عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

حبّاً في الكتب والكتّاب!

السبت ٠٣ فبراير ٢٠١٨

وقعت بين يدي رواية أُكرهتُ على قراءتها لأسباب لا داعي لذكرها، الفائدة الوحيدة التي خرجت بها بعد قراءة 222 صفحة هي مجموع صفحات الرواية، أن ثقة البعض بأنفسهم إلى حد الغرور يمكن أن تسول لهم ارتكاب أية حماقة في حق الآخرين انطلاقاً من ثقتهم بعبقريتهم، كأن يتصدوا للكتابة الإبداعية وهم لا يملكون مقوماتها، أو يدعوا العلم بأمور التحليل السياسي والاقتصادي وهم لم يدرسوا هذه العلوم ولم يتخصصوا فيها، أو لمهام وقضايا أخرى لا علاقة لهم بها سوى أن الحظ أو الفرص قد منحت لهم في غفلة من الزمن فاقتحموا الميدان وتصدروا المشهد! إننا بمجرد أن نفتح التلفاز على أية محطة أو نتجول بين أرفف الكتب، أو نتابع البرامج الإخبارية وغير الإخبارية التي تعج بمن يسمونهم المحللين والخبراء ورجال الدين، أو نتابع مواقع التواصل ونتاجات عالم الأدب والفن، سنصطدم بهؤلاء المدعين، الذين لا ندري من أين لهم كل هذه الثقة بالنفس ليواجهوا الجماهير بكل تلك السخافات التي يبتدعونها، أمر واحد يضمن لهؤلاء الاستمرار، جهل الناس الذين يتابعونهم أو لا مبالاة المجتمعات التي لا تبدي أي موقف تجاه التفاهة أو يتحاشى الناس فيها أمر إبداء الرأي خشية ردات فعل غير مرغوبة! أعود لتلك الرواية الركيكة التي جعلتني أقتنع بأنه لا يزال هناك كثير من التفاهات لم يغادر رؤوس البعض، وأنهم بسبب افتقاد…

هل هناك صناعة نشر في الإمارات؟

الأربعاء ٣١ يناير ٢٠١٨

السؤال حول صناعة النشر في دولة الإمارات لا ينكر الواقع ولا يصفه، لا يؤكده بالمطلق ولا ينفيه، لأن هناك حركة نشر وهناك دور نشر وجمعية ناشرين تقوم بجهود كبيرة لتشق طريقها بين تجمعات وروابط ونقابات صناعة النشر المهنية والمحترفة في العالم العربي على وجه الخصوص. ومما لا ينكره أحد أنه وخلال السنوات العشر الأخيرة أنتجت هذه الدور ومؤسسات الثقافة إجمالاً عدداً لا بأس به من الكتب وأضاءت على أسماء مختلفة من الكتاب الإماراتيين الشباب، الذين يجدون اليوم فرصاً أكثر تنوعاً وغنى لإخراج إبداعاتهم وكتبهم بسهولة وتشجيع قلما يحظى بهما كتّاب ناشئون في مجتمعات أخرى. لذلك فإن السؤال لا ينكر واقعاً قائماً، لأن الواقع يعبر عن نفسه بهذه العلامات أو الظواهر التي أشرنا إليها، ويبقى السؤال قائماً ليساعد في تفكيك الواقع والإضاءة على تفاصيله كلها، الإيجابي منها والسلبي، المشجعات والمعوقات، التحديات جنباً إلى جنب مع المبادرات الداعمة والمحرضة على التغيير نحو واقع أفضل وأكثر قدرة على توطيد دعائم صناعة نشر قوية ومرضية ومساهمة فعلياً في حركة النمو والتنمية والتغيير في مجتمع يطمح دائماً إلى تطوير كل القطاعات والمجالات التي تهم حركته ومصالح أفراده وتضعه في دائرة التميز والقوة. لذلك كان منتدى أبوظبي للنشر، الذي تنظمه دائرة السياحة والثقافة، مبادرة تستحق التوقف والتقدير لما يمكن أن ينتج عنه من تسليط الضوء على…

حديث سوسن الشاعر!

