الإثنين ٢١ مارس ٢٠١٦
كم بدت حنان الحروب صادقة وكم شعرنا بأنفسنا نشاركها الفرح. أعني المعلمة الفلسطينية التي طافت صورتها تقف على المسرح رافعة قبضتيها وضاحكة بسعادة حقيقية مستحقة، بعد فوزها بجائزة أفضل معلمة في العالم. هذه السيدة التي نشأت في مخيم الدهيشة للاجئين، قررت أن لا تسلم أبناءها وطلابها لمسار الإحباط والكآبة الذي من الصعب على الفلسطينيين أن ينجوا منه في ظل أوضاعهم البائسة. عاندت حنان الحروب القدر، واختارت المواجهة بعد حادثة تعرض زوجها لإطلاق نار إسرائيلي وصدمة أبنائها برؤية والدهم يسقط أمامهم جريحًا. أبت حنان أن تنساق خلف الإحباط والعنف، فقررت أن تمنح أبناءها وطلابًا آخرين الأمل والفرح من خلال التعليم عبر اللعب. فعلت ذلك لسنوات، ونجحت في تخفيف جنوح أولادها وأطفال آخرين نحو العنف، وكرست نفسها أمًا ومعلمة تفيض حيوية وطاقة إيجابية. حكاية هذه المعلمة الفلسطينية باتت مصدر إلهام فلسطيني وعربي وعالمي وأفردت لها الصحافة العالمية الكثير من المساحات في التغطية. وهي بهذا المعنى قصة نموذجية لجهة تقديمها مثالاً عن بعد إيجابي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل شحن مفهوم المقاومة بهذا الكمّ من المضامين السلبية خصوصًا ظاهرة الطعن التي سادت في الأشهر الأخيرة. نعم، ننتصر على الاحتلال بأن نبتسم ونحن نتلقى ضرباته، وننتصر عليه بمزيد من المعرفة وبوسائل تلقي هذه المعرفة وبنشرها ورفض الانسياق نحو العنف. هذا ليس رصفًا لكلام ولا…
الإثنين ٣١ أغسطس ٢٠١٥
خرق الحراك الاحتجاجي في وسط بيروت رتابة أخبار الموت في التغطية الإعلامية العربية. بدا غريبًا وسط كل صور الفناء السوري في مختلف تجلياته المأساوية وصور مظاهرات العراق ومشاهد حرب اليمن وكل ما يحدث في المنطقة أن تجذب صور مظاهرات بيروت وصداماتها وأغانيها وجدارها الذي بني وسقط في 24 ساعة انتباه كثيرين. بدا مفاجئًا أن تشغل احتجاجات لبنان مساحة اهتمام واسع لدى الرأي العام في السوشيال ميديا خصوصًا لدى المجتمعات التي تشهد أزمات وحروبًا تتجاوز في أهميتها الواقع اللبناني بأشواط. بدت المظاهرات اللبنانية أقل عنفًا وصدامية من مثيلاتها العربية وهو ما دفع بأصحاب خبرات التظاهر والاحتجاج من مصر وتونس وسوريا واليمن إلى التعليق على ما يحدث في لبنان تارة بعين الخائف من تعرض هذا الحراك للإجهاض والاستغلال وتارة بعين الغابط والداعم.. لكن كانت هناك عيون كثيرة أخرى حصرت اهتمامها وتعليقاتها وهواماتها بصور المتظاهرات اللبنانيات. وهنا لا أتحدث فقط عن ساخرين وناشطين على «تويتر» و«فيسبوك»، بل عن بعض المواقع الإعلامية وعن بعض كتبة المقالات والتعليقات الذين وضعوا عناوين وجمعوا صورًا وخطوا فوقها عبارات من نوع «متظاهرات لبنان يشعلن...».. استعملت كلمة «يشعلن» في أكثر من عنوان حتى من قبل مواقع إخبارية يفترض أنها رصينة. ومن يتابع الانشغال بصور المتظاهرات اللبنانيات سيصاب بالخيبة حين يرى الصور فعلا لا لعيب في الصور لكن لأنها ليست…
