جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

السيسي لن يكون عبدالناصر… ولكن ماذا عن أوزال أو بينوشيه؟

السبت ٠١ مارس ٢٠١٤

يحلو لأنصار المشير عبدالفتاح السيسي أن يصوروه مثل عبدالناصر، ولكنه في الغالب يعلم أن نجاحه كرئيس لمصر ألا يكون عبدالناصر، بل أن يصلح الاقتصاد المصري الذي أفسده «الزعيم الخالد». لا بد من أنه يعلم أن مشكلة مصر الحقيقية هي الاقتصاد، ويعلم أن كل من جاؤوا بعد عبدالناصر حاولوا ذلك ولكنهم لم ينجحوا. حاول السادات إجراء إصلاحات اقتصادية سميت الانفتاح، من دون المساس بهيكل الدولة الريعية والاقتصاد الموجه الذي تركه عبدالناصر، فكانت النتيجة ظهور اقتصاد موازٍ أفرز ما اتفق المصريون على تسميته «القطط السمان» الذين يتمتعون برخاء وحدهم بعيداً من الغالبية الفقيرة. حسني مبارك حقق إنجازات أفضل، واستعان باقتصاديين حقيقيين، ولكن استمرت معادلة الاقتصاد الموازي. دافع مبارك عنه مرة مستخدماً نظرية «اقتصاد الانسياب من أعلى إلى أسفل» Trickle Down Economy وهي نظرية شاعت في الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الذي كان يشجع خفض الضرائب على الأغنياء، وإعطاء حوافز لرجال الأعمال على أمل أن ترتفع مداخيلهم فتنساب نحو بقية الاقتصاد. من الواضح أن النظرية فشلت في مصر فكانت ثورة 25 يناير التي كانت «العدالة الاجتماعية» أهم شعاراتها. المشكلة أن الساسة والمثقفين في مصر يهربون من مناقشة أمّ القضايا في بلادهم وهي الاقتصاد، ويفضلون أي قضية غيرها، دولة مدنية أم دينية، مدنية أم عسكر، عسكر أم «إخوان»، مؤامرات دولية،…

ماذا لو التزم «الحجاج» بمعايير حقوق الإنسان؟

السبت ٢٢ فبراير ٢٠١٤

أوكرانيا على أبواب حرب أهلية، الأوضاع هناك أسوأ من احتجاجات وحرائق، والانقسام أعمق من خلاف سياسي بين حكومة منتخبة ومعارضة تريد إسقاطها، والقضية أكبر من اتجاه يريدها باقية ضمن المحور الروسي، وآخر يتطلع غرباً نحو أوروبا. إنه انقسام وصل حتى العظم قد يقسم هذه الديموقراطية الناشئة عرقياً ودينياً. الصور من هناك تذكرنا بما رأينا في ميادين «الربيع العربي» مضاعفاً مرات عدة، ولكن من دون تلك الأرقام المهولة للقتلى التي تعودنا عليها في عالمنا. إنهم مذهولون أمام العدد المتزايد للقتلى الذي قد يصل إلى 80 قتيلاً مع نشر هذه المقالة، غير أن هذا الرقم الذي صدمهم وصدم الأوروبيين لا يزال بعيداً من أرقامنا القياسية في كل يوم، فلماذا؟ إنه التزامهم بمعايير «حقوق الإنسان العالمية» التي لا تجيز استباحة الدماء في صراعات الأهل والوطن الواحد، أما نحن فلا نزال نعتقد بجواز استباحتها من باب الضرورة لسلامة المجتمع والأمن العام، يجب أن نعترف بأن بعضاً من «الحجاج بن يوسف الثقفي» لا يزال يعيش في السياسي العربي، بل حتى المثقف والداعية والكاتب والمعلم العربي، مستعد أن يقبل «التضحية بشوية لأجل الباقي يعيش» كما قال الرئيس المصري المعزول محمد مرسي خلال إطلاق مبادرة لحماية حقوق المرأة المصرية! استشهدتُ بمرسي من دون غيره لسببين، أولهما أننا دخلنا في زمن ننتقي مَن ننتقد ونسكت عن آخرين، ومرسي…