الإثنين ٢٩ يناير ٢٠١٨

تسبب الحديث عن ظاهرة الاغتراب الأخلاقي والتغيرات القيمية عند البحرينيين الذي تناولته الإعلامية البحرينية سوسن الشاعر، في برنامجها التلفزيوني «على مسؤوليتي»، في نقمة مجتمعية قادت إلى مهاجمتها من قِبل الكثيرين، بل رفْع قضايا ضدها، معتبرين حديثها إهانة قومية ضد كل البحرينيين! بدايةً، لا بد من تقديم تحية مستحقة لجمعية الصحفيين البحرينية لوقوفها إلى جانب السيدة سوسن عملاً بمبدأ حرية التعبير، بالنسبة إلى الحلقة المذكورة فقد استمعت أكثر من مرة لكل كلمة قالتها سوسن بخصوص ما طرأ من تغيرات على سلوكيات وقناعات مجتمع وأجيال اليوم في البحرين مقارنة بما كان سائداً ومعروفاً في كل مجتمعات الخليج، ولقد تكفلت بذكر أمثلة من صميم الواقع الذي نراه ونعايشه كل يوم ونتذمر منه وننتقده، لكننا نسلّم بعجزنا عن تغييره، كما نكره أن نناقشه علناً، خوفاً من أي اتهام بالعجز أو التقصير! إن ما تعانيه أعداد كبيرة من الأجيال الصغيرة في معظم دول الخليج لا يخفى على أحد، وهو ما تطرقت إليه الزميلة، كالسهر أمام السوشال ميديا والألعاب الإلكترونية، والاعتماد في التغذية على الوجبات السريعة، وتخلي معظم الأمهات عن واجبات التربية لمصلحة الخادمات، وضعف اللغة العربية بوصفها لغة حديث وتعامل، وضعف شخصية الصغار بسبب كل ذلك، والتفكك الأسري، والتباعد الاجتماعي، وغياب مفهوم الجيرة وعلاقات الجوار... إلخ! فأين الخطأ وأين التجاوز في حديث سوسن الشاعر؟ أليس…

«اللطف» غير المطلوب أحياناً

الأحد ٢١ يناير ٢٠١٨

يقول علماء التربية والسلوك الاجتماعي، إن الإنسان الذي ينشأ في أسرة يتحاشى أفرادها بشكل دائم إبداء آرائهم المتعارضة أمام والديهم أو إخوتهم الكبار، باعتبار أن هذا السلوك يعبر عن تربية رفيعة واحترام مطلوب التقيد به بين أفراد الأسرة. هذا الشخص غالباً ما يجد صعوبة كبيرة في إيجاد مكان لائق له وسط الجماعات المختلفة التي سينتمي لها لاحقاً حين سيخرج من الأسرة إلى جماعات أكبر وأكثر استقلالية، كأصدقاء الجامعة وزملاء العمل، والجماعات المهنية التي سينضم لها وأصدقاء النادي وغير ذلك. فسيظل على الدوام متمسكاً بمنهج اللطف وعدم التعبير عن رأيه الحقيقي خشية الوقوع في الصدام وخسارة علاقاته الطيبة!للمسألة وجهة نظر أخرى، فالطفل الذي يربيه أهله على ألا يتحدث في وجود الكبار، ثم لا يبدي أي حركة أو التبرم أمام والده، انطلاقاً من أن ذلك غير لائق وغير مسموح به دينياً واجتماعياً، يفقد حس احترامه لذاته ورأيه وابتداء يفتقد مهارة تكوين رأي أو وجهة نظر تجاه أي أمر. ومن ثم طريقة عرض أو التعبير عن هذا الرأي بشكل صحيح، أو على الأقل التمسك بحقه في التعبير عن رأيه أياً كان ذلك الرأي! إن الأسرة هي المعلم الأول في ما يخص الحقوق، فالأمهات والآباء تحديداً لا يعلموننا على طريقة الكتب والمعلمين ولكنهم يمنحوننا فرصة ممارسة دروسنا بشكل يومي وتطبيقي من خلالهم، لذلك سيكون…

