الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: ليس الشعر عند الأمير بدر بن عبد المحسن تعبيرًا عن العاطفة، بل تفكيرٌ بالعاطفة، واستنطاقٌ للوجود من داخل اللغة، في شعره تداخل بين حدود الحس والعقل، ليولد المعنى العميق من التوتر بينهما، فقصيدته لا تبحث عن الجمال بوصفه زينةً للقول، بل عن الحقيقة بوصفها جوهر الوجد، في شعره تتقاطع الأسئلة الكبرى: من أين يأتي المعنى؟ وما جوهر العشق؟ . يكتب البدر من أعماق الفكر والوجدان معًا، من منطقةٍ مشتعلةٍ يتداخل فيها الحسّ بالحدس، والحنين بالوعي، إنّه لا يصف الواقع، بل يعيد بناءه لغويًّا، كما لو أنّ القصيدة مختبرٌ أنطولوجيّ يعيد تعريف الإنسان في مواجهة ذاته والآخر والمطلق، ومن -هنا- تتولّد جدليته الشعرية: إن العشق ليس شعورًا، بل طريقة في الوجود ورؤية فلسفية، وأن اللغة ليست وسيلة، بل كينونة تتفكّر بذاتها. إن الذات في شعر البدر ليست مركزًا مغلقاً، بل كائنٌ مفتوح على العالم، إنّها ذاتٌ تُعرّف نفسها من خلال علاقتها بالوجود، لا من خلال انعكاسها عليه، ولهذا لا يظهر الإنسان في شعره بوصفه متكلّماً فحسب، بل بوصفه كائنًا يتأمّل وجوده في فضاءٍ من الأسئلة، وبهذا يقرب شعره من التصور الوجودي الذي ينطلق من أن القلق شرط الوعي بالحرية والاختيار. وحين يتحدث البدر عن (الوقت) و(المكان)، ويرددهما كثيراً في أشعاره، ويُدخلنا في حيرة…
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي أعادت تشكيل البنية المعرفية للغة في عصر الذكاء الاصطناعي، غدت حوسبة المعاجم العربية مشروعًا علميًّا يتجاوز مجرد رقمنة المادة اللغوية إلى إعادة هندسة الوعي المعجمي نفسه وفق منطق البيانات والخوارزميات، فالمعجم لم يعد وعاءً تقليديًا لتوثيق الألفاظ، بل أصبح منظومة معرفية متكاملة، تتفاعل مع أنظمة التعلم العميق ومعالجات اللغة الطبيعية في بناء نماذج تفهم العربية ليس على مستوى الشكل فحسب، بل على مستوى الدلالة والسياق والتداول، ومن -هنا- تبرز إشكالية مركزية: كيف يمكن مواءمة البنية المعجمية العربية – بما تحمله من تراث صرفي ودلالي عميق – مع منطق الخوارزميات الاصطناعية التي تستند إلى الإحصاء والتعلّم الذاتي؟. إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي استراتيجيات متعددة تجمع بين النمذجة اللغوية والتحليل الخوارزمي والتصميم البنيوي للبيانات، في إطار مشروع معرفي يسعى إلى تحويل المعجم العربي من مخزون وصفي إلى كيان ذكي قادر على الفهم والإنتاج والمقارنة، وبذلك تنتقل العربية من مرحلة (التمثيل النصي) إلى مرحلة (التمكين الخوارزمي). وتُعدّ حوسبة اللغة العربية أحد المسارات البحثية الحديثة التي تهدف إلى تحويل اللغة من نسق رمزي بشري إلى منظومة رقمية قابلة للمعالجة الآلية، وقد نشأت هذه الفكرة في سياق التفاعل المتزايد بين اللسانيات الحاسوبية وعلوم الذكاء الاصطناعي، حيث تبلورت الحاجة إلى تمثيل الظواهر اللغوية…
الإثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: تشغل اللغة العربية موقعًا متميزًا في البنية الجمالية والثقافية للإنسانية، حيث تتجاوز وظيفتها التواصلية لتُشكّل نظامًا دلاليًا وجماليًا فريدًا؛ فمن الناحية التاريخية، مثلت العربية وعاءً لحفظ التراث الفكري والأدبي والعلمي، فهي لغة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، لذا أسهمت مفرداتها الغنية وتراكيبها البلاغية المعقدة في صياغة وعي جمالي قائم على الإيقاع الصوتي والدقة التعبيرية والعمق الدلالي. وقد تجلّى هذا في النصوص المؤسسة من شعر جاهلي ونصوص دينية وفلسفية، حيث أصبحت العربية لغةً حاملةً لمنظومة قيم جمالية وأخلاقية معًا. فليست اللغة العربية مجرد أداة اتصال؛ بل هي وعاء حيوي للفكر والجمال، وحاضنة للإبداع الإنساني عبر العصور، إذ تمتلك نسيجاً لغوياً فريداً يجمع بين البلاغة والإيجاز، ويستوعب -أيضاً- أشكال التعبير المعاصرة في الرواية والشعر الحديث والإعلام والفنون البصرية والرقمية، وظلّت قادرةً على استيعاب مستجدات العصر عبر عمليات توليد المصطلحات وتكييف البنى النحوية، مما يفتح آفاقاً جديدة لإحياء جمالياتها في الفضاء الإلكتروني، وتعزيز حضورها في المشهد الثقافي العالمي. وحين نتأمل في اللغة العربية من زاوية فلسفية حضارية، ندرك أننا أمام ظاهرة تتجاوز حدود اللسان إلى فضاء الفكر والوجود، فهي ليست مجرد وسيلة لتوصيل المعنى أو تبادل الخطاب، وإنما منظومة جدلية تحمل في طياتها تناقضًا خفيًا بين وظيفتها بوصفها أداة وظيفية، وبين قدرتها على أن تكون…
الإثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: اقتضت طبيعة التفكير النحوي القديم تأسيس النحو العربي تأسيسا غير منظم في مراحله الأولى لأمرين رئيسين: طبيعة المرحلة، وإشكالية التأليف في علوم ليس لها معادل أو مقايس، ويُحمد لتلك المرحلة تأسيس قواعد كلية انطلقت من قراءة عميقة للنص القرآني، وللمنقول عن العرب بالاعتماد على النسق الفلسفي الذي تجاوز الجزئي إلى الكلي (الاستقراء)، هذا التقعيد الذي بدأت إرهاصاته منتصف القرن الأول الهجري أو قبله، لا يمثل في نظري أي مدرسة نحوية بالمفهوم العلمي والفلسفي للمدرسة، ناهيك عن المفاهيم التربوية التأسيسية التي تقتضي ضوابط محددة، وقرائن معتبرة فيما يمكن أن ننعته بالمدرسة بمفهومها الخاص أو العام، والضوابط التي تحدد المنطقيات المتعلقة بالتحديد الزمني والمكاني، بالإضافة إلى واقع الحال، وإشكاليات الثقافة المعاصرة التي تقتضي منهجية واضحة، وأطر فلسفية لصناعة (المدرسة) دون التقيد بشخصيات محددة، أو الاقتصار على موضوع، أو الارتباط بتجمع علمي، أو التركيز على طابع الاتجاه، لا سيما في العصور الأولى (حتى نهاية القرن الثالث فيما أرى)، إذ لم تكن ذات فلسفة تُعنى بالتدريس تحت رئاسة محددة، أو تلمذة معينة، وفق أسس واقعية للمفاضلة المدرسية. وحين نعمل على استرداد التاريخ بوصفه منهجا يُحتكم إليه ونحاول قراءته وفق ضوابط الفكر النحوي مع إنعام النظر في حوادثه وأحاديثه خصوصاً فترة(التكوين) أو (النضج) لسنا أمام عملية تقنية (جامدة) تهدف إلى جمع…