الإثنين ٠٣ أغسطس ٢٠١٥
الأرجح أن كثيرين منا خاضوا التجربة، أعني قول تعليق ما عبر «تويتر» و«فيسبوك» نعتقده ظريفًا أو عابرًا، أو حتى ربما ثقيلاً بعض الشيء، لكن نفاجأ بعد ذلك بحجم ردة الفعل التي تتحول حرفيًا في بعض الأحيان إلى حملة فضح وتشهير مضاد تصل إلى حد التدمير المهني والاجتماعي… لأشرح فكرتي أجريتُ تمرينًا بسيطًا، فتابعت لنحو أسبوعين أبرز الهاشتاغات التي اقترحها عليّ «تويتر» و«فيسبوك». دائمًا ومن أصل عشرة اقتراحات يبرز اثنان أو ثلاثة من الهاشتاغات المقترحة هي عبارة عن وسم فيه شيء من الفضائحية أو التحقير أو السخرية بحق أشخاص بعينهم. وبقراءة سريعة للتعليقات المتداولة يظهر حجم الهجوم الحاد والشخصي الذي يلامس في كثير من الأحيان حدًا مهينًا وعنصريًا.. صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت أداة لا غنى عنها في عصرنا لقياس تغيرات ما في مزاج الرأي العام وتبدلاته وانحيازاته، إلا أنها أيضًا تبرز تلك الثقافة الآخذة في التطور، أعني لجوء كثيرين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للفضح العام على نحو مبالغ فيه لأشخاص على الأرجح ارتكبوا أخطاء، لكن تبدو أحيانًا العقوبات أفظع من الجرم نفسه.. وهذه ليست دعوة للخوف من التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن علينا ربما إدراك كم يمكن أن يتأثر أشخاص بما نقوله ونكتبه.. وظاهرة الفضح العام عبر الإعلام الاجتماعي هي ظاهرة عالمية، لعل من أنجح ما كُتب عنها…
الإثنين ٢٧ يوليو ٢٠١٥
«لا أستطيع تخيل شكل مستقبلي ما دمت لا أعرف إن كان بإمكاني البقاء في ألمانيا أم لا».. قالتها بابتسامة وعينين مفتوحتين، متابعة: «لديّ أحلام كما غيري من الناس. أرغب في الذهاب إلى الجامعة وهذه أمنية. ليس أمرا جميلا أن نشاهد كيف يمكن لأناس آخرين أن يفعلوا ما يطمحون إليه فيما شخص آخر عاجز عن الإمساك بحياته». كانت لحظة استغاثة تلفزيونية سيوثقها التاريخ حتما.. من يمكنه النجاة من مشاعر التعاطف حيال وجه شفاف وعينين معبرتين كعيني ريم، الطفلة الفلسطينية ذات الأربعة عشر ربيعا، وهي تروي معاناتها وأسرتها بألمانية فصيحة، وتحكي عن مخاوفها من احتمال ترحيلها من ألمانيا قبل أن تنهمر دموعها. بدت ريم التي تصدرت نظراتها الحائرة أغلفة العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الألمانية وجه القهر الأوروبي للقادمين الجدد إليها. خلال ثوان وجدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المصنفة أنها أقوى نساء الأرض نفسها في موقف لا تحسد عليه، وهي التي كانت قد لقنت رئيس وزراء اليونان درسا قبل أيام. لكن دموع ريم ومحنتها التي شاهدها الألمان ومعهم العالم وضعت ميركل وحكومتها في موقف محرج، خصوصا أن تلك اللحظات أثارت بشكل مكثف أسئلة حقيقية بشأن المعضلة الإنسانية للهاربين إلى أوروبا من دول الشرق الأوسط، وهو ما دفع بنخب سياسية ألمانية إلى التحرك سريعا من أجل تغيير القوانين الخاصة باللاجئين في ألمانيا. ندوة…