في عام زايد..الإمارات كما أرادها

الجمعة ١٩ يناير ٢٠١٨

مضى على تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، ست وأربعون عاماً، منذ اليوم الذي رفع فيه الآباء المؤسسون لدولة الاتحاد علم دولة الإمارات من مبنى الاتحاد الكائن في نهاية شارع الضيافة في إمارة دبي. ست وأربعون عاماً مضت على تلك اللحظة التاريخية الخالدة والفاصلة التي وقف فيها معالي أحمد السويدي مستشار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأول وزير خارجية في تاريخ الدولة، ليقرأ البيان الرسمي لإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة عربية مستقلة ذات سيادة. ومنذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة الراهنة، وهذه الدولة تواصل التزامها بنهجها العروبي الثابت وبالتزامها تجاه الجميع، بيتاً للجميع، ويداً لكل الإخوة، وقلباً باتساع العالم، وإرادة سياسية حقيقية لتجسير الفجوة والانتصار على كل العراقيل والصعوبات، عبر مشاريع تنمية ونمو مستدام ومتصل ومدروس، وعبر إصرار على الانفتاح على العالم بكل أعراقه وثقافاته. واليوم فإن النتائج ليست مطمئنة فقط وليست مرضية فقط، ولكنها تكاد تلامس الإعجاز واللامعقول. نحن نحتفل هذه السنة 2018 بعام زايد، وزايد رمز يعيش فينا كل يوم، في أبنائه من بعده، وفي منجزنا الإنساني المشهود، في مدننا وإماراتنا، في أسماء أبنائنا، في كتبنا، في كل مكان هنا وهناك وعلى امتداد الإمارات. ولن نكون مبالغين إذا قلنا بأنه ينام قرير العين مطمئناً إلى ما حققه الإماراتيون على امتداد العالم. لقد وصل أبناء…

المشكلة ليست في التقاعد

الأربعاء ١٧ يناير ٢٠١٨

أنت متقاعد من وظيفتك، مضى عليك حتى الآن عدة سنوات، تلك ليست كارثة أو أزمة مطلقاً، كما أنك لا تعاني من مشكلة أو مرض ما، هذا واقع مر ويمر وسيمر به ملايين البشر في كل مكان، فالجميع في كل مكان يعملون حتى سن معينة، يشتغلون بأقصى طاقتهم الجسدية والذهنية، إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يقول لهم فيها القانون أو يقولون هم لأنفسهم: لقد حان وقت التوقف، وجاء وقت الراحة والاستمتاع بما تبقى لي من العمر. هناك من يتقاعد باكراً جداً، لأنه وجد فرصاً أفضل وأكثر فائدة وملاءمة له، وهناك من يؤجل هذه الخطوة حتى آخر دقيقة، يعتمد ذلك على الخطط البديلة التي يمتلكها كل إنسان لمرحلة ما بعد التقاعد، والأنشطة المتوافرة في مجتمعه أو في الحي الذي يعيش فيه والتي ستملأ وقت الوظيفة السابقة، بحيث لن يشعر أبداً أنه انتقل من كونه موظفاً إلى شخص يعيش الوقت تحت ضغط الفراغ القاتل. إن وجود خطط وأنشطة بديلة ستحول سنوات التقاعد إلى سنوات منتجة أيضاً! وبهذا فقط يتحول التقاعد إلى مرحلة جديدة في حياة الإنسان لا إلى مشكلة حقيقية وضاغطة جداً قد تقود صاحبها إلى الاكتئاب أو الصمت والانسحاب والشعور باللاجدوى من أي شيء في الحياة. نقترح على الجهات المختصة بالمعاشات والمتقاعدين أو بالشؤون الاجتماعية أن تنشئ مكاتب استشارية تقدم نصائح…

