علي أبوالريش
علي أبوالريش
روائي وشاعر وإعلامي إماراتي

وقف المليار وجبة

الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠٢٣

تبهرني هذه الصفحات البيضاء من غير سوء، تدهشني هذه الأيادي التي تعمل بكفوف مخضبة بالقيم العالية الشيمة. تشعر وأنت تقرأ المشاريع الإنسانية العظيمة في بلادنا، وكأنك تجلس أمام المرآة، وتستدعي تاريخ أمة زخرت بمعطيات استثنائية لا شبيه لها في العالم. صور خلابة من البذل والعطاء، لأجل إنسانية معافاة مشافاة من أدران وأحزان، وأشجان. هذه الصورة اليوم تتربع على عرش الإمارات المجيد، وتمضي حقباً نحو بناء حزام أخضر يلف خصر العالم، ويطوق عنقه بقلائد من فرح، مثل هذه المشاريع تبدو في تاريخ الإمارات، بارق أمل، وطارق بلا وجل، وحلم أمة استطاعت أن تدخل الوجود، بمفاتيح الوعي بأهمية أن نتواصل، وضرورة أن يكون تواصلنا معطراً ببخور الحب، نعم الحب وحده إكسير حياة، وعندما يحضر الحب تنقشع غيوم الكراهية، عندما يحضر الحب، تزول الكآبة عن الوجوه، وتنفرج الشفاه عن ابتسامة يشرق لها الوجود، ويغني الطير، والشجر يصفق حبوراً، لأن في العالم هناك بلد في أطراف الخليج الحبيب، يعمل على إضاءة العالم بمصابيح العطاء، لإزالة نشارة الخشب التي خلفها نجارون غير مهرة، قطعوا أشجار غابة الفرح لمجرد تصاعد حدة الجشع في نفوسهم، ولمجرد اعتقادهم بأن العيش من أجل البقاء هو جوهر الحياة، وهو ما جعلهم يفترسون الجمال في هذه الحياة، ويبيدون سنابلها الخضراء، بينما الأصل في الحياة أن تعيش من أجل تلوين وجه الحياة…

المتطوعون جسور الرحمة في حياتنا

الثلاثاء ٢٨ مارس ٢٠٢٣

نراهم بعيون الفخر، وهم يغلفون حياتنا بالرحمة، وهم يملؤون وطننا بالبهجة، وهم يجعلون الدنيا شجرة فارعة، ونهراً سخياً، وغيمة وثيرة، وخيمة دافئة، ونجمة ببريق الفرح، ومنطقة التقاء الجداول عند مصبات السعادة. المتطوعون في الإمارات، يعبرون عن هبة الماضي، وفزعة الحاضر، وتضامن السلف في رفع السقف، ومنع الشظف، وردع الكلف، وتوسيع الحدقات نحو غايات السلام العالمي، وسؤدد العالم. المتطوعون في بلادنا، أثبتوا أن وصايا زايد الخير لم تذهب أدراج الرياح، وأن قيم السلف ما زالت حية نابضة في قلوب الخلف. جيل الإمارات يؤكد يوماً بعد يوم، بأن الإمارات واحة العالم، واستراحة الشعوب، التي تكابد ويلات الحروب، وتعاني من الكوارث والحروب. في كل صباح، وعند كل شروق شمس، نقرأ ما تجود به الأيادي وما تزخر به الإمارات من مساعي الخير، وجود الناس الخيرين، الذين يعيشون الإيثار قولاً وفعلاً، ويعملون على ترسيخ الثوابت، وترسيخ المثل العليا، التي وضعتها القيادة الرشيدة، كاستدامة للحياة، وعلامة على أن الإمارات في السر والعلن تكافح من أجل أن يعيش العالم برحابة، ومن دون كآبة، ولا ضنك، ولا ضجر. هذه هي سياسة الإمارات، صناعة جيل يعرف بأن الحياة من أجل الحياة، وليست من أجل البقاء، وهذه هي سمة العشاق، والذين زرعوا الحب في قلوب الأبناء، كما تفعل الأمطار، وهي ترتب شؤون العشب عند الفيافي، والنجود. اليوم ونحن نتلو آيات…

