السبت ١٣ ديسمبر ٢٠١٤
صدر خلال الأسبوع الماضي تقريراً عن أساليب الاستجواب والاعتقال التي استخدمتها وكالة الاستخبارات الأميركية بعد أحداث 11سبتمبر. التقرير الذي أعدته إحدى لجان مجلس الشيوخ الأميركي يكشف في صفحاته التي تقارب 500 صفحة عنف وكالة المخابرات الأميركية، ومخالفتها لمعايير حقوق الإنسان. التقرير يتهم وكالة المخابرات الأميركية بشكل مباشر بالتضليل والوحشية والعنف الاعتباطي، ويكشف كذب «سي آي إيه» حول أهمية أساليب الاعتقال والاستجواب العنيفة في الكشف عن معلومات قادت إلى تصفية أسامة بن لادن. تضمن التقرير تفاصيل دقيقة حول استخدام التعذيب؛ لانتزاع معلومات من المشتبه بهم، والتعاون مع دول لتأسيس سجون سرية حول العالم؛ لاستجواب متهمين بالإرهاب بشكل غير قانوني. في السياق ذاته، نشرت وكالة المخابرات الأميركية تعليقاً على تقرير مجلس الشيوخ، تضمن الاعتراف بالخلل في أساليب الاعتقال والاستجواب، ورفض تهم تعمد تضليل الرأي العام أو الجهاز التنفيذي للولايات المتحدة، وأكد تقرير وكالة الاستخبارات أن طرق الاستجواب قادت إلى معلومات مهمة لمواجهة الإرهاب، وهو ما ينفيه التقرير تماماً. من جهته، ألمح الرئيس الأميركي باراك أوباما بشكل مقتضب إلى تقديره لنجاح وكالة الاستخبارات الأميركية في مواجهة الإرهاب، ورفضه بشدة التعذيب وأساليب الاعتقال الوحشية، والتي تسيء إلى القيم الأميركية وصورتها في العالم، وتؤثر في تحالفاتها في مواجهة التطرف. لا يبدو أن هناك أي جديد في عناصر هذه القصة، لطالما اتهمت وكالة المخبرات الأميركية بانتهاكات…
السبت ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤
في آذار (مارس) 1991، كان المواطن الأميركي رودني كينغ يقود سيارته، متجاوزاً حد السرعة الرسمي في مدينة لوس أنجلوس، وهو ما أدى إلى إيقافه من مجموعة من رجال الشرطة. يبدو هذا الموقف -إيقاف سائق سيارة بسبب مخالفة مرورية- أمراً عادياً جداً، يحدث ملايين المرات في العالم يومياً. لكن حادثة رودني كينغ لم تكن عادية، كما كشفت الأحداث اللاحقة. أنزل رجال الشرطة «كينغ» من سيارته، وضربه خمسة منهم بوحشية، بينما اكتفى الآخرون بالمشاهدة. في هذه اللحظة رأى جورج هوليداي الحادثة من منزله القريب من موقع الحدث، وصور الاعتداء على كينغ، وأرسل الفيديو إلى محطة تلفزيون محلية، نشرت أجزاء منه على الفور. لم تنتهِ القصة عند هذا الحدث، بل هذه هي البداية فقط. لاحقاً تمت تبرئة أفراد الشرطة من جريمة الاعتداء بالضرب على مواطن، واستخدام القوة المبالغ فيها بلا مبرر. ووجهت أصابع الاتهام، من بعض أفراد المجتمع، إلى «العنصرية»، إذ إن المعتدى عليه «رودني كينغ» مواطن أسود البشرة، بينما كان أفراد الشرطة، وهيئة المحلفين الذي حكموا عليهم بالبراءة من أصحاب البشرة البيضاء. أدت هذه الحادثة إلى أعمال شغب واسعة النطاق في لوس أنجلوس عام 1992، قتل على إثرها قرابة 60 شخصاً، وجرح قرابة 2400 ضحية، واعتقل نحو 16 ألف مواطن، مع خسائر مادية قدرت ببليون دولار. لم تتوقف أعمال الشغب إلا بفرض…
السبت ١١ أكتوبر ٢٠١٤
