عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

النساء في العمل العام

الإثنين ٢٨ يونيو ٢٠٢١

كان لافتاً أن أعداد النساء اللواتي حظين بثقة الجمعية العمومية لاتحاد الكُتاب والأدباء الإماراتيين كان متفوقاً على أعداد الرجال بما مجموعه 4 سيدات، و3 رجال، وهي نتيجة تحسب للمجتمع أولاً، كما تحسب للنساء بطبيعة الحال. الذين حضروا الانتخابات لاحظوا أن أغلبية الذين شاركوا في التصويت في انتخابات اتحاد كُتاب وأدباء الإمارات كانوا في معظمهم من الرجال، ما يمنحنا إشارة قادحة للتفكير، وهي إشارة لا يجب المرور عليها قفزاً؛ لأنها من الأهمية بحيث يمكننا أن نؤسس عليها فرضية إيجابية تتعلق بتغير واضح في موقف الرجل من مشاركة المرأة في العمل العام، بل ودعمه لها. فإضافة لنشاط الشخص المترشح وتاريخه المهني ومدى مصداقيته وقبوله اجتماعياً، فإن العملية الانتخابية (التصويت والترشح) غالباً ما تحتاج لكثير من الجهد وتوظيف العلاقات والاستعدادات كمؤثرات يدفع بها المترشح لينال ثقة الناخبين. كل ذلك يبدو معروفاً للجميع، لكن يبقى هناك دوماً ذلك الرهان على: التاريخ الشخصي للمترشح، ووعي المجتمع الانتخابي، خاصة ونحن نتحدث عن انتخابات جمعية ذات نفع عام، وليس انتخابات برلمانية لها تربيطات أخرى أكثر تعقيداً! وعليه فإن الحضور النسائي المتفوق في مجلس إدارة اتحاد الكُتاب له دلالاته الاجتماعية المهمة، لأولئك الذين يتشبثون بمقولات الحركات النسوية الغربية أو ببعض مقولات النسويات العربيات حول الموقف التمييزي أو الإقصائي للرجل في علاقته مع المرأة، وهي علاقة لطالما تم التعبير…

لقد مرت العاصفة بسلام!

السبت ٢٦ يونيو ٢٠٢١

الغياب كسلوك جماعي، والعزلة التي فُرضت علينا، ثم الخوف القاهر والضاغط على القلب والجسد معاً، تحت وطأة هذه الثلاثية المترافقة معاً، انسحبت أيامنا في هذه الحياة لأكثر من عام ونصف، فهل وعينا تماماً معنى وحجم الخسائر التي تكبدناها؟ هل تأكدنا كم يبدو الأمر قاهراً ومثيراً للأعصاب، أن تكر أيامك أمام عينيك وأن تتفرج عليها تنسكب على الأرض كسائل لا يمكن جمعه، أن تتخلى طواعية عن سنتين من عمرك مفضلاً الأمان وهارباً من المخاطرة؟ كغريب يطرق بابك عند الفجر، هكذا طرق الوباء باب الكوكب، فهبت البشرية لاستقباله بالخوف والاختباء، وابتعاد الكل عن الكل، حتى أمهاتنا أصبحنا نقبلهن على أكتافهن خوفاً عليهن، نتقابل مع أصدقائنا من خلف الشاشات كعشاق يسرقون اللقاء من خلف الأسوار العالية، أعمالنا، تعليم أبنائنا، تسوقنا، معارض كتبنا، أثاث بيوتنا، مطاعمنا، كلها توارت وصارت مجرد شاشات وأزرار، صرنا كمن نعيش حباً من طرف واحد! عندما جاءتني رسالتها بعد غياب طويل خلال زمن كورونا البائس، وجدتها عاتبة، وكأنها لم تعش معنا محنة الكوكب، كأنه حين أغلق أبوابه لشهور كانت قد تسللت من مكان ما، وحين عادت كتبت لي: «أنا عاتبة إذا كان يحق لي ذلك، توقعت على الأقل مجرد سؤال عن غيابي»! ربما أحدثها عن المخاوف واهتزاز اليقين، ربما أسألها عن معنى الغياب والعتاب في مواجهة هذا الموسم الطويل القاسي…