وفاء للذاكرة والمعالم القديمة

السبت ١٣ يناير ٢٠١٨

تابعت حواراً بين عدد من الشباب حول إزالة بعض المعالم القديمة التي مضى عليها سنوات طويلة في بعض مدن الدولة لأغراض التجديد والتطوير، كبعض المنازل القديمة، أو المعالم الرمزية في بعض الطرقات أو الأماكن العامة أو «دوارات» الشوارع الكبيرة، أو مداخل بعض الإمارات، فقد تحتاج بعض المناطق إلى إجراء تغييرات ضرورية فيما يتعلق بتجميل أو تطوير المدينة، أو توسعة بنية الطرق وتغيير اتجاهاتها، أو تحويل الدوارات إلى تقاطعات وهكذا، حيث هناك حاجة ماسة للتغيير في مدننا التي تتغير بشكل دائم، بفعل احتياجات النمو والتنمية والتطوير. ترى الجهات المختصة بأمور التطوير أن إزالة القديم وإحلال الجديد أمر لا بد منه، لكن أهالي المدينة لديهم رأي مختلف فيما يخص إزالة أي جزء من مدينتهم التي اعتادوا على كل تفاصيلها. حيث يصابون بردة فعل أشبه بالحزن أو الحنين لتلك المعالم، مع العلم أن بقاء تفاصيل أي مدينة أو منطقة كما هي، أو كما رأيناها مذ كنا أطفالاً أمر يبدو مستحيلاً حتى في تلك المدن العريقة التي استكملت تطورها واستقرت منذ زمن، ذلك أن التغيير هو القانون الثابت الذي لا يمكن مقاومته أو الوقوف في وجهه، فحيثما كان البشر وحيثما وجدت حركتهم وتكاثرهم ورغبتهم في التطور فإن التغيير يظل صاحب الكلمة الأقوى! إن كل بناء، أو معلم أثري أو سياحي أو حتى تجميلي، وكل…

نحن والبحر..جيران!

الأربعاء ١٠ يناير ٢٠١٨

في طفولتنا وسنيّ مراهقتنا الغضّة نتذكّر جميعاً أن خيارات اللهو ومتع قضاء الوقت كانت محدودة حين نصنفها بحسب معايير واقعنا الحالي، فبحسب هذه الأيام يمكنك أن تمضي وقتاً ممتعاً حتى وأنت في سريرك منذ أن تصحو من نومك صباحاً، وحتى تعود لسريرك في أي ساعة من ساعات الليل، أما إذا خرجت من بيتك فالخيارات أكثر من أن تعد. في المقابل كان علينا كأطفال وحتى بعد أن تجاوزنا الطفولة أن نصحو باكراً، لأن طلوع الشمس وأنت نائم كارثة بالنسبة لوالدتك التي أفاقت باكراً على صوت أذان الفجر، وعليك أن تصحو وإلا..!! لا تظن أن هناك ما ينتظرك إذا صحوت، فلا شيء في انتظارك فعلاً، إنها هي ذاتها تفاصيل الأمس التي غفوت وأنت تعدها متبرماً، الأزقة، الرفاق الغارقون في عشق اللعب والتسكع، البحر بنوارسه وقواقعه، وأصوات النساء، وروائح الطعام الذي بعد الغداء، ومدرسة القرآن التي ستذهب إليها عصراً، لا شيء آخر، لكنك أنت من عليه أن يجد شيئاً ما بين تفاصيل هذا المشهد اليومي المتكرر والرتيب، شيئاً من اللهو والعبث لتمضية نهار طويل بلا مدرسة، إذا كنت لم تُسجل في المدرسة بعد! كنا نصحو من النوم، نفتح الأبواب الخشبية لأفنية البيوت الصغيرة المتراصة، وننطلق إلى البحر، كسهام غادرت على عجل قوس محارب نزق، كان البحر ملهاتنا، والمتواطئ أبداً مع طفولتنا، يوفر لنا…