أشياء صغيرة في رمضان تكبر

الأحد ٢٦ مارس ٢٠٢٣

أشياء صغيرة في رمضان تكبر. أولها العمر، فيبدو المرء في هذا الشهر، مثل طفل لم يزل يبحث عن اسمه في الأبجدية. وتبدو شفتاه تصطدمان ببعضهما، كي يخرج الحرف الأول لاسم الأم، ثم الأب. يبدو الطفل الأذكى ضمن مراحل العمر التي يمر بها الإنسان، لأنه يختار الأم أولاً كما جاء في العقيدة الدينية الحنيفية أن الجنة تحت أقدامها. وتتطور الأشياء الصغيرة، وتتدحرج خلال سنوات العمر، وتصبح بحجم تطلعات الإنسان، وطموحاته، ولكن.. في رمضان بعض هذه الأشياء، يظل محافظاً على سنواته الأولى، وهي سنوات البريق، والبراءة، والعفوية، والأحلام الزاهية، والابتسامات الشفافة الرقيقة، واللغة الغريبة لتراكب وتراكم الكلمات على بعضها لتبدو مثل اللغة الهيروغليفية. أشياء صغيرة في رمضان تبقى كما هي، ومن أهمها المشاعر، تلك السيول المائية القابعة في القاع، في منطقة اللاوعي، وما بعد الواقع. هذه المشاعر التي لم تتلون بعد، ولم يلحقها الصدأ التاريخي، ولم تخدشها أظافر الزمن، ولم تصطدم بعد بقطار المراحل السريعة. أحياناً، وبالذات في وقت المساء، تطفر دمعة من عينيك، لمجرد تذكر موقف معين أو وجه ما أو مكان. تظل تفكر ما الذي جاء بهذه الصورة الآن وفي هذا الشهر؟ لن تستطيع التفسير، حتى ولو اطّلعت على مراجع في التحليل النفسي أو راجعت ذاكرتك لاستدعاء ما تحفظه من مسلّمات علم النفس، في هذه اللحظة لن تتمكن من استدعاء…

المواطن هو الأغلى

السبت ١٨ مارس ٢٠٢٣

يبقى المواطن هو البريق الذي من خلاله يرى الوطن طريقه إلى العلا، ويبقى المواطن هو الثروة التي تمنحه الوقوف بثقة، وثبات بين الأمم. وبمناسبة تتويج ثلاثة وخمسين مواطناً ومواطنة في المسابقة الوطنية لمهارات الإمارات، قالت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، في كلمتها لأبنائها وبناتها من أبناء الإمارات: أبنائي وبناتي، إن قيادتكم الرشيدة، تضعكم في صدارة الأولويات، لأنكم أغلى وأعز ثروات الوطن. بكم تواصل دولة الإمارات ترسيخ صدارتها ومكانتها، بين دول العالم المتقدم، بهذه العبارات، صاغت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك كلمات الذهب من قلب تبدو نبضاته هي رفرفة الحياة في عروق الشجر، وهي السمات السامية التي تتحلى فيها سموها وتتجلى فيها طموحاتها بأن يصبح أبناء الإمارات هم مشاعل النور، وهم شموع الفرح، وهم الفضاءات التي تحلق فيها أجنحة طيور الرحمة، والعطاء، والبذل، والسخاء، وكل ما يروي تطلعات القيادة الرشيدة، والتي سخرت الغالي والنفيس من أجل حياة رضية، وثقافة ندية تقوم على الإبداع، وتنهض بالمجتمع على أوتاد السمو، والفخر، والعطاء الجزيل. كلام سمو (أم الإمارات)، لهو الإكسير الذي يمنح العقل مساحة في التأمل بهذا الوطن الجميل، والذي تقود جياده قيادة تعرف مكمن الطموح، فتشير بأنملة بأن القمر هناك، فاذهبوا إليه، ونحن معكم ندعم، ونعزز الخطوات،…