عودة الروح

السبت ١٩ يونيو ٢٠٢١

في الوقت الذي يهرع فيه العالم لفتح بواباته ونوافذه، مشرعاً قلبه مجدداً لمباهج الحياة وضجيجها الذي افتقده لشهور طويلة، يشعر كل واحد منا برغم بذرة الحذر المغروسة في طبيعتنا بأن الحياة تعود إلى المدن، وأن الروح تعود إلينا مجدداً، وبالرغم من أن مدناً أخرى تدق نواقيس الخطر، رافعة شارات الحظر ومنع الدخول بسبب «متحوّر دلتا»، مدن بأكملها تعيش في ظلال الخوف، وأخرى تحظر الطيران، وثالثة تمنع التنقل، إلا أن حب الحياة أقوى وإرادة الحياة هي من ينتصر في النهاية! على الطرف الآخر، فرنسا وبعد معاناة ومكابدة تعلن خلاصها من الكمامات تدريجياً، وقبلها فعلت بعض مدن إيطاليا، وبينما أصابت الخليجيين حالة من الحزن بعد إعلان العديد من دول الاتحاد الأوروبي تحفظاتها على اللقاح الصيني، عادت هذه الدول تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية وانهيار السياحة إلى القبول بكافة التطعيمات المعترف بها عالمياً، فقد بشّرت النمسا وألمانيا وسويسرا والبرتغال وفرنسا وغيرها من دول أوروبا الخليجيين بقرب الترحيب بهم على أراضيها خلال أيام. أما موسكو فهي تعج اليوم بالشباب الخليجيين الذين قدّموا لسياحتها من خدمات الترويج ما لم تقدمه وزارة السياحة هناك على امتداد سنوات، فقد امتلأت حسابات السناب شات بالترويج لكل صغيرة وكبيرة فيها حتى غدت موسكو الوجهة المفضلة للكثيرين رغم تفشّي الوباء هنا وهناك. أخرج اليوم، وبعد شهور عدة، من قمقم العزلة إلى…

حكاية الكُتّاب الهاربين من الحياة!

السبت ١٢ يونيو ٢٠٢١

تبدو فكرة عظيمة جداً، تلك التي جاءت في الكتاب الذي نال جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب هذا العام 2021، وهو «في أثر عنايات الزيات» للكاتبة والشاعرة والمترجمة المصرية د. إيمان مرسال، الأستاذة بجامعة ألبرتا في كندا، إنها فكرة تفرغ أديب أو شاعر لتتبع أثر كاتب آخر وُجد في زمن آخر، كان يعتقد بأنه الزمن الخطأ! وبقدر ما نظر البعض للكتاب على أنه كتاب يناقش حالة مصرية بذاتها وملابساتها، فإن كثيرين اتسعت رؤيتهم ليجدوا في الكتاب حالة إنسانية عامة، يمكن أن نجدها أو نسمع عنها في كل مكان، إنها حالة تشبه وقوع المرء في الحب، أو اليأس، أو الإصابة بالاكتئاب أو معاناته من الاغتراب أو بحثه الدؤوب عن المعنى، وفي كل ذلك لا خصوصية في الأمر، فكل هذه الحالات تقع لكل الناس في كل مكان. لقد تتبعت إيمان بدأب، وشجاعة، وشعور بالمسؤولية، حكاية روائية مصرية شابة أقدمت على الانتحار في ستينيات القرن المنصرم وفي تاريخها ليس سوى رواية واحدة فقط هي «الحب والصمت»، إنها عنايات عباس الزيات، ابنة العائلة الأرستقراطية التي امتلكت موهبة أدبية رفيعة ووعياً متقدماً وتمرداً على كل القوالب وحساسية نفسية شديدة، لنتفق على تسميتها الهشاشة النفسية؛ لأنها لم تحصنها في وجه رغبتها في الانتحار! لماذا انتحرت عنايات؟ لأنها لم تجد ما كانت تبحث عنه، لم تتمكن بفعل…

الثبات في منتصف المسافة

السبت ٢٩ مايو ٢٠٢١

الوقوف على حافة الجبل دون أن تسقط، ودون أن تصاب بالدوار، دون أن يختل توازن جسدك وتهوي، دون أن ترتجف رجلاك لأن الخوف قد أغرق دمك ودماغك، تلك ليست مجرد مهارة أو موهبة، تلك واحدة من الأسرار التي يمتلكها البعض، أو تختصهم الطبيعة بها لأسباب مجهولة، وقد اكتشفوها هم في أنفسهم فقاموا بتطويرها وصقلها حتى غدت مهارتهم وصفتهم الأولى. تأملوا لاعبي السيرك، والذين يسيرون على حبل مشدود بين بناءين، والذين يتسلقون ناطحات السحاب الزجاجية، كل هؤلاء يتراوحون في المسافة بين المغامرة والجنون، بين المقامرة والمجازفة محسوبة العواقب، إلا أن الذين يتمكنون من البقاء في منتصف الطريق دون أن يعودوا للخلف أو يفقدوا بوصلة الوصول ليسوا أناساً عاديين أو من الممكن الاستهانة بهم أو بذكائهم! في دبي لا يمكنك أن تفتقد شيئاً، لا يمكنك أن تدعي أن هناك ما هو أفضل مما تمتلكه هذه المدينة، لا يمكن لأجنبي أو عربي أو غريب أو قريب أن يقول إنها تصادر حريته أو يضطر فيها ليكون غير ما تعود، فهل هي مدينة الأحلام فعلاً؟ نعم هي كذلك، ولو أن مركز أبحاث ودراسات تتبع أعداد الحالمين الذين حققوا ما حلموا به على أرض دبي لما أمكنه حصر أعدادهم، تلك حقيقة تتباهى بها دبي! ودبي تجعلك حراً كأقصى ما تكون الحرية، ثم تقول لك أنت مسؤول…

الحياة في ظل الكذب!

السبت ٢٢ مايو ٢٠٢١

ماذا لو لم تكن هناك أسوار وأستار نحيط بها أنفسنا فتعزلنا عمن حولنا، لندفن خلفها صدماتنا وأسرارنا وربما عيوبنا وضعفنا عن الآخرين؟ ماذا لو عاش الناس منفتحين على بعضهم البعض ومكشوفين تماماً بلا أسرار وبلا خفايا؟ وكما في العزلة، فإن السؤال نفسه طرحه صنّاع الفيلم البريطاني «اختراع الكذب» كيف يمكن أن تكون الحياة في ظل الصدق؟ من هنا يبدأ الفيلم، تلك البداية الغرائبية حول مدينة عادية تشبه غيرها من مدن العالم وتعج ببشر يشبهون كل البشر على كوكب الأرض سوى أنهم لا يعرفون معنى الكذب، تخيلوا بشراً لم يكذب أي منهم في حياته كذبة واحدة، الجميع يقول الحقيقة دفعة واحدة كما هي، مجردة وصادمة و.. بمنتهى الوقاحة غالباً! في إطار فانتازي (بدا ساذجاً أحياناً) يطرح صنّاع الفيلم إشكالية الحياة في ظل الصدق المجرد وحياتهم بعد أن يعرفوا كيف يكذبون، أو بعد أن اخترع بطل الفيلم شيئاً بدا له أنه يحدث للمرة الأولى: أن يكذب، بدأ بالكذب على أمه حين صور لها كيف ستكون حياتها بعد الموت، ثم توالت كذباته على مدير دار النشر وعلى بقية من حوله. لقد عاش فاشلاً، تتجنّبه النساء ويمقته الرجال، كما فُصل من عمله حين كان يقول الصدق ولا يكذب أبداً، لكنه أصبح محبوباً وغنياً حين بدأ يكذب، تغيّرت حياته وحظي بكل شيء، فهل هذا صحيح؟…

كلنا أسرى العزلة!

