مها علي أبو حليقة
مها علي أبو حليقة
كاتبة اماراتية

أدمغة تتعفن في عتمة مبهرة

الإثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:      أنتَ تستيقظ من نوم قلق، تتلمس يدُك طريقها في العتمة إلى هاتفك. كنت قد وعدت نفسك بالأمس أن تمارس بعض التأمل فور يقظتك، وأن تستخدم تقنيات استذكار الحلم، قلت إنك ستعود لتمارينك الصباحية وفطورك الصحي، لكنك تريد فقط أن تتبين الوقت أو تطفئ المنبه. لا تعرف كيف ومتى وجد إصبعك السبابة طريقه إلى تصفح عشوائي لبعض المواقع: كلاب ترقص، أسعار ذهب تتقافز، مشايخ تلقي مواعظها، أشلاء ودماء وبكاء، دروس في الطهي، أطفال مولودون بالذكاء الاصطناعي يفرّون من مستشفى للولادة! أنت الآن ترمي هاتفك بغيظ وتنظر إلى سقف غرفتك الذي أضحى لسبب ما أبعد من المعتاد، ولا تكاد تذكر آخر مرة تأملته، بادلته حفنة من الأسرار الطازجة، وطبعت قبلة على جبينه، وما عاد عندك متسع من الوقت لتسمع عتابه، ولا حتى لتتناول فنجان قهوتك المختصة بهدوء. تسرع إلى عملك وأنت ناقم ومشوش وشاعر بالغبن، لكنك لا تعلم على من؟ ولماذا؟ تجلس في اجتماع مجلس الإدارة بذاكرة مخرومة، ينساب منها سائل هلامي لعلّه أخضر مشع. تحاول أن تذكر كيف وصلت؟ وما الغرض من الاجتماع؟ الهدف؟ محضر الاجتماع؟ اسم "الأوفس بوي" الأسمر الذي يطالعك مبتسماً وتريد أن تطلب منه قهوة بطريقة لائقة؟ هل يريحك أن تعلم أنك لست وحدك؟ وأنها ظاهرة تكاد تكون كاسحة، اصطلح على تسميتها…

ما نحن؟

الإثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست: يبدو أننا نميل كبشر، وبدرجات متفاوتة، إلى إلقاء كثير من اللوم على ذواتنا تجاه أشياء وأحداث بعيدة عن واقع تأثيرنا الفعلي.. وربما يحمل هذا في طياته شيئاً من الشعور الخفي بالرفعة والعظمة. اعتدت منذ حداثة نشأتي على الاهتمام بالبيئة، والتعاطي مع الموجودات كثروات ناضبة، فأقتصد في الماء والضياء والكهرباء بقدر المستطاع، وأعيد تدوير الأشياء بشكل تلقائي.. زاد هذا التوجه مع ثورة الحديث عن الاحتباس الحراري، وثقوب الأوزون، ومشاهد الدببة القطبية المسكينة والثلج يذوب من تحت أقدامها.. أطفئ الضوء وأفكر بها، وأعتذر لها وأنا أفرط في القراءة الليلية بلا حول مني ولا قوة. منذ أيام شاهدت في قبة معرض علمي مهيب فيلمًا وثائقيًا عن التغير المناخي الذي واجه الأرض في حقب تاريخية متعددة، وما رافقه من انقراضات عظمى أو موت كبير أودى بحياة العديد من أشكال الحياة البرية والبحرية على سطح هذا الكوكب، ومنها الديناصورات بكافة أنواعها. ناهيك عن كل التحولات الهائلة في جغرافيا الأرض ذاتها، كتل بأكملها انشقت وانزلقت مبتعدة بعضها عن بعض، لتشكل القارات التي نعرفها اليوم، محيطات شاسعة، وبحيرات، وأنهار، خطت طريقها بينها، جبال شاهقة ارتفعت، وأخرى تلاشت مع الزمن... تحولات عظيمة لم يكن للإنسان فيها من يد، ومع ذلك رسمت بزلازلها وبراكينها ملامح الكوكب الذي نسكنه اليوم. تساءلت حينها: ما نحن يا الله؟!…

رفرفة

الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥

خاص لـ هات بوست:      سمعتُ بكتاب "بدلة الغوص والفراشة" قبل بضع سنوات، وعلى الرغم من إغراء كونه مكتوبًا برمش العين اليسرى، إلا أنني تجنّبت قراءته، لأن كلمة "بدلة غوص" تستثير فيّ حالة فقدٍ خاصة .. فمنذ غياب أخي، بطل الإمارات وآسيا في الغوص الحر، بقيتُ أتجنب حتى النقطة فوق حرف الغين. لكن كما أن لكل أجلٍ كتاب، يبدو أن لكل كتابٍ أجل، وقد آن أوان هذه السيرة الذاتية الفريدة، كباكورة لقراءات "قنديل الأدب"، نادي القراءة الفائق البهاء، التابع لدائرة الثقافة والسياحة، والذي سرّني قبول دعوته الأنيقة، المتضمنة كل مرة لقاءً في أحد المتاحف أو المعالم السياحية البارزة في عاصمتنا الجميلة أبوظبي. نعود للكتاب .. لغة السرد، أسلوبها، دهاليزها ومتاهاتها، كمّ الذكاء الذي كُتبت به، غزارة المعلومات، يقظة التفاصيل، وحس الدعابة العالي، بل سأقول والتفاؤل والرغبة في الحياة أيضًا. فبالنسبة لشخص مثل جان دومينيك بوبي، صحفي وكاتب ورئيس تحرير مجلة شهيرة في أجواء عاصمة النور باريس، أن يجد نفسه وهو في أوائل الأربعينات ضحية جلطة دماغية حادة، تدخله في غيبوبة، يستفيق منها على حالة نادرة تُعرف بـ "متلازمة المنحبس" جسده مشلول بالكامل وهو ما عبر عنه بـ "بدلة الغوص" الثقيلة، بينما روحه ووعيه لا يزالان في أوج حضورهما، وقد صوّرهما بـ"الفراشة" التي ترفرف بعيدًا، وتحط في أماكن وذكريات وتفاصيل…