الأربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥
فعلاً البطالة من سنن الكون الثابتة، فمثلاً كان الصيادون البدائيون يتحوّلون إلى عاطلين حين تختلف رماحهم مع مواسم هجرات السمك. كان المزارعون يفقدون دخلهم السنوي إذا عصفت بهم موجة جفاف أو غمرت أمطار حقولهم. كان البحارة يفقدون عملهم إن غرقت سفينتهم أو هاجمها القراصنة. كانت الحروب منذ بدء نشأتها تزيد عدد العاطلين، لأنها تحجب سبل التجارة وتقطع الممرات. في حالات السلم والاستقرار، تتحوّل الجيوش من قدرة عسكرية إلى جيوش من العاطلين. التاريخ يؤكد ذلك كله، إلا أن الفرق أنه لم تكن لدى المجتمعات حينها أدوات لقياس نسبة البطالة، لأنها لا تحسب قوة العمل أصلاً، ولا تكون العودة إلى ذلك سوى إعلان تنازل عن كل معطى علمي مكتسب. ربما جاز القول عند بعض المخططين، إن «أهل الصفة» كانوا حالة البطالة في مجتمع المدينة، وتباين أعدادهم من وقت إلى آخر يمثّل التغيّر في نسب البطالة بحسب طرق المعالجة وتنوّع الفرص. الفرق بين اليوم والأمس هو استقراء كل حالة، ورصد بياناتها، ودرس انعكاس تأثيرها في الحالة الاجتماعية، والبحث عن معالجات لها. ووفق معلوماتي، فإن وزارة التخطيط لا تنافس أقسام التاريخ في الجامعات، ولا تضمّ إدارة للرصد التاريخي، لأن منشأها وسبب وجودها هما أن تتعرف الى مشكلات اليوم، وتسعى إلى أن يخلو المستقبل منها. لا يجب أن تكون عين وزارة التخطيط خلف رأسها، لأن…
الثلاثاء ٢٧ يناير ٢٠١٥
لم يكن الحوثي وعلي عبدالله صالح ومن وراءهما يتوقعون استقالة الرئيس عبدربه هادي منصور، لأن جميع الحسابات والرهانات كانت تدور حول استغلال ضعف الرئاسة وشرعنة كل أهدافهم من خلالها. كان تفاؤلهم عالياً حين أعلن مجلس الأمن الدولي ومجلس التعاون الخليجي أن الشرعية الوحيدة هي لهادي، ما يجعل أي قرار يتخذه ملزماً للجميع وغير قابل للنقض. حمل الحوثي قائمة مناصب تشمل جميع مؤسسات الدولة، إلا أنه اختار من باب التقية الاكتفاء بمناصب نائب رئيس الجمهورية ونواب الوزراء وهيئات المنافذ والنفط. كان يسعى إلى التحكم الداخلي في الدولة وتسييرها بالقوة من خلال صوت هادي وتوقيعه هو ووزرائه إلى أن يسيطروا كلياً على مفاصل الدولة من دون اعتراضات دولية، بل ربما بمباركة كاملة. جاءت استقالة هادي وبحاح المفاجئة قبل اكتمال حال التلبس الكاملة، وتحويل الحكومة إلى مسرح عرائس، فارتبك المشهد اليمني وعادت المسيرات الحاشدة لرفض هذا الانقلاب، بعد أن فشل في ارتداء عباءة الشرعية والتسلح بها، ما جعله في مواجهة شاملة مع الشعب اليمني بعد سقوط ورقة التوت والتمويه بالمدافعة عن الحقوق العامة. الحكومة جميعها تحت الإقامة الجبرية أو الاحتجاز، واليمنيون يتعرضون للقتل والخطف لأنهم يريدون لبلدهم النجاة والسلامة، فلم يعد لخطاب الحوثي المراوغ، وجهود صالح في تثبيط القبائل ومخادعة قوى الأمن تأثير، في ظل هذا التهاوي المستمر. صالح هو اللاعب الرئيس في…