الأربعاء ١٩ مايو ٢٠٢١

آنا فوكس امرأة عادية، مثل ملايين النساء حول العالم، أخصائية نفسية للأطفال، لكنها تعاني الخوف من الأماكن المفتوحة، ولذلك فهي لا تجازف بالخروج من منزلها بسهولة، لا تخرج إلا للضرورة، تجد آنا نفسها حبيسة شقة واسعة في أحد أحياء نيويورك، لا يشاركها السكنى فيها أحد، وحين تُسأل تجيب سائليها بأنها انفصلت عن زوجها، وأن ابنتها تعيش مع والدها في مدينة أخرى، ولكن الحقيقة خلاف ذلك تماماً. من عزلتها في تلك الشقة، تطل المرأة على بيوت جيرانها عبر نوافذ كبيرة، لتراقب ما يحدث في تلك البيوت، يفصل بينها وبينهم الشارع الذي يقطع الحي بشكل طولي، وهي لا تكتفي بالمراقبة، ولكنها تتجاوز ذلك إلى تصوير المواقف المثيرة للانتباه، وحين انتقلت العائلة الثرية المكونة من أم وزوجها الثري وولدهما المراهق للشقة المقابلة لها باتت حياة تلك العائلة تحت المراقبة طوال الوقت إلى أن حدثت جريمة القتل البشعة! تقلب هذه الجريمة حياتها رأساً على عقب عندما تبلغ الشرطة، ولكن تعقيدات أخرى في حياة الطبيبة تطفو على السطح لتضعها في محل شك، فلا تصدقها الشرطة، ولكن المرأة تستطيع بالبحث أن تثبت وقوع جريمة قتل حقيقية وليست متخيلة كما حاول القتلة إيهامها. بقليل من الربط والتحليل تقودنا الحكاية إلى الوضع الحالي الذي وجد الناس أنفسهم فيه، معزولين ويرقبون العالم من خلال التلفزيونات والنوافذ والهواتف، بقلوب خائفة…

لبنان.. الجريمة والعقاب

السبت ٠٦ فبراير ٢٠٢١

أطلقت الصديقة الناشرة اللبنانية صاحبة دار الجديد ( رشا الأمير ) تدوينة عبر حسابها على الفيسبوك تبحث من خلالها عن اجابة ،تقودها الى معرفة مصير شقيقها لقمان سليم ، وتفك أمامها لغز اختفائه المباغت بعد أن ذهب مع صديقه في زيارة إلى جنوب البلاد فانقطعت أخباره في إثرها تماما ، بعدها بساعات صمت حساب ( رشا) وتحول إعلام لبنان الى عنوان كبير : من قتل لقمان ؟ انطلقت تغريدات "رشا " التي حدست بقلب الأخت التي لطالما سمّت لقمان شريك أحلامها ، أن شقيقها ليس على ما يرام ، وأن شرا ما قد أحاق به ، خاصة وأن أحدا لم يرد عليها ، فظلت ساهرة ترقب الوقت وشاشة الهاتف حتى انبلج الفجر عن فاجعة . ففي الجهة الاخرى من مقر إقامة رشا ووالدتها ، في حقول الجنوب تحديدا ، كان لقمان في تلك الساعات المفخخة بالرعب ، وفي ليل بهيم لا يريد مغادرة لبنان ، بين يدي قاتل مأجور يضع مسدسا كاتما للصوت على مؤخرة رأسه ويضغط على الزناد ، وبينما تطلق رشا تغريدات استغاثة للأحباب والأصحاب كان القاتل يطلق رصاصاته الغادرة من كاتمه السريع الطلقات ليكتم صوت مثقف حر بمقدار ما كان معتدا برأيه المعارض لسياسات "حزب الله " بقدر ما كان نبيلا في خصومته لهم ، فلم يرفع…

