الخميس ٣٠ يونيو ٢٠١٦
الذين اعتقدوا أن الشعارات يمكن أن تطغى على الواقعية في سياسات الدول، اكتشفوا خطأهم مع التحولات السريعة التي باشرها الرئيس التركي أردوغان هذا الأسبوع، وتراجع فيها عن تهديدات ووعود ومواقف عنترية لم يجف حبر بعضها بعد، فتصالح مع إسرائيل واعتذر لروسيا وبدأ مهادنة مصر، في تأكيد بأن مصالح بلده تفوق أهمية بكثير تحالفات نسجها مع هذه الجماعة او تلك، وخصوصاً مع «الإخوان المسلمين» وتفريعاتهم، لأنها لم تعد تتماشى مع المعطيات المستجدة من حوله. تفاصيل اتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليست هي المقصد التركي بذاتها، فالتوصل اليها لم يكن يتطلب ست سنوات من القطيعة السياسية، ذلك أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر حقيقة بالخلاف الديبلوماسي. وهي إن نُظر اليها من زاوية الايجابيات والسلبيات بالنسبة الى تركيا لبدت عادية وهزيلة ولا شيء استثنائياً فيها، مع أن إسرائيل رأت فيها «مكاسب اقتصادية هائلة». أما حركة «حماس» في غزة، الطرف الثالث المعني بالاتفاق، ولو في شكل غير مباشر، فالحصار لن يرفع عنها، لكن وضعها الصعب يجعلها تجد في أي «خروقات» له متنفساً يطيل عمر قبضتها على القطاع، وليس أمامها خيار سوى الترحيب. فتركيا التي أدركت عجزها عن تحقيق اي انجاز في الملف السوري، تعرف أن إسرائيل تمتلك الورقة الأقوى فيه، لأنها ترفض في شكل قاطع تغيير نظام الأسد، ولأنها المدخل الى عقل الأميركيين وقلبهم.…
الخميس ٢٣ يونيو ٢٠١٦
في وقت تسعى روسيا الى امتصاص الضغوط الأميركية المتزايدة عليها، في الملف السوري خصوصاً، جاء قرار دمشق وطهران بتصعيد العمليات العسكرية في حلب وجوارها ليتناقض مع أولويات موسكو، وكان لا بد من تذكير نظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية بضرورة التزام قائمة أولويات موسكو التي عبرت عنها بوضوح في اجتماع طهران الثلاثي، ويتصدرها اتفاقها مع واشنطن على «مرحلة انتقالية» تناقش في جنيف وتشكيل «حكومة مختلطة» بين النظام والمعارضة. وكانت واشنطن سربت خبراً عن حادثة وقعت قبل أيام وكادت تؤدي إلى مواجهة بين طائرات أميركية وروسية في الأجواء السورية، وأعقب ذلك تسريبها معلومات عن رسالة وقعها أكثر من خمسين ديبلوماسياً أميركياً وأبدى وزير الخارجية جون كيري شبه تأييد لها، تدعو إلى توجيه ضربات جوية وصاروخية لنظام بشار الأسد بسبب استمرار خرقه وقف إطلاق النار واستبعاده أي تسوية تخرج عن شروطه. وتزامن ذلك مع قرار حلف شمال الأطلسي نشر أربع وحدات عسكرية في أوروبا لمواجهة عدوانية موسكو تجاه حلفائها السابقين في حلف وارسو، وقرار الاتحاد الأوروبي أول من أمس تمديد العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، على رغم أصوات طالبت بتخفيفها تدريجاً. وكانت أوساط النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانبه بررت هزائم أخيرة منيت بها قواتها في منطقة حلب وغوطة دمشق بانعدام الغطاء الجوي الروسي، وأيضاً السوري، بعدما وضعت القوات…
الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦
لم يخف تكتل الضابط السابق ميشال عون «للإصلاح والتغيير» امتعاضه الشديد من تدفق اللاجئين السوريين (السنّة) إلى لبنان ورأى فيهم «تهديداً لوجوده»، وحذر بشكل متكرر ومبالغ فيه من احتمال «توطينهم». واعتبر البعض ذلك وجهة نظر طرف سياسي لبناني، على رغم الخلفيات العنصرية والطائفية التي تشوبه. أما أن يقوم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، صهر زعيم التكتل نفسه وممثله الرئيسي في الحكومة، بتحذير دولة أوروبية من الخطر الذي يشكله النازحون السوريون والعراقيون على «ثقافتها وصورتها»، فأمر يدخل في باب النفاق السياسي والأخلاقي. تحذير باسيل خلال زيارته الحالية إلى هلسنكي من أن تؤدي الهجرة الجماعية إلى «زعزعة الأسس التي بني عليها الاتحاد الأوروبي كمجموعة من القيم وجماعة من الشعوب»، وأن «تهدد التنوع» في القارة العجوز و»تفتح الباب أمام الإرهابيين»، انعكس تعليقات ساخرة في الصحافة الفنلندية، علماً أن نظيره الوزير الفنلندي تيمو سويني الذي ينتمي إلى حزب معاد لأوروبا، كان أقل حماسة من باسيل بكثير في استعراض المخاطر على بلاده، وهو عضو في حكومة عرض رئيسها تقديم منزله الخاص لاستضافة لاجئين من الشرق الأوسط. وتحت عنوان «وزير خارجية لبنان قلق على صورة فنلندا»، قالت صحيفة «فنلند توداي» أنه «على رغم المسافة الشاسعة التي تصل إلى 3200 كيلومتر بين البلدين، إلا أن وزيري خارجية لبنان وفنلندا لا يتقاسمان فقط المعتقدات الدينية (كلاهما كاثوليكي، وهذا…
الخميس ٠٢ يونيو ٢٠١٦
ماذا كان الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله ينتظر عندما هدّد محازبيه بأنه سيتخذ «إجراءات تنظيمية» في حقهم إذا واصلوا إطلاق الرصاص في الهواء خلال المناسبات الحزبية؟ هل كان يفترض باللبنانيين أن يشكلوا وفوداً لشكره على محاولته منع رجاله من قتلهم وهم يسيرون في شوارع بيروت وضواحيها أو يقفون على شرفات منازلهم، أم أن يرفعوا لافتات ترحيب بالاستفاقة المتأخرة على أبسط الواجبات وأقل الذنوب؟ فاللبنانيون يتساءلون أساساً عن أسباب استمرار وجود كل هذه الغابة من السلاح والمسلحين طالما ان المعركة مع اسرائيل انتهت منذ عقد. فبعد حرب 2006 المفتعلة، كرّس الحزب نفسه قوة داخلية مسلحة خارجة عن الاتفاقات المعقودة بين اللبنانيين لنزع سلاح القوى غير الحكومية وتعزيز الدولة ومؤسساتها، وبدأ يقترب تدريجاً من مواصفات قوى النظام اللبناني التقليدية الموسومة بالفساد بكل انواعه، وغاص في تحالفات محلية ادخلته في دهاليز لا يتقن العبور فيها بحكم ضعف تجربته. وكان نجح في سنواته الأولى في رسم صورة مختلفة لنفسه عبر ضبط سلوك عناصره، وعملت ماكينة دعائية جيدة التمويل والتدريب على الترويج لهذا «الاختلاف» داخل لبنان وخارجه، مستندة الى مقارنة بممارسات ميليشيات محلية وبعض الفصائل الفلسطينية، علما ان راعيها جميعاً ومحركها كان هو نفسه، أي نظام حافظ الأسد. وساعده في هذه المهمة تركيز الإعلامين الإقليمي والدولي على مواجهاته مع الجيش الإسرائيلي في جنوب…