الإثنين ٢٠ يوليو ٢٠١٥
بعد خلاف على أفضلية المرور أقدم طارق على طعن جورج فمات جورج بعد ساعات متأثرا بجروحه..جريمة قتل مروعة التقطت كل تفاصيلها هواتف المارة في شوارع بيروت. تحولت المشاهد إلى فيديو تداوله الآلاف في لبنان وخارجه وأرفق الفيديو بتعليقات طائفية على وسائل التواصل الاجتماعي استخدمت فيها كل مخزونات الكراهية وما راكمته مشاعر الاحتقان بسبب الأزمة اللبنانية والإقليمية..الحادثة ليست فريدة ولا معزولة للأسف.هناك الكثير من حالات الاحتقان اليومي المماثلة في بلادنا لأسباب طائفية أو مذهبية أو عرقية تصب في النهاية في خانة التحريض ضد الآخر والتي أمنت لها ساحات مواقع التواصل الاجتماعي منصات مفتوحة أطلقت العنان لمشاعر العنصرية والكراهية حتى باتت من عاديات التخاطب على السوشيال ميديا. في الأسبوع الماضي أثار المقرر الأممي الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية في تقرير له مخاوف جدية من تطور تلك الأنماط العنصرية بسبب التقدم التقني الذي يسهل انتشار الشعور المعادي للغير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تعد مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب والأقليات شائعة في وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي..التقرير حفل بأمثلة كثيرة من أوروبا ودقّ ناقوس الخطر لجهة استخدام التكنولوجيات الحديثة بصورة أدوات لنشر الأفكار العنصرية وتوسيع شبكة المؤيدين لتلك الآراء في ظل الحماية التي توفرها هذه المنصات لهوية من ينشرونها.. طبعا لا نحتاج إلى دراسات في المنطقة العربية لنتحقق من كم العنصرية…
الإثنين ٠١ يونيو ٢٠١٥
تجاوزت مقابلة قناة «الجزيرة» مع زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني جدلية ما إذا كان يجدر بالإعلام إعطاء مساحة لشخصيات مرتبطة بأعمال جرمية إرهابية أم لا، فتلك حسمتها منذ زمن قواعد الصحافة في العالم التي تتيح هذا الأمر بل وقد تحث عليه. ففي تاريخ العمل الصحافي سجلت الكثير من المقابلات مع شخصيات وقادة ارتبطوا بأعمال قتل وإبادة ومجازر وآراء متطرفة. فها هي مثلا وسائل الإعلام الغربية تتهافت للحصول على لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد المسؤول عن مجازر كبرى في سوريا فلماذا لا تتاح مساحة مماثلة لقادة متطرفين مثل الجولاني. إذن لنحسم نقاش لماذا كان يجب إعطاء مساحة لهؤلاء؟ فتلك ضرورة خبرية معرفية، لكن يبقى الجدل حول كيفية تقديم تلك الشخصيات وكيف تتم مساءلتها؟ في حالة الجولاني كانت مقابلته سبقا صحافيا، لكن في المقابل سقطت المقابلة في فخ الدعاية، فهذا اللقاء لم يتم لإجراء مساءلة ومحاججة. إنه ببساطة لقاء يأتي في سياق الترويج والمدح. وهذا الأمر لم تكرسه مقابلة الجولاني وحدها بل هو مسار شرع منذ بدء الترويج لقادة «القاعدة» وزعيمها أسامة بن لادن واستمر مع شخصيات قاعدية كأبو مصعب الزرقاوي وصولا إلى نسخة «النصرة» في الحالة السورية. وطبعا هذا يحصل أيضا مع شخصيات كثيرة أخرى يجري مقابلتها لتلميع صورتها وموقعها. طبعا ليس مجحفًا القول إن الحوار لم يطرح أصلا…