هكذا هي الإمارات

الخميس ٠٤ فبراير ٢٠٢١

لدي ثقة كاملة، لا تخالطها أي درجة من الشك في أن مستوى الخدمات الصحية التي تقدم للجمهور في كل مدن ومناطق دولة الإمارات، تتفوق كثيراً على مثيلتها من الخدمات التي تقدم في دول نسميها بالعظمى والمتقدمة والمتحضرة و... إلخ. وسواء كنت في قلب المدن أم في أطرافها، في الأحياء العامرة أم في القرى والأرياف ونواحي الصحراء، فإن الخدمات هي نفسها، بذات التدفق والكفاءة والوفرة والرقي، وهذا معيار جودة إنسانية ورشد حقيقي في القيادة والإدارة الإماراتية قبل أن يكون معيار تميز وإطراء تعترف به المؤسسات الخارجية. وفي هذه الأيام الصعبة التي تقاس فيها جهوزية المجتمعات والدول بكيفية إدارتها لجائحة «كورونا» ووفرة إمكانياتها في توفير اللقاحات لمواطنيها، يجد الإنسان نفسه في الإمارات: مواطناً كان أم مقيماً، عربياً أم أجنبياً، أو حتى زائراً في أمان كامل وضمان حقيقي يكفل له الحصول على اللقاح بجرعتيه وفي أفضل الظروف وأكثرها يُسراً وإنسانية. لقد استغرقت عملية التطعيم التي أجريتها للمرة الأولى زمناً لم يتجاوز الـ15 دقيقة، تسلمت فيها ورقة الإرشادات والتوقيع عليها بالعلم والإحاطة ومن ثم الجلوس إلى الطبيبة أو الممرضة وقياس الضغط وطرح الأسئلة الإجرائية وصولاً إلى التطعيم وتسلم البطاقة الخاصة بذلك، طبعاً ناهيك عن مستوى المراكز التي تجري فيها عمليات التطعيم. في حين تنقل لنا وسائل الإعلام مناظر مؤذية لطوابير من الناس (في الدول…

مدن المستقبل

السبت ٢٣ يناير ٢٠٢١

أغمض عيني أحياناً، في محاولة لتخيل مدن المستقبل في ظل ما نعيشه اليوم من حيث علاقاتنا الاجتماعية، وسلوكياتنا العامة: العمل، التعلم، التسوق، الزيارات، الأنشطة العامة، ممارسة الرياضة... كيف سنمارس كل هذا وغير هذا في المستقبل؟ كيف ستبدو مدننا؟ وكيف سيتحرك ويعيش ويتفاعل إنسان المستقبل في هذه المدن؟ لا تبدو هذه الأسئلة غريبة أبداً، ولا تبدو ممنوعة أو مثيرة للخوف، أو كما قد يصفها البعض بأنها (أسئلة بلا ضرورة)، فهي ضرورية، إن لجهة استشراف شكل وطبيعة المستقبل الذي ينتظرنا، أو لجهة الاستعداد الذي يجعلنا لا نتفاجأ ولا نصاب بالارتباك حين نرى تجليات ما سيحدث، والذي لن يكون كما نتوقع بطبيعة الحال. مهندسو وعلماء مدن المستقبل، سيعودون ليستعيروا من الدكتور مارشال ماكلوهان نظرية «الحتمية التكنولوجية للمجتمعات»، والتي أفرزت بالضرورة مقولة تحول العالم لقرية صغيرة، لن يحتاج الناس فيها للخروج من منازلهم، فلقد تدربوا بشكل عملي على فعل كل شيء خلف أبواب بيوتهم المغلقة، تدربوا على الذهاب للعمل وإنجاز الأشغال، وشراء بقالة البيت، وثياب الأولاد وكل أفراد الأسرة، وإنجاز المعاملات المصرفية، والتخابر مع الطبيب واستشارته، و..و.. كل ذلك وأكثر فعلوه دون الحاجة لمغادرة المنزل، بعد أن رفع العالم شعار الحياة عن بُعد. مدن المستقبل التي تدربنا عليها «كورونا» ستكون مدناً خالية من البشر، ستغدو الحامية التكنولوجية أشد وطأة، وسيفتقد الإنسان تلك الرومانسيات التي…