الخميس ٠٧ أبريل ٢٠١٦
مع سلسلة الفضائح المالية والأخلاقية والخدماتية التي تعصف به، بات لبنان عملياً في مصاف الدول الفاشلة، ولو لم يقدم أحد بعد على إعلان ذلك صراحة، إذ تنطبق عليه أوصافها المتعارف عليها. بل هو يتجاوز في بعض النواحي دولاً أخرى انحدرت إلى هذه الرتبة. وينسحب هذا التراجع في التصنيف والفاعلية على تشكيلاته السياسية ووسائل إعلامه بمختلف تلاوينها، والسلوك الفردي والجمعي لمواطنيه والمقيمين فيه، والقليل المتبقي من المشترك بينهم. وفي التعريف الأوّلي لأعراض الدولة الفاشلة، أن تفقد سلطاتها قدرتها على بسط سيادتها الفعلية على أراضيها، وتخسر وحدانية حقها في الاستخدام المشروع للقوة في نطاقها الجغرافي أو عبر حدودها، أي امتلاكها قرار السلم والحرب، وأن تعجز عن اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وتقصّر عن توفير الحد الأدنى المعقول من الخدمات العامة، وأن يتدهور تفاعلها مع الدول الأخرى وبالتالي دورها في الهيئات الإقليمية والدولية. وإذا أخذنا معايير الفشل هذه واحدة تلو الأخرى، يتبين أن «حزب الله» هو المسؤول عن انطباقها على لبنان، ذلك أنه يمسك بالمفاصل الأمنية والسياسية للبلد، فيمنع السلطات الشرعية التي لا يسمح باكتمال عقدها من ممارسة عملها، ويبقي على احتمال إسقاطها عبر التهديد الدائم بسحب وزرائه من الحكومة، فيما يعطل البرلمان ويحول دون انعقاده، ويتلاعب بالقوى العسكرية والأمنية التي ينخر معظمها الفساد. ويستأثر الحزب منذ استقوائه بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام…
الخميس ٠٣ مارس ٢٠١٦
مع تزايد عدد قتلاه في سورية، وما يسربه الأميركيون عن تبدل ولو طفيف في الأولويات الإيرانية، تزداد الضغوط على «حزب الله» في بيئته الحاضنة خصوصاً، ولبنان عموماً، لإنهاء تورطه العسكري هناك، مهما حاول إخفاء تأفف الناس والسيطرة على غضبهم عبر حملة التجييش المستمرة وأساليب الترويع الهادفة إلى منع الصوت المعارض، وإلى التخفيف من وطأة النعوش المتقاطرة عبر الحدود، وإلى وقف الانتقادات لمسؤوليته عن تدهور علاقات لبنان العربية. فالانخراط العسكري والأمني المستمر في سورية، في وقت يقول جون كيري إن طهران تقلص وحداتها من «الحرس الثوري» هناك، وإصرار الحزب على انه يخوض «معركة وجود» لن تنتهي قريباً على رغم الإمساك المتزايد لموسكو بالورقة السورية، والتصعيد المتعمد للمواجهة مع السعودية وسائر دول الخليج العربية، تعكس جميعها استفراداً سياسياً وأمنياً بلبنان لا يمتلك الحزب مبررات مقنعة لجعل اللبنانيين يقبلون تبعاته على أوضاعهم داخل الوطن وخارجه. ولهذا سعى أمينه العام السيد حسن نصرالله أول من أمس، الى تطويق النقمة المتصاعدة باعتماد المزيد من التخويف تحت غطاء «تطمين» اللبنانيين الى استقرار بلدهم، مذكراً إياهم بأنه يملك وحده قرار استمرار هذا الاستقرار من عدمه، وأن أمنهم منّة منه، وأيضاً عبر محاولة زجّهم في المواجهة التي يخوضها مع دول مجلس التعاون في أكثر من «ساحة»، بتصويره أن القرارات الخليجية هدفها «معاقبة اللبنانيين جميعاً» وليس الحزب. لكن من…