لم تزل السماء رمادية

الخميس ٠٢ مارس ٢٠٢٣

برغم خفقات الطير، ورغم تمنيات الأشجار بأن تتعاطف الغيمة مع شغف الكائنات، فما زالت السماء رمادية، ما زالت الغيمة ترتدي شال الخجل، وتخبئ في معطفها سر العناد. هكذا تبدو في الربيع، مثل زهرة برية، لا تملك غير الرقص في الفراغات، والسير على أكتاف تعب الصحراء، ولا مجال للهطول، لأن الأرصاد أخطأت في الحساب، وصارت سبورة التنجيم مثل تكهنات عرافين غير محترفي التنبؤات. العشب في شوارع المدينة يصطف مثل تلاميذ تأخروا عن الدرس، فعاقبتهم الإدارة المدرسية بالوقوف على الأيدي لمدة غير معلومة. رأيت بأم عيني طفلاً يتهجى وجه الغيمة، ويركل مرة باتجاه الأعلى لعله يصطاد قطرة مطر أو أن الغيمة تتراجع عن قرار المنع، فتسدي للهواء كي ينقل رسالتها إلى الأرض، محمولة في ظرف قديم تركه أحد المارة في الطريق الخلفي لشارع عام لعله يلتقطه بعد حين من الزمن. لم تزل الغيمة تفكر كيف تتخلى عن عادتها القديمة، وتثني على صبر العشب والشجر، وتتعاطف مع الطبيعة، فتسقط نثات كأنها ريق الطير على ريشة صغاره، وكأنها رضاب شغوف عرف فاته قطار العمر، ولم يجد نفسه إلا عند رصيف العمر، ويتلو بعض ذكريات قديمة، وينظر إلى الغيمة، فقد كانت في قديم الزمان إذا لم تهطل، فإنها بشرى خير لطالب لم يحل الواجب، ويظل عند فتحة الباب الخشبي ينتظر زخات المطر التي تملأ الشارع…

إماراتي

الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠٢٣

مبادرة إماراتي التي أطلقها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، النائب الأول لرئيس مجلس دبي، رئيس اللجنة العليا للتنمية وشؤون المواطنين، هي معطف الدفء والأمان والطمأنينة، وسعادة الإنسان هي نخلة العطاء وغافة الأحلام الزاهية، وهي المعطى الحضاري الذي تسعى دبي بذله من أجل إنسان يمشي على سجادة الحرير، ويمضي في دروب أشجارها، عناقيدها من أهداب الشمس، وأوراقها من صفحات القمر، وجذرها من وعي قيادة آمنت بأن الحياة جسر للوصول، وليس مكاناً للتوقف. في هذه المبادرة، يبدو المستقبل خيطاً من ضوء كواكب لا تطفئ وميضها، وسحابات لا تكف عن النث، ونجمات لا يجف ريقها وهي تسترسل في العزف على قيثارة الفرح. في هذه المبادرة، إنما دبي تسير بخطوات أرضها من مخمل الطموحات المجللة بإرادة قيادة لها في الاستثنائية السبق، ولها في الفرادة قصيدة شاعر، يغزل أبيات الطموح من خيط المستحيل، ويسرج خيل الجمال ليصبح الزمن ميدان فوز، ومضمار نجاحات لا تخفف وطئها، ولا يجف لها عرق. هكذا هي قيادتنا، وهكذا هي الأحلام في بلادنا، تمضي وكأنها الوردة وهي ترتب مشاعر الصحراء وتلون أجنحة الطير بالتفرقة، وتزخرف أشجان الموجة، ببياض السريرة، ونصوع الآمال. في هذه المبادرة، نشعر أننا ما بين النون والقلم، سطوراً تمضي بأبجدية التطوير نحو غايات لا أقصى لها ولا أدنى،…

آيدكس ونافدكس 2023

الأحد ٢٦ فبراير ٢٠٢٣

آيدكس الدولي، ونافدكس البحري، جناحا النسر يحلقان باسم الإمارات، ويرفعان حلم اللحظة إلى حيث تكمن حقيقة النبلاء في صناعة المستقبل، وفي صياغة واقع إنساني محصن بمنجزات ذات ماركة وطنية لا تشبه إلا نفسها، ولا ينافسها إلا هي. هذا هو الطموح الإماراتي، وهذه هي رغبة القيادة، في وضع الإمارات في المكانة التي لا تضارعها فيها دولة ولا قوة، قوة الإرادة هي القوة العظمى التي تتكئ عليها الإمارات، وهي الطائرة النفاثة التي تقلها من الأرض إلى السماء، بغية الوصول، والوصول هنا ليس له نقطة توقف، ولا محطة سوى محطة اللانهائي. في المعرضين تختال الجملة التعريفية بهذا المهرجان العالمي، والذي يحتفي بالمكان والإنسان على حد سواء، احتفاء يملأ القلب حبوراً، ويكسو النفس سروراً، فالإمارات اليوم تبدو في العالم باقة ورد حولها تدور الفراشات بحثاً عن عطر زكي، ونبشاً عن جمال يطرب الروح، وينعش القلب. من يتابع ما يحدث في آيدكس ونافدكس، يرى ما يراه الحالم في زهو الحياة عندما تعزز بإرادة المخلصين، وعزيمة العاشقين، وقدرة الذين يخطبون دوماً ود الجمال في كل منجز، ولا يرمون إلا لملء العالم بجمال المنتج، وروعة المعطى، ومهارة اليد، وبراعة العقل، وإبداع جيل لا يعرف المال، ولا يفهم معنى الملل، جيل بنى أفكاره على النجاح ولا شيء غيره، ولذلك نرى هذه القافلة المبهرة من أبناء الإمارات، فلذات القلوب،…

الأسرة في الإمارات

السبت ١٨ فبراير ٢٠٢٣

هكذا تألق الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وهو يعتلي منصة القمة العالمية للحكومات، وبأسلوب التناغم مع الحدث، وبلغة سهلة طيعة استطاع سموه أن يبث الصدح، ويملأ القاعة بصمت الناصتين باهتمام بالغ لما شدا به من كلمات لامست وجدان الحاضرين، وقوله إن الأسرة الإماراتية تلقى الأولوية في سياسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، هو القول الفصل في تلك المحاضرة، لأنها حشدت جل مشاعر الحب والعرفان لقائد نذر نفسه في سبيل إسعاد أهله، وبنيه، ونحن في كل صباح، تشرق علينا مشاريع في خدمة الوطن، ومنجزات تصنع الفرحة في ضمير الناس أجمعين، سواء مواطنين أو مقيمين. وهذا هو الترياق الذي يجعل الإمارات تتفوق على الكثير من دول العالم المتقدمة، وتحقق نجاحات متتالية في هذا المضمار، وذاك، لأنها تقاد بقلب أحن من الغيمة على الأشجار، قيادة تعمل وتسهر على بناء الصلة الحميمة بينها وأناسها، وهذا ما يجعل الأمان في الإمارات هو القانون الطبيعي الذي تحميه طبيعة هذه العلاقة، وهذا ما يجعل العالم يتهافت من أجل العيش على أرض حباها الله بالحب قبل كل شيء، منحها قوة الشكيمة وصرامة العزيمة والنفوس الكريمة، وهي النواميس الوجودية التي تجعل من أي بلد ملاذاً للعقول، وموئلاً للنفوس، ومنزلاً لكل من أراد أن…

الإمارات منارة وقيثارة

الخميس ١٦ فبراير ٢٠٢٣

نتابع ما يحدث كما شعرنا بما قاساه أناس أقرب إلى القلب من شريانه إلى الوريد. تابعنا ونحن نمتلئ بالفخر، لبلد أنعم الله عليه بقيادة وجدت نفسها في قلب الحدث العالمي وكأنها النجم في أحشاء السماء، وكأنها الضوء في بطن الظلام، ما إن رفع الحدث الجلل رأسه وأطل على رؤوس البسطاء والناس الذين ما زالوا في بطن العراء، يسومهم البرد القارس سوء عذاب، واليوم وهم في لظى الكارثة الأفظع في تاريخ المنطقة يواجهون زلزالاً هز المنازل، وأخشاب الفقر، والقتر، ورفع من منسوب غضبه، على الذين ما صحوا من كارثة التشرد، حتى باغتتهم الأرض وهي ترج أديمها رجاً، وتهز أديمها هزاً، ورغم المأساة إلا أننا عندما نتأمل المشهد، نرى الإمارات وهي تحمل على عاتقها مسؤولية إنسانية جسيمة، ولكن بفرح الأفذاذ سارت القوافل محملة بود الأشقاء، مفعمة بنعيم العشاق الذين ما تنام أعينهم وفي العالم فقير يئن، ويتيم يشكو فقد الأبوين، وأرملة الضعف والهوان، وثكلى تصرخ يا ولدي أين تنام أنت هذه الليلة، وغضب الطبيعة، هدم السقف على الرؤوس، ولا يزال العالم يغط تحت لحاف تشققات الضمير، لا يزال العالم ينأى بنفسه، ولا يقترب إلا من تصريحات المواساة الشفوية، ثم ينكب على إدارة الحروب، وإشعال معارك الكراهية. نقولها من القلب شكراً أيتها الحبيبة الإمارات، فهذا تصرف النجباء، هذا سلوك النبلاء، هذه أخلاق عيال…

الفارس الشهم 2

الخميس ٠٩ فبراير ٢٠٢٣

ما أن صرخ الحدث الجلل في أسماع الناس، حتى هب النجباء، لغوث الأشقاء في سوريا وتركيا. الحدث مدوٍ، والمصيبة مفجعة، والزلزال أخفى الآلاف عن الأنظار في لحظة مباغتة مذهلة، من هؤلاء أطفال ربما كانوا في ذلك الصباح يحلمون بلعبة تملأ صباحهم بالبهجة، وآخرون ربما كانوا ينظرون إلى أمهاتهم بعيون الشغف، في انتظار اللقمة الصباحية الدافئة التي تزيح عن أجسادهم برد الشتاء القارس في البلدين الشقيقين. كل تلك المشاهد الأقل من الممكن، محاها الزلزال، وأجهض أحلاماً، وطوق المشاعر التي لم تتخلص بعد من الجروح، والقروح، وكل ما آلت إليه الظروف من انكسارات وخيبات، في الزمن الرديء. في هذه المحنة الرهيبة لم ينتظر النبلاء النداء، بل هبت جيادهم، وخبت ركابهم، وامتطى فرسان الأمل صهوات الإرادة القوية، والعزيمة الرضية، تملأهم شهامة الأولين، ونبل السابقين، ونجابة الرجال المؤزرين بأخلاق الباني المؤسس، وكل ما اتشحت به معاطف القيادة الرشيدة، هبة تهز الوجدان رهبة، هبة تعبر عن دور الإمارات في العالم، كمحور أمان، وجوهر اطمئنان، وهذا هو الدور الذي ارتأته القيادة الرشيدة للوطن، وهذا هو المشهد الوجداني الذي يتسلح به ابن الإمارات على مدى العصور، ومراحل الزمن، لأن القيم الإنسانية راسخة في الوجدان، متجذرة في القلوب، مثل ما هي المشاعر الجميلة في ضمير عشاق الأعمال السامية من أجل عالم بلا تشققات، ومن أجل كرة أرضية، هي…

