أزهى من زهرة اللوز، وأماني مزخرفة بالثقة والأمان، وكم هي رائعة هذه المرأة كبيرة السن، وهي تخفق الدقيق بالماء كي تصنع رغيف الحاضر، مغموساً بملح الأمس، وكم هي شائقة هذه الرقاقة الشفيفة، وهي تشف برائحة الأمس مغسولة بجمرة الأيادي المعروقة، وأحلام الشجرة السامقة في فناء البيت القديم. أيام الشارقة التراثية، عود أبدي لفلسفة المكان، وبوح الزمان الإماراتي الجميل، هنا في هذه الأيام المشرقة بوجوه الساعين صدقاً لتكريس واقع ما كان له أن يصمد في وجه الموجة العارمة، لولا جهود المخلصين الكادحين في وضح النهار، وعند إغماضة الليل لأجل أن يبقى الماضي حاضراً، وأن تستمر الذاكرة في اليقظة، ويهنأ الإنسان بغذائه الروحي من دون منغصات، أو نسيان، ومن دون ترهل أو تساهل، أو تجاهل، لأننا في حضرة الذاكرة…
الخميس ٢٩ مارس ٢٠١٨
الإمارات في عصرها، وبصيرة الذين يرفعون شراع السفر البعيد، أصبحا النهر الذي تمضي فيه الطيور، ريانة بالهوى، ونعيم العلاقة الفطرية، ما بين الماء والأجنحة. الإمارات اليوم النخلة التي رفرفت على سعفاتها فراشات الأحلام الزاهية، وتنامت عند قمتها ثمرات التوهج والطموح الجميل. دول كبرى تتسابق كي تصل إلى أفق الإمارات، وتعمل جاهدة كي تلامس شغاف هذا البلد، المتألق حلماً، المتدفق علماً، المتناسق وعياً، السابق لعصره، الذاهب للمستقبل ببريق الأمنيات الكبيرة، الطارق لأبواب المجد بكل ثبات وثقة وأناة وتؤدة، يقطف من زهرات الحياة أجملها، ويرشف من شهد الكون أعذبه. عندما يدعو الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن إلى علاقة استراتيجية مميزة، فإنه يعرف جيداً أين يشير بإصبعه، وإلى أي بلد تتجه بوصلة كوريا، إنها تذهب إلى المحيط الإماراتي، إنها تقف عند سواحل بلد نصعت موجته، ورسمت صورة الغد بأنامل عشاق، أقوالهم أفعال، وأفعالهم سلوك إنساني منقى بالثلج والماء البرد. كوريا الجنوبية تصل الإمارات بقلب مملوء بالثقة، وهذا البلد لا يزور الشواطئ من دون مرساة، ولا يمخر عباب البحار من دون أشرعة، إنها كوريا الجنوبية، تجنبت كل العوائق لترسو عند مرافئ التطور المذهل، وحققت حلمها في دقائق التكنولوجيا بوعي السريرة، ونقاء فضائها من غبار الأيديولوجيا الحمقاء، واتسعت حدقتها كما هي السماء الزرقاء، فكانت الدولة الناهضة ضمن دول تقاسمت معها الأحلام والأيام، واليوم تأتي…
الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٨
عاصمة النور تضاء بصرح من صرح النور على لسانه، بأبهى الصور، وأجمل العبارات، وأنبل القيم، وأكمل الشيم، ومن تسامت الكلمات وهي ترسم للوطن صورة المثال والنموذج المحتذى، والقدوة التي تمضي نحوها الأوطان. عاصمة النور، تبتهج بصرح مد للمدى مداد القصيدة، فامتد يمد الخطى باتجاه الأفق، يرنو إلى العالم بحدق الصفاء، وروح الوفاء للأرض، للإنسان، لبيان القدرة الإلهية التي منحت هذا الشعب قائداً جعل من الوطن محيطاً تسبح في أعماقه أرواح المحبين، وتعزف الموجة لحن الانتماء إلى كون نحن فيه فراشات تهتف باسم الخالق العلي القدير. عاصمة النور، تخلد صرحاً فيه البيان والبنان والتبيين، فيه خصال النجمة، وطبع الغيمة، وسجايا النعمة، وثنايا القيمة، فيه