الخميس ١٣ أغسطس ٢٠١٥
ترتسم في سورية مع اشتداد حربها الأهلية، وعلى رغم النشاط الديبلوماسي الدولي المستجد على هامشها، ملامح دويلات أقربُها إلى لبنان «دويلة العلويين» المفترضة التي ترث عن سورية الأم حدودها معه في شرقه وشماله، في حال نجح الجيش النظامي و»حزب الله» في فرض سيطرتهما على ما تبقى من الجبهة السورية الغربية، أي الزبداني والقلمون. لكن إجماع الآراء على هشاشة هذا «الكيان» وضعف تكوينه الجغرافي والبشري والاقتصادي يطرح أسئلة عن المخارج التي قد يلجأ إليها بشار الأسد وراعيه الإيراني لضمان حماية حدوده وتأمين بقائه، وسط مؤشرات إلى أن خطوات تعجيز وتيئيس تصاعدية يتخذها «حزب الله» وحلفاؤه في لبنان بمباركة طهران، هدفها البعيد إلحاق لبنان بـ «الكيان» المزمع. وجاء تشديد وزير الخارجية الإيراني ظريف في بيروت على اعتبار لبنان ضلعاً أساسياً في «محور المقاومة» دليلاً جديداً على تصور طهران لمستقبل هذا البلد ودوره في تكريس امتدادها الإقليمي الذي يقوم أساساً على ادعاء إيران حرصها على قضايا العرب أكثر من العرب أنفسهم. ويبدو أن الإيرانيين الذين تسلموا زمام الشأن السوري، بمشاركة روسية هدفها إبقاء التغطية السياسية الدولية، ورثوا أيضاً الأسلوب السوري في التعامل مع لبنان. إذ لجأت دمشق عندما أرادت إرسال جيشها إلى أراضيه في 1976 أو إعادة نشره في بيروت بعد انكفائه في 1982، إلى نشر الفوضى الأمنية والسياسية ليكون هو «ورقة الإنقاذ»…
الخميس ١١ يونيو ٢٠١٥
في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي أظهرت تراجعاً كبيراً في قدرة جيش بشار الأسد على الصمود، وارتفاعاً في مستوى التنسيق بين قوى معارضة متنوعة، وكشفت الترابط المباشر وغير المباشر بين نظام دمشق و»داعش»، وزادت من ضغوط مطالبي الإدارة الأميركية بالتحرك للتعجيل بسقوط النظام، سارعت إسرائيل إلى تكرار «كلمة السر» في الأزمة السورية: الوضع الحالي مريح بالنسبة إلينا واستمرار القتال سنوات أخرى يريحنا أكثر. وفي الواقع، لم يكن باراك أوباما بحاجة إلى هذا التذكير بأن استمرار الحرب في سورية مصلحة إسرائيلية بحتة، لأنه مقتنع أصلاً بأنه مصلحة أميركية. وهذا يعني انه سيخيب أمل المتفائلين بدور أميركي أكبر بعد اشتداد الخناق على بشار الأسد، ولن يطلق «رصاصة الرحمة» على نظامه، بل سيحرص على بقائه معلقاً بين الحياة والموت، إلى أن تحين فرصة قطف فوائد رحيله. وتبدى هذا الهروب الأميركي المتواصل من «الاستحقاق السوري» جلياً خلال قمة «مجموعة السبع» في ألمانيا قبل أيام، عندما سرب الأميركيون معلومات عن سيناريو خيالي يقوم على منح الروس اللجوء إلى الرئيس السوري والإتيان بشخصية علوية (لا أحد يعرف من هي ولا من أين ستأتي ولماذا يجب أن تكون علوية)، لتشكيل حكومة جديدة تلقى قبول موسكو وواشنطن وتشكل غطاء سياسياً وعسكرياً للحرب على الإرهاب. لكن الذين استفسروا عن «الجديد» في الموقف الأميركي، اكتشفوا بأنه ليس سوى حلقة في…
الخميس ٠٢ يناير ٢٠١٤