لماذا سمحت السعودية بالجهاد في أفغانستان ومنعته اليوم في سورية؟

السبت ١٥ فبراير ٢٠١٤

يطرح هذا السؤال بقوة هذه الأيام بعد صدور أمر ملكي في السعودية لا لبس فيه يجرم مشاركة أي سعودي في «أعمال قتالية خارج المملكة بأي صورة كانت»، وسبق للسعودية تحذير مواطنيها خلال حرب العراق الأخيرة من سفر الشباب إلى هناك ووصفته بمواطن الفتن، واعتقلت من يحاول الذهاب إلى هناك أو يعود منه. ومما قيل آنذاك «كان الجهاد حلالاً عندما التقت المصالح مع الأميركيين في أفغانستان، وأضحى حراماً عندما أصبح ضدهم». ولكن ما سبق من سؤال وجواب يقوم بالكامل على افتراض خاطئ، فالمملكة لم تشجع الشباب على الجهاد في أفغانستان، وإنما سمحت لهم بالعمل الإغاثي هناك، إذ إنها والرأي العام كانوا مؤيدين وقتها وبقوة للقضية الأفغانية، وقصة التذاكر المخفضة التي يتداولها البعض كانت تصدر بتوصية فقط من الهيئات الإغاثية التي كانت تدير عشرات المشاريع في باكستان حيث استقر أكثر من 3 ملايين أفغاني في ظروف صعبة، وكانت بحاجة لتشغيل مئات من السعوديين هناك، وكانت الدولة ترغب في تنظيم نشاطهم وحماستهم في إطار مؤسساتي، فطلبت الهيئات الإغاثية خفضاً في قيمة تذكرة السفر لإسلام أباد على متن الناقل الوطني، (الخطوط الجوية السعودية)، فحصلت على خصم نسبته 75 في المئة، واستفاد منه بعض من نشط في العمل المسلّح على أساس أنهم يشاركون في العمل الإغاثي أيضاً، وتورع البعض عنه حتى تكون نية الجهاد عنده…

هل يجرؤ خالد الفيصل على اختبار المعلمين مثلما فعل كلينتون؟

السبت ٠٨ فبراير ٢٠١٤

عاد الاهتمام بالتعليم في السعودية بتعيين وزير جديد لهذه الوزارة الصعبة، والحق أن التعليم لم يختفِ يوماً من رادار اهتمامات المعنيين السعوديين بالشأن العام، ولكن انتابهم يأس من أن هذه الوزارة وموضوعها «التعليم» لا يمكن إصلاحهما، فملّوا من الحديث في أمرهما، ولكن ما إن يكون الحديث حول البطالة والعمل والإرهاب، إلا ويحضر التعليم في المجلس أو بين سطور المقالة. فهل يستطيع الوزير الجديد خالد الفيصل إصلاح ما عجز عنه الآخرون؟ وهو ليس بالتربوي، وإنما بيروقراطي صارم اكتسب خبرته طوال 40 عاماً كحاكم إداري لمنطقتين من أهم مناطق المملكة، فاشتهر بحزمه وانضباطه في العمل. بعضهم يرى أنه لو نجح الفيصل فقط في «ضبط وربط» الجهاز الإداري والتعليمي لوزارته التي تعد أكبر موظفٍ للسعوديين بعد الدفاع والداخلية، فإنه سيحقق إصلاحاً كبيراً، فإدارة أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة مشغولين بحقوقهم ومسيراتهم الوظيفية، ونقلهم من بند إلى آخر أكثر من انشغالهم بوظيفتهم الأساسية، هو جهاد في حد ذاته. منذ أن تبوأ خالد الفيصل منصبه والاقتراحات تنهال عليه من أين يبدأ! المناهج أم مباني المدارس المتهالكة. المعلمون أم رواتبهم، أم أنها الإجازات الكثيرة التي ننفرد بها في المملكة حتى باتت أخبارها تتصدر الصفحات الأولى. ولكن حصل شبه إجماع بين كتاب الأعمدة والمعلقين، على أن المشكلة تكمن في «المناهج» وهي قضية قديمة تنقسم في اتجاهين،…

