الثلاثاء ٠٣ فبراير ٢٠١٥
فاجأتنا جماعة الإخوان المسلمين بالخروج عن قاعدة أساسية في أدبياتها تتمثل في الإصرار على الادعاء أنها حركة لا تنتهج العنف وتؤمن بالعمل السياسي السلمي، لكن يبدو أنها عندما استهلكت كل أقنعة التمثيل دون الوصول إلى مبتغاها فقدت اتزانها وأظهرت حقيقتها وقررت اللعب على المكشوف بتهور وغباء سياسي غير مسبوق. بعد العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء وقبل تحديد الجهة المسؤولة عنها بشكل رسمي أطلقت جماعة الإخوان عبر قناتهم التي تحتضنها تركيا بيانا صارخا في صيغته هددت فيه السياح العرب والأجانب والسفارات والمستثمرين في مصر باستهدافهم إذا لم يغادروها قبل توقيت محدد، إضافة إلى تهديد الدول المؤيدة والداعمة للنظام المصري باستهداف مصالحها في جميع دول الشرق الأوسط. وفي اليوم التالي لذلك البيان أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الإخواني الذي يرأسه يوسف القرضاوي، بيانا يدين بشدة الجرائم التي ترتكب في حق الشعب المصري، سواء نحو المتظاهرين الثوار ــ بحسب وصفه ــ أو نحو أبناء سيناء، ويطالب القوات المسلحة بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 3 يوليو 2013، أي قبل عزل محمد مرسي، ويدعو قادة ومفكري وعلماء الأمة الإسلامية بالتدخل قبل أن تخرج الأوضاع عن السيطرة ويحدث ما لا تحمد عقباه. بهذا تتضح الصورة التي لا تحتمل أي تأويل آخر غير أن جماعة الإخوان أفصحت عن علاقة ما بالحادثة الإرهابية في سيناء، وأنها…
الإثنين ١٧ نوفمبر ٢٠١٤
ما زال الناس في حيرة من أمرهم مع وزارة الإسكان وارتباك قراراتها المتوالية التي لم يكن أي منها مقنعا أو قادرا على التعامل مع أساس المشكلة. كانت المشكلة الأولى التي تذرعت بها الوزارة عدم توفر الأراضي، وصدقنا هذه المقولة رغم أنها لو أرادت الاستعانة منذ البداية بصاحب القرار لتوفرت لها أراضٍ كافية، وعلى أي حال ها هي ملايين الأمتار في كل مدينة استرجعتها الدولة وسلمت كثيرا منها للوزارة، ولا ندري ماذا ستفعل بها، والخشية أن تكون انتقلت من حوزة المعتدين عليها لتصبح مجمدة في حوزة وزارة الإسكان. الاختراعات التي ابتكرتها الوزارة كثيرة، حتى ليخيل للمرء أن سيحتار في الأفضل منها، وقد أسمتها الوزارة منتجات، وكأننا أمام شركة تفاضل بين منتج وآخر ضمن عدد كبير من المنتجات، القرض الذي كان أساس المنتجات أصبح شيئا من الماضي بعد أن تم تذويبه في الاختراعات اللاحقة، والأرض تم وضع الشروط عليها وربطها ببعض المستحيلات ليصبح الحصول عليها غير وارد. التمويل العقاري الذي استبشر به الناس تأخر كثيرا وأضيفت له زوائد ونتوءات ليصبح تحت سيطرة البنوك، وكأن وزارة الإسكان مجرد وسيط لا يستطيع التدخل بوضع شروط عادلة تحفظ للمقترضين حقوقهم، وبالتالي لم يعد هناك فرق كبير بين أن يأخذ الشخص تمويلا ذاتيا من البنك تحت إشراف الوزارة أو بدونها. بمعنى أن كل الأفكار العظيمة…