الإثنين ١١ مايو ٢٠١٥
الأول مقطع هوليوودي من الفيلم الشهير «القناص الأميركي» المقتبس عن شخصية حقيقية هي الجندي «كريس كايل»، وهو يصوب طلقاته في بغداد باتجاه طفل عراقي وأمه لأنهما يحملان متفجرات، وفعلاً يطلق النار في معالجة سينمائية تظهر الأم وولدها كأشرار بالفطرة وأن قتلهما كان اضطراريًا لحماية الوطن الأميركي. المشهد الثاني مقسوم نصفين وفيه ممثل ينبطح مقبلاً حذاء جندي سوري، وإعلامية تقدم على الفعلة نفسها فتقبل حذاء جندي سوري آخر، على الهواء، في مشهدين يفترضان بتقبيل الحذاء رمزية وطنية بالغة الدلالة حيال جيش يُقْدم نهارًا جهارًا على قتل مواطنيه بحجج دحر الأعداء وحماية البلد من المؤامرة الكبرى. صحيح أن المسافة شاسعة بين الحالتين الأميركية والسورية وقياسا عليهما حالات كثيرة أخرى عربية وعالمية، لكن المقاربة هنا تحاول الإحاطة بأزمة واحدة تجتاحنا في زمن الحروب وهذا القتل؛ أعني ذاك الوله الأعمى بالجيش وتعميم الاعتقاد بأن المحارب العسكري يحمل مهمة مقدسة، وذو قوة لا تقهر، ويمتلك الحق في القضاء على أشخاص يعتقد أنهم دونيون على الأرض مهما كانت الظروف. هناك حالة أميركية خبيثة لجهة التسويق والترويج لوطنية قوة السلاح، خصوصًا في السينما والإعلام، فكل يوم وعبر مختلف وسائل الإعلام نشاهد صورًا لجنود في أفلام وإعلانات وأغانٍ بصفتهم قوة عاتية جذابة. كتبت الكثير من المقالات والدراسات حول دور وزارة الدفاع الأميركية في دعم أفلام هوليوودية في علاقة…
الإثنين ٢٧ أبريل ٢٠١٥
إلى جانب الحرب والتقاتل المباشر، اعتدنا في لبنان على موجات من الصدام الكلامي وسوء الفهم الجماعي الذي يطغى فيه السباب والشتيمة وتسيّد مشاعر الكراهية والنفور. حدث ويحدث ذلك فيما بيننا كطوائف مسيحية ومسلمة ومذاهب كسنة وشيعة على سبيل المثال. نعم، أظهرت الحرب التي ودعنا ذكراها الأربعين قبل أيام أننا عالقون في قلب طوائفنا وأننا مجموعات تتصادم وتتقاتل وتتبادل الاتهامات. تبين لنا قبل غيرنا أن تركيبتنا الطائفية هي المصدر لمشاعر الكره أو الحب تجاه بعضنا بعضا وتجاه غير اللبنانيين من إسرائيل إلى سوريا إلى إيران إلى تركيا ودول عربية وخليجية. كثيرا ما عيّرَنا عرب في معرض نقدهم للبنان وتجربته بأننا طوائف.. هذا صحيح، نحن طوائف وهذا ليس إعجابا لكنه اعتراف. المشكلة أن كثيرا من العرب وبعد عام 2011 اكتشفوا ما كانوا ينكرونه علينا ويدعون الطهارة منه، وهو أن كثيرين منهم طوائف أيضا وجماعات انفجرت علاقاتها وتحولت حروبا واقتتالا. لبنان لم يكن يوما بمنأى عن محيطه والعالم، بل كان بوابة مشرعة أمام التأثيرات الخارجية بما في ذلك من سلبيات وإيجابيات. وتوازنه الطائفي لم يلغِ قوة الطائفية التي تجلت في الثقافة والفن والسياسة نوعا ما. كنا كجماعات وطوائف أقوى من الدولة، لذلك حين تشرذمت وضعفت هذه الدولة لم يسقط البلد تماما، بل بقي رغم كل عوامل الانفجار عصيا على الانهيار الكامل، بينما أثبتت…