أهلاً وسهلاً بكم في إذاعة «كوكب الشرق»

الجمعة ٠٧ فبراير ٢٠١٤

لماذا لا توجد إذاعة أو محطة تلفزيون لأم كلثوم؟ ثمة جمهور عربي عريض من المحيط إلى الخليج، يختلف في السياسة، بل حتى يقتل بعضه بعضا، ولكنهم جميعاً يطربون لسماع كوكب الشرق وهي تغني لهم عن الحب والشوق والحرمان.. والأمل، ليتها غنتهم عن السلام والتعددية والتداول السلمي للسلطة. اكتشفت مؤخراً مجموعة في الواتس أب معنية بأم كلثوم، تتبادل نوادر أغانيها، وتسجيلات خاصة لجلسات طرب في بيوت علية القوم لم تذَع، أمثال هؤلاء سيكونون نواة جمهور ملتزم لإذاعة أم كلثوم، والتي يمكن ألا تقتصر على بث أغانيها الرائعة على مدار الساعة، وإنما أيضاً تشجع مواهب جديدة تقلد كوكب الشرق في فنها وإبداعها فتسهم في وقف حالة التردي والتجريف التي تتعرض له الموسيقى العربية. عزز من قناعتي بالجدوى التجارية لإذاعة ومحطة «كوكب الشرق» تجربة أخرى، إذ دعيت لعشاء من قبل نخبة مثقفة من رجال الأعمال والمال والمسؤولين الحكوميين البحرينيين بفيلا صديق في درة البحرين، كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة عندما ذكّر أحدهم صاحبه أن يتحول نحو روتانا طرب، فهي تبث سهرة مع أم كلثوم كل ليلة في نفس الوقت، أضفت «الست» جواً بديعاً على سهرتنا لليلتها، يضاف إلى هواء درة البحرين العليل، شعرت كأننا من ذلك الجيل الذي كان يجتمع حول الراديو آخر خميس من كل شهر ليستمع إلى حفلتها الشهرية، بالتأكيد…

كيف يستطيع الشيخ السديس إنقاذ باكستان؟

السبت ٠١ فبراير ٢٠١٤

كتبت العام الماضي مقالة هنا، قلت فيها إن إمام الحرم المكي يستطيع إنقاذ باكستان بما له من قبول لدى عامة الشعب هناك. لم يستجب فضيلته لدعوتي ويذهب إلى باكستان، ولكن الأمير سعود الفيصل قام أوائل الشهر الجاري بزيارة مهمة لإسلام آباد هي أول زيارة لهذا البلد الذي تعتبره المملكة حليفاً استراتيجياً لها، فيهمها صلاحه وخروجه من أزماته الكثيرة. فأما وقد عاد الاهتمام السعودي بباكستان، فإني أكرر الدعوة نفسها، فلا تزال باكستان حيث تركناها قبل عام مع تحسّن طفيف هو استقرار الحكم المدني، إذ تم تداول سلميٌ ثانٍ للسلطة بعيداً من تدخلات الجيش، ووصل إلى الحكم صديق المملكة الدائم رئيس الوزراء نواز شريف. لقد وعد الأمير سعود بالمعتاد، من تطوير العلاقات الثنائية ورفع مستوى الاستثمار بين البلدين، وهناك حديث عن مشتريات عسكرية سعودية من باكستان، وزيارات قادمة لمسؤولين رفيعين إليها، وفي كل ذلك خير، ولكن باكستان بحاجة لمعالجة «العقل الجمعي الباكستاني»، وهنا يأتي دور إمام الحرم. أعلم أن أصدقائي هناك سيغضبون من قولي هذا، ولكنهم يعلمون أن انتشار الأمية مع نوع سلبي من التدين يقوم على التقليد وتسليم العقل لعلماء دين انتهازيين جعل «المسلم الباكستاني» الأسرع في تصديق الإشاعات والخرافات، ما جعل باكستان تتعثر في نهضتها مقارنة بجارتها وغريمتها الهند. ثمة مشكلات ثلاث حادة هناك تعبّر عن هذه المعضلة. ملح الطعام…

