الخميس ٣٠ يوليو ٢٠١٥
بعيداً عن التكهنات والتحليلات الواعية وغير الواعية والسيناريوهات المركبة من التطلعات والمخاوف لما سيسفر عنه الاتفاق النووي الإيراني ومجموعة 5+ 1، وقريباً من استشعار دول الخليج لحقيقة وجودها بُعيد هذا الاتفاق، الذي كشف رصيدها الحقيقي في ميزان القوى العالمية، ونظرتها الواقعية لها، فعلى دول الخليج أن تبدأ مرحلة جديدة تعيد بها اعتبارها لنفسها، بتلمس مشكلاتها وأزماتها غير القابلة للتهاون أو الانتظار، لأن مطالبتها أميركا بتغيير نهجها السياسي الانقلابي الجديد تجاه إيران لن تجدي شيئاً، ولغة الحسرة المطبوعة على خطابها السياسي ليست حلاً، فواقع عالمنا العربي المشتعل بالأحداث والتقلبات على كل المستويات والأصعدة وإيران التي لعبت بقذارة وقبح في مواقع مختلفة من جسد عالمنا العربي لا يقبل بأدنى استرخاء فج في التعاطي والطرح، لذلك تبقى الفرص الديبلوماسية قليلة جداً بعدما تحددت الاتجاهات، وانكشفت النيات. يجب أن نعترف أولاً بأن دول الخليج بلا استثناء تعاني من أزمات حقيقية، أزمتها الأولى تتمثل بردود أفعالها السريعة، فإيران التي تمكنت أخيراً من إحداث هذا الشق من خلال تحقيق نصر ديبلوماسي في مفاوضتها قبل أن يكون إنجازاً نووياً، تقدم دروساً مهمة على دول الخليج استيعابها، منها أنها قد كسرت ببعد النظر وضبط النفس قاعدة المستحيل عبر حراك سياسي ممنهج وثابت ليس لردود الأفعال فيه مكان، مدفوعة بتحمل المسؤولية كاملة بلا ملل لتنفيذ أجندتها، مدعومة بقدرتها على…
الأربعاء ٢٢ أبريل ٢٠١٥
سعت إيران ولا تزال من خلال مخططاتها التوسعية في محاولات مدروسة لخلق توازنات علی مقاس طموحها وأهدافها الإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، اتخذت من أجل تحقيق ذلك لعبة التكتيكات؛ الرامية إلى إتاحة حزمة من الخيارات، التي تمكنها من ذلك مرحلياً وفق المتاح والقريب والراهن، فما لم تحققه من خلال الميليشيات المصطنعة في بعض مناطق الشرق الأوسط، تستطيع أن تفاوض عليه من خلال ديبلوماسيتها اللزجة. تبدى ذلك بشكل واضح ومكشوف من خلال ممارساتها الأخيرة عقب صعقة «عاصفة الحزم» غير المتوقعة لها، فالخليج الذي واجه ولا يزال قلاقل مذهبية يثيرها بعض متطرفي الشيعة بين آونة وأخرى ليست إلا واحدة من تلك التكتيكات التي يستخدم فيها المذهب كـ«حصان طراودة»، بثت فيه الأفعى الإيرانية سمومها؛ لإشعال المنطقة بحفنة من الأزمات وإشغالها بها، وبما يمَكِّن إيران تحت مظلة دعائية فجة من حماية الشيعة من دخول المنطقة. الحقيقة التي بدأت تتجلى واضحة للعيان بعدما لفتها حزمة من الشكوك، أن إيران المتسيسة -ظاهرياً- بعباءة وعمامة دينية، أصبحت في سياساتها الداخلية والخارجية لا تنزع في ممارساتها إلى أدنى القيم الدينية، وإن كانت تضرب على شعبها طوقاً دينياً خانقاً، وتسخر كل الأنظمة والقوانين المشرعنة وفق أطماعها ورغباتها لقمعه وتجويعه، وسوقها في اتجاه واحد لخدمة النظام وأجهزته وحمايته من التحلل أو حتى الاختراق، ولا تأخذ هذا النظام برفقاء الدرب إلاًّ ولا…
الأربعاء ٠٨ أبريل ٢٠١٥