الإثنين ٢٠ أبريل ٢٠١٥
يقول الخبر إن عددا من أعضاء مجلس الأمن، وخلال اجتماع غير رسمي للاستماع إلى إفادات بشأن استخدام النظام السوري للغاز السام، ذرفوا الدموع تأثرا بعد مشاهدتهم لفيديو يحاول فيه أطباء سوريون إنقاذ حياة ثلاثة أطفال صغار أصيبوا بقصف بهذه الغازات. السفيرة الأميركية قالت إن الاجتماع كان «مثيرا للمشاعر». لا تهدف الإشارة إلى هذه الواقعة إلى التشكيك بتأثر المسؤولين الدوليين وإن بدا لافتا أن هناك من لا يزال يتأثر بالموت السوري. والاستغراب أيضا ليس لضعف في درامية المأساة السورية بل لحقيقة أن هناك في العالم من تصيبه المقتلة السورية بالألم. لقد تأقلمنا في الأشهر الماضية على أن تنحصر الفجيعة والإدانة بارتكابات «داعش» فيما حظي إجرام نظام الأسد بالكثير من التعتيم والاستهانة بل وأحيانا بالقبول الضمني.. نعم، نحن بحاجة لأي وسيلة تساعدنا على مقاومة تلك البلادة الجماعية المتفشية حيال ما يرتكبه النظام السوري وحيال خبر الموت السوري. فلا البراميل المتساقطة على مدارس وطلاب حلب ولا الأجساد المتراكمة تحت التراب أو ذاك الحصان الذي قتل وحيدا قادرة جميعا على لفت الاهتمام. حصل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على بعض من التغطية الصحافية؛ لأن تنظيم داعش حاصره وكاد أن يسيطر عليه فيما الجوع والموت الذي أنهك أجساد سكانه على مدى عامين من إطباق النظام عليه لم يلفت الاهتمام.. ما الحل لنعيد الاعتبار للمأساة السورية التي…
الإثنين ٣٠ مارس ٢٠١٥
بعد الإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، زرتُ اليمن مرتين، آخرهما قبل 3 أشهر. في الزيارتين كثيرا ما استوقفتني تلك الصور الممزقة للرئيس السابق التي كانت تملأ صنعاء، لكنها بعد سقوطه بهت لونها وتآكلت أجزاء منها. مرت أشهر على سقوطه، وبقيت الصور تعاند الاهتراء الكلي، فيجد المتجول في حارات صنعاء القديمة كثيرا منها متناثرا هنا وهناك. تشبه الصور حال صاحبها تماما، وتشبه علاقتها بالجدران التي لا تزال ملتصقة بها علاقة اليمنيين بإرث هذا الرئيس الذي حكمهم لثلاثة وثلاثين عاما. فليس مجازا القول إن تلك الصور الممزقة تشبه هذه الحقبة الطويلة والقاسية من تاريخ اليمن، التي ترفض الزوال تماما. وليس افتراء أبدا القول إن اللحظة الخطرة التي يعيشها اليمن يتحمل فيها علي عبد الله صالح مسؤولية أولى ومؤسسة قبل الحديث عن مسؤوليات الآخرين. بقي صالح في اليمن بعد سقوطه عام 2011. قضت التسوية ببقائه فلم يُحاكم، واستمر ممارسا السياسة والأمن، وكثف من حضوره الإعلامي ونشاطه، ودأب على إطلاق مواقف ناقدة للسلطة، وكأنه من خارج سياق الوضع المتدهور الذي وصل إليه اليمن. خلال الأيام الماضية تم تسريب تسجيل صوتي لصالح، وفيه يُسمع بوضوح صوت الرئيس السابق وهو يحرض قياداته العسكرية وتلك الموالية له على المواجهة، شاتما الشعب اليمني وداعيا إلى تدمير «كل شيء جميل» في اليمن، حرفيا. هذه الدعوة تستدعي القلق…