الإثنين ١٠ نوفمبر ٢٠١٤
فعلا، رب ضارة نافعة. فالدم الذي سفحته أيادي الجهل والغدر والخسة والوضاعة في تلك القرية الوادعة في أحسائنا الجميلة تحول إلى إكسير في عروق الوطن، استنهض فيه قيما نبيلة وأصيلة ظن البعض أنها لم تعد موجودة، أو أنها ستتحول إلى عكسها عندما اعتقدوا أنهم أشعلوا شرارة فتنة تحقق لهم أمانيهم المريضة بعدما أطلقوا الرصاص على صدور الأطفال والشباب الأبرياء. لقد ظنوا وخاب ظنهم، وحلموا وتبدد حلمهم، ومكروا لكن مكرهم ارتد عليهم وبالا، فأصبحوا ما بين معفر بالتراب أو في يد العدالة التي ستقتص منه وتطبق عليه عدل السماء. لولا أن الحادثة أزهقت أرواحا بريئة لقلنا إننا كنا بحاجة هذا الاختبار، ولولا أنها مؤلمة وبغيضة لقلنا إننا كنا بحاجة تمحيص كهذا لمعدن الوطن وحقيقته الكامنة تحت القشور والمظاهر التي صنعها ولونها واستغلها المزايدون عليه والعابثون به من الذين نصبوا أنفسهم وكلاء الله في الأرض وسدنة الإسلام الوحيدين وموزعي صكوك الإيمان والتقى على البشر. كنا في حاجة إلى «خضة» تنبه الغافل وتحذر المتساهل وتعيد الأبصار إلى محيطها لتتفحصه جيدا وتعرف ماذا يراد له من ضرر ويحاك له من سوء، ولكي نعرف مدى الخراب الذي ألحقه بنا من استمروا زمنا طويلا ينفخون في كير الفتنة دون خوف من الله أو حرص على الوطن. كان يوم الجمعة في قرية الدالوة يوما وطنيا بامتياز، أجمل…
السبت ٢٨ يونيو ٢٠١٤
قد يتحمل الإنسان إلى حد ما اضطراره لقضاء شهر رمضان خارج وطنه في دولة عربية أو إسلامية يجد فيها رائحة رمضان وبعض طقوسه التي اعتادها حتى وإن كانت روحانية وحميمية وطنه لن يجدها في أي مكان، لكن التعب النفسي والجسدي أن يأتي رمضان والإنسان في بلاد بعيدة غريبة نهارها يصل إلى 18 ساعة أحيانا، وأيام الشهر مثل غيرها من الأيام. صحيح أنه اختبار حقيقي للأعصاب والنية والقدرة على التحمل، لكنه صعب وأصعب ما فيه الحنين. أشياء كثيرة سأفتقدها في هذا السكون والنهارات الطويلة والليالي القصيرة جدا، وحتى إن كان الوطن بكل مافيه يمكن متابعته الآن بالصوت والصورة إلا أن الرائحة والطعم وخصوصيات ومفارقات رمضان لا يمكن الشعور بها إلا في ذات المكان. الناس والملامح والسحنات الرمضانية المتجهمة نهارا والضامرة عصرا والمبتهجة ليلا لن نراها هنا إلا بالصدفة المحضة النادرة. باديء ذي بدء افتقدت المتابعة اللصيقة للجدل الذي يحتدم قبل دخول رمضان حول تحديده علميا بواسطة المراصد الفلكية أو بالعين المجردة التي ربما أكلتها بقايا التراخوما أو غطتها سحابة الكتراكت. إنه موسم أستاذنا حمزة المزيني وقضيته الدائمة التي لم يفلح في كسبها رغم نضاله وبراهينه وحججه. سيستمر تحديد رمضان يا عمنا حمزة بنفس الطريقة المتبعة منذ قرون خلت ولكن قضيتك ستظل جزءا من طقوس ما قبل رمضان التي نحرص على متابعتها.…
الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠١٤