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: عندما نتأمل فكرة "انقراض اللغة"، فإننا حينها نستحضر المشهد التاريخي للغاتٍ عظمى خبت أضواؤها وانطوت صفحاتها ، وأفلت تراكيبها، وفنيت معانيها مع انطواء حضاراتها، لغاتٌ كانت أسفار الحكمة أعظم مدوناتها، يُنسَج بها تاريخ الإنسان ومراحله، ثم تحولت إلى أثر أو بقايا كتابات على جدران صامتة لا تُبين، أو كان أقل أحوالها تداخلها مع لغات أخرى، أو ضياعها في جوف التاريخ، فلا باعث لها ولا مستذكر، ولا حارس أمين يُرجى ويُترقب، كُتب لها الضياع والأفول في خضمّ أطوار الحياة، وربما لم يعد لها أطلال يتغنّى بها المنشدون، أو يتباكى بجوارها المحبون، أو يندب عاثر حظها التائهون. لكن السؤال الآن: هل يمكن أن تنقرض العربية أو هي عصيّة على ذلك؟. الإجابة عن هذا السؤال ربما تحمل شجوناً وتداخلات تتجاوز حدود النفي السريع غير الواعي إلى فضاء أعمق من الفلسفة والتاريخ معًا، فالعربية ليست لغة عابرة حملتها الظروف ثم تركتها لتقاوم دون مُعين أو مُغيث، وليست مجرد وسيلة نفعية للاتصال يمكن أن تُستبدل بأخرى حين يمل منها المتحدثون، بل لغة انصهرت في وجدان أمة، وتشابكت مع هوية ملايين البشر، وتجلّت في أعظم نص عرفه التاريخ: القرآن الكريم، هذا الكتاب العظيم كفيل بأن يمنحها حصانة دائمة تحميها من الزوال وتكفكف هنّاتها عبر العصور، فاللغة التي ارتبطت بالوحي…
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في محافل عدة على أهمية اللغة العربية، وضرورة الاعتزاز بها، وغرسها في نفوس الأجيال، وتطوير مناهج تعليمها، لتظل لغة قادرة على مواكبة العلوم والتقنية، وحاضرة في ميادين الإبداع والابتكار، وألمح إلى أنها ذاكرة الوجود ومرآة الكينونة مصرحاً بأن:" اللغة العربية هي أداة رئيسة لتعزيز هويتنا الوطنية لدى أجيالنا القادمة، لأنها المعبرة عن قيمنا وثقافتنا وتميزنا التاريخي"، وعمّق المسؤولية حين تجاوز في حديثه حدود الخطابة إلى استحضار بعدها الوجودي حين قال:إن "لغتنا العربية لغة حية غنية، نابضة بالحياة، بقيت محافظة على أصالتها لأكثر من 2000 عام، وتتميز بقدرتها على مواكبة الحاضر والمستقبل، والإسهام في الحفاظ على اللغة العربية هو قيمة إسلامية، وفريضة وطنية، وترسيخ لهويتنا وجذورنا التاريخية"، وفي توجيهه هذا يُلمح سموه إلى أن اللغة ليست انعكاساً للوعي فحسب، بل هي شرط إمكانه. من تلك المنطلقات التي وضعها سموه، وحرص على تأكيدها مراراً يمكن القول بأن اللغة أيا كانت تستطيع أن تكوّن هوية الإنسان، فهي الوعاء الذي من خلاله تنطقُ مكوناته التعبيرية عما يجول في ذهنه من أفكار، وما يخطر في قلبه من مشاعر، وهي الشكل الخارجي الذي يحتمل مدلولات ذلك وإشاراته بشكل لافت للأنظار، خالب للألباب، معبّر عن نغمية الروح، وجمال التصور، وفردانية التقدير، ولعلّ…
السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥
يشكّل العقل الأكاديمي أحد الأعمدة الحيوية لبناء الوعي المجتمعي، وتشكيل المشروع الحضاري للأمم، وتكوين الخطاب العلمي الممنهج، القائم على الأسس والمفاهيم المتعارف عليها في نطاق الجامعات ومؤسسات التعليم المختلفة، وفق آليات تسمح بنشر الثقافة المقننة، والمشروعات العلمية ذات الطابع الأكاديمي والفكري، غير أن المتتبع لمسار الجامعات العربية يجد أن هذا العقل (الأكاديمي) يعاني من حالة اغتراب متفاقم تتركز في انفصاله عن وظيفته الأساسية في إنتاج المعرفة البحثية، وتقرير الوعي النقدي، والإسهام الفاعل في بلورة مشروعات حضارية وثقافية تعكس خصوصية الواقع الجامعي، وتتماهى مع هوية المجتمع، وتستجيب لمتغيرات العصر وتحولاته سريعة الوتيرة. من -هنا- بات المشروع المعرفي والرؤية الفكرية والعلمية للجامعات يخضع لمعايير تصنيف مختلفة، تبدأ من التسطيح المنهجي وتنتهي بالوقوف عند المعرفة بوصفها إنتاجاً داخلياً يهدف إلى مجرد التعليم دون التأهيل والممارسة الفاعلة، والمؤثرة في تكوين الفرد أو المتعلم، فأضحت المعايير الدولية أو المحلية التي تتمثلها الجامعات أولى من الحاجات المعرفية الملحة. هذا الوضع أسلم إلى مشكلتين رئيستين: المشكلة الأولى نشوء ما يسمى بالقطيعة المعرفية بين الجامعة والمجتمع، إذ تركزت الدراسات البحثية ذات الأولوية القصوى في الجامعات على جانب الاهتمام بالمعايير الفنية، وأنظمة التصنيف والجودة، والمقارنات المختلفة، وبات الأستاذ الأكاديمي محصوراً في دائرة ضيقة من التخصصات والتوجهات البحثية التي لا تتناول هموم المجتمع، ولا تتفاعل مع قضاياه…
السبت ١٧ مايو ٢٠٢٥
تُعد وسائل الإقناع مكونات جوهرية في بناء الخطاب الحجاجي، إذ تُسهم في تحقيق الغاية التواصلية المتمثلة في التأثير في المتلقي وتوجيهه نحو تبنّي موقف معين أو إقناع متلقيه بفحوى خطابه، أو التأثير فيهم وتغيير رؤاهم الفكرية تجاه موقف ما؛ لذا يعد الحجاج مكونًا أصيلًا في بنية اللغة، إذ يسري فيها سريانًا طبيعيًا، ليُشكل بذلك جزءًا لا يتجزأ من الخطاب، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالنصوص التي تُبنى لغرض الإقناع. ويتميز النص الحجاجي بكثافة الحجج التي تتفاعل وتتقابل داخله، في تنافس دلالي تتباين فيه درجات القوة والضعف بحسب فعاليتها في تحقيق مقصد الإقناع. فالحجج تتراوح بين ما هو قاطع وجازم، وما هو اعتيادي محدود التأثير. ومن البديهي أن الحجة الأقوى تحوز قدرة أكبر على التأثير، وتحقق الغاية التواصلية المرجوة من توظيفها في موضعها الخطابي المناسب. ويشير الباحثون إلى أن القيمة الحجاجية للقول لا تُختزل في محتواه المعرفي أو المعلوماتي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى عناصر لغوية وشكلية، كالتراكيب والصيغ والأدوات اللغوية، التي تُضفي على القول بُعدًا توجيهيًا حجاجيًا، يُسهم في توجيه المتلقي نحو تأويل معين أو موقف مقصود. فالإقناع: هو تحقق الأهداف التي يرجو المرسِل إيصالها من خلال خطابه محدثا تغييرا في موقف المرسل إليه الفكري والعاطفي(1). وسميت بالإقناعية لما ترمي إليه من خلال أهدافها أو هدفها الرئيس : إقناع المخاطَب أو…