الجلال والجمال وشيم الوصال، فيه سحر البدايات التي انبثقت منها لحظة الانبهار والازدهار والإثمار والإعمار، ونبوغ المسار وبلاغة الوعي في العلاقة ما بين الإنسان والإنسان، وما بين الإنسان والأرض. عاصمة النور، تفتح مصابيح الحياة على صرح مد للصروح آفاقاً وأطواقاً وأعناقاً وأشواقاً، وفتح للإنسان ينابيع الأمل، ومنح للصحراء أوراق الينوع واليفوع، وأهدى الطير أنشودة التغريد، لتصبح الإمارات اليوم واحة، وأبناءها قصائد معلقة على جدر المجد، ويصير البحر مراكب سفر محملة بالأحلام الزاهية، والأمنيات المزدهرة بثراء الواقع. عاصمة النور، تزهر اليوم بصرح زايد، وتزدهر بذكراه المعبقة بمنجزات ومكتسبات أذهلت وأدهشت وأسعدت، وجعلت القلوب مثل بساتين تفوح بعطر…
الأحد ١٨ مارس ٢٠١٨
شهداؤنا، تنظر في عيون آبائهم، فترى الكبرياء مثل جبال شم مكسوة بعشب الانتماء. تنظر في عيون أبنائهم، فترى الوطن يتألق شعاعاً مثل أهداب الشمس، تنظر في عيون أحبتهم فترى الحب زاهياً يرفل بأثواب الاعتزاز والتقدير، بذلوا النفس رخيصة في سبيل كرامة الإنسان وعزته وحريته، ومن أجل إعادة الأمل لشعب عانى من ويلات الغبن والحقد والطائفية. شهداؤنا هؤلاء هم الذين رووا بدمائهم أرض اليمن، لأجل أن تنبت أشجار الحياة، وأن تترعرع أعشاب الأمل في قلوب أطفال تشردوا ونساء ثكلى، ولأجل أن يستعيد اليمن عافية النهوض، وتشرق الشمس على صنعاء؛ لتغسل أدران من عاثوا بالقيم فساداً، وسادوا بباطل وتسيّدوا برذيلة. شهداؤنا بدمائهم الناصعة أضاؤوا طريق من أطفئت في دروبهم أنوار الحلم، ومن ناخت بهم إبل الفجيعة عندما وجدوا أنفسهم بين أفكاك شريعة لا تعرف ذمة، ولا تنتخي لأخوة، ولا تعنى بوطن. شهداؤنا في اليمن سجلوا أروع ملاحم البطولة، وأنصع الصور القتالية في مواجهة وغد تجبر، وحاقد تكبر، وناقم تبختر، ووحش تضور، وكاهل انحدر في أسفل السافلين، وحوّل اليمن إلى مستنقع تعيث فيه الضواري، وتعبث فيه مخالب الشيطان، وتستغل شططه قوى الدعاية العبثية. شهداؤنا هناك رسل محبة وسلام لمن يريد لليمن الخير، ورصاصة الرحمة لمن يعاني أمراض الكراهية الخبيثة. شهداؤنا هناك هم من مثّلوا وجدان الإنسان الإماراتي، وهم من أتقنوا صيانة الأمنيات، في…
الإثنين ١٢ مارس ٢٠١٨
في عفرين، وفي الغوطة الشرقية، في سوريا كلها، يحضر العالم بكل غضبه ونفاياته التاريخية ولا يحضر العرب، هناك يستمر الحِنث والخبث والعبث، وهناك يحضر الدمار والاندثار والغبار والسعار، ويغادر العرب إلى مكان قصي، حيث يمكث النسيان والسلوان والهجران، والشعب السوري وحده يواجه الجحافل بصدور عارية، إلا من الأمل المكسور والويل والثبور، لأن العرب خبؤوا العزيمة خلف غيمة الفشل، واستراحت جيادهم عند شجرة اليأس والقنوط، وظلوا متفرجين على المشهد، والغابة تحترق، والغزلان تسوطهم الأجندات والمغامرات والمداهمات والخيانات، استسهالاً لضرب الجسد الميت سريرياً. هدنات هنا، ومراوغات هناك، ولا شيء يبرز في الأفق لأن النوايا رزايا، ولأن الصدق دفن مع غثيان الحقيقة، ولأن الحقيقة غشيتها موجة من الوهم والحزن الأسطوري، الذي لم نسمع به إلا في الروايات البوليسية، وما أخفته صدور الذين علقوا مشنقة