الخميس ٢٢ يناير ٢٠١٥
حسناً فعل الحوثي، إذ رفع الستارة التي كانت تحجبه عن السلطة، فدخل الواجهة بعد أن كان يحرك أصابع هادي منصور للتوقيع على كل ما يريد، محافظاً على صورة ظاهرية للتقاليد الرسمية. منذ دخول الحوثي صنعاء لم يعد هادي رئيساً، بل مجرد ختم وتوقيع يخولان الحوثي كل ما يريد، ويوسعان نطاق سلطته ويمنحانه الشرعية، ومنذ 21 أيلول (سبتمبر) لم يصدر هادي أي قرار يخالف رغبة الحوثي، ثم سلّمه كل الأسلحة والسلطات من خلف حجاب. لا مبرر عملياً لاحتجاز الشخص المسمّى «رئيساً» زوراً وبهتاناً سوى إحداث توتر ينعش أسواق النفط سريعاً، نتيجة رفع حال القلق سواء على مستوى الإشعار أن السعودية في خطر أم بحكم التهديدات لمضيق باب المندب، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، فلم تحدث أية استجابة فورية لهذا الخطر المفترض، ولعل المبادرة الإيرانية المفاجئة في الدعوة إلى حوار صريح مع السعودية تتسق مع هذا الانقلاب وتسعى إلى استثمار هذه التحولات السريعة. الحوثي ليس لاعباً ساذجاً، بل نجح في الأشهر الماضية في تعزيز قبضته على السلطة، وكشف براعة لافتة في طريقة إدارة الصراع والتماهي الفاعل مع المتغيرات، فارضاً نفسه حاكماً فعلياً لليمن، فلم يعترض أحد طريقه المتشعب شمالاً وجنوباً، كأنه يتحرك في فضاء مفتوح وبيئة حاضنة، إلا أن الفارق أنه لا يمكن له حكم اليمن مباشرة، حتى إن استحوذ على…
الخميس ١٥ يناير ٢٠١٥
في قرار جامعة أم القرى بإلغاء رسالة الدكتوراه لسعيد السريحي وردت جملة: «يطلب من الطالب الرجوع والتوبة»، يبدو أن السريحي لم يعلن التوبة حتى الآن من الاعتماد على البحث العلمي واحترام قواعده، على رغم مرور نحو 28 عاماً، لذلك لا حق له في استعادة الدرجة العلمية التي منحت له سهواً، قبل أن تستيقظ الجامعة وتسترجعها منقذة المجتمع من المناهج الغربية الغريبة! طلب التوبة من الباحث منهج مبتكر ودقة فريدة في تفحص نوايا الرسائل الجامعية ومعرفة هواجس كاتبها، ما يجعل جامعة أم القرى رائدة ومتفردة في آليات الموافقة على الرسائل الجامعية أو رفضها، لأن جامعات العالم التقليدية تكرر دوماً مسوغات منهجية علمية لرفض أي بحث، ولا تمتلك براعة ميكروسكوبية في حراسة البحث العلمي وتحصينه من الغزو الفكري الغربي الذي كان يترصد المجتمع في كل لحظة. الحق أن الجامعة كانت رحيمة بالسريحي، فهي لم تحرمه الفرصة كلياً، بل فتحت له ذراعيها لمعاودة التجربة بعد أن يتطهر مما علق به من أفكار الغرب ومناهجه الغريبة، مع أنها لم تناصح السريحي وقتها، إذ كان من المفترض أن تلزمه بقراءة رسائل الدكتوراه التي منحتها للباحثين، حتى يستدرك خطأه ويعرف الطريقة السليمة للبحث العلمي، خصوصاً أنها كانت سباقة في منح هذه الدرجة منذ السنوات الأولى لنشأتها. لو أن الجامعة منحت السريحي الدكتوراه وقتها لفرخ أجيالاً من…
السبت ٠٦ ديسمبر ٢٠١٤
