الجمعة ٠٧ أبريل ٢٠١٧
في خمسة خطوط توازت حيناً، وتلاقت حيناً آخر، سار المتكلم والأصولي والفيلسوف والمتصوف والأديب في رحاب الحضارة العربية الإسلامية على مدار سبعة قرون، وكل منهم لا يلغي الآخر، حتى لو ناصبه العداء بعض الوقت، فعلى رغم مماحكات ومشاحنات الأفراد المنتمين إلى هذه المسارات الخمسة، بفعل الغيرة والضغينة والصراع على عقول الناس وقبلهم حجر السلطان، فقد ظل المجتمع للكل، وحريصاً بشكل آلي وعفوي متجدد على أن يُبقي الجميع موجودين، ويتدفق عطاؤهم بغير انقطاع، ولولا هذا الحرص ما وصلت إلينا كتب المختلفين مع التيار الذي تغلب، وهو ما يسمى «أهل الأثر» أو «أهل الحديث». ففي القرن الثالث الهجري اشتد الصراع بين «أهل الأثر» و«المعتزلة» و«الأشاعرة»، وانتهى بعد صعود وجيز للمعتزلة إلى انتصار كاسح لـ«أهل الأثر»، وهو ما دفع بسببه المسلمون، ولا يزالون، الكثير من الأثمان، يضاف إلى الثمن الذي دفعوه جراء ضيق المعتزلة أنفسهم، وقت تسيُّدهم، بالمختلفين معهم، والسعي إلى إزاحتهم. ولكن عموم الناس تلقوا ما تناثر على رؤوسهم جراء هذه المعركة بطيب خاطر، وتركوا المحترفين في إنتاج الخطابات السلفية والفلسفية والصوفية والأدبية في خصام وتعارك، جعل بعضهم يؤمن في نهاية المطاف بأن الحياة تتسع للمختلفين معهم، بينما ظل البعض الآخر على ضيقه بكل من لا يخضع له بالقول والفعل. ولأن آثار ما جرى لا تزال حاضرة وبشدة في واقعنا المعيش اختارت…
الجمعة ٠٣ يناير ٢٠١٤
يبدو سؤال مثل: هل موسيقى موزارت ذات طابع برجوازي؟ أمراً عبثياً، ولكن إمعان النظر فيه يمكن أن تنجم عنه نتائج محددة إذا ما تمت الإجابة عليه بنعم. وقد وصل الأمر بعلماء السياسة إلى البحث عن الجوانب الجيوسياسية في كرة القدم، ففي كتاب صدر عن أحد المراكز الاستراتيجية الفرنسية، شاركت في إعداده نخبة من الباحثين، تم التعامل مع هذه اللعبة على أنها متابعة الحرب بوسائل أخرى هذا هو الوصف الذي كان المُنظِّر الاستراتيجي كلاوزفيتش قد أطلقه على السياسةـ وأنها صارت الظاهرة الأكثر كونية في عصر العولمة، إذ إنها تبدو أشمل من اقتصاد السوق وعملية الدمقرطة، وأنها صارت إحدى الأدوات القوية في الدبلوماسية الدولية، حيث يمكن، في رأي هؤلاء، أن تساهم في توحيد شطري كوريا أو تدفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يمكنها أيضاً أن تكون إحدى وسائل تحقيق الوحدة الوطنية في البلاد متعددة الأعراق واللغات والديانات، حيث تتضافر مختلف الجماعات حول المنتخب الوطني، الذي يعد رمزاً تعلق عليه الأمة بعض آمالها، خاصة إذا كان يضم تحت لوائه لاعبين ينتمون إلى هذه الجماعات. وتنبع هذه التصورات من شيئين أساسيين، الأول: أن العملية السياسية تبدو معقدة للغاية، نظراً لتداخلها الشديد مع حقول معرفية ونشاطات إنسانية أخرى، ويأتي التحليل ليبسطها عبر نماذج تأخذ أشكالاً مختلفة تتراوح بين الكلام اللفظي الصرف والحسابات الرياضية الدقيقة،…
الجمعة ١٣ سبتمبر ٢٠١٣
تتطلع أنظار كثيرين في مصر حالياً لتقف على الخيارات الماثلة أمام الطليعة الثورية، التي أطلقت ثورة يناير وظلت مخلصة لها حتى تجددت في ثورة 30 يونيو وأسقطت حكم جماعة «الإخوان»، ثلاثة خيارات في الوقت الراهن حتى تتحقق مطالب الثورة كاملة، والمتجسدة في استحقاقات طال انتظارها من قبل المصريين، ولا أتصور أن أحداً سينفك ويتنازل عنها أو ينساها، لأنها ملحة وضاغطة على أعصاب الحياة اليومية للأغلبية الكاسحة من طبقات الشعب. ويمكن أن نبلور هذه الخيارات على النحو التالي: 1 ـ العودة إلى الميادين: وذلك للاحتجاج على السياسات القائمة باعتبارها لا تترجم مبادئ الثورة (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية) في الواقع المعيش، ومن