لو لم يكن إلا يوم 8 يونيو (أمس الأول) بعد كل ما مرت به مصر من متاعب وأخطار وأهوال لكفاها، ولو لم تكن سوى تلك اللحظات ما بين المحكمة الدستورية العليا وقصر الاتحادية ثم قصر القبة لكانت بلسما لكل آلام مصر منذ 25 يناير 2011. مصر كعادتها عبر التأريخ تنهض كطائر الفينيق بعد كل أزمة يظن من لا يعرفها أنها لن تتجاوزها، بل وتؤسس لشيء جديد غير معهود. تذكروا أن مصر أسست تأريخا جديدا في هذا اليوم ودشنت مصطلحا غير مسبوق في العالم العربي هو «الرئيس السابق». كم كان تأريخيا ذلك المشهد والرئيسان يترافقان أثناء قسم اليمين الدستورية وتسليم وثيقة حكم مصر، ويجلسان معا أمام المحتفلين بمصر في قصر الاتحادية، ويدخلان يدا بيد إلى قصر القبة، ثم يخطب الرئيس السابق مرحبا بالرئيس الجديد، ويخطب الجديد شاكرا السابق ومقدرا تحمله للمسؤولية خلال فترة مفصلية في تأريخ مصر. يا له من يوم يشفع لكل ما مضى. عادت سجادة القطر المصري إلى قصر الاتحادية بعد أن سحبها وطواها ساكن القصر السابق وأراد بهذه الخطيئة الرمزية أن يلغي مصر كوطن ضارب في أعماق الزمن والتأريخ. حضارة مصر كانت في غاية نشوتها، وهيبة مصر كانت تنفض الغبار من جبينها، وعراقة مصر كانت تستيقظ من المخدر السام الذي حقنه في أوردتها لصوص التأريخ. أولئك هم المصريون…
الأحد ٢٥ مايو ٢٠١٤
يجب أن نضع خطا أحمر تحت أي تصريح لا مسؤول لأي مسؤول في أية جهة كانت؛ حتى يتنبه إلى أن المسؤولية تحتم عدم إلقاء القول على عواهنه ودلقه على مسامع الناس دون تثبت من الحقيقة، خصوصا في أوقات المشاكل والأزمات والقضايا التي تشغل الرأي العام. لقد حدث ما حدث في أزمة فيروس كورونا، وكانت نتيجة التراخي وعدم الدقة في العمل والاهتمام بالوصول إلى المعلومة المؤكدة وإيصالها للمجتمع ما نراه اليوم من واقع ما كان له أن يكون، فقد وصلت إحصائية المرض قبل يومين إلى 544 إصابة و176 وفاة، وعندما بدأت المؤشرات تتجه صوب الإبل كوسيط في الإصابة بالمرض كان الواجب أن يبدأ التنسيق الفوري بين وزارتي الصحة والزراعة لبدء عمل مشترك متناغم يستند إلى المنهج العلمي، ولكن لأن وزارة الصحة المعنية أساسا بالقضية لم يكن حضورها كما يجب، فإن وزارة الزراعة توارت عن الأنظار وكأنه لا دخل لها أبدا بالقضية من قريب أو من بعيد. وبعد أن بدأت وزارة الصحة مؤخرا عملا مختلفا للسيطرة على المرض، فإن وزارة الزراعة بدأت تظهر ولكن بشكل غير علمي وغير منطقي أبدا. الوزارة تدافع عن الإبل بشكل يكاد يوحي بأنها وزارة تجار الإبل والدفاع عن حقوقها أو الراعي الرسمي للمزايين، وليس جهة من مسؤولياتها الأصيلة الاشتراك في حماية المجتمع ومشاركة وزارة الصحة…
الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠١٤
أعرف أن هناك من سيقول إن الحديث عن هذا الموضوع هو تضخيم متعمد لأمر بسيط وثانوي، ومتأكد أن هناك من سيجزم أنه موقف مطلق ضد الاحتساب، ومتيقن أن هناك من سيدعي أنها محاولة للتحريض والتأليب على المجتهدين الذين يسعون إلى تطبيق الشريعة، ولكن لأني متيقن أن كل ما سبق غير صحيح، وأن القضية لها أبعاد ودلالات في غاية الخطورة، سأتحدث عن «شباب الهمة» الذين تسيدوا أخبار اليومين الماضيين. حين نربط الحلقات ببعضها، ونضع الأحداث في سياقها الموضوعي مع الانتباه للتطور النوعي الذي تتصف به مع الوقت، ويتناغم مع التحولات والأحداث المتتابعة، وحين نفحص جيدا طبيعة الفكرة الرئيسية التي تتمحور حولها، وتتعالق وتنسجم معها أفكار أخرى فإن القضية لا بد أن تدخل حيز الأهمية القصوى التي تستوجب التنبيه والتحذير والمطالبة بإشعال الضوء الأحمر كما في حالات الخطر. مرحلة الصحوة كان هدفها الرئيسي خلخلة الثوابت السائدة في المجتمع دينيا لإنتاج مجتمع جديد منقلب على نفسه بمفاهيم جديدة. هي مرحلة خلق الاستعداد للاعتراض، وتجهيز كوادر للمراحل القادمة مستعدة للتنفيذ بشكل تلقائي. وفي مرحلة تسيد فكر القاعدة، وبدء تنفيذ برنامجها الإرهابي العملي كانت النماذج التي أفرزتها المرحلة السابقة جاهزة للقيام بالمهمة لأن المرحلة الجديدة تمثل امتدادا طبيعيا للمرحلة السابقة. كانت مرحلة فحص المنتج الذي أثبت جدارته بامتياز. انحسر وهج القاعدة بفعل الحصار الأمني والضربات…
السبت ١٠ مايو ٢٠١٤
بعد فترة من الهدوء النسبي، يبدو أننا ندخل في مواجهة موجة جديدة من المخطط الإرهابي الذي يستهدفنا تتسم بتكتيك نوعي مختلف عن الأداء التقليدي السابق. للأسف، فقد ساعدت الاضطرابات التي انفجرت حولنا في إيجاد توأمة غير معلنة بين فصيلين يشتركان في النوايا، وإن كان أحدهما هدفه استراتيجي بعيد المدى. الكوادر التي بدأت تنشط بشكل ملحوظ منذ بداية الفلتان الأمني في سوريا واليمن استعادت نشوة الانخراط في ما يزعمون أنه جهاد في تلك الساحات المشتعلة بكل أشكال اللا معقول. محركات الدفع التي ما زالت تمارس تحريضها وتسويغها دون لجم دفعت بكثير من الشباب للاتجاه شمالا صوب الساحة السورية، وفي النهاية سيعود من تبقى منهم وليس في داخله سوى شهوة التدمير. وبالاتجاه جنوبا إلى اليمن نجد أن القيادة المركزية للقاعدة التي تحولت إلى قيادة إقليمية متخصصة في استهداف المملكة، نجدها تضم الكوادر البارزة في التخطيط والاستقطاب وتدبير التمويل، وبالطبع ساحة نشاطها لدينا، فهنا التمويل وهنا شباب الجهاد الجاهز وهنا بارونات التسويغ وفتاوى الجهاد. الظروف بدأت تخدم القاعديين مجددا بعد هزائم كبيرة جعلتهم يتوارون، فبدأوا بمخطط جديد تميز هذه المرة بخطورة لافتة بتجنيده للنساء واختطاف الأطفال وتكوين مجتمع عائلي قاعدي. أما فصيل الإخوان، فإنه بعد زوال سحابة الأمل بالنصر المؤزر وخيبة الأمل التي منوا بها ودخول قادتهم السجون انسحبوا قليلا من الواجهة، خصوصا…
الثلاثاء ١٨ مارس ٢٠١٤