الإثنين ٢٣ مارس ٢٠١٥
لم تعد الرقابة على الإنترنت سرية أو خجولة. ولا تشعر الحكومات بالحرج حين تشهر إجراءات ضبط وتعقب جديدة لمستخدمي المواقع الإلكترونية. نعم، انتهى زمن الشعور بالتردد أو الارتباك لدى إعلان أي سلطة خطط رقابية على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. من يمكنه أن يجادل حكومة حين تقول إنها تفعل ذلك في سياق إجراءات قمع الإرهاب والعنف. بل كيف تقاوم هذا المنطق حين نجد فعلا كيف يجري استخدام الإنترنت ومواقع التواصل للتخطيط والتجنيد وتنسيق هجمات والدعاية. «الرقابة على مواقع الإنترنت موجودة ومستمرة وهي جزء من استراتيجيات العمل الحكومي». قالها رئيس الحكومة التونسية حبيب الصيد بعد الهجوم الدموي على متحف باردو. وهذا الهجوم هو الامتحان الأقسى لهذا البلد الذي يحمل سمات شبه النجاح الوحيد في بلاد الربيع العربي. فقبل هذا الهجوم كنا نكيل المديح للنجاح التونسي في اجتراح ديمقراطية ما عكس الدول التي انقلب ربيعها إلى مقتلة وفوضى، لكن الهجوم الأخير شكل صفعة قاسية لكل من كان يتمسك بأمل اسمه التجربة التونسية. كيف ستكون آليات الرد التونسي تجاه هذه الضربة! هذا الرد سيحدد ما إذا كانت تونس ستقع في نفس الفخ الذي وقعت فيه ليبيا ومصر واليمن ودول أخرى غرقت في الفوضى في سياق معركتها مع العنف. نعم، هجوم متحف باردو خطير ويهدد التجربة التونسية الهشة والتهديد ليس أمنيا فقط، إنه أيضا…
الإثنين ٠٢ مارس ٢٠١٥
قبل نحو عام تماما، كان الشك يحيط بأي بحث عن صورة أو معلومة أو خبر عنه. السائد حينها هو التكتم حول دوره وحركته، أعني قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. كانت للرجل مهمة هي تصدير قيم ثورة الخميني خارج الحدود الإيرانية وما عناه ذلك من مزج بين الآيديولوجيا الدينية والعمل الأمني، لكن دائما تحت ستار من الغموض والسرّية. تغير الحال الآن.. لم تعد اللقطات الخاصة بالرجل بكاميرات غير احترافية نادرة ولم تعد الفيديوهات الأرشيفية له مجرد ثوان من مناسبات عامة ظهر فيها سريعا. فمنذ أشهر باتت صور قاسم سليماني وفيرة وعالية الجودة. فقائد فيلق القدس وبشكل متعمد ومقصود يبتسم للكاميرا ويسهب في الظهور في لقطات ينظر فيها مباشرة إلى العدسة ليتحقق من نجاح لقطاته معانقا جنودا ومقاتلين إيرانيين وعراقيين وسوريين في العراق وسوريا متفقدا جبهات ومشاركا ومخططا للقتال. كان هنا في بيروت يزور ضريح قتلى حزب الله الذين سقطوا في القنيطرة السورية والخبر والصورة نشرا علنا.. لم يعد سليماني تلك الشخصية الكتومة التي تراوح دورها على امتداد عقدين تقريبا ما بين الأسطرة والحقيقة. ها هو يقولها لنا صراحة: نعم، أنا رجل إيران القوي المسؤول عن تمدد الدور العسكري الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وهذه صوري وأنا أسافر وأوزع أدوارا وأدير معارك خارج حدودي، ومخترقا سيادات دول أخرى، وأولئك…