كادت اخبار الولايات المتحدة تختفي عن شاشات العالم في الاسابيع الاخيرة من العام المنصرم. لم يكن هناك ما يقال عن رئيسها ولا عن سياساتها التي باتت تبنى على حسابات ومفاهيم داخلية بحتة، ومن المرجح ان تكون في العام الجديد اكثر غيابا عن قضايا العالم وهمومه، أولا لان قيادتها قررت الانسحاب من شؤونه، وثانيا لانشغالها بمشكلاتها التي يبدو انها ستتفاقم في وجه اول ملون اختارته رئيسا. أحدث باراك اوباما هزتين كبيرتين في الشرق الاوسط خلال العام الفائت، اولاهما تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية الى نظام الاسد رغم تأكيده المتكرر بأن الاسد هو المسؤول عن الهجمات بالسلاح الكيماوي، بحيث فتح الباب واسعاً امام الافلات من العقاب الذي كان انتقده مرارا ووعد بوقفه، والثانية مفاوضاته السرية المباشرة مع ايران والتي لم تسفر اقليمياً عن اي نتيجة ملموسة توحي بوقف الهجمة الايرانية في المنطقة. كانت الهزتان النتيجة الواضحة للتحول الكبير الذي اعتمده الرئيس الاميركي في مقاربة السياسة الخارجية: اميركا أولاً واسرائيل ثانياً... ولا ثالث لهما. وهكذا تُرك السوريون لمصيرهم فيما حربهم الاهلية تتأجج اكثر فأكثر بلا اي أمل في حل ممكن، وتواصل ايران وادواتها في المنطقة سياسة قضم الاستقرار واستبدال نفوذها به، وازالة العقبات التي تواجهه واحدة تلو الاخرى، مثلما حصل قبل ايام في لبنان مع اغتيال الوزير السابق محمد شطح. لم تعد الولايات…
الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠١٣
ما لم تسارع السيدة فيروز الى نفي ما ذكره ابنها زياد الرحباني عن «حبها الشديد» للأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، فإن الولايات المتحدة التي تعتبر الحزب منظمة ارهابية قد تصدر قريباً قراراً بمنعها من دخول الاراضي الاميركية وتدرج اسمها في قائمة العقوبات المالية. وبما ان زياد لم يوضح ما اذا كانت والدته تحب «الجناح العسكري» او «الجناح السياسي» للحزب، فقد تضطر دول الاتحاد الاوروبي الى اتخاذ قرار مماثل على سبيل التحسب، بعدما ادرجت قبل اشهر فقط «الجناح العسكري» على قائمة الارهاب. وقد ينتج عن ذلك ان يضطر اللبنانيون والعرب في الشتات الى اخفاء تسجيلات فيروز واغانيها لانها ستصبح ممنوعة يعاقب من يقتنيها ويستمع اليها بغرامات وربما بالسجن. ومثل هذه الخطوة من اميركا واوروبا لن تكون مستغربة، فقد سبقتهما الدول العربية الى مقاطعة فنانين من الممثلين والمغنين، ومنعتهم من دخول اراضيها بعدما زاروا اسرائيل التي يحبونها وارتدوا قلنسوة اليهود المتدينين ووقفوا امام حائط المبكى وهزوا رؤوسهم وقاماتهم تضامنا. لكن في ظل مناخ التفاوض الايجابي الجديد القائم بين الغرب وايران، فقد يغض الاميركيون والاوروبيون الطرف عن فيروز، ويعفون عن موقفها ويعتبرونه بمثابة «ابراء ذمة»، لان الكشف عنه جاء بعد بدء المفاوضات واحتمال المباشرة بتخفيف العقوبات الاقتصادية عن ايران وتوابعها في مقابل تفكيك برنامجها النووي. لكن المشكلة قد تكمن في ما…
الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠١٣
تخطّت إيران في سلوكها الإقليمي والدولي طوال عقود، مثيلاتها من الدول التي تبرر عجزها عن التطور واستجابة الدعوات إلى التغيير باستحضار الخارج وسيلة للتهويل ومتنفساً للاحتقان، فصورته عدواً متربصاً يغار من نجاحاتها، وعقبة أمام تعميم نموذجها الذي لا يضاهى لا بد من تطويعها، واعتمدت هذا المبدأ في بناء شبكة من المخالب والأسنان لزعزعة الاستقرار هنا وهناك، وفي رسم خطوط حمر مرفقة بتهديدات من نوع تلقين الدروس وتغيير الخرائط والإزالة والإفناء. لكن ما أن تحول هذا الخارج فجأة إلى محاور ومفاوض، حتى وجدت مراكز القوى داخل النظام نفسها في مواجهة بعضها، بعدما انهارت الفزاعات التي استخدمتها طويلاً لترويع الداخل وردعه وإلهائه. وكان «الحرس الثوري» الذي كرس نظام «آيات الله» في بنائه جهوداً ضخمة وموازنات أضخم، وحوّله إلى قوات مسلحة موازية للجيش الرسمي، بل تفوقه في بعض المجالات، أحد أهم منفذي السياسة التي تقوم على إنكار الداخل ولجمه وابتكار الخصوم وراء الحدود. وعنى هذا أنه سيكون أكثر المتضررين في حال حصول أي تبديل في الأولويات. وسرعان ما جاء قرار البدء بالتفاوض مع «الأعداء» ليؤكد هذا الاحتمال ويوقظ الخلافات العميقة من سباتها، فنشبت في البدء منازلة خجولة قطعها «المرشد» بإعلانه أنه ليس من الضروري تدخل «الحرس» في السياسة. ثم تكررت المناوشات بين فريقي روحاني وجعفري، من دون أن تخرج عن الحدود التي رسمها…
الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠١٣
منذ إعلان دولته المستقلة في العام 1943، ينتقل لبنان من احتلال إلى احتلال، مرة يكون علنياً وأخرى مستتراً، وتارة يفرض نفسه من طريق القوة العسكرية المباشرة وطوراً عبر احد المكونات اللبنانية. لكن في كل الحالات، يحاول المُحتل قدر إمكانه الإمساك بنواصي هذا البلد الصغير الذي يحمل في تركيبته بذور انقسامه، فيحرص على أن يسقيها لتستمر وتنمو، بدل أن تضمر مع الوقت، ليتكرس وطناً نهائياً لجميع أبنائه. وقبل أيام قليلة من ذكرى الاستقلال التي تصادف غداً، رُوّعت إحدى ضواحي العاصمة بيروت بتفجيرين استهدفا السفارة الإيرانية، في تعبير فاقع عن التجاذب الخارجي القائم حول لبنان: من يستأثر بقراره ومن يملي عليه سياساته التي لا يستشار فيها مواطنوه ولا يخيّرون، وكذلك في رد غير مبرر على تقصّد بعض أبنائه توريطه في الحرب الأهلية المحتدمة على ارض سورية التي طالما اعتبره نظامُها صماماً لتنفيس احتقاناته وساحة لـ «مخاطبة» خصومه. لكن هذا الاعتداء الإرهابي ليس سوى حلقة في سلسلة متصلة من الفعل وردود الفعل المستمرة في لبنان منذ عقود، يستغل مرتكبوها غياب دولة جامعة فيه وتضعضع مؤسساته الأمنية وتوزع ولاءاتها السياسية والدينية، وطغيان الطائفية على المواطنة، ما يسهل العثور على عملاء ومتعاونين، وإيجاد مدافعين ومؤيدين وشامتين. فاللبنانيون انفسهم، والفلسطينيون والسوريون والإسرائيليون والإيرانيون والعراقيون والليبيون وسائر أجهزة الاستخبارات العربية والدولية، تناوبوا على نخر لبنان واختراق أنظمته…