خلال الأسبوع الماضي حدث جدل طريف حول التطرف الإسلامي و«الإسلاموفوبيا»، كان أبرز أقطابه الإعلامي الأميركي بل ماهر، والممثل وكاتب السيناريو الشهير الحائز على جائزة «الأوسكار» بن أفليك. بل ماهر يتبنى رؤية تؤكد أن الإسلام دين متطرف بالجوهر. وبالتالي فمشكلة التطرف في العالم الإسلامي هي مشكلة في الدين نفسه، انعكست على جميع المسلمين، الذين أصبحوا متطرفين بحكم التعريف. وبالتالي لا يوجد أمل أو حل لهذه المجموعة البشرية «المسلمين» إلا بالتخلي عن عقائدهم تماماً. ليصبحوا ليبراليين، يؤمنون بالتعددية والمساواة وحقوق الشواذ ..إلخ، كما يفعل بل ماهر. على الجانب الآخر، يتبنى بن أفليك رؤية مغايرة، مفادها أن رؤية بل ماهر رؤية عنصرية وقاصرة، إلى الحد الذي شبهها بنظرة بعض الأميركان البيض إلى السود، باعتبار الخلل في السود في جوهرهم، كما كانت الثقافة السائدة في الولايات المتحدة. ألمح بن أفليك أيضاً إلى أن الإعلام لا يظهر المسلمين العاديين، الذين يذهبون إلى المدارس، ويمارسون أعمالهم اليومية المعتادة. هذه النقطة تذكِّر بأحد مقاطع الكوميدي الساخر الكندي راسل بيتر، عندما تحدث بأن مشكلة العرب مع الإعلام الغربي، أن العرب «العاديين» مملين. لذا لا يظهر الإعلام الغربي إلا العرب «المتطرفين». والذين شبههم بـ«الرد نك» وهو وصف يطلق على المتطرفين البيض في الولايات المتحدة. عادة يواجه هذا الجدل من المدافعين عن الإسلام، بطرق مختلفة: الأولى نفي وجود مشكلة تطرف…
السبت ٠٤ أكتوبر ٢٠١٤
خلال الأسبوع الماضي ناقشت بعض المواقع الإلكترونية الأميركية، بعض الخطوط العريضة للمناهج المقترحة من النظام التعليمي في ولاية تكساس الأميركية. وتم تناول الأفكار الموجودة في الكتب بالسخرية تارة، أو الاستهجان والتقزز تارة أخرى. بعض المعلومات كانت خاطئة بكل بساطة. بعضها الآخر كان يشي بنزعات عنصرية، أو يروِّج لأفكار متطرفة حيال الأديان والأعراق. أو ينظر إلى التاريخ الأميركي بشكل يخالف الرؤية «الرسمية». في مقالة نشرت في موقع «هيوستن برس» تم تناول أكثر الأشياء «جنونية» في تلك المناهج، التي تتضمن على سبيل المثال اعتبار نبي الله موسى هو الملهم لإنشاء أميركا، بدلاً من «الآباء المؤسسين» أو «أفكار جون لوك» الليبرالية. كما تقوم المناهج باعتبار «الجهاد» الإسلامي سبباً رئيساً ووحيداً لكل مشكلات «الشرق الأوسط»، ومن الطريف هنا أن تلتقي تحليلات بعض الليبراليين العرب مع تحليلات جانب من التيار المحافظ اليميني الأميركي. «مناهج تكساس» المقترحة ما زالت تستخدم مصطلح «نيغرو» أو «زنجي» وهو مصطلح مستهجن لإيحاءاته العرقية، ولأنه استخدم في أميركا على نطاق واسع؛ لتبرير اضطهاد السود، باعتبارهم عرقاً أدنى في عقود سابقة. المصطلح يُستخدم في الشارع من أجل شتم والتقليل من قيمة أصحاب البشرة السوداء، كما أنه يوحي بأفكار سابقة، حول تفوق «العرق» الأبيض» في مقابل دونية «الزنوج». في الإطار ذاته، حاولت هذا المناهج إعادة قراءة فترة الفصل العنصري في الولايات المتحدة في…
السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤
في الخامس من أيلول (سبتمبر) الجاري، نشرت «بي بي سي» خبراً مفاده بأن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، أعطى الضوء الأخضر للقادة العسكريين الإيرانيين للتنسيق مع الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، كان هذا أثناء القتال في منطقة أمرلي العراقية. لاحقاً، نفى المتحدث باسم الخارجية الأميركية أي نية أميركية لتنسيق عملياتها ضد «داعش» مع الجانب الإيراني. ثم ظهرت رسائل متناقضة من المعسكر الإيراني، تارة تشجب الحملة الأميركية ضد «الإرهاب» وانتهاك سيادة سورية والعراق، وتارة أخرى تعرض خدماتها على التحالف الدولي ضد الإرهاب، وتعلن إمكان التنسيق مع الولايات المتحدة. في الـ13 من سبتمبر شجبت طهران على لسان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شامخاني انتهاك الولايات المتحدة لسيادة العراق وسورية باسم مكافحة «الإرهاب». وأشار في تصريح نشرته وكالة الأنباء الإيرانية إلى أن التحالف الدولي الذي تقيمه الولايات المتحدة ضد «داعش» مشبوه. لاحقاً، يعلن المرشد الأعلى الإيراني في الـ15 من سبتمبر رفضه التعاون مع الولايات المتحدة. ثم في الـ24 من الجاري يعود الرئيس الإيراني روحاني ليعلن استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة ضد «داعش» بعد التوصل إلى اتفاق نووي. لكن قبل أيام من بدء الضربات الجوية على سورية، أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري أن لإيران دور في مكافحة الإرهاب، وهناك تنسيق معها. خلال هذه الفترة،…
السبت ١٢ يوليو ٢٠١٤
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل أيام مقالة للرئيس الأميركي باراك أوباما بعنوان: «السلام هو الطريق الوحيد للأمن الحقيقي لإسرائيل والفلسطينيين» على هامش مؤتمر إسرائيل للسلام، الذي عقد في فلسطين المحتلة خلال الأيام الماضية، هذه المقالة تتحدث بشكل واضح وصريح عن معنى «عملية السلام» بالنسبة إلى أميركا وأهم رعاته، ويمكن اعتباره تلخيصاً لمعنى «السلام» في عرف «المجتمع الدولي» عند الحديث عن القضية الفلسطينية. وقبل الحديث عن مقالة الرئيس الأميركي، يبدوا مثيراً للانتباه هذا التوافق شبه الدائم بين مؤتمرات السلام، وتصعيد اعتداءات آلة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، فهذا المؤتمر واكبه سقوط عشرات الشهداء الفلسطينيين في عملية «الجرف الصامد»، كما ردت إسرائيل أيضاً عسكرياً وبشكل دموي على مبادرة السلام العربية التي قدمت عام 2002، التي عرض فيها العرب الاعتراف بإسرائيل في مقابل أراضي 67 في تسوية شاملة، وفق أوسلو وقرارات الأمم المتحدة، فكان الرد الإسرائيلي مزلزلاً في اجتياح دموي لقطاع غزة بعد أيام من تقديم المبادرة. هذا التوافق بين دعوات السلام الإسرائيلية والعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين ليس مصادفة أبداً، ولا يحمل بين طياته أي تناقض إذا فهم ما معنى «السلام» في هذا السياق، وهذا ما يمكن قراءته بشكل مباشر وواضح في مقالة الرئيس الأميركي سالفة الذكر، فالرئيس الأميركي ذكر جملة «أمن إسرائيل» أكثر من 12 مرة في المقالة التي بدأها بالتحسر…