سوريا على مشاجب الكذب والافتراء، والتصريحات الأشبه بالزبد ورغوة الصابون المقلد. رجال ونساء وأطفال، يحملون الأتفه من زاد الدنيا، ويقفون خلف الممرات الملتهبة، لعل وعسى تطفو على السطح قشة تحملهم إلى ما بعد الحصار، ولكن لا جدوى لأن المتقاتلين لا يزالون يحملون في جعبهم من الحقائب السرية، ما يجعلهم يخفقون بوضع الأيدي على الزناد، ومن تسول له نفسه بمغادرة الغوطة الشرقية فالحتف المأساوي في انتظاره، والقناصون يتربصون مثلما تفعل الضواري، ولا حياة لمن تنادي. قالت المرأة السورية وامعتصماه، والمعتصم…
السبت ١٠ مارس ٢٠١٨
هكذا هي الحضارات العظيمة مثل النهر لا تتوقف عند صخرة، بل تتعداها لتصل إلى الحقل. هكذا هي الأمم النبيلة، مثل الوردة، فعطرها لا يميز، ولا يتحيز، بل هو منثور في الأرجاء لتشمه الفراشات من كل مكان. هكذا هي الأفكار الكبيرة لا يسعها حيّز، بل هي الحيّز كله، هي كل الوجوه، وكل الاتجاهات، هي في الوجود مركز الكون. عندما بزغت الحضارة اليونانية في العصور القديمة، لم تكن أثينية، وإنما وصل فكر الأولين من سقراط إلى أرسطو إلى كل أرجاء أوروبا، ومن ثم العالم لأنها حضارة العالم، واليوم العالم قد لا يرى في اليونان غير هؤلاء الذين صنعوا مجدها، وأضاؤوا سماء الدنيا بالفكر المستنير، والعطاء الذي لم تحده جغرافيا ولا تاريخ. وعندما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إن تجربة الإمارات مفتوحة على العالم، لأن سموه على يقين من أن التجارب الواسعة لا تضيق بالعالم، وإنما تزداد اتساعاً كلما انهمرت أمطارها على مزيد من البقاع. ولا يستطيع أحد أن يقول، إن تجربة الإمارات، محصورة في مكانها الجغرافي، لأن بلادنا أصبحت اليوم مآلًا لكل الطيور الراغبة في بناء أعشاشها على هذه الأرض أو الاستفادة من التجربة ونقلها إلى أماكن أخرى، فهذه التجربة أصبحت اليوم، مثل الشمس لا تنبئ شعاعها تحت شرشف الغيم، بل تطل من خلال الغيمة لترسم لوحة شفافة…
الأربعاء ٢١ فبراير ٢٠١٨
زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، النهر الذي فاض، وأعطى، وبذل من الدم ليروي إرادة شعب، ويخصب أحلام أمة، باستدعاء الذاكرة لصور البطولات، وفرسان الشجاعة وبسالة الشجعان، وهو المثال الجلي لنخوة الذين يمتطون جياد التضحية من أجل نصرة وإعانة الملهوف، وردع الظلم ورفع الضيم عن إخوة لنا في الدين والدم والتاريخ. زايد بن حمدان، وإخوته على أرض اليمن ضربوا مثالاً للتضحية، وسطروا في صفحات التاريخ كلمات من نور، وحروفاً من ذهب، هؤلاء هم أبناء الإمارات، عيال زايد الخير، قصائدهم تكتب بالدماء الطاهرة، وعباراتهم تنسج من حرير انتمائهم للحقيقة، وتطلعاتهم هي من بريق الأماني النبيلة، كي يصبح اسم الإمارات راية مرفوعة على شفة القمر، وسارية تخفق بمشاعر الحب لكل شبر من أرض العروبة، وتخليصها من براثن الطائفية والأحزان التاريخية، وباطنية المزملين بالحقد والكراهية، والذين في قلوبهم يكمن جحيم العدوان على كل جميل وأصيل في هذه الحياة. زايد بن حمدان وإخوته من رجالنا الأشاوس المرابطين عند خطوط النار، والذين واجهوا ربهم بأفئدة تفيض بالإيمان، ورغبة راسخة بأن الحقوق لا تسترجع إلا بالتضحيات الكبرى وتقديم النفس والنفيس، ولا يزهق الباطل إلا بالصد والرد، وكبح جماح العاصفات النواسف، وقهر الراجفات الكواسف، ودحر، وردع المدلهمات الخواسف. زايد بن حمدان، وإخوة له لونوا أحلام الوطن بالفخر الزاهي، وعطروا أمنيات شعب بعبق الاعتزاز، وساروا بنا نحو…
