السبت ١٩ يناير ٢٠١٣
بالقرب منا نحن السعوديين، بل في دائرة أمننا الاستراتيجي، بلد منهار تماماً منذ أكثر من عقدين كاملين، عندما سقطت آخر حكومة «فعالة» فيه، وإن لم تكن في الواقع بالحكومة الناجحة ولا الشعبية المنتخبة، ولو عاشت حتى يومنا هذا لنالها ما نال غيرها من ربيع العرب. اهتممنا به مرة أو مرتين، ومعنا جيراننا في المنطقة، إلا أننا لا نلبث إلا ونتخلى عنه ونهمله، حتى الأميركيون فروا منه بعد محاولة يتيمة لإنقاذه بعيد حرب تحرير الكويت، لعل بوش الأب أراد يومها أن يرسل رسالة أن بلاده تتدخل حتى في مساعدة الدول المسلمة الفقيرة، وليس الغنية بالنفط كالكويت، ولكنها كانت تجربة أميركية مريرة. إنه الصومال. ومن يريد أن يساعد الصومال؟ أهله صعبو المراس، كثيرو الاختلاف والنزاعات، منقسمون قبلياً وسياسياً، يتعاقب عليه زعماء حرب يقتتلون، افترست «القاعدة» عقول بعض أبنائه فزادته بؤساً وانقساماً، وصل حتى للأسرة الواحدة، في النهاية أصبح مرتعاً لقراصنة أعالي البحار، فكرهه العالم كله وبات يَحْذَره ويحذر أهله، الذين باتوا مصدراً لقلق السعودية ودول الخليج، ومن قبلها العالم كله، بعدما ازدادت وتيرة هجرتهم غير المشروعة عبر اليمن من خلال شبكة جريمة منظمة لتهريب البشر. فقد الجميع الأمل في الصومال، لم يعد هناك بصيص أمل أن هذا البلد الفاشل سيستعيد عافيته... ليس صحيحاً، ثمة أمل ظهر في الأفق، وباعتراف المنظمات الدولية، فحال…
الإثنين ١٤ يناير ٢٠١٣
تذكرت فريد هاليدي المستشرق الإيرلندي العظيم، بعدما اقتنيت كتابه «الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية» الذي عرّبه وكتب مقدمته الصديق الأستاذ محمد الرميحي الذي كان يعرفه جيداً. توفي هاليدي قبل عامين ولا يزال محبوه وتلامذته يفتقدونه، فهو مؤرخ ومفكر وراصد وصحفي غير عادي، خاصة بين أهل اليمن، ولكي أكون أكثر دقة، أهل الجنوب منه، ذلك أنه كتب الكثير عن اليمن الجنوبي وما حوله، كأنه عندما كان يكتب عن عُمان، أو إمارات الخليج، أو السعودية أو حتى اليمن الشمالي، فكان ذلك لأنهم جيران، موضوعه المفضل «اليمن الجنوبي». لم يكن يكتب التاريخ باستعراض الأحداث الهامة وتحليلها فقط، كان يفعل ذلك بالطبع، ولكن ينثر على حواشيها ما جمع من فولكلور، قصاصات صحف، بل حتى الأهازيج وشعارات المظاهرات، ينقلك إلى ذلك الزمان الذي اندثر ولا يريد أحد عودته، زمن «جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية»، نعم كان ثمة بلد عربي وعضو في الجامعة العربية وفي جنوب السعودية يحمل كل هذا الاسم الطويل، كان قادته ماركسيين حالمين بتأسيس جنة لماركس ولينين في أكثر بلاد العرب فقراً وتخلفاً، وأين في جنوب جزيرة العرب مهد الإسلام والعروبة. البعض رآهم عملاء للسوفييت، ولكن هاليدي رآهم شباباً حالمين يريدون انتشال بلادهم من العوز والفقر، ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، لم يكونوا فاسدين مالياً وأخلاقياً كالقذافي ديكتاتور ليبيا الهالك، ربما…