السبت ٠٥ يوليو ٢٠١٤
بعد انهيار الخلافة العثمانية الإسلامية، وجد المسلمون أنفسهم أمام واقع جديد، فمن ناحية وقعت جل أراضيهم تحت الهيمنة الاستعمارية الغربية، ومن ناحية أخرى وجدوا أنفسهم أمام تقسيمات جديدة لأراضيهم، ما أصبح نواة لما سمي لاحقاً بالدول القُطرِية في العالم العربي، فدولة الخلافة تشظت إلى دويلات حكمت من أنظمة انتداب غربية أو تم استعمارها، ثم بعد تحرر هذه الكيانات الوطنية، نشأ واقع آخر، وهو حكم هذه الدولة من أنظمة علمانية. كان ظهور الكثير من ما بات يعرف لاحقاً بحركات الإسلام السياسي نتيجة لهذا الواقع الجديد، فتمت شيطنة العلمانية والقومية والوطنية، وتأكيد الولاء للأمة، والطموح الدائم لاستعادة الخلافة، وتتباين أهمية مسألة الخلافة بين حركة إسلامية وأخرى، فبين حزب التحرير الذي يجعل إعادة الخلافة هدفه الأول والأسمى، إلى الإخوان المسلمين الذين تكيفت أدبياتهم مع نهاية الخلافة، ليصبح الطموح - خصوصاً مع سيد قطب - تحقيق حاكمية الإسلام في الدول الإسلامية القائمة، أي القبول بالدول الحديثة. على رغم أن مسألة الخلافة ذات أهمية في أدبيات الإخوان، وتحمل طابع الرومانسية ذاته في التصور الإسلامي العام، إلا أن القبول بالأمر الواقع - باعتبار الدولة الحديثة ذروته - أمر لا مفر منه لدى منظري الإخوان، مع محاولة تطبيق الشريعة من خلالها. من هنا فحزب التحرير وحركة الإخوان المسلمين ليسا تنظيمات جهادية مقاتلة، بل تيارات مدنية تلعب على…
السبت ١٤ يونيو ٢٠١٤
لو أردنا إطلاق وصف عام على التاريخ العربي الحديث، لقلنا بشيء من التجوز إن الدول العربية الفاعلة انتقلت من مرحلة الاستعمار والخضوع للإمبريالية الغربية إلى مرحلة الديكتاتورية الوطنية بعد معارك التحرر. سنجد هذا في العراق، مصر، سورية، وغيرها من الدول العربية الكبرى الفاعلة في التاريخ العربي الحديث. هذه الديكتاتوريات بعضها كان دموياً، كحكم عبدالكريم قاسم في العراق، وبعضها كان استبدادياً عنيفاً كحكم عبدالناصر، لكن كل هذه الأنظمة كانت تحمل أجندة وطنية تحررية -كتأميم قناة السويس وتحرير الأراضي العربية المحتلة- وأجندات اقتصادي لبناء المجتمع ومحاولة محاربة التفاوت الطبقي كما في تطبيق سياسات الإصلاح الزراعي في العراق ومصر، وغيرها. لكن هؤلاء المؤسسين -بصورة أو أخرى- وضعوا جذور انهيار الدولة العربية الحديثة أيضاً. ذاك الذي نعيشه بعد انتفاضات «الربيع العربي». هذه الديكتاتوريات التي وصلت إلى الحكم عن طريق انقلابات عسكرية دمجت فاعلين جدداً في السياسة العربية المعاصرة، والتي كانت حكراً على مجموعة أوليغارشية أو طغمة أرستقراطية مرتبطة بالوصاية الأجنبية، وتتعامل مع السياسة كجزء من ترفها اليومي. لكن مشكلة الفاعلين الجدد -آنذاك- وهذه الأنظمة العسكرية، أنها كانت تحارب مشكلاتها الآنية من دون التفكير في مستقبل الدول العربية. فكانت أولويات هذه الأنظمة محاربة التدخلات الخارجية، والتفاوت الطبقي، وبناء دول قوية وجيوش ضاربة لتحرير فلسطين، لكنها تجاهلت وفي شكل أساسي مسألة بناء نظام حكم ناجع لهذه…