الأربعاء ٣١ يناير ٢٠١٨
ذلك الرجل، يقطف من شجرة حياته ثمار البقاء، لصغار فتحوا أفواهاً، في انتظار ما يأتي به النهار، وتعود به اليد المعروقة، كداً وتعباً، وفي المساء، وربما قبل ذلك يهطل المطر على يدي رجل شد الوثاق، وجاء بالحمل الثقيل على هودج الصبر، وبين اللفيف يجلس متربعاً عرش المسؤولية والالتزام، يجول بالناظرين هنا في البيت، يمسد رأس الأصغر ويمهد ظهر الأكبر، والأبناء سواسية عند ركبتيه، مثلما تفعل فراخ الحمام، وبينما تكون الأم في مطبخ الحياة، يتبوأ الرجل منصب الحكاية ويروي ما جاش في خاطره من دروس، ويقص ما صادفه من مشاهد، بينما الصغار منتبهون غير لاهين، عيونهم مثل نجوم تضيء وجه الأب، ينصتون للحكاية، مستغرقين في بسط نفوذ الأحلام، مستأنفين التلقي باهتمام أبلغ من صمت الطيور لسماع وشوشة الموجة. في الزمن الجميل كان للرجل دفة من خلالها يقود المرحلة، ويمضي بالقارب بعيداً عن رياح الشمال، وقريباً من سواحل الأمان، كان يغسل مشاعر الأبناء بمنظف اسمه الحضور الدائم في مشهد العائلة، كان يكنس غبار الجفاء والفجوات بمنشفة الحضور، ورسم الصورة المثلى لأب لا يغيب حتى في وجوده في المسافات البعيدة. في الزمن الجميل، كان للأصوات رنة الناي في جلسة العشاق، وكان للوجوه سحنة السحابة الممطرة، وكان للعيون بريق الأفق، وبرتقالة الشمس وهي ذاهبة إلى مكانه الأنيق في قلب الكون. في الزمن الجميل، هناك…
الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠١٨
عندما تحلق فوق رأسك حمامة، وتخفق بجناحين أشف من أهداب الغيمة. عندما تقف هرة أمامك تموء بصوت عذب شجي، أرق من خرير الماء. عندما يقابلك كلب يهز ذيله مثل مروحة خرافية. عندما يناغيك طفل في شهوره الأولى. كل هذا يشعرك بوحدة الوجود، وكل هذا يدعوك للاشمئزاز من أولئك الذين يسخرون من الروح ويهزأون من الحياة ويستخفون بمكوناتها، ويذهبون بالكائنات إلى العبثية والعدم. عندما يسكنك هذا الإحساس، تفكر كيف يمكن للحياة أن تصير بلا روح. الأشياء من حولك مثل خيوط القماشة، تكمل بعضها بعضاً، والاستغناء عن خيط واحد يفلفل القماشة، ويحولها إلى خيوط متناثرة سريعة التلف. لم يأت شيء إلى العالم من دون هدف، وهدف الأشياء هو تكاملها، ليصبح الوجود كائناً واحداً، عناصره وحدة القاسم المشترك، ولا شيء في هذا الكون يعيش خارج حسابات الاندماج والانغماس في بوتقة الكل المنسجم والمدعم لبقية أعضاء الجسد. لا يستقيم الكون، ولا يستمر الوجود صاحياً صحيحاً، من دون تشابك الأغصان وتعانقها وتداخلها، لأن في ولوج الأشياء بعضها ببعض، هو الحياة، وهو الإنتاج وهو النماء، وهو الانتماء، وهو الطاقة التي تجعل الوجود في صلب الحياة، كما هي الحياة في لب الوجود. لا انفصال، ولا جفاء ولا فجوة في هذا المعيار الوجودي، الذين يضعون الموازين من دون رمانة تساوي بين طرفي الميزان، هم الذين يجعلون من الحياة…