إما أن هواها عربي أو أنها عوراء، فهي سريعة التفاعل مع كل شأن عربي، ميالة إلى التشكيك في الأحكام القضائية والطعن فيها مهما حرصت البلدان العربية على الاقتراب منها والتوضيح لها. الدول العربية لا تملك سمعة حسنة في هذا الحقل، فلقد مرت عليها عقود كانت فيها قبلة السهام من جميع الجهات، ربما لأن أكثرها يستهزئ بالديموقراطية ويتلاعب بها ليجعلها معطفاً لديكتاتورية خانقة، إلا أن هذه الجمعيات انتقائية في شكل لافت حتى أنها لا ترى أحياناً الجرائم الكبرى لشدة انشغالها بتفاصيل صغيرة ربما بحكم الإرث والاعتياد لا أكثر. عربياً تستهدف هذه الجمعيات السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وتخصها بتقارير وبيانات كثر كأنها مراكز انتهاك الحقوق على رغم جهودها للارتقاء في هذا المجال ليس من أجل التقارير، لكن حرصاً على مواطنيها وسعياً لبناء مؤسساتها. هذه الجمعيات لم تهتم بما حدث في العراق طوال السنوات الماضية من مذابح بشعة، ولم تضع النظام السوري ضمن نطاق رؤيتها على رغم سجله غير المسبوق في التعذيب، وقتله وتشريده يومياً لآلاف السوريين. لم تنشغل بتايلاند وانقلاباتها العسكرية العنيفة، ولم يستثرها عشرات الآلاف من شباب هونغ كونغ، بل إن عينها العوراء يغشاها الرمد حين تلتفت نحو طهران وما يحدث على أراضيها، ما يجعل السبب الأبرز هو أنها تفتقر إلى الإيرانيين العاملين معها أو أن تعاطفهم يغلب عليهم فلا يرون…
الثلاثاء ١١ نوفمبر ٢٠١٤
... وفعلهم كذلك. هم صخب الطلاب في الفسحة إلى أن تسكتهم صفارة المعلم، فيتبخّرون مثل فقّاعة صابون. لا أعرف سبب اعتقال محمد العريفي، لكن ملايينه الـ 10 ذابوا كأنهم سراب، حتى ليشك المرء في اعتقاله، لأن الصبيّ حمزة كشغري نال اهتماماً يفوقه مراراً، بل إن نجوم الصحوة، على رغم ضجيجهم، صمتوا كأنما تلبّستهم حال البيات، أو كأن العريفي من سكان بورتويكو. لا لومَ على «تابعي» العريفي، لأنهم قد يكونون حسابات وهمية تدار مركزياً، فلما وجدت صاحبها اختفى شلّها الصمت، لكن ما سبب سكوت الأصوات الفعلية التي كانت ترفع النبرة عالياً وتهدّد بالويل والثبور وتتفاخر بكثرة الإعادات لتغريداتها؟ ألا تثق بقوة تأثيرها وحضورها وتراهن على سطوتها أم أن الوهم واحد؟ قبل انتخاب السيسي رئيساً لمصر، ابتكر «الإخوان» وسماً بذيئاً ضده، قالوا إن التغريدات فيه جاوزت البليون، لكن المصريين انتخبوا السيسي وهاهو يمضي بمصر في طريقها من دون منغّصات سوى عمليّات جبانة، مثل حرق محوّلات الكهرباء أو محاولات تفجير محطّات «المترو»، بينما بقي البليون تغريدة حبيس مكاتب «الإخوان» وموظفيهم ومموليهم. سحبت الكويت الجنسية من نبيل العوضى، فاحتقن «تويتر» ولم تمضِ أيام حتى نسيَه الناس، ولعله يتفحص الموقع فيجد هاجسه «خناقة» أحلام وشمس، أما هو فلا يرد له ذكر إلا عرضاً. قالوا إن مواقع التواصل الاجتماعي هي صوت الناس المحبوس المتمرّد على الرقابة…
الأربعاء ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤
قرار مجلس الوزراء الأخير بالموافقة على استحداث 17 نادياً جديداً مهم، لكن هل هو أولى خطوات الرئيس الجديد لرعاية الشباب، أم أنه قديم مر عبر المسارات البيروقراطية؟ عبدالله بن مساعد أمام تحدٍ مختلف، فدوري كرة القدم الذي كان مجال الحركة الوحيد للرئاسة أصبح خارج سلطته لعشرة أعوام، ما يقتضي رؤية تتجاوز الصندوق وتستهل معنى جديداً لهذه المؤسسة التي خسرت الثقافة أولاً ثم اجتنبت كل دور حتى ولجت قمقم اتحاد كرة القدم. المؤسسة اسمها الكامل «الرئاسة العامة لرعاية الشباب»، لكن خللها أنها لم تهتم يوماً بالرعاية أو الشباب، إلا إذا كانت بيوت الشباب المتناثرة تعتبر رعاية لهم. هي بحاجة إلى أن تعيد تأسيس ذاتها، وأن تبدأ الاهتمام بالشباب بدءاً من المدارس حتى الجامعات، وأن تعنى بالرياضات الفردية وتطويرها، وأن تجعل متنفسات الشباب في المدن والقرى أكثر من كاميرات «ساهر». عبدالله بن مساعد كان المحور في دراسة سابقة لتطوير «الرئاسة» غير معروفة نتائجها وسبب عدم تطبيقها، ولديه رؤى يتحدث بها الرياضيون، وبإمكانه أن يحدث الفرق الذي غاب طويلاً، وأن يؤكد أن صيته الفاعل حقيقة وفعلاً وليس مجرد عبارات. انتقلت الثقافة إلى وزارة الإعلام فكأنها تحركت من صالة الجلوس إلى غرفة النوم، فليس لها حضور، حتى أن الأندية الأدبية ليس لها من علامات البقاء سوى المباني، أما النشاط الثقافي فانحصر في النزاعات والخلافات…
الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠١٤
اتفاق عام، منه المعلن ومنه المستتر، على أن تركيا هي البوابة الأبرز لعبور الجماعات الجهادية إلى سورية، ولا يزال العشرات يعبرونها، ذهاباً وإياباً، يومياً بحسب تقارير غربية. بعض الدول الغربية لا يهمها الداخلين قدر خشيتها من العائدين، وهو خوف يتزايد بعد حادثة البرلمان الكندي. التقارير لا تتهم المؤسسة الرسمية مباشرة، خصوصاً الآن، لكنها تحيل الأمر إلى سهولة رشوة الجنود، وأن الإرهابي يكفيه 10 دولارت من أجل الدخول إلى الأراضي السورية، وإن نحو خمسين شخصاً يدخلون يومياً بهذه الطريقة. حجاج العجمي قال في لقاء له مع «روتانا» إنه دخل سورية مراراً عبر تركيا، وكأن الحدود ممسوحة أو غير موجودة، ما يعني اعتياد الجميع العبور مهما كانت أهدافه. التهريب عبر الحدود نشط حتى في مجال النفط، أما تهريب الأفراد فهو تجارة رابحة تكلف الفرد من 200 إلى 300 دولار، إلا أن أشد المناطق صعوبة إلى درجة الاستحالة هي المحاذية لمراكز الأكراد، إذ تشتد الحراسة والرقابة، أما المناطق الأخرى فهي يسيرة ومتاحة. الموقف التركي غامض ومربك، يزيده غموضاً ذلك الاتفاق السري على تحرير كل مواطنيها المحتجزين في الموصل، وربما كان الأصل فيه أن البوابة السياحية استحالت إلى ممر آمن لكل إرهابي، إضافة إلى وجودهم المكثف في المدن التركية الذي يشكل خطراً على الداخل. ذكرت «فايننشال تايمز» أن الاتحاد الأوروبي سلّم السلطات التركية لائحة…
السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠١٤