السبت ٣١ مايو ٢٠١٤
غالباً ما يتم اعتبار أن المجتمع السعودي «مجتمعاً محافظا» أمراً مسلَّماً به. ومع غياب الدراسات الاجتماعية التي تبحث في هذه المسألة، يبقيها مجرد فرضية قابلة للأخذ والرد، ويمكن النقاش حولها باستمرار وبطرق مختلفة، من دون جزم في المسألة. يُستشَهد كثيراً بالممانعة لتعليم البنات، ثم ممانعة تأسيس التلفزيون والإذاعة...، وحوادث أخرى كان الصوت المحافظ الرافض للتغيير هو الأعلى صوتاً والأكثر ضجيجاً من أجل إثبات هذه المسلَّمة. اعتبار المجتمع السعودي محافظا، بحاجة إلى الكثير من التمحيص، وأزعم بأنه بالإمكان إبطال هذه الفرضية من خلال مقارنة هذه الأحداث، التي تُستخدَم أحداثاً رمزية تدل على محافظة المجتمع، بأحداث أخرى تدل على أنه مجتمع لا يختلف عن غيره من المجتمعات، من ناحية التنوع والتأرجح بين المحافظة والانفتاح. هناك مفاهيم متداخلة عدة يُتعامَل معها مترادفات أحياناً، وأعني المحافظة والتدين والتقليدية، بينما لا يمكن استخدامها على مستوى واحد. لا بد من التفريق بداية بين المحافظة الاجتماعية وبين التدين، فإن كان التدين والمحافظة الاجتماعية متلازمين في كثير من المجتمعات، فالأمر لا يبدو على هذا الصورة في المجتمع السعودي. يمكن القول – بكيفية ما - أن المجتمع السعودي مجتمع متدين، بمعنى أن القيم الدينية تؤثر في الأفراد بصورة كبيرة، إما عن تعلم ودراية واختيار وبحث، وهنا يكون الشخص المتدين مختاراً ومؤدياً للفروض والواجبات الدينية...، أو في شكل إيماني متوارث،…
السبت ١٧ مايو ٢٠١٤
لكل توجه فكري سرديته حول ما يحدث في الوطن العربي، ولاسيما سورية. هذه السردية تكشف انحيازاته وقناعاته، وتوضح منطق الخطاب الذي ينطلق منه لتقويم الأوضاع السياسية في عالم عربي يعيش مخاضاً لم ينتهِ بعد. ضبابية الوضع في العالم العربي وكون رياح التغيير التي هبت في 2011 لم تُؤْتِ أكلها بعد، يعطيان الجميع إمكان بناء سردياتهم وتأويلاتهم على ما يحدث، من دون الحاجة إلى مزيد جهد. قراءة ما تخفي هذه السرديات وتضمر أهم من قراءة ظواهرها وما تنطق به. وهنا أتحدث في هذا السياق عن أشخاص يحملون شعارات القومية العربية ومصالح الأمة والممانعة للمشاريع الصهيونية، لكن مضامين خطابهم تحمل تمجيداً للاستبداد والطغيان والشمولية السياسية التي انتهجها طغاة من حافظ الأسد إلى ابنه بشار، مروراً بصدام حسين. هؤلاء لم يستفيدوا من أي درس من العقود التي قضتها دول عربية تحت حراب الاستبداد وعبادة الزعيم المخلص، ولا من دروس «الربيع العربي» حيث كانت الجماهير أكثر وعياً بحقوقها وصناعة مستقبلها من الأنظمة المستبدة والمثقفين الداعمين لهذه الأنظمة. يرى قوميُّو بشار الأسد، أن «الربيع العربي» أمل حقيقي بالتغيير، وأن هذه الجماهير خرجت بمحض إرادتها؛ بحثاً عن عدالة وحرية تأخرت عقوداً، وهبتها تمثل احتجاجاً على الهيمنة الأجنبية على المنطقة من أجل الاستقلال السياسي وحرية تقرير الشعوب لمصيرها. إلى هنا تبدو السردية فاتنة. لكن الإشكال الأساسي ليس…