العالم بين زرّين

السبت ٠٦ يناير ٢٠١٨

يقول الروائي الإيطالي أنطونيو تابوكي «من الصعب أن يعثر المرء على إجابة مقنعة عندما تتعلق المسألة بمنطق القلب»، والعبارة جاءت على لسان بطل روايته، عندما كان يحاول أن يقنع صحافياً شاباً بضرورة أن يلتزم النزاهة إذا أراد أن يمتهن الكتابة بشكل جدي، ومنطق العقل هو الطريقة الوحيدة للكتابة بنزاهة ومهنية وإلا فإن عليه أن يترك الكتابة، قال ذلك وبلاده تخضع لحكم ديكتاتوري لا يعترف بأي حرية ولا يتصرف بأي منطق! إن التحكم في سلطة الإعلام وسلطة القرار لا يبرر الكذب على الجماهير ولا يجعل هذا الكذب مستساغاً، فإن كان ذلك ممكناً فيما مضى فقد أصبح من المستحيل قبوله أو تمريره في زمننا هذا، ونحن نعيش ثورة التكنولوجيا ووسائل الاتصال وانفجار المعرفة! لقد كان بإمكان الأنظمة القمعية في ثلاثينيات القرن الماضي أن تقلب الحقائق لصالحها، وتذبح الناس، وتلفق الأكاذيب، وتملأ الصحف بالمخبرين، وتراقب حتى دبيب النمل، كما في رواية «بيريرا يدّعي» التي كتبها «تابوكي»، منتقداً النظام الديكتاتوري في البرتغال في فترة ما بين الحربين العالميتين، عندما «وصل الى الحكم في كثير من دول أوروبا متطرفون ينوون وضع العالم بأسره على الحديد والنار»، لكن أوروبا تخلصت من ذلك كله بعد مخاضات عسيرة! إن كثيراً من بلدان الشرق تعيش تلك الديكتاتوريات التي تخلصت منها أوروبا، فالمتطرفون يملؤون الدنيا، في السياسة وأنظمة الحكم، حيث…

كيف تفكر الجماهير؟

الأحد ٣١ ديسمبر ٢٠١٧

في عام 1895، أصدر الكاتب الفرنسي غوستاف لوبون كتابه الشهير «سيكولوجية الجماهير»، وبعد أكثر من مئة عام قامت دار الساقي بترجمته للمرة الأولى، وذلك عام 1991، فحقق نجاحاً باهراً، قاد إلى طبعات عديدة لاحقاً، وهنا فليس صحيحاً أن ظهور الكتاب ارتبط عربياً بأحداث ما يسمى «الربيع العربي»، حيث ظهر الكتاب قبل اندلاعها بسنوات طويلة، إلا أن الكتاب في موضوعه كتاب في غاية الأهمية، من حيث المجال الذي يهتم بمناقشته وتفكيكه، خاصة الفكرة التي ارتكز عليها، والتي يمكن تلخيصها بأن الجماهير لا تناقش الأفكار التي تعرض أو تقدم لها بالعقلانية التي نتصورها أو نطالبها بها، إنها تقبلها كما هي أو ترفضها كما هي اعتماداً على قوة وتأثير من يقدم لها الأفكار! يسمي علماء السياسة تبني الجماهير للأفكار دون تمحيص ونقاش ومن ثم تحويلها إلى قناعات وبرامج عمل وحياة وحركة بالاتجاه الغوغائي، بينما منذ ما بعد الثورة الفرنسية وجد غوستاف لوبون أن هذه سيكولوجية متأصلة في الجمهور، حيث يرى أن قادة الرأي والزعماء السياسيين أو الدينيين هم في الحقيقة جديرون بالثقة، وأن اتباعهم واجب دون نقاش، لأنهم يعلمون أو يعرفون أكثر من الجماهير غير المؤهلة إلا للاتباع وتريد ما يقدم لها أو أحياناً رفضه! من هنا اشتهر الهتاف الغوغائي عند كثير من الشعوب «بالروح بالدم نفديك يا زعيم»، ذلك أن الأمر ينتقل…

تحية لرواية شديدة الجاذبية!