هل يستطيع السوريون وحدهم قيادة بلادهم في مرحلتها الانتقالية؟

السبت ٢٥ يناير ٢٠١٤

بينما ننتظر خلال هذا الأسبوع، وربما الذي يليه، نجاح أو فشل «جنيف2»، لنتفكر في من سيقود سورية في «المرحلة الانتقالية» التي ستفضي إلى سورية الجديدة الحرة الديموقراطية غير المقسمة، والتي تعيش سلاماً مع ذاتها وجيرانها؟ هل طلبتُ الكثير؟ إنه الحد الأدنى الذي تطالب به المعارضة، ومعظم الفصائل المقاتلة، وكذلك كل دول المنطقة، فلا أحد يريد سورية تحكمها طائفة تلغي أخرى، أو يحكمها الجيش، ولا سورية مقسمة، حتى «جبهة النصرة» المحسوبة على «القاعدة» قال زعيمها إنهم مجرد فصيل مع آخرين، ولن يفرضوا رأيهم في تحديد مستقبل بلادهم. لا يبقى غير «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والذي اجتمعت كل الفصائل على رفضه وقتاله، ولكن لم تحسم معركتها معه بعد، فهو لا يعترف حتى بفكرة «الدولة السورية» ناهيك عن أن يقبل بديموقراطية وتعددية. إنه يتحدث عن دولة إسلامية خالصة، ولا بأس بخلافة، وبالتالي سيبقى شوكة في خاصرة الجمهورية السورية القادمة ومرحلتها الانتقالية، بغض النظر عمن يقودها، مثلما هو شوكة متفاوتة في حجمها في خاصرة معظم الدول العربية والإسلامية. إذا ضغط الروس في جنيف ودمشق أيضاً بما يكفي على حليفهم السوري، وتم الاتفاق على تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية وسلطة كاملة على الجيش والشرطة وأجهزة الأمن»، كما توافقوا مع الأميركيين، وكما جاء في مضمون الدعوة إلى «جنيف 2»، فإن ذلك يعني…

مدّوا الأيادي لبيعة البغدادي!

السبت ١٨ يناير ٢٠١٤

لماذا لم يبادر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الشهير بـ «داعش» إلى الاتحاد مع الفصائل الإسلامية الأخرى مثل أحرار الشام وحركة المجاهدين، بل حتى «شقيقته» جبهة النصرة، على رغم أنه يتفق معها في الخلفية السلفية، وهي مثله ترفض الديموقراطية وتنادي بدولة إسلامية؟ الإجابة بسيطة جداً. لأنه هو «الدولة»، فكيف تنضم الدولة إلى تنظيمات؟ بل إنه يرى أن على هذه التنظيمات الدخول تحت مظلة «الدولة»، ومبايعة «أمير المؤمنين» أبو بكر البغدادي على السمع والطاعة في المنشط والمكره. هذه الحقيقة البسيطة مكلفة جداً، فهي تفسر الحرب الأهلية الصغرى في داخل حرب أهلية أكبر، والدائرة رحاها الآن في شمال سورية بين تحالف من كل القوى الإسلامية وبين «داعش»، ذلك أنها بمنطق الدولة علَت وتجبرت، فاعتقلت هذا وأعدمت ذاك في المناطق التي كانت تحت سيطرتها، ويكشف سجل للمعتقلين في سجونها حصل عليه أحد المقاتلين، أن «سبّ الدولة» كان من أسباب الاعتقال، فمن الواضح أنها وإن كانت «إسلامية» فإنها لا تقبل بالرأي الآخر، وسيجد أنصارها تبريراً لذلك بـ «لما له من تفريق لصف المسلمين». فكرتا «الدولة» و «أمير المؤمنين» قديمتان اختصت بهما الحركات السلفية الجهادية، وأحسب أنها تبلورت ما بين أحراش الجزائر وضواحي لندن، فبعدما أوقف انقلاب عسكري المسار الانتخابي في الجزائر في كانون الثاني (يناير) 1992، واعتقل الآلاف من قادة وأنصار «الجبهة الإسلامية…