لو صرف بعض معلمي المدارس وقتهم في توعية الطلاب من خطر المخدرات بدلا من تعليمهم أصول وفنون الجهاد في مشارق الأرض ومغاربها، ودروس غسل الموتى وبروفات الآخرة في الرحلات الليلية إلى القبور، ولو ركز بعض جهابذة إعداد مقررات التربية الإسلامية على توعيتهم بما تسببه المخدرات من شرور وآثام وأضرار على العقل والدين، ولو اهتمت المخيمات الصيفية باستقطاب الخبراء في مكافحة المخدرات بدلا من تحويلها إلى معسكرات تدريب على الإعداد والتمكين والتدريب على فنون القتال، ولو خصصت وسائل الإعلام برامج ثابتة للتوعية بالمخدرات بشكل علمي فعال بدلا من الحملات المؤقتة التي تمر مرور الكرام، لو تم قليل من ذلك لكان بالإمكان تقليل أعداد الضحايا الذين تحصدهم المخدرات بشكل مرعب في وطننا. خلال أربعة أشهر فقط ضبطت أجهزة الأمن مخدرات بقيمة 2 مليار ريال، تنوعت ما بين الصنف الثقيل الذي لا يتعاطاه إلا ذوو المال الكثير والأصناف الخفيفة التي يستطيع الطالب شراءها بتخفيضات كبيرة بجانب بوابة المدرسة ومن أقرب رصيف أومنعطف في الحي. آلاف الشباب والشابات يواجهون تدميرا ممنهجا تقوم به عصابات منظمة لها أذرعة إخطبوطية تحيط بكل مدينة وقرية، يتجول أعضاؤها الصغار في الشوارع بشكل شبه علني وبعضهم يكاد يكون معروفا للناس، ومع ذلك يستمرون في إجرامهم الذي دمر عقول الشباب وأحرق قلوب آبائهم وأمهاتهم. لقد بحت أصواتنا ونحن نطالب بإجراءات…
الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤
لفت انتباهي أحد المشاركين في لقاء مركز الحوار الوطني الأخير عن «التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية» بقوله إن السعوديين من أقل المجتمعات خلافا وأكثرها تشابها وفي الوقت ذاته نحن قلقون على الوحدة الوطنية، بينما توجد مجتمعات خلافاتها كثيرة بيد أنها لا تقلق على وحدتها الوطنية. هذه العبارة يمكن تحويلها إلى سؤال مهم هو لماذا نحن بالذات نعيش هاجس الخشية على وحدتنا الوطنية من الخلافات الموجودة لدينا؟ لو تأملنا المجتمعات الأخرى لوجدنا أنه رغم وجود ديانات مختلفة وطوائف وأعراق عديدة وتيارات فكرية وثقافية وأحزاب سياسية وتوجهات وقناعات تختلف وتتحاور وتتجادل وقد يصل الخلاف بينها حد المواجهة إلا أنه مهما حدث يبقى الوطن بمنأى عن أي خلاف، والوطنية محصنة من إقحامها في الجدل. يختلفون فيما بينهم لكنهم يلتقون عند الوطن كقيمة مقدسة، ولا ينحدرون إلى اقتراف خطيئة نفي الوطنية عن أحد أو التشكيك فيها لأن لا أحد يجرؤ على ذلك، أخلاقيا وقانونيا، بينما القضية مختلفة لدينا. الإشكالية لدينا أن الخلافات تلجأ بسهولة إلى التصنيفات كسلاح في المواجهة وبشكل غير منضبط وغالبا دون وعي كاف بمعانيها ودلالاتها، ثم تتحول التصنيفات وبسهولة أيضا إلى وسيلة وذريعة لما هو أخطر، أي ربط التصنيف بضعف الوطنية أو التشكيك فيها أو نفيها أو حتى إلصاق تهمة التآمر على الوطن بمن يتم تصنيفه، وهنا تتحقق خطورة المشكلة…
الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠١٣