منطلق الإيمان بأن ابتعاد السلطة الحالية أو القادمة عن «الخط الثوري» سيؤدي في النهاية إلى شحن رصيد غضب جديد في نفوس الناس وقلوبهم، لاسيما أن الثورة قامت أصلاً نظراً لأن شروطها كانت قائمة بقوة في عهد حكم مبارك، حيث تزوير الانتخابات، واستشراء الفساد، واحتكار القرار السياسي، وسطوة الأمن الغاشمة، والفجوة الطبقية الهائلة، والتجبر البيروقراطي الظاهر، وتراجع مكانة مصر إقليمياً ودولياً. والاحتجاج المباشر قد يؤدي إلى عدة نتائج أولها إمكانية تنبيه السلطة إلى تأخر الاستجابة للثورة ودفعها إلى اتخاذ ما يلزم حيال هذا الاستحقاق المنتظر. وهذا بالقطع أكثر الاحتمالات أمناً وسلاماً وعدلاً أيضاً. وثانيها: عناد السلطة ومن ثم استمرار…
الجمعة ١٤ يونيو ٢٠١٣
قبل أيام خرج علينا من يتهم المفكر والفيلسوف د. حسن حنفي بالكفر، ويطالب بمصادرة كتبه. وتزامن هذا مع اتهامات متوالية لمصريين كثيرين بازدراء الأديان، منهم الكـُـتاب المشاهير، ومن بينهم أناس مغمورون يريد أتباع التيار الديني المتطرف أن يطبقوا فيهم الحسبة، أو يغيروا بهم ما يعتقدون أنه "المنكر"، متكئين على ما أعطاه لهم "دستور الإخوان" الذي سلق سريعاً في ليلة مظلمة. وبالطبع فإن كل هذا ليس جديداً أبداً، فقد عايناه وكابدناه على مدار سنين بل قروناً، زعم فيها "الحفظة المتعالمون" بأنهم حماة الدين وأن السماء قد وكلتهم في الدفاع عنها، فراحوا ينهون عن أفعال يأتونها، ويعدُّون على الناس أنفاسهم، وعلى الكتاب كلماتهم، وعلى الوعاظ المختلفين منهم كل ما تنطق به ألسنتهم. وبالقطع فقد لا يجدي كثيراً هنا النزول إلى قعر الماضي البعيد بحثاً عما حدث لابن رشد وابن حزم والسهروردي المقتول، فالمؤسسات الدينية الحديثة استبدلت بهم أسماء آخر، ولكن أصحابها يشتغلون بالفكر أيضاً. فقبل سبعة وسبعين عاماً، وتحديداً في عام 1926، وجد الشيخ علي عبدالرازق نفسه في ورطة حقيقية، بسبب كتابه الصغير المؤثر "الإسلام وأصول الحكم"، فقد كفره البعض ورفت من وظيفته، وصودر الكتاب، وأجبر صاحبه على الصمت المطبق وتغيير وجهته العقلية حتى وافته المنية. وفي العام الذي يليه مرّ طه حسين بالموقف نفسه، جراء كتابه "في الشعر الجاهلي"، وأجبرته الضغوط…
الجمعة ٢١ ديسمبر ٢٠١٢
عندما يستحل من يرفع راية الدين تزوير الانتخابات والاستفتاءات وإطلاق الأكاذيب المنظمة فى آذان الناس فهذه بداية انهياره، والسقوط الأخلاقى يسبق السقوط السياسى، هكذا قالت كل تجارب الحياة وسننها، لكنها لا تعمى الأبصار إنما القلوب التى فى الصدور. أتخيل لو عاد الشيخ حسن البنا إلى الحياة سينظر فى عين من يتربعون فى غرور وزهو اليوم على عرش الجماعة التى كافح ومات فى سبيل تأسيسها، ثم يقول لهم: - ضعيتمونى. ثم يغادرهم وبعضهم يعيد جملته القديمة التى أطلقها فى وجه التنظيم الخاص الدموى الذى انحرف بالدعوة عن مسارها الصحيح: - «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين». فى ظل انشغال الإخوان بالإجابة عن سؤالهم الملح والقاطع والغارق فى الأنانية والانتهازية: متى نهيمن على كل مفاصل الدولة؟ ينشغل كثيرون بالرد على سؤال أشد وقعاً ووطأة، مفاده: هل يخرج الإخوان من التاريخ؟ ليولوا وجوههم شطر معطيات حقيقة على الأرض تقول بلا مواربة إن «الجماعة» على محك تاريخى، وإن استمرار تماسكها وتواصل نفوذها وحضورها السياسى والاجتماعى الطاغى والمتحكم لم يعد قضية موضع تسليم، وأن الآتى غير الآنى وما ذهب. ذات جمعة من جمع الثورة وقف سلفيون فى ميدان التحرير ليهتفوا ضد الإخوان ويتهموهم بجنى مكاسب على حساب الثوار، واستخدام دماء الشهداء والمصابين أوراقاً للتفاوض مع العسكر، واليوم بعضهم يصطفون معهم ضد فزاعة يستخدمها الإخوان لاصطيادهم مؤقتاً، وهى…