لعل من أكثر القصائد التي اجْتُلِبت من الذاكرة، ساعة انطلقت فعاليات ما سمي «الربيع العربي»، هي قصيدة الشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي (لحن الخلود)، التي يقول في مطلعها: إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة *** فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ تلك التي ظلت محفورةً في ذاكرتنا حتى انفجرت كعبوة ناسفة؛ لتجسد واقعاً جلياً عما تنوء به قلوب الشعوب العربية المندحرة ردحاً من الزمن أمام سياسات دولها القمعية، فرحاً وطرباً بـ«الربيع العربي»، الذي ينسج للغد حلماً مسكوناً بالتطلع إلى الحرية والعدالة والمساواة، ثم تراجعت مخذولة بعدما خرجت اللعبة من أيدي الشعوب، وتسلمتها أيدٍ طائفيةٍ عفيةٍ قذرةٍ؛ لتبدد كل الأحلام الشعبوية، وتصيبها بالخذلان المبين، وتنكس راياتها إلى غير رجعة، والأمر من ذلك والأدهى هو نجاح الدعوات الطائفية والجماعات الإرهابية في تمرير أجندتها في عالم يمور في حيص بيص، ويغرق في وحل التفرقة والتشتت، بين أبناء الشعب الواحد، بعدما زرع الخوف بينهم، وفرغ عقولهم وأرواحهم من كل قيم السلم المشمولة بتراثهم الحقيقي. لم يفِ ذلك الطود العظيم من المؤلفات والكتب، التي منها ما اختلق الأزمة وظل ينفخ فيها حتى تورمت وتدحرجت ككتلة ثلج، وباتت كلقيط يبحث في جيناته عن نسب حقيقي له، بدءاً من تعريفها وانتهاءً بصياغات فلسفية قد لا يفهم منها شيئاً إلا في غرز الحشاشين، ويوم وقعت الكارثة تطايرت الأوراق، أو بالأحرى احترقت،…
الجمعة ٢٠ فبراير ٢٠١٥
< منذ أن انطلقت ثورات الخريف العربي والإعلام يغص بالأخبار والمشاهد المؤلمة، خرج علی خلفية هذه الأحداث فجأةً محللون إعلاميون يتحدثون في كل شيء، ليس لديهم عمق سياسي أو ثقافي يخولهم للتعاطي مع الأحداث الملتهبة بعقول متفتحة وأعين بصيرة، ذات رصيد معرفي حقيقي، فبعض إعلاميي «الخريف العربي» -وهذا من نتاجاته السيئة- ليسوا سوى نخب أول بامتياز لمكعبات التخلف، لذلك كانت لهم الجرأة على تسيد المشهد الإعلامي، وامتطاء صهوة جواد الإعلام الجامح، وحمل سيف الحقيقة المزعوم، بينما هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. لم يكتشف هؤلاء أنهم يعتلون منابر هشة أوهموا الناس بأنهم فرسان ومغاوير، وليس في جعبتهم سوى خواء أو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، هؤلاء الإعلاميون -مجازاً- صنيعةُ «الخريف العربي» جعلوا من الحبة قبة فصادف هوى كل المتعطشين إلى الحقيقة، بينما هم في الواقع أبعد ما يكونون عنها، وهو ما أسهم في ارتفاع وتيرة الأصوات الإعلامية الفارغة، التي تهرف بما لا تعرف، فتماهت مع عقول جوفاء فارغة لا يسعها قراءة الأحداث من مصادرها الأساسية، بعدما غُيّب المختصون من علماء السياسة والفكر عن المشهد الإعلامي تماماً، فأصبح الإعلام في «حيص بيص»، وعلى إثره علت أسهم بعض القنوات، ولمعت أسماء أصبحت تقتات رغيفها الملوث من هذا الاختلاق والافتئات والاجتراء غير الواعي وغير المحسوب، حتى امتلأت القلوب بالغل والكراهية، وأصبح التراشق…
الأربعاء ٢١ يناير ٢٠١٥
قد يختلف ما يزيد على بليون ونصف بليون مسلم تتقاسمهم الكرة الأرضية على تفاصيل معينة، وقد يخالفون في الرؤى والتصورات وحتى التطبيقات، لكنهم لا يختلفون ألبتة حول الثوابت الرئيسة التي توحدهم، وتجمع بينهم، والتي أصبحت مشمولة في عاداتهم وتقاليدهم، وجرت على ألسنتهم -عفوياً-، وخرجت من حناجرهم كالهواء الذي يتنفسونه. ولن تجد أمة من الأمم تتفق على شخصٍ ما، مثلما يتفق المسلمون على مختلف طوائفهم ومذاهبهم على محمد -صلى الله عليه وسلم- تصل إلى مرحلة التقديس، والموت في سبيل الدفاع عنه، مع أن المسلمين مأمورون شرعاً بألا يسبوا الذي يجترئون على دينهم ظلماً وعدواناً؛ كي لا تطول