أشارت هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» إلى صدور تعليمات مشددة لكل الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة بضرورة تمكينها من ممارسة عملها والإطلاع على المعلومات التي تريدها، بعد شكواها من عدم تجاوب كثير من الجهات معها، وأشارت أيضا إلى أن تلك الجهات تتساهل كثيرا في تطبيق الأنظمة الجزائية على المخالفات والتجاوزات، مما يوسع دائرة الفساد ويشجع ضعفاء النفوس على ممارسته دون خوف أو تردد، فهل ستكون تلك التعليمات كفيلة بالحد من الفساد أو كافية لإجبار الجهات المتهاونة على التعاون مع الهيئة؟ الحقيقة أن المسألة معقدة جدا؛ لأنها نتيجة تراكمات مزمنة وإرث كبير من ثقافة متجذرة في معظم أجهزتنا لن تستطيع هيئة مكافحة الفساد وحدها أن تجتثها أو حتى تفكك خيوطها المتشابكة. لقد عجزت أجهزة عتيدة قبلها كهيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة وأجهزة المتابعة والتدقيق الإداري والمالي، عجزت عن مواجهة ممارسات الفساد وتخفيف وطأتها الخانقة لتطلعات المواطنين في رؤية أداء أفضل ومشاريع أكمل ومنجزات تليق بالأموال الهائلة التي ترصد لها. ولأننا على مدى زمن طويل نتعامل مع قضايا الفساد الواضحة المؤكدة بطريقة عفا الله عما سلف والستر مطلوب، فإن لا أحد سوف يخاف أو يرتدع، وهذا أحد الأسباب التي لا تجعل أحدا أو جهة تعبأ بهيئة الفساد أو بالتعليمات؛ لأنهم في النهاية يتكئون على حقيقة أن لا شيء سيطالهم، وفي أسوأ الأحوال مغادرة…
الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٣
بعكس زملائي الكتاب قررت ألا أكتب عن الغرق الجديد، أي غرق مدينة الرياض عاصمة البلاد التي تقع فيها الوزارات ومقار القرارت، وتشرف عليها بشكل خاص أكثر من هيئة وجهة. أقول صادقا أنني اخترت البعد عن وجع القلب وتعكير المزاج وأذية النفس بالإنفعال الذي لا طائل منه، والغضب الذي يرفع الضغط وقد ينتهي بصاحبه إلى طواريء المستشفى لتبدأ حكاية أخرى لا تقل ألما. قبل أن تغرق جدة ونحن نكتب عن قرى في محافظات الأطراف تغرقها الأمطار وتجتاحها السيول كل عام لتخلف دمارا شاملا، ولا زال الحال على ما هو عليه. ولكن لأنه حين تغرق المدن المركزية التي رصدت لها آلاف المليارات فإن الحال يختلف، لهذا عندما حدثت كارثة جدة الأولى قلنا لعل فيها خيرا رغم مأساويتها، لأنها ستكشف عوار القريب والبعيد، القاصي والداني، وسوف تعيد ترتيب الأوراق من جديد ليصلح الحال، لكن حدثت الكارثة الثانية، وأعاد الفساد ترتيب أوراقه ورحنا معه في مسلسل إسمه يا ليل ما أطولك. لا زلنا نتذكر ذلك الخطاب الحازم القوي لخادم الحرمين الشريفين الذي أكد فيه أن سيف العدل سيهوي على هامة الفساد، وأن العقاب سيطال كائنا من كان إذا ثبت تورطه فيما حدث، ونعرف جيدا أنه يعني ما قاله بعد أن أوكل الأمانة إلى المسؤولين المكلفين بها، لكن مضى الوقت ونحن ننتظر وننتظر وننتظر، ولم…