السبت ٠٥ أبريل ٢٠١٤
الكراهية الدينية لم تُنتج الحروب الدينية القديمة وحدها. وهذه الأخيرة ليست هي ذاتها الحروب الطائفية اليوم التي جاءت مع الدولة الحديثة. ويمكن اعتبارها صراعاً على التمثيل داخل الدولة، والاستفادة من مواردها. فالطائفية (بمعنى ما) ظاهرة دنيوية/علمانية، وليست - وهنا المفارقة - ظاهرة دينية/أخروية، فهي صراع على الدنيا باستخدام أدوات الدين. ويمكن العودة إلى تفاصيل النظرة إلى الطائفية كنتاج للعلمانية للكاتب مهدي عامل في كتابه «في الدولة الطائفية» الذي بحث فيه مفهوم الدولة الطائفية من خلال النموذج اللبناني. ويمكن النظر إلى لبنان مثالاً على الصراع الدنيوي في فضاء علماني، إذ إن معظم ممثلي الطوائف علمانيون لا مشايخ دين أو زعماء كنائس، فنرى أن الطائفية هوية مكتسبة بالولادة، ولا علاقة لها بالتدين، حتى إنك تجد ظاهرة الملحد الشيعي أو السني كما كانت تثار في الصراع الإنكليزي - الأرلندي، حيث ظهرت قصة الملحد الكاثوليكي والملحد البروتستنتي. أنتجت قناة الـ«بي بي سي» العربية أخيراً فيلماً استقصائياً بعنوان: «أثير الكراهية: قنوات التحريض المذهبي في العالم العربي»، إذ تتبع نور الدين زورقي والفريق المعاون له قنوات الكراهية الطائفية وتمويلها، وتحدث مع بعض القائمين عليها في العالم العربي. وكان التركيز على الصراع الطائفي السني - الشيعي، ربما بحكم أنه الانقسام الأبرز في المنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية. يمكن أن تستخلص من الفيلم أموراً عدة، تتعلق بالتمويل وإدارة…
السبت ١٥ مارس ٢٠١٤
ما زالت حكاية جهيمان وحادثة احتلال الحرم كذروة وخاتمة لها، حاضرتين وبقوة في جل التحليلات التي تناولت التغيرات التي مرت بها الثقافة السعودية، ولاسيما الحركات الإسلامية، سواء أكانت تلك التحليلات لمراقبين أجانب وعرب أم في الكتابات المحلية التي غالباً ما ابتسرت سرد الحكاية - بسبب ندرة المصادر- وبالغت في التحليل، على رغم قلة المعطيات، فوقعت في الكثير من الخلط والخطأ. أكثر مغالطة ربما في موضوع جهيمان هو المبالغة في آثارها في المجتمع السعودي. فهي - على أهميتها - جاءت في سياق تحولات ضخمة إقليمية وعالمية، يجعل اعتبارها نقطة محورية في تاريخ المملكة بشكل منفرد أمراً بحاجة إلى مراجعة. فلا يمكن الحديث عن تأثير لاحتلال الحرم كحدث مجرد من سياقاته، فقد توازت لحظة جهيمان مع حدثين هائلين، الأول: الثورة الإسلامية في إيران، كأول ثورة دينية إسلامية بهذه الصيغة في التاريخ المعاصر التي صعّدت اللغة الطائفية في المنطقة. الثاني: احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان الذي خلق جيلاً جديداً من المقاتلين السلفيين. هذان الحدثان سيؤثران في السعودية لاحقاً أضعاف ما أثرت فيه حادثة احتلال الحرم. كشفت حادثة احتلال الحرم في 1-1-1400هـ عن ممكنات التطرف والتشدد، حيث تتضاءل المحرمات والممنوعات عندما تُعتنَق فكرةٌ ما بصورة عميقة، في مجتمع كان آنذاك حديث عهد بالتنمية، التي بدأت قبل أقل من عقد من ذلك التاريخ. وفي الوقت ذاته…