«سعلوة» «داعش» التي تجاوزت «القاعدة» في قبحها

السبت ١١ يناير ٢٠١٤

ما بين «النصرة» و «داعش»، والأنبار وحلب و«القاعدة» والعشائر، اختلط الحابل بالنابل، في مشهد سوريالي لا تكاد تبين فيه الحقائق، ومن هو الثائر ومن هو المتطرف والإرهابي. أنصار «القاعدة» يقولون إن «داعش» خرجت عن الجادة، فتسألهم: وهل «القاعدة» على الجادة؟ المتشككون يقولون «داعش صنيعة النظام»، والمقصود بـ «النظام» هنا السوري والعراقي والإيراني! كيف ذلك وهم يكفّرون الشيعة ابتداءً، على غير أهل السنّة الذي يعطونهم فرصة لقبول منهجهم، فإن امتنعوا كانوا مرتدين؟ وزير العدل العراقي حسين الشمري اتهم «رؤوساً كبيرة في الدولة» بتهريب المعتقلين من «داعش» في تموز (يوليو) الماضي من سجنَي أبوغريب والتاجي لتقوية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي يحارب بشراسة في سورية، وذلك خدمة لنظام بشار الأسد الذي يحتاج وجودَ «القاعدة» لتحويل الثورة الشعبية إلى إرهاب، فيتحول هو بالتالي من ديكتاتور يحارب شعبه المُطالب بالحرية إلى بطل يحارب الإرهاب، غير أن السيد الشمري سحب تصريحاته الخطيرة هذه الثلثاء الماضي وقال إنها كانت مجرد تحليل وليست معلومات. قادة في «الجيش الحر» يؤكدون ما ذهب إليه الشمري، بل استعرض أحدهم صوراً لضباط في الاستخبارات السورية يقفون بفخر مع رجالات «داعش» وقد أطلقوا لحاهم وارتدوا الأسود من الثياب التي أضحت شعار مقاتليها، ولكن لـ «داعش» بلاءها الحسن في الحرب على النظام، فلقد اقتحمت مطار منغ ومراكز عدة للنظام، ولكنها أيضاً…

بين خيام اللاجئين… «سايكس بيكو» العجوز يموت وشرق عربي جديد يولد

السبت ٠٤ يناير ٢٠١٤

«ما يجري في العراق اليوم هو امتداد لما يحصل في سورية» جملة صحيحة، لولا أن رئيس وزراء العراق الذي اختار أن يكون زعيم طائفة لا شعب، يريد أن يفسرها كإرهاب، وهو في «حرب على الإرهاب» مثلما يردد نظراؤه في غير مكان، بينما الحقيقة أن كل شيء يتغير في عالمنا عدا الزعماء، فالمشرق العربي كله يمر بتغيرات سياسية وديموغرافية حادة، ترقى إلى ولادة عالم جديد مختلف تماماً عما تشكل في «العراق وسورية ولبنان والأردن» بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1918، وتأطر باستقلال هذه الدول بعد الحرب الثانية. في الزمانات الماضية، كانت القوى الاستعمارية تدعو لمؤتمر دولي بحضور ممثلي تلك الأقاليم، فترتب أمورها، وترسم حدودها، وتتقاسم النفوذ القوى فيها. بالطبع لن يجرؤ أحد على الدعوة الى مؤتمر كهذا، ولا حتى الجامعة العربية على أساس أنها باتت قضية عربية خالصة لدول متحققة الاستقلال، فلا هي قادرة، ولا الدول الغربية مهتمة، كما أن أنظمة تلك الدول لم تسقط تماماً، ومعاركها لم تنتهِ بعد، ولكن تحولاتها حاصلة ولن يستطيع أحد إيقافها. إنها تفرض نفسها بنفسها في زمن الحرب والفوضى. من الواضح أن نظام «سايكس بيكو» الذي شكّل المنطقة بعد الحرب الأولى انتهت صلاحيته واقترب من إكمال عامه المئة، ولكن حدوده ستبقى قائمة، على الأقل باعتراف المجتمع الدولي، فالحدود مسألة متفجرة ولا يحب أحد فتح ملفاتها…

«تشاينا تاون» في الرياض!

السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠١٣

كل دول العالم لديها مشكلات حادة مع «الهجرة»، وينقسم ساستها بين مؤيد ومعارض. مثقفون يرون في الهجرة رافداً ثقافياً وتنوعاً. حقوقيون ينظرون لحقوق المهاجرين. مؤرخون يرونها تطوراً إنسانياً. اقتصاديون ينقسمون بين من يرى أثرها السلبي في وظائف المواطنين، وآخرون يرون أنها تحرك الاقتصاد الراكد. سياسي يميني يراها تهديداً لبنية الدولة الثقافية. متطرف مهووس بالنقاء العرقي. وكذلك عندنا في الخليج والسعودية، ستجد كل الأفكار السابقة مع اختلاف كبير، فنحن لا نرى «الأجانب» كمهاجرين وإنما وافدين، وثمة فارق هائل بينهما، وبالتالي لا توجد لدينا وزارة أو مصلحة لـ «الهجرة» وإنما إدارة لـ «الجوازات والإقامة»، ولكن هذا لا يبسّط المشكلة، بل يعقدها أكثر. «تشاينا تاون» في نيويورك تشرح الفرق، فهناك عالم مختلف عن بقية المدينة، لذلك سمّوها «مدينة الصين»، حيث جعلوا في مدخلها بوابة ترمز للصين. الوجوه صينية، وكذلك الرائحة والأطعمة واللغة والموسيقى، وأسماء المحالّ كلها صينية، ولكن سكانها يدفعون ضرائب لمدينة نيويورك وينتخبون عمدتها، ويثرون هناك ويشترون بيوتاً، ويبنون مصانع، ويتوسعون بتجارتهم ويرسلون أبناءهم إلى مدارس محلية ومن ثم إلى جامعات أميركية عريقة. إنهم أميركيون مثل بقية سكان نيويورك، وبالتالي يصب اقتصادهم في الناتج القومي للمدينة، ومن ثم في الناتج القومي للولايات المتحدة الأميركية. في الرياض وجدة ودبي والبحرين، ثمة «تشاينا تاون» أو بالأحرى «لاهور جداوية» أو «كيرالا بحرينية»، مثلها مثل «تشاينا…

المواجهة الكبرى المقبلة بين السعودية وإيران

السبت ١٤ ديسمبر ٢٠١٣

رحب قادة الخليج في اختتام قمتهم الأخيرة بالكويت «بالتوجهات الجديدة للقيادة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون». من قال إن هناك توجهات جديدة لإيران؟ إنه الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد ظريف اللذان شنّا هجوماً بمعسول الكلام والابتسامات والوعود، نحو دول المجلس، كل على حدة بالطبع، فهذه سياسة إمبراطورية عتيقة «فرق تسد». إنني متأكد أن الوفد السعودي لم يكن سعيداً وهو يشارك في صياغة هذا البند من البيان الختامي، فالسعودية تعلم أنها ستتحمل وحدها المواجهة المقبلة مع إيران والتي ستكون في سورية، وستشاركها فيها قطر فقط، في مفارقة عجيبة تعبّر عن مرحلة «السياسة الواقعية» التي ستسود بين دول المجلس في المرحلة المقبلة. وفي الغالب فإن السعودية هي من أصرّ على أن تكتمل الجملة السابقة بالشرط الآتي «آملاً أن تتبع هذه التوجهات خطوات ملموسة وبما ينعكس إيجاباً على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة». «السياسة الواقعية» الإيرانية هي ما جاء بعد هذا البيان بيومين فقط على لسان قائد «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري الذي قال إن «سورية تمثل الخط الأمامي للجمهورية الإسلامية»، وإنهم لا يخفون وجود عناصره هناك «كمستشارين ويقدمون الدعم وفق طلب رسمي تقدم به نظام معترف به دولياً»، وإنهم سيفعلون كل ما بوسعهم للدفاع عن النظام هناك «ولو بلغ الأمر ما بلغ» بحسب قوله. ظريف لن يتحدث بهذا الوضوح، وإنما…