الأحد ١١ مايو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يُعدّ النحو العربي أحد أبرز الأدوات التي صاغت الذهنية العربية في تعاطيها مع النص، سواء كان نصًا مقدسًا كالنص القرآني أم نصًا أدبيًا أو علميًا. وقد نشأ الفكر النحوي العربي متشابكًا مع قضايا المعنى، إلا أن ما يميّز هذا الفكر هو قدرته على التوفيق بين القاعدة بوصفها إطارًا منطقيًا صارمًا، والتأويل بوصفه أداة لفهم تعددية الدلالة وتركيب المعنى، وتأخذ وظيفة التأويل دلالات أخرى أكثر رمزية أو (إشارية)، حين يكون هدفه الأسمى العثور عن طريق الظاهر الحرفي إلى الباطن الإشاري أو الرمزي، حيث يسمح النص بتحويل المعنى الموضوعي إلى المعنى الذهني(المتصور)،خاصة حين ندرك أن التأويل تفاعل معرفي بين بنية ذهنية، وبنية نصيّة وبنية سياقية مؤطِّرة لهما، وبنية من النصوص الغائبة، والعلوم المرجعية. وأود -هنا- أن أحدد منطلقاً مهماً في فهم الخلفية النظرية للتأويل في النحو العربي وأنه لا يعني - اقتضاءً- الخروج عن النص أو تحريفه، بل هو نشاط عقلي يسعى إلى الكشف عن أبعاد المعاني المحتملة داخل بنية النص، خاصة حينما تواجه القاعدة النحوية ظواهر لغوية غير مألوفة. كما يوجه الرؤية نحو قصدية الناطق أو ما يسمى بــ(قصدية الصور النصية)، وما تثيره تلك الصور في ذات المؤول من تخييل وتوقع، و-هنا- يعالج مضمون جدلية قصد القارئ وقصدية النص، غير أنه من المسلّم به أن محاولة تعيين…
الثلاثاء ٠٦ مايو ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: تشكل الدراسات العليا محورًا رئيساً في عمل الجامعات المعاصرة، فهي تمثل البيئة التي يُنتَج فيها البحث العلمي المتقدم وتُخرَّج منها الكفاءات البحثية والمهنية العليا. ومع ازدياد الضغوط على الموارد المالية والإدارية، تتجه بعض الجامعات نحو دمج أقسام الدراسات العليا ذات التخصصات المتقاربة بهدف تقليص النفقات أو توحيد الموارد أو الشك الظاهري بتقارب المناهج، وتعانق العلوم المختلفة. إلا أن هذا التوجه يحمل في طياته مخاطر علمية وتربوية تتطلب وقفة تأملية نقدية، خصوصًا حين يُدمج بين تخصصات مختلفة من حيث المنهج والمجال المعرفي. وتشهد الدراسات العليا تطوراً ملحوظاً من حيث التخصص والتعمق، وأصبحت الحاجة إلى التخصص الدقيق من السمات الأساسية للبحث العلمي المعاصر. إذ يؤدي التخصص الدقيق إلى تعزيز الأصالة العلمية، والتمكن من تحليل المشكلات بصورة علمية واضحة، ويسهم في تطوير أدوات التحليل والمنهجيات الملائمة في المجال البحثي المتخصص. كما يسمح له بتكوين قاعدة معرفية صلبة ومحدثة، مما يرفع من جودة الأطروحة أو المشروع البحثي، ويقصد بالتخصص الدقيق، التركيز العميق في مجال فرعي محدد داخل تخصص أوسع، يتيح للباحث الإلمام الشامل بجوانبه النظرية والتطبيقية. ورغم الجاذبية الظاهرة للجمع بين أكثر من تخصص، إلا أن هذا النهج يحمل العديد من الإشكاليات المنهجية والعملية لعل من أهمها ضعف العمق في التحليل، وتشتت المعالجة المنهجية، والاتجاه السطحي في دراسة…
الثلاثاء ٢٩ أبريل ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يعد التأويل في النحو العربي(interpretation) من المفاهيم الواسعة المتجددة الأشكال والآليات والأنساق، إذ يقوم عند المحدثين على جملة من الوسائط يتعين معