السبت ٢٦ يوليو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: صيف 1972 لم يكن عابراً على عائلة الرحباني. فيه، سقط عاصي فجأة — الجلطة كانت أسرع من الوعي، وأقسى من خشبة المسرح. توقّف قلب الإبداع لحظة، لكن الصوت ظلّ واقفًا… لأن فيروز غنّت، ولأن زياد لحّن للمرة الأولى. وفي صيف 2025… رحل زياد، بصمت لا يُشبه ضجيج عبقريته، وكأنّ القدر أراد أن يُقفل الدائرة التي فُتحت هناك، على خشبة بعلبك، بعد مرور أكثر من نصف قرن على تلك اللحظة التي عزف فيها ابن السابعة عشر حزنه الأول. عاصي مرض… فابتدأ زياد. وزياد رحل… فكأنّ شيئًا فينا انتهى. لنعد بالزمن إلى صيف عام 1972، كانت فيروز تستعد للوقوف على خشبة مهرجانات بعلبك في عرض مسرحية “المحطة”. كلّ شيء كان كما اعتاده الناس: فيروز على المسرح، عاصي ومنصور في الكواليس، وزياد، الشابُّ الهادئ، يتنقّل بين البروفات، يحمل في عينيه موسيقى لم تُكتب بعد. ثم… سقط عاصي. جلطة دماغية أقعدته، شلّت جانبه الأيمن، وأخذته من مكانه الأزلي خلف الستارة إلى سرير مستشفى لا موسيقى فيه، ولا جمهور. لكن المسرح لا ينتظر، والجمهور لا يعلم، وفيروز لم يكن بيدها إلا صوتها. فهل تُلغي العرض؟ هل تواجه الناس بالحقيقة؟ هل تصعد وحدها؟ فيروز صعدت. لكنها كانت بحاجة إلى صوتٍ آخر يتكلّم عنها، إلى أغنيةٍ تقول: “أنا موجوعة”، دون أن تنكسر، دون…
الأحد ١٣ يوليو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: لا أنفي أن في هذه الأرض تراثًا، ولا أنكر أن التاريخ مرّ من هنا. لكن ما مرّ، لم يكن حضارةً بالمفهوم المتحفي، ولا مدينةً بمعايير الأثر الرسمي، بل مرّ إنسان… وحسب. وما الحياة، وما التراث، وما التاريخ، إن لم تكن كلها من الإنسان ولأجله؟ الفاية — في مداها، وفي صخورها التي لم يُنقش عليها اسم إنسان، بل رسم عليها التاريخ خطوط الجيولوجيا، وفي تربتها التي لم تُبنَ عليها المعابد — تحمل أثرًا آخر: أثر الإنسان حين يكون العبور نفسه هو الحدث، والنجاة هي القصة، والبقاء بصمت هو النقش الوحيد. لم تترك تلك الجماعات ذهبًا، ولا نُظم ريّ، ولا معابد، ولا تباهيًا في البناء، بل تركت شظايا من حجر، وطريقة نحت، وموقع مأوى. تركت ما يكفي ليقول لنا العلم: نعم، كان الإنسان هنا. ليست الفاية شاهدًا على “حضارة” بالمقاييس المتداولة، لكنها شاهدٌ على ما هو أعمق: أن الوجود الإنساني لا يُقاس بما بُني، بل أحيانًا بما تُرك، وما رُحِّل به بصمت. مررتُ بجبل الفاية في نوفمبر 2024. رأيتُه… لم تكن عليه لافتة تشرح، ولا سياج يحجز، ولا قاعة عرض تمهّد للحكاية. في زمنٍ اعتادت فيه المتاحف أن تجمع وتُنمّق، وتعيد ترتيب المشاهد لتناسب الرواية، جبل الفاية أصدق من كل واجهات العرض الزجاجية ومجسّمات الفخار. فهو لا يُخبرنا بما…
الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: لم تكن الهجرة لحظة انتقال من مكان إلى آخر، بل كانت انقلابًا في بنية الزمن. فلم يعد يُقاس بالدقائق، بل بالمعنى. ولم تعد الشهور تُحتسب بترتيبها، بل بما تُحدثه فينا من تحوّل. حين بدأت دولة الإسلام تتّسع، برزت الحاجة إلى تقويمٍ يُضبط به الزمن، فجمع عمر بن الخطاب كبار الصحابة، وسألهم: من أين نبدأ تاريخ أمتنا؟ تعدّدت الاقتراحات: من المولد؟ من البعثة؟ من الوفاة؟ لكنّ الآراء اجتمعت على الهجرة. تلك اللحظة التي اختار فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ من جديد، أن يترك خلفه أرضًا أحبّها… ليصون ما هو أسمى. لم يختر عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم لحظة مجد، بل لحظة تحوّل، لأن الأمة التي تُؤرّخ بالمعاني لا بالأحداث، هي أمة لا تخشى أن تعيد خلق نفسها كلما ضاق بها الزمن. ومن هنا، بدأ التاريخ… من الهجرة النبوية الشريفة، ومن محرم، لا من ربيع. كأن الزمن نفسه خضع لأولوية النيّة على التوقيت، وأذعن لفلسفة: أن البداية الحقيقية لا تبدأ عند الوصول، بل عند القرار. وفي اللغة، الهجرة مشتقة من الجذر العربي هـ ـ ج ـ ر، الذي يعني: الترك، والمغادرة، والانفصال. لكنها في السياق النبوي لم تكن مجرّد ترك، بل تحوّلٌ عميق في المعنى والنية، وقرار بالبدء من جديد حين يخذلنا المكان…
الأحد ٢٢ يونيو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: الخبير الفقاعة: حين يرتدي الجهل قناع المعرفة كيف نعرف أن من أمامنا جاهل؟ قد يبدو السؤال بسيطًا، لكن الإجابة أعمق مما نتصوّر. فالجهل لا يتمثّل دائمًا في صمتٍ أو عجزٍ عن الفهم، بل قد يتجلى في ثقةٍ مفرطة وصوتٍ صاخب. الجاهل، في أخطر حالاته، لا يدرك جهله؛ والأسوأ من ذلك، أنه يظن نفسه مرجعًا في كل ما لا يعلم. عندها تتحوّل الثقة إلى قيدٍ يغلف العقل، ويغدو الحوار معه سجالًا عقيمًا. برتراند راسل لخّص هذه المفارقة بجملة خالدة: “مشكلة العالم أن الحمقى واثقون من أنفسهم دائمًا، أما الأذكياء فتملؤهم الشكوك.” ليست هذه المقولة توصيفًا معرفيًا فحسب، بل كشفٌ لاختلالٍ عميق في ميزان الوعي؛ فبينما يتواضع العالِم أمام اتساع المجهول، يتعالى الجاهل وكأن الحقيقة قد تجلّت له وحده. وفي زمن التواصل الاجتماعي وتسخيف المعلومة، تضخّمت هذه الظاهرة أكثر، فصار الجهل يُبثّ على مدار الساعة، بثقة لا تعرف التردد. هكذا وُلد ما أسميه الخبير الفقاعة؛ شخص يطفو على سطح كل قضية، ويظهر فجأة في ميادين الطب، والسياسة، والدين، والتغذية… يتحدث بلا جذور، بلا تجربة، وبلا خجل، كأن المعرفة لا تحتاج سوى كاميرا أمامية ونبرة واثقة. هؤلاء لا يبحثون عن الحقيقة أصلًا؛ غايتهم أن يُسمع صوتهم، لا أن يسمعوا، أن يُقنعوا لا أن يُقنعوا. ما يجمعهم ليس العلم، بل…