المشاحنات وتتفجر القلوب حنقاً، وينصرف الدين عن غايته الأسمى، المتمثلة في نشره بالأخلاق والقيم المشمولة بالتسامح والعفو، قال تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، وعلى رغم تجاوز بعض المستشرقين في أطروحاتهم حدود الأدب واللياقة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنها ظلت في حيز الدفاع والذب عنه بما لا يصل إلى البارود والنار. إلا أنه في زمن الاحتقان الديني والمغالاة، في ممارسة الحريات بما يخرجها عن بُعدها الإنساني، يكون الرد بلغة العصر الذي تخلى عن لغة العقل والمنطق، واتجه إلى استخدام الوسائل الأكثر تعبيراً ووضوحاً، وهو السلاح. لم يكن ما تعرضت له صحيفة «شارلي إيبدو»…
الأربعاء ٠٧ يناير ٢٠١٥
هل أصبح المواطن السعودي ساذجاً ومستغَلاً ومستغفَلاً إلى حد يكشف قدر بلادته وضمور حسه الإنساني تجاه أبسط حقوقه المعيشية وأقلها في أن يفهم ما يدور حوله؟ ثم هل بلغ به الغباء أن يُسمح للآخرين بأن يزوروا همومه ويُقحَم هو في الاشتغال في ما لا يعنيه ويتدخل في ما لا يخصه ويتشاكل مع الناس سلباً وإيجاباً في انتماءاتهم وأنسابهم وأحسابهم، وتثور ثائرته باحتقان يُلهب القلب بالضغينة والكراهية؛ دفاعاً عن ناديه المهزوم، ومع ذلك لم يسأل يوماً نفسه: لماذا يُدحرَج إلى هاوية الفقر والحاجة من خلال بوابات الأسهم والقروض والمغالاة في السلع؟ ولماذا يصبح كقشة في مهب ريح أمام غلواء جشع التجار واستغفالهم له؟ فالإنسان الذي لا يجهل كل الصفقات المبالغ في موازناتها، والمشاريع التي امتصت من الباطن حتى أصابها الهزال وتعثرت وجَثَتْ أخيراً لتضاف إلى زمرة المشاريع المتعثرة، والمناقصات التي تُعمَّد لحفنة من الشركات المتنفذة بالبلد بقوى خاصة. حتماً لا يجهل مسلسل ارتفاع وتيرة الأسعار والمغالاة في المعيشة إلى حد يفقد العقل فيه صوابه، ولا يبق سوى التحسب! هل يكفي هذا؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي وننتظر حتى يكرمنا الله برجل كالقصيبي -رحمه الله-؛ ليحل من أزمات بعض الوزارات المثقلة بأنظمتها البيروقراطية، والفساد المستشري بين أوردتها بما ألحق بها جلطات متعاقبة أفقدها وعيها بمسؤولياتها؟ لقد تأكد لنا بما لا يقطعه الشك ولا…
الأربعاء ٠١ أكتوبر ٢٠١٤
سنظل مضطربين حياری، تائهي الدليل تجاه ما يجري من حولنا من أحداث، بدءاً من «الربيع العربي»، وما تلاه من تداعيات، مروراً بنشوء الجماعات الدينية المتطرفة من رحم مجهول، وانتهاء بعودة الطائرات الأميركية بعد صمت مستتب للتحليق فوق السماء العربية، وتحديداً فوق الأجواء السورية، للقضاء على الفلول الداعشية. لم تقنعنا كل التحليلات السياسية، وتصريحات الجهات الرسمية حولها، وما تردد في الحوارات التلفزيونية وأحاديث المجالس العامة، التي لا تعدو كونها محاولات للفهم من خلال قراءات للظواهر بدلائل منقوصة لا تصل إلى العمق. هذا ما دفع أحد السياسيين المرموقين العارفين ببواطن القضايا السياسية وتحولاتها على الأرض، إلى أن يصرخ بصوت مرتفع حائراً بما يشبه العجز ويسأل: «من أين خرجت علينا داعش؟» وبالمثل يقع المحللون السياسيون المخضرمون في فخ هذا السؤال، بما يعرِّيهم ويكشف عمق جهلهم، وهو ما أسقطهم في شباك السخرية المرة على ما آلت إليه أوضاع أمتنا المزرية، التي باتت جاهلة بكل ما يخصها، ثم ندير رؤوسنا يائسين وعاجزين تجاه البيت الأبيض الأميركي، انتظاراً لتصريحاته التي يبادر بها لفك بعض الرموز والشفرات السياسية، واتخاذ -بناء عليها- قرارات مصيرية، ومع هذا نظل متفرجين لا غير، لما سيتبع هذه التصريحات من عمليات عسكرية. عجْزُنا عن تأويل كل الظواهر التي ضربت في جسد أمتنا وتغلغلت في تفاصيل حياتنا اليومية هو نتيجة لعدد من العوامل، أولها:…
الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٤
تطورت المفاهيم الإسلامية وتطبيقات الإسلام الحديثة (سياسياً) بفعل الصراعات الناشبة على أرضه والمطامع الخارجية التي تكالبت على الأمة الإسلامية منذ انطلاقة الحملات الصليبية عام 1096، مروراً باتفاق سايكس بيكو عام 1916 المبرم بين فرنسا والمملكة المتحدة لاقتسام الهلال الخصيب، وما تبعه من حروب طاحنة لإخراج المحتل، راح ضحيتها ملايين الشهداء في غضون نصف قرن من الزمان. لم تكن أواسط الجزيرة العربية وتحديداً نجد ذات إغراء يحرك مطامع المحتل قبل استكشاف النفط، لذلك ظلت محتفظة بقيمها المتوارثة البسيطة، تعبر عنها صحراؤها أكثر مما تعبر عنها مدنها الصغيرة المنغلقة على ذاتها داخل أسوار طينية متينة. المفارقة الغريبة أن الاجتياح يأتي معاكساً أي من وسط نجد باتجاه المناطق الشرقية من الجزيرة العربية تحت لواء عقدي، وهذا ما عجل بسقوطها في مواجهة عنيفة مع قوات إسلامية غازية بما هو أشد من الاستعمار. إن استعراض التاريخ المعروف يصبح تكراراً فجاً ما لم نستخلص منه عبراً ودروساً تثري حياتنا الراهنة، خصوصاً تلك المتعلقة بالسياسة وتمحوراتها، فلو تمعنا مثلاً في المملكة العربية السعودية الحديثة وتأثرها المباشر بالدولتين السعودية الأولى والثانية، لفهمنا كيف اكتسبت خصوصياتها الدينية والثقافية والمعرفية، فلم تنزع إلى البحث عن مفاهيم جديدة تختلف عما هو مألوف من الدين ببعديه العقدي والشرعي من جانب، والعادات والتقاليد المتوارثة ذات الثقل الاعتباري الفريد من نوعه من جانب آخر،…
الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠١٤
إن محاولة إضفاء بعض اتجاهات المرتبطين بالدين بشكل أو بآخر مفاهيم كهنوتية للدين الإسلامي عبر قيم الفناء وتسويقها بين جماعات تنزع للموت أكثر من ارتباطها بالأرض وعمارتها، لهو أمر في غاية العجب، وإن كان لذلك ما يمكن تبريره واقعاً، إلا أن العجب يحل بالمعنى الاستنكاري للعجز الذي يبوء به مفكرو الأمة ومستنيروها، العجز المتمثل في خلخلة هذا الاتجاه وتعريته، والأدهى والأمر وسمه بمصطلح ثقافي ومنحه صفة دلالية لا تجوز عقلاً إلا على القيم ذات الارتباط بالحياة، بمثل ما نمنح الموت وساماً تثاقفياً ونقول مثلاً «ثقافة الموت»، وهو ما تردد أخيراً عبر وسائل الإعلام وتلقفه المثقفون للتعبير حقيقة وليس مجازاً عن اتجاهات بعض المتدينين إلى نقل المجتمع من حيز الحياة بمباهجها وزينتها إلى الموت بكل سواديته وضبابيته، الموت الذي لم يستطع أحد تجلية حقيقته للناس، ليدخل في حيز الأسئلة الغامضة التي تكتنفه، ويظل معلقاً في الأذهان بلا إجابات، ليقوم بعض المغرضين بإقحامه في الطقوس والشعائر التعبدية التي لا يمكن للإنسان المتدين أن يكون متصلاً بالله وهو بعيد عنها، بهذا استطاع هؤلاء أن يقدموا بُعداً آخر لمعنى العبادة، العبادة المرتبطة بالموت مباشرة، في ثمانينات القرن الماضي وتحديداً إبان الحملة الأميركية على الاتحاد السوفياتي وتجييش كل المفاهيم والقيم من أجل تحقيق أهدافها انتشرت الكتيبات الصغيرة جداً التي قلبت وعي الناس ومفاهيمهم باتجاهات سلبية…