الوجه المظلم للتنوير

الخميس ٠٢ فبراير ٢٠٢٣

منذ القرن السابع والعالم يغط في موجات عارمة، من أجل الخروج من سطوة الرومانسية العقلانية، والوصول بالعقل إلى ضفاف الحرية المبتغاة، ولكن هذه الحرية المبنية على العقل المستنير هي نفسها وقعت في بئر الانحطاط الفكري، ورسمت للإنسانية الناهضة صورة تشاؤمية عن التنوير، وعلاقته بالحرية. يقول أيمانويل كانط: «التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه بحق نفسه». فالإنسانية التي استبشرت خيراً بحدوث الثورة الفرنسية في السنة 1789م وجدت نفسها في خضم سطوة التوسع الاستعماري، وكذلك انفجار حربين عالميتين راح ضحيتها الملايين من البشر، لمجرد طغيان العقل المادي المتغطرس، والساعي إلى بسط السيطرة على الطبيعة، ومواردها، وبشرها. وهذا يقودنا إلى نفس السؤال الذي طرحه ميشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي «ما التنوير؟» على الرغم من أن هذا الفيلسوف غاص في مصطلحات أبعدته كثيراً عن الوقوع على تلك الثمرة التي بحث عنها، وهي ثمرة التنوير. ولذا لا نجد اليوم إجابة عن السؤال التاريخي حول ما هو التنوير، لأن معظم الفلاسفة الذين جروا خلف المعنى الحقيقي للتنوير، كانوا يصطدمون بالأعراض، ومن ثم يتوقفون دون الولوج في مكمن الأسباب. وربما نجد الإجابة حول سؤال ما التنوير في رؤية سيجموند فرويد التحليلية، والتي دارت حول قانونية العقل الباطن في تحديد السلوك البشري برمته، وعلى الرغم من أن هذا العالم النفسي العبقري لم يتطرق إلى مدلول التنوير بحد…

أعداء الجمال

الأحد ٢٩ يناير ٢٠٢٣

تمشي في الليل، وبعد أن تخفف الساريات على الأسفلت من وطئها، وتعيش حالة متفردة وأنت تقرأ قصيدة النهار على وجنات مدينة، أصبحت الوجود، مثل عين في طرفها حور، مثل أنف عازل الظل، مثل روح لها في الشفافية رونق أحلام الطفولة. تسير في الليل تصحبك ابتسامتك مثل ظلك، وما إن تصطدم بعقبة، أو فخ نصبه عدو لدود للجمال حتى تشعر بالخذلان، وتحس أنك وقعت في مصيدة من لا يعرف في الحياة شيئاً اسمه الجمال. ماذا تفعل؟ كيف تتصرف، ومن تلوم، فالجاني مجهول، أو هو هكذا ارتكب جريمته، وتوارى خلف الجدران، ولم يبن له أثر. إذن كيف تعالج معضلة كهذه، يرتكبها أشخاص، جمدوا الضمير في صقيع الجاهلية الأولى، وحشدوا جل قوى عقد النقص، وجندوها، لكي تتفشى في المكان مثل الجائحة. هؤلاء أشخاص تبنوا منذ نعومة أظفارهم فكرة أنه أنا ومن بعدي الطوفان، فلا يهمهم ما يسببونه من أضرار فادحة في حق الغير، وما يرتكبونه ضد جمال المكان الذي يعيشون فيه، لأنهم لا ينتمون إلا لأنفسهم، وما عدا ذلك فلا علاقة لهم به، الأمر الذي يجعلهم في كل مكان يحلون فيه يجعلونه مكباً لنفاياتهم، وأما المدينة التي بذلت من أجلها الحكومة المبالغ الطائلة، فهي لا تعنيهم لا من قريب، ولا من بعيد، ولهذا نجد على الأرصفة التي تجاور بعض البيوت، تجمعات لحيوانات ضالة،…