السبت ٣٠ ديسمبر ٢٠١٧

«في حياة كل منا كتاب سحري.. يلتصق بحياتك ويؤثر فيها، وتقرأ عن نفسك فيه، فكن حريصاً في اختيار قدرك» وردت هذه العبارة على لسان حارس مقبرة الكتب المنسية في مدينة برشلونة حسب أحداث رواية «ظل الريح» للإسباني كارلوس زافون، والتي ترجمها باقتدار وحرفية معاوية عبدالمجيد العام 2015، وأعادت دار الجمل طباعتها للمرة الثالثة منذ عدة أيام. لا داعي هنا للتأكيد أنه لا مقبرة منسية للكتب تحت طبقات مدينة برشلونة كما ورد في الرواية، لكنها مقتضيات العمل الذي اختار له مؤلفه جواً مليئاً بالغموض على طريقة روايات الجريمة، والتشويق كما في روايات الواقعية السحرية اللاتينية فنجح في أن يقود القارئ بتبصر شديد في طرقات وأحياء برشلونة الضيقة، وعبر فترة زمنية حافلة بالتردي السياسي في بدايات القرن العشرين، ومن خلال حكاية بائع الكتب سامبيزي وابنه الصغير ومساعدهم ذي الشخصية الكارزمية التي لا يمكن نسيانها برغم بؤسه ومفارقاته، هذه الخطوط الرئيسية «الزمن والمكان والشخوص» مضافاً إليها البناء الروائي المحكم وشديد التعقيد والتداخل، يجعل من الصعب وضع هذه الرواية جانباً، أو إهمالها لبعض الوقت، لأنها تمسك بك وتغرقك فيها بشكل غريب جداً! كارلوس زافون كاتب إسباني متخصص في الكتابة للأطفال، وتعد هذه الرواية عمله السردي الأول للكبار، وقد حقق نجاحاً ساحقاً على مستوى النقاد والجماهير وعلى مستوى الترجمة للغات الأخرى «مقبرة الكتب رواية مكونة…

إنسان الحداثة.. إلى أين؟؟

السبت ٠٩ ديسمبر ٢٠١٧

«إن مجتمع الحداثة الفائقة مجتمع يتميز بالحركة والتدفق والمرونة والاستهلاك بلا حدود: الاستهلاك لأجل المتعة. فضلاً عن أنه يبتعد عن المبادئ العظيمة التي هيكلت الحداثة أكثر من أي وقت مضى. وفي حين أن الفرد الفائق الحداثة يجري توجيهه نحو اللذة الدنيوية والمتعة، إلا أنه أيضاً يمتلئ بنوع من الخوف والقلق الذي يتأتى من العيش في عالم ينزلق بعيداً عن التقاليد ويواجه مستقبلاً غامضاً» هذا ما يؤكده عالم الاجتماع الفرنسي جيل ليبوفيتسكي. ينخر القلق في عظام أفراد الحداثة الفائقة، ويفرض الخوف نفسه على متعهم، كما ويفسد حرياتهم، كل شيء يدق ناقوس الخطر فوق رؤوسهم فيزدادون رعباً كل يوم، فتتصاعد صناعة أنظمة الحماية وكاميرات المراقبة، كما تزداد أفلام الرعب والجريمة، والحركات الشوفينية المتطرفة، وحالات العزلة والشك وأمراض الاكتئاب والوحدة، وتكثر جرائم الانتحار في بلدان لم تدخر وسعاً لتوفير أقصى سبل الراحة لمواطنيها! عندما دعا نيتشه إلى التحرر من الدين، دافع الكثيرون عنه واعتبروه مفكراً يبحث عن خلاص الإنسان من القيم العدمية التي تقيّده وتمنعه من الانطلاق والحركة الخلاقة، لقد ارتبط هذا الانعتاق من قيود القيم بإلغاء فكرة التدين وتعاليم الكنيسة في أوروبا، وإعلاء فكرة الإنسان المتفوق الذي لا توجهه قوة، ولا تحدّه حدود! فهل تحرر الإنسان هناك فعلاً من عدميته وأصبح أكثر فاعلية؟ أم أن أوروبا دخلت دوامة عدمية أخرى باختراع الإنسان…