السبت ١٢ يناير ٢٠١٣
تشعر السعودية باطمئنان أكثر عندما يكون جناحاها بخير، أو هكذا يجب أن تفعل. «الأمن السعودي» يقوم على استراتيجية قديمة، صمدت بتغيّر الأزمان والزعماء والعالم من حولها، وهي أنها دوماً بحاجة إلى باكستان قوية شرقاً، ومصر لا تقل قوة واستقراراً غرباً، ثم تحافظ على علاقات جيدة ومميزة معهما، كي تستطيع أن تحلّق بأمان في علاقاتها الخارجية. يفسر هذا الموقف الإيجابي للحكومة السعودية حيال مصر. لم تلتفت إلى حملات التهويل والتشكيك التي يضخها بعض الكُتاب، وربما بعض الرسميين القلقين والمتأثرين بحال «منعزلة» في المنطقة، لديها حساسية من صعود «الإخوان المسلمين» لحكم أكبر دولة عربية. لم تلتفت السعودية الرسمية إلى كل ذلك، وحرصت وأكدت رغبتها فعلاً وقولاً في علاقات جيدة مع مصر. من الواضح أنها ترى مصر أولاً ثم من يحكمها، بينما يرى أولئك «الإخوان»، فتختل حساباتهم وقراراتهم، ولو على حساب مصالحهم المباشرة ومصلحة المنطقة. مصر بخير وتتعافى، إذاً جناحنا الغربي بخير، ولكن ماذا عن باكستان؟ هناك أسباب كثيرة للقلق، وثمة ما تستطيع السعودية فعله هناك، باكستان ليست بحاجة إلى الدعم المالي، فكل مال يذهب إليها الآن سيضيع. الولايات المتحدة مثلاً تعبت مع باكستان، فهي تنفق هناك منذ أعوام عدة أكثر من بليوني دولار سنوياً، ولم تحصل معجزة هناك. لا تزال باكستان في دائرة العنف والفقر والفساد والفشل المستمر، تكفي مقارنتها مع الهند…
الثلاثاء ٠٨ يناير ٢٠١٣
شهدت بداية القرن الماضي الثورة الصناعية الثانية، وأساسها الإنتاج المتكرر، وأنا هنا أحاول أن أترجم مصطلح Mass Production الذي يعني إنتاج نفس القطعة آلاف المرات، وبنفس المواصفات في مصنع واحد، هذا النوع من الإنتاج فتح علوم التسويق والبيع والتمويل والتوزيع، وخلق وظائف وشركات، لقد غيّر طبيعة التجارة والتاريخ الإنساني للأبد. وبالتالي كان كبار الموظفين، وتحديداً الرؤساء التنفيذيين هم القادمون من إدارة الإنتاج، ومن خلفية صناعية أو هندسية ممن ساهم في تطوير المنتج، في تلك الفترة كانت المنافسة قليلة، وبالتالي كان هدف الرئيس هو التخطيط لزيادة الإنتاج، طالما أن هناك مستهلكين ينتظرون في الطابور شراء المنتج، هذه الحالة باتت نادرة في زماننا، ولم تتكرر إلا في حالات قليلة، أذكر منها هواتف «الأي فون»، حينما كان العملاء يبيتون أمام المتجر، انتظاراً لوصولها، أذكر أيضا أجهزة اللعب «وي» الشهيرة، التي أنتجتها شركة الألعاب اليابانية نينتندو، وقد كان الزبائن يدفعون قيمتها مسبقاً، وينتظرون دورهم لاستلام جهازهم. بعد الحرب الثانية، وفي أمريكا تحديداً، شهدت الشركات الصناعية منافسة شديدة، تعددت العلامات التجارية بدون اختلاف كبير يذكر بين المنتجات، فتراجع دور المهندسين، وتقدم رجال البيع لاعتلاء المناصب الإدارية في الشركات، بات البيع هو الكلمة السرية للنجاح، فالإنتاج مزدهر، والمخازن مليئة بالبضائع، والمستهلك مستعد للشراء، ولكن الاختيارات كثيرة، فكان البائع هو الملك، معركته المستهلك والموزع، مستخدماً أدوات البيع…
السبت ٠٥ يناير ٢٠١٣
أمضيت يومين في القاهرة، قابلتُ وتحدثت خلالهما مع بضعة عشر صديقاً. مصر لا تزال كما هي، بكل مشكلاتها القديمة المتوارَثة التي عرفها كل عربي يعرج عليها بين حين وآخر. لا شيء في المطار يشير إلى أن مصر يحكمها «الإخوان المسلمون» أو أن ثورة مرت بها، اللهم غير موظفة الجوازات التي تنهي إجراءات الدخول بسرعة، فلا ترسلك إلى كرسي مهترئ تنتظر قرار ضابط أمن الدولة، الذي يجلس خلفها وراء زجاج عازل، الذي يبحث عن اسمك في قوائم الممنوعين أو المطلوبين. لقد اختفى هذا الضابط. مصر لا تتغير بسرعة، ولا تتوقف فيها الحياة، حملت كل المشكلات التي صنعها الرئيس المخلوع مبارك أو ورثها وعجز، أو لم يهتم بحلها، وألقت بها أمام الرئيس الجديد المنتخب محمد مرسي لتحمِّله مسؤوليتها، ولكنها باتت قوية، فـ «تشخط» في الرئيس وهي تقدم مطالبها. في الماضي كانت تلمح لمن سبقه بالنكتة والمقالة والتعليق والرسم، أما الرئيس مرسي فنصيبه كل ما سبق... إضافة إلى «الشخط». كثيرون يقولون إن مرسي ضعيف، وكذلك رئيس وزرائه، والحق أنهما ليسا كذلك، لكن شعب مصر هو الذي أصبح قوياً. لو لم تكن الثورة، وكان هشام قنديل صديقاً لنجل مبارك، لصعّده إلى منصبه الحالي رئيساً لمجلس الوزراء. حينها كانت «الأهرام» لتخرج بمانشيت «إنه زمن الشباب»، أما اليوم فإن نصيبه حساب إعلامي عسير، وهذه وظيفة الإعلام،…
الأحد ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢
لكل منا قصة أو أكثر مع سائق تاكسي، من أظرفهم، بل أغربهم، ذلك السائق الذي حملني يوماً إلى مطار نيوارك، وليس نيويورك، إنما هي مدينة صغيرة مجاورة لها وتبعد عنها بحوالي ثلث ساعة وبها مطار يشارك المطارين الكبيرين اللذين يخدمان«عاصمة العالم»، ولا بد أن أحدهم خلط بينهما فتوجه إلى مطار هذه بينما يقصد تلك. سائقي مثل غيره من سائقي التاكسي، حاول فتح حديث معي، ولكنه اختار موضوعاً استثنائياً، هو «نهاية العالم»، تذكرت لحظتها أن غداً هو اليوم المحدد الذي قرر قس أمريكي أنه نهاية العالم، بل حدد الساعة وهي السادسة مساءً، حينها سيصعد الأخيار، الذين هم بالطبع من أتباعه إلى السماء بينما سيذهب بقيتنا إلى الجحيم. كان ذلك في صيف 2008، وقد اهتم الإعلام بالخبر من باب «الطرافة» فأخبار نهاية العالم مثيرة لأتباع كل الأديان، يكفي أن تؤلف كتاباً عنوانه «نهاية العالم» وسوف تجد من يشتريه، فعل ذلك أكثر من داعية عندنا وكسب مالاً وفيراً. القس الأمريكي أيضاً كسب مالاً، إذ نصح أتباعه ببيع ممتلكاتهم وتحويلها إليه، ولا أذكر تبريره، فإذا كان العالم سينتهي، فلم كنز المال؟ في الطريق إلى المطار توقف السائق، ليملأ سيارته بنزيناً، لاحظت أنه ملأ الخزان بعشرة دولارات فقط، سألته لم فعل ذلك؟ فرد متعجباً « ألم أخبرك قبل قليل أن غداً قد يكون نهاية العالم!»…
السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢
أعترف بأنني كنت منحازاً الى وزير العمل السعودي المهندس عادل محمد فقيه عندما حاورته على شاشة تلفزيون «روتانا خليجية» مساء الإثنين الماضي، وكان الكثيرون يريدونني أن أنحاز الى الحملة الشعبية ضده، وأن أسأله لماذا يرفع كلفة العمالة الرخيصة التي أدمنّا عليها؟ ولماذا يريد للسعوديين أن يعملوا في وظائف يرونها «دنيا» بعدما سخّر الله عز وجل لهم بشراً يأتونهم من أطراف الأرض لخدمتهم «بتراب الفلوس». بالطبع لم أفعل، بل زايدت على الوزير عندما قلت له: إن كنت تريد حقاً أن ترفع كلفة العمالة الأجنبية، فإن فرض رسم 200 ريال شهرياً فقط على كل عامل لن يؤدي الغرض، إنما عليك أن تزيد من هذه الرسوم، فلا تمر 5 أعوام إلا وقد خرج من المملكة 5 ملايين أجنبي على الأقل، فما قصة هذه «الرسوم» التي أثارت ضجة في السعودية، وجعلت وزير العمل أقل الوزراء شعبية وأكثرهم إثارة للجدل، فلم يجد من يؤيده غير نخب قليلة مثقفة، واقتصاديين مدركين لأهمية توظيف المواطن في الاقتصاد، مع قليل من رجال الأعمال الذين أدركوا خطر إدمان الاقتصاد السعودي على العمالة الأجنبية الرخيصة! إنها 200 ريال فقط (53 دولاراً أميركياً) تفرض كرسوم شهرية على كل عامل غير سعودي، ويدفعها صاحب المنشأة التجارية، ويعفى منها لو وظّف عمالة سعودية مساوية للأجانب أو أكثر، وستذهب هذه الرسوم التي قدر أنها…
السبت ٢٢ ديسمبر ٢٠١٢
المتربص بالإخوان، المتوجس منهم، سيسمي ما يجري الآن في مصر وتونس من أحداث «خريف الإخوان». لقد فشلوا أخيراً. لفظهم الشارع. نجحت الخطة في محاصرتهم. لو تركناهم لحوّلوا مصر وتونس إلى إيران، ولامتدوا إلى غيرهما، وأدخلونا جميعاً في مغامراتهم وأحلامهم، بإقامة دولة الخلافة، ليحكمها مرشدهم في مصر. أما المحلل الموضوعي، الذي يرى الربيع العربي في صورته الكلية، كحركة تحول تاريخي، فسيرى ما جرى أنه مجرد فصل من فصول الولادة الصعبة لعالم عربي جديد، وإن ما من ثورة إلا ومرت بصعوبات كهذه، وإن «الحكومة المنتخبة» وليس «الإخوان» – الذين تصادف أنهم الحكومة المنتخبة – هي من تواجه «ثورة مضادة» كانت متوقعة يقودها النظام القديم الذي يرفض الاستسلام للتحوّلات التاريخية المحتومة، فتحالف فيها مع «البورجوازية» المنتفعة من العهد السابق، الغاضبة من صعود طبقة جديدة يراها «دنيا» للحكم والسيادة، وللأسف سقط في هذا الحلف الثوار، الذين خسروا في لعبة الديموقراطية، فتدثروا بقميص عثمان، وصرخوا «لقد سرقوا الثورة منا». يجب أن نبتعد عن دخان الحرائق التي تشتعل في الميادين، والغازات المسيلة للدموع، وضجيج إضرابات النقابات واحتجاجات شباب الثورة، ومليونيات المعارضة والموالاة، وقبل ذلك من الصخب الإعلامي حين يتكلم الجميع، ويرفضون أن يستمعوا لبعض. لنخرج من كل هذا، ولنرجع للوراء، ما الذي حصل؟ ومن الذي انتصر؟ حصلت ثورة وليس انقلاباً، جرت انتخابات وفاز فيها من فاز.…
الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٢
في يوم من الأيام كان هناك بلد اسمه ألمانيا الديمقراطية، أو ما اتفق على تسميته ألمانيا الشرقية، قامت على الجزء الذي احتله السوفييت بعد الحرب العالمية الثانية، كان بلداً معاكساً في كل شيء، في دولة ألمانيا الاتحادية التي ورثت ألمانيا ما قبل الحرب والتي عرفت بألمانيا الغربية. كان لألمانيا الشرقية نظامها السياسي الشيوعي المختلف، ومعه إعلام مختلف، ونظام تعليمي مختلف، ومنتجات مختلفة، كل شيء فيها غير ما هو عليه في الغربية، وبالتالي عندما توحدت الألمانيتان، كان من الطبيعي أن يفكر أحدهم في إقامة متحف يحتفظ للتاريخ والأجيال الألمانية التي لم تعش تلك الأيام حالكة السواد، بعضاً من مظاهر الحياة في تلك الدولة التي استمرت 41 عاماً. زرت ذلك المتحف، وأدعو كل من يزور برلين أن يفعل ذلك، فهو تجربة مختلفة عن أي متحف آخر، بجواره تقع متاحف تقليدية رائعة، تضم أثاراً من أطراف الأرض، وأعمالاً فنية نادرة، ولكن لا شيء مثل متحف DDR، ذلك أنه يسجل مرحلة تاريخية استثنائية، قرر فيها «عاقل مجنون» أن يعيد وبقوة السلاح والقمع، تركيب المجتمع وعاداته وقيمه، ويصبها في قالب واحد اسمه «الشيوعية». يسجل متحف ألمانيا الشرقية بكل بساطة كيف تعيش في بلد شيوعي؟ الشقة الصغيرة، المفروشات عديمة التصميم، الطعام المتكرر، الإعلام الموجه، والأخ الأكبر الذي يراقبك، ويحصي أنفساك، المعتقلات بالطبع، والمفارقة أن عليك أن…
السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٢
يجب أن يحمي «الإخوان» في مصر أنفسهم من أنفسهم. لقد دانت لهم الدنيا، انتصروا في معركة الدستور الذي يصوَّت عليه اليوم، ونجوا من هزيمة بدت وشيكة في معركة التعديلات الدستورية، وأصبحوا «الحزب الحاكم»، وبات بإمكانهم «التجسس» على الآخرين، والاطلاع على معلومات سرية، إن لم تقف الشرطة ومباحث أمن الدولة ضدهم، فإن وقوفها على الحياد قوة لهم. يصولون ويجولون، ويهددون ويتوعدون، بل يقبضون على من يعتدي عليهم، أو من يعتقدون أنه ينوي أن يعتدي عليهم، فيضربونه ويهينونه ويحققون معه... ثم يقدمونه للنيابة كي تستكمل تحقيقها معه، وينصرفون آمنين من الحساب والسؤال. حصل هذا يوم الأربعاء قبل الماضي (5 الشهر الجاري) في ما اتفق على تسميته موقعة الاتحادية، حيث قصر الرئاسة، الذي اتفق المصريون منذ زمن الرئيس مبارك أنه رمز لسيادة الدولة فلا يعتدون عليه، ولكن حال التأجيج غير المسبوقة والاستسلام لثقافة الحشود قلبت الموازين المقبولة في التظاهر والاحتجاج. في الليلة السابقة تنادى المحتجون للتوجه نحو القصر، غالبهم سلميون ولكن كان منهم، ومِن على شاشات التلفزيون، «انقلابيون» يطالبون برأس الرئيس محمد مرسي. اكتسح المتظاهرون حواجز الشرطة، ووصلوا حتى أسوار القصر، كتبوا عبارات مسيئة، شتموا الرئيس، فعلوا على الجدران ما هو أسوأ... صرخ «الإخوان» والسلفيون وأنصارهم «وا إسلاماه». صباح الأربعاء، هاجموا بشكل منظم المتظاهرين الذين اعتصموا في المكان وأجلوهم، لتبدأ اشتباكات استمرت طوال…
السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٢
بدا الرئيس المصري محمد مرسي مضطرب الخطى طوال الأيام الأخيرة، بعدما أصدر إعلاناته الدستورية التي حولته إلى «فرعون» كما يقول معارضوه، الذين ثوّروا طائفة من الشعب عليه، وبدا هؤلاء كأنهم جاهزون ينتظرون من يدفعهم للغضب والإحراق ورمي الشرطة وكل من خالفهم بالحجارة، بل لو ترك لهم الأمر لتسوّروا على الرئيس الأسوار وانقضوا عليه طعناً وقتلاً وسط أهله. هذه الصورة الغاضبة، غير الطبيعية، الخارجة عن سياق التحول الديموقراطي المنطقي في مصر، يمكن أن نستخدمها لفهم «العقل الإخواني» الحالي. فما الذي دعا الرئيس مرسي إلى اتخاذ قراراته الانقلابية من دون أن يشاور مستشاريه أو حتى يطلع نائبه عليها؟ ودعا الإخوان عموماً إلى حالة الاستنفار المشاهدة، إنه هاجس المؤامرة الذي يعيشه الإخوان. هذه الهواجس، بغض النظر عن رأي النخب السياسية المعارضة، فيرفضونها بحجة ودليل، أو ينفونها سياسة وتقية، أو حتى يستسخفونها استحقاراً للإخوان، إلا أنها موجودة بقوة عند الإخوان، وتشكّل منظومة قراراتهم ورود أفعالهم. الداعية منهم وخطيب المسجد مستعدان أن يسترسلا من على المنبر لشرح كيف أن «الكيد» للدعوة سُنّة جعلها الله عز وجل لتمحيص المؤمنين، أما السياسي منهم فسيستعرض كيف تآمر أعداء الإخوان عليهم مراراً وتكراراً، فعطلوا مسيرتهم، وسرقوا انتصاراتهم، وأخروا نصرهم المستحق. يبدأ من رواية «مؤتمر فايد» في الإسماعيلية على قناة السويس، إلى اضطهاد الرئيس الراحل عبدالناصر لهم، التي دخلت تفاصيلها…
السبت ٠١ ديسمبر ٢٠١٢
ما إن أقلعت الطائرة من مطار البحرين وحلّقت قليلاً، إلا وأعلن قائدها عن وضعية الهبوط التدريجي نحو مطار الدوحة. الأمر طبيعي، فالبلَدان ومعهما المملكة العربية السعودية «رمية حجر» من بعضهما بعضاً، ما يفسر من دون تحليلات سياسية عميقة، كيف يفكر قادة دول الخليج حيال «أزمة» البحرين، ويتعاملون معها كشأن خليجي «داخلي». التحليلات السياسية البسيطة - في الغالب - هي الأفضل والأسلم، بينما يفضل البعض أخذ المسائل بعيداً شرقاً وغرباً، بينما المسألة بحرينية صرفة، يجب أن تعالج هناك، وإن استحكمت حلقاتها فستكون في إطار دول الخليج وعلى رأسها المملكة، فهي مستعدة دوماً للمبادرة، وفعل أي شيء ممكن لضمان سلامة البحرين وأمنها. سبب هذا الحديث هو مرور عام منذ أن جلس العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى ومعه أركان الحكم في الجزيرة الوديعة التي ينبغي أن تعيش في سلام ووفاق وفق سياقها التاريخي، ليستمعوا الى نقد شديد من الخبير القانوني الدولي محمد شريف بسيوني رئيس لجنة تقصي الحقائق في ما حصل في البحرين منذ 14 شباط (فبراير) 2011، وبتكليف من الملك نفسه، في سابقة لم تحصل في أي بلد عربي خرج الشعب فيه يطالب بالتغيير. دعيت للحديث مع آخرين في مركز الأبحاث المرموق في الدوحة «بروكنغز» لتقويم الأوضاع هناك بعد عام من تقرير بسيوني، فمنذ أن أخذت في الاستقرار في البحرين بعدما…