في كل مرة يبرهن الجيش العراقي وميليشياته الدموية أنه عدو الجميع في العراق، بدءاً بسكانه، وأنه ما زال يرتدي بدلة نوري المالكي السياسية، ومع ذلك فهو جبان لا تتجاوز غضبته حدود المدنيين والعزل، ولا تتعدى رؤيته موطئ قدمه الطائفي، فكان مصيره الهرب والسقوط، على رغم أن طائراته تقصف الحي كاملاً إن بلغها وجود أحد أفراد الجماعات الجهادية فيه، وليس له من فعل سوى خطاب دعائي يستحضر ذكريات الصحاف. كوباني الصغيرة المعزولة والمحرومة من كل سند، حتى ليبدو أن الجيش التركي أحد محاصريها والعازمين على إسقاطها، ما زالت تقاوم منذ خمسة أسابيع على رغم أن «داعش» جاءها بوهج قوته وعتاده وسطوة انتصاراته، فحال دونه وهذه البلدة شباب المنطقة وفتياتها، وصمدوا أمامه محطمين أسطورته المرعبة، ومع ذلك فإنه كلما انتكس في كوباني عاد إلى العراق فأحرز فيه انتصاراً يحمي سمعته ويعزز معنوياته. لو أن الجيش العراقي ومعه ميليشيات الحشد الشعبي طابورُ إعدامٍ أمام عناصر «داعش» لنفدت ذخائر عناصر التنظيم قبل القضاء عليه كلياً، إلا أنه يفرح بانتصارات هزيلة سرعان ما يبدد «داعش» سحائبها ويزيد توغله حتى مشارف مطار بغداد. أبرز الانتصارات العراقية هي استعادة ناحية إمرلي الصغيرة التي حوصرت فيها ميليشيات الحشد الشعبي، وتفاخرت إيران بدورها، ناشرة صور لوائها الهمام قاسم سليماني على أنه العقل المدبر لهذا الكسب العظيم الذي سينقذ العراق.…
الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠١٤
في شهر آب (أغسطس) الماضي تتابعت تقارير عن استعانة السعودية بقوات مصرية وباكستانية لحماية حدودها مع العراق خوفاً من «داعش». بعد ذلك اتسعت الدائرة لتشمل قوات مغربية وأردنية. لم تعلق الرياض على هذه الأنباء لفرط تفاهتها، فهي تسيطر على الحدود كلياً طوال الأعوام الماضية، حتى أن نسبة التسلل كانت «صفراً» رغم غياب الجانب العراقي، ثم أنها تضع «داعش» ضمن مصادر الإرهاب القائمة المرتكز خطرها في عمليات إرهابية، لكنها لا تخشى على حدودها ولا تعجز عن حمايتها، بل لعلها بعثت رسائل واضحة وقوية أن ظهور أي تجمعات قرب حدودها سيؤدي إلى مهاجمتها فوراً وبحسم. قبل عامين أطلق تنظيم متطرف ينتمي إلى رئيس الوزراء العراقي السابق بضع قذائف هاون تجاه الحدود، فكان التعامل السعودي مع الحادثة مثل تعامله مع المهربين والمخربين. اليوم تتكرر النبرة ذاتها في التحذير من خطر الحوثي على السعودية، وأنها وقعت داخل كماشة إيرانية ستعصرها، حتى إن سيطرة الحوثيين على المنفذ الحدودي اليمني كان خبراً رئيساً وكأنه غزو للسعودية. الحدود مع اليمن أصعب من مثيلتها مع العراق، بسبب طبيعتها الجغرافية، ولوجود تنظيم القاعدة وانتشاره في اليمن، إلا أن كل محاولات الاختراق الإرهابية أفشلها حرس الحدود بقوة وفي جميع الحالات، على رغم خمول الجانب اليمني منذ أعوام، ثم إنه يعيد يومياً من 400 إلى 1000 متسلل من مهربين وباحثين عن…