السبت ١٤ يونيو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: لم يكن أبي يومًا طالبًا مدرسيًا، لكن ببصيرته، علّمني ما لم تعلّمه الجامعات. كان حبّه للعلم أوسع من أيّ لقب أكاديمي، وكان إيمانه بالتعلُّم طريقًا مشيته حتى صرتُ ما أنا عليه. أتذكّره جيدًا…ذلك الأب الذي يتابع البرامج الثقافية والدينية، ويتنقّل بين نشرات الأخبار، يتتبّع برامج المفكرين والعلماء، ويستقي منهم نورًا ويقينًا. كان يُجلّ العلماء، ويقدّر الكلمة، وكأنها كائن حي. وأتذكّره أكثر، حين كان يستمع لصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، بخشوعٍ يشبه الصلاة، يتأمّل تجويده كما يتأمّل المتصوّف. وكان يحبّ قصص الأنبياء…يقرأها، أو يسمعها، وكأنها تجري الآن. لا يستحضرها كحكاياتٍ من الماضي، بل يسأل بهدوء: هل نفعل الصواب؟ هل ما نحن عليه اليوم… يُرضي ما ينبغي أن نكون عليه؟ في تلك اللحظات — وأنا أستعيد وجه أبي وملامح سكينته —أدرك تمامًا أنه الآن في مكانٍ أفضل، سعيدٌ لأنه غرس فيّ حبّ الكلمة، وربما شاركني بعضًا من البصيرة، وجعلني، من دون أن يكتب حرفًا، أكتب اليوم كل هذا… دون أن أتغيّر، ولم يسعَ يومًا لأن يُغيّرني. أبي… ذاك الذي رحل عن عالمنا منذ ستة أشهر، لكنه لم يرحل عن عالمي قط. كان أبًا لا تهمّه الشهادات، بقدر ما تهمّه القيم والمعاني. هو من أصرّ أن يصحبنا إلى المدرسة كل صباح، وينتظر عودتنا ظهرًا، لا لأنه مُضطر، بل لأنه يُحب…
الخميس ٠٥ يونيو ٢٠٢٥
حين كتب سعيد، ولحّن الرحباني، وغنّت فيروز مكة — لم تكن الكلمات من الدين، بل من قلب الإيمان، ومن احترامٍ خالصٍ للآخر. كان طريق العودة من دبي إلى أبوظبي روتينيًا في الظاهر… لكنه لم يكن كذلك أبدًا. جلستُ في المقعد الأمامي إلى جانب زميلتي، وكان الطريق الهادئ مدخلًا لحديثٍ غير عابر. سألتني: لماذا تكتبين وتفكرين دومًا في السلام، والتسامح، والتعايش السلمي، وكل ما يندرج ضمن هذا السياق؟ استرسلتُ في الإجابة، لكنني اختصرتها ببساطة في الجملة التالية: “أنا أرى التسامح فطرة الإنسانية النبيلة.” استحضرت في حديثي مشاهد من النشأة، وذكريات تركت أثرًا كبيرًا في داخلي. وبينما تتوالى الكلمات، وتتزاحم المشاهد في ذاكرتي، سألتها ببساطة: “هل سبق لكِ أن استمعتِ إلى قصيدة ‘غنيت مكة’ بصوت فيروز؟” ثم أضفت قائلة: “فإن لم تكن تلك الأغنية — أو القصيدة — تجسيدًا لمعاني التسامح، ومعرفة الآخر، واحترامه… فلستُ أدري ما الذي يمكن أن يكون تجسيدًا أعمق من ذلك.” وقبل أن تُجيب، كان كوبليه المقدمة قد أصبح رفيق الطريق. لم أشرح القصيدة، ولم أقدّم خلفية عن الكبير سعيد عقل. كل ما فعلته هو أن قدّمت مكة كما سمعتها من مكتبة الست فيروز، ومن عبقرية الأخوين رحباني، وفكر الراحل سعيد عقل. تركتُ الأدب، والفن، والفكر أن يؤدّوا دورهم السامي؛ فحين يبلغ كلٌّ منهم أبهى تجلياته، تُصبح رسالته وحدها…
الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مضت ستّ سنوات منذ “عام التسامح”، لكن رسالته لم تكن لحظة عابرة في تاريخ الإمارات، بل نقطة انطلاق لرؤية مستدامة تتجدّد مع كل مبادرة وكل موقف. واليوم، تحمل زيارة الرئيس الأميركي من جامع الشيخ زايد إلى بيت العائلة الإبراهيمية رمزية بالغة، تؤكد أن ما بدأته الإمارات في 2019 لا يزال يُثمر، ويُلهم، ويقود. إنه تأكيد على أن أبوظبي هي عاصمة الأخوة الإنسانية، التي تكتب هذا الخطاب بصيغة الحاضر والمستقبل، حيث تُترجم بذور السلام إلى أفعال، وينبع المعنى الحقيقي للتعايش من داخل الإنسان. المسار الرمزي للزيارة يُجسّد رؤية إماراتية ترى في الفعل ركيزة للسلام، وفي الانفتاح مسؤولية حضارية. فالإمارات لا تساوم على هويتها، بل تنطلق منها لتقدّم للعالم نموذجًا متفرّدًا في العلاقة بين الإنسان والمكان. فالزيارة لم تكن مجرّد تنقّل بين معلمين بارزين، بل لحظة تستدعي التأمل في فرادة السردية الإماراتية، التي حوّلت قيم التسامح إلى ممارسة مؤسسية وثقافة مجتمعية. فمن الإمارات، تُبنى الجسور لا لمعرفة الآخر فحسب، بل لاحترامه، وصناعة العيش المشترك. وأختم مقالي هذا بكلمات الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان: “We punch above our weight.” نحن دولة صغيرة بحجمها، عظيمة بأثرها، وحضورها، وإنجازاتها. تصوغ بصمتها في مساحات العالم، وتُحدث فرقًا بقيمها ومبادراتها. وفي هذه العبارة المختصرة، قدّم الشيخ خالد ردًا سياسيًا محنّكًا…
السبت ١٠ مايو ٢٠٢٥
عن اللحظات التي لا تُلتقط، وعن أولئك الذين يمنحونها الخلود. ليست كل لحظة علينا أن نوثّقها، لكن كل اللحظات تستحق أن تُعاش. ولا كل صورة تحتاج إلى عدسة، فكثيرًا ما تكون أصدق الصور تلك التي لا تُلتقط، بل تحيا في الذاكرة. لحظات ترسم على كياناتنا ابتسامات ربيعية، وتترك أثرًا لا يُمحى. بالنسبة لي، الصورة ليست مجرّد إطار يُجمّد الزمن، بل نافذة تُطلّ على رحلة عبر التفاصيل… تلك التي نعرفها، وتلك التي نجهلها. أحب تصفّح الألبومات القديمة، خاصة حين يدور صندوق الموسيقى المرفق، وكأن الصورة تُغنّي ما عجزت اللحظة عن قوله. وإن كنت أتحدّث عن العدسة والزوايا، فلأن خلف هذا النص مصوّر، هو خالد جمعة الكعبي. خالد لا يُصوّر، بل يتلاعب بالضوء. لا يبحث عن الكادر المثالي، بل عن اللحظة التي تُشبه الحقيقة. حين تقترب منه، يبدو خجولًا، لكنه يملك جرأة في إبداعه. ولعلّ ما يميّزه أكثر، أنه لا يدرك — أو يتظاهر بعدم الإدراك — كم يحمل من الإبداع. ومع ذلك، التقط بحسّه أنني لا أحب الوقوف أمام الكاميرا، ومع ذلك جعلني أبتسم أمامها، وكأن عدسته ليست سوى امتدادٍ لقلبه. هو من أولئك الذين لا يحبون الظهور، لكنه لا يمانع أن يكون شاهدًا. ما لا يعلمه خالد أنني لم أقف أمام كاميرا استوديو منذ سنوات، وتحديدًا منذ أن جدّدت جوازي…
السبت ٠٣ مايو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: نحن في زمنٍ تتسارع فيه خطوات الذكاء الاصطناعي، وتغلغلت فيه التقنية في كل تفاصيل الحياة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بنموذج فريد يُعيد الاعتبار للإنسان بوصفه جوهر التنمية ومحورها. وبينما تستثمر الدولة في أعقد أنظمة الذكاء، فإنها في ذات الوقت تستثمر في أعمق العلوم: العلوم الإنسانية ومهارات الحياة، في رؤية متكاملة تؤمن بأن الإنسان هو البداية والنهاية، فهو المنبع والمصبّ. فمن منطلق أن “رحلة الفضاء تبدأ بالإنسان”، تنظر الإمارات إلى العلوم الإنسانية لا كمجال ثانوي، بل كأصل من أصول المعرفة، وروح لكل مشروع حضاري. وفي هذا السياق، برزت جهود الدولة جليّة في إنشاء جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، التي تُعد أول جامعة متخصصة في هذا المجال على مستوى المنطقة، وتعكس إيمان القيادة بأهمية تعزيز التسامح، والفلسفة، والحوار الثقافي، والتعايش السلمي. ولأن التقدّم لا يكتمل إلا بالتوازن، فقد جاء إنشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مكمّلًا لمسار التقدّم العلمي، لتشكّل الجامعتان معًا قلب الرؤية الإماراتية لغدٍ يتقدّم فيه الإنسان والتقنية جنبًا إلى جنب. ويُترجَم هذا التوجّه أيضًا في مشاريع كبرى مثل بيت العائلة الإبراهيمية، الذي يجسّد التسامح والتعايش السلمي، ويعكس وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقّعها فضيلة الإمام أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس في أبوظبي، خلال عام التسامح. علاوة على العديد من الجوائز والمبادرات الفكرية مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب ومنتدى تعزيز السِّلم، التي تسعى إلى إعادة بناء الوعي الثقافي على أسس إنسانية راسخة. إلى…
الجمعة ٢٥ أبريل ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: العالم اليوم يُفترض أنه يتجه نحو العدالة والمساواة، ما زالت بعض المصطلحات تتسلّل إلينا من بوابات العلم والنظرية، لتزرع أحكامًا مسبقة في وعينا، وتكرّس صورًا نمطية على نحو ناعم وخفي. من بين هذه المصطلحات، يبرز ما يُعرف بـ”اضطراب ملكة النحل” أو Queen Bee Syndrome، الذي يُستخدم غالبًا للإشارة إلى النساء القياديات اللواتي لا يدعمن زميلاتهنّ أو يظهرن نوعًا من الصرامة والتفرد في بيئات العمل. لكن، ما الذي تخفيه هذه التسمية؟ ولماذا تبدو أكثر إيذاءً مما تبدو عليه في ظاهرها؟ يشير هذا المفهوم إلى ظاهرة تُلاحظ – وفقًا للبعض – بين النساء في المناصب القيادية، حيث يُفترض أن المرأة التي وصلت إلى موقع قوة قد تُظهر سلوكًا تنافسيًا مفرطًا تجاه النساء الأخريات، وقد تتجنب دعمهن خوفًا من التهديد أو المنافسة. لكن هذا الطرح يُغفل السياق الأكبر، ويُحمّل المرأة وحدها المسؤولية. وكأنها قررت بإرادتها الكاملة أن تكون “ملكة” لا تريد لأحد أن يقترب من عرشها، دون الالتفات إلى البيئة التي نشأت فيها، أو الضغوط التي واجهتها لتصل إلى هذا الموقع. رغم أن المصطلح يبدو علميًا ومحايدًا، إلا أنه يحمل في داخله قدرًا كبيرًا من التحيّز اللغوي والاجتماعي. فهو يُصوّر المرأة الناجحة كحالة خطرة، أو غير متعاونة بطبيعتها، ويُغفل تمامًا أن الرجال في المناصب العليا قد يتصرفون بنفس الشكل،…