الفقد الذي نعانيه يومياً

السبت ٢١ نوفمبر ٢٠٢٠

خلال عام كامل، بساعاته القلقة وأيامه التي بلا ملامح وشهوره المعجونة بالترقب، لم نقرأ يومياً ولم نسمع أخباراً أكثر من أخبار (الإصابات والوفيات) جراء انتشار المرض اللعين، أما صور التوابيت والمقابر والجنازات فهي هناك مسمرة في الذاكرة كلوحة تعريفية لطريق أو حي قديم، تشير إلى الآلاف الذين رحلوا سريعاً حين عاجلهم المرض من حيث لا يتوقعون. الخسارات التي نُمنىٰ بها في الحياة كثيرة جداً، وكأننا خلقنا لنفقد أو لنكون شخصاً مفقوداً بالنسبة لآخرين، مع ذلك فإن الفقد موضوع صعب حين نتحدث فيه أو نكتب عنه هكذا ببساطة عموداً في صحيفة يومية يطالعها كل الناس وكأنه أمر مشوق! لكن مهلاً، ألا يتعرض كل هؤلاء الناس الذين يطالعون هذه الصحيفة ما أن يفتحوا أعينهم كل صباح للفقد دائماً، وعلى مدار خط الحياة؟ ونحن مثلهم، ألا نفقد أحبتنا دائماً، ألا تطحن الأيام أعمارنا قاضمة أسماءهم ووجودهم في حياتنا؟ أين ذهب أصدقاء طفولتنا، آباؤنا، جيراننا، جداتنا الحانيات، وظائفنا التي حفرنا تألقنا على عتبات مكاتبها؟ فليس بالموت وحده نفقد ما نحب! ‏عذرا، لم يتمكّن مشغّل الفيديو من تحميل الملف.(‏رمز الخطأ: 101102) لقد تحولنا إلى كائنات تتدرب على مواجهة الفقد بذخيرة الحكمة، كما نتدرب على فهم الواقع، لنتعلم معنى الحياة، وعظمة النِعم التي تُمنح لنا، نحن نفقد بمضي الوقت، ونكبر بتوالي الخسارات وعبور البشر، ثم نصبح…

الندوب التي لا تنسى!

الأربعاء ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٠

يقال إن كل شخص يضمر في داخله شعوراً بالإهانة أو التحقير أو النبذ وفقدان الأهمية نتيجة التعرض المستمر للتعدي المتعمد عليه، جسدياً ولفظياً، والذي غالباً ما حصل في طفولته المبكرة، هذا الشخص لا يمكن أن نتوقع منه سلوكاً سوياً إذا ما تقدم به العمر، كما أن سعيه للمكانة الاجتماعية لا بد أن يمر عبر طريقين: الخلاص من ذلك الإرث المضمر في داخله، إثبات التفوق بالتنمّر على الآخرين. هذا الشخص الذي نتحدث عنه كمثال يقوم بدورين: المتنمّر عليه، والذي سيصبح لاحقاً شخصاً متنمّراً على غيره رغبة في الخلاص من عقد التنمّر، ومن هنا نعلم أن هؤلاء الطلاب الذين يجدون ضالتهم في طالب خجول أو لديه إعاقة ما، فيترصدونه بالتحرش aوالإهانات، هؤلاء في الحقيقة إن لم يكونوا يتباهون بتفوقهم على هذا الطالب المسكين، فهم ممن تم التنمّر عليهم في فترات سابقة. جميعنا كنا طلاباً في المدارس وقد عايشنا هذه الظاهرة، وإن لم تكن معروفة بهذا الاسم، إلا أننا في معظمنا قد تنمّرنا على زملاء لنا أو تم التنمّر علينا، فأضمرنا ذلك في دواخلنا كأشياء أخرى كثيرة لم نبح بها لأمهاتنا أو آبائنا، خجلاً أو خوفاً، أو لسبب لا نعلمه، لذلك آثرنا الصمت في تلك الأيام البعيدة طلباً للسلامة! إن ظاهرة التنمّر في الحقيقة تفتح نقاشاً واسعاً حول العلاقات الأسرية (الأبوية تحديداً)، والانتباه…