السبت ١١ أكتوبر ٢٠١٤
يختلف العسكر في السعودية عن نظرائهم في كل مكان، ليس لأنهم يربون لحاهم كما يشاؤون أو يتركون كل عمل لأداء الصلاة في وقتها، بل لأنهم يكسرون الصورة المتجهمة الدموية للعسكر، حتى ليبدو أن لبسهم الجاف لا يبث فيهم روح العنف والسطوة التي يمثلها العسكر في كل مكان. أول مشهد أدهشني أيام شبابي الأولى حين كنت أجتهد في تغطية «جنادرية» التسعينات، أنني شاهدت نقيباً في الحرس الوطني مرافقاً للطيب صالح. وقتها انتشيت بقيمة الأدب لأنني كنت أتسلق شجرته، وفرحت أن الأدب قد يعلو على بسطار العسكر وضربته القاسية، كما استشعرت أن العسكر ليسوا مجرمين وقتلة، بل هم موظفون منضبطون وربما مثقفون. ولعل النقيب ذاك كان سعيداً أنه برفقة قامة مثل الطيب صالح الشهير وقتها أكثر من صدام حسين رفيق المهنة. خلال أعوام طويلة غطيت الحج صحافياً وتلفزيونياً و «لقافة» أحياناً تحت تأثير الشيخ صالح العساف النشط في خدمة الحجيج عبر كل المستويات. في كل مرة أشهد من العسكر أداء لا يتفق مع التاريخ القاتم لهم من حيث التعامل الإنساني وعنايتهم بالحجاج. في بعض المراكز كان العسكري يتساهل مع الحاج المخالف خشية حرمانه الأجر. أما في المشاعر فهو مجرد أجير لدى الحاج ينتظر الأجر الرباني وليس الراتب الدنيوي. بعد أحداث أيار (مايو) 2003 وما رافقها من تفجيرات نزلت فرق من الجيش إلى…
الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠١٤
لا شيء يشغل لبنان هذه الأيام سوى سيدتين. تناسوا الفراغ الرئاسي وتجاذبات الأحزاب ومشكلات الكهرباء واختطاف العسكر وانصرفوا إلى رولا سعادة وأمل علم الدين اللتين بثتا بريق أمل واعتزاز لبنانيين امتصّا حال الاحتقان والضيق السائدة. وجدوا أخيراً أخباراً سعيدة بعد أشهر من سحب سُود ليس فيها مطر ولا خلف ظلمتها شمس، إنما تبعث بنذر شؤم وأخبار سوء، فلم يعد للاكتئاب منافس ولا مجال سوى للإحباط. خبران سعيدان تسلّلا ليعيدا إلى البنان روح الإنجاز والحضور والهيمنة، ويقين التمدد والانتشار، وقدرة الحضور الفريد، حيث يختفي الآخرون أو يستحيل ظهورهم. رولا سعادة المسيحية اللبنانية استقرت سيدة لأفغانستان المسلمة المغلفة بالتشدد، فهل من رسالة أقوى وأكثر تعبيراً يحلم اللبنانيون بها. أمل علم الدين الوحيدة التي دجّنت زير النساء جورج كلوني وأدخلته القفص سعيداً ومبتهجاً ودافعاً كل ثمنه. هاتان السيدتان تشكّلان الجوهر اللبناني من حيث التنوع والمغامرة والاندماج الثقافي، فلا يعتز اللبناني قدر ثقته أنه يستطيع أن يجعل كل أرض بلده، وكل سكانها صحبه، فهو العربي الوحيد الذي لا يغلق الباب ولا يحب الانطواء ويضيق بالطريق إن كانت طويلة وأحادية. كرسيَّان أحدهما رئاسة والآخر زواج، لكنهما أيقظا السؤال عن لبنان الذي كان، فكلا الكرسيين اقتعدته امرأة كانت نتاج الزمن الجميل حين كان لبنان محطة ونافذة ومنارة ثقافة وباباً لا يستأذن الداخل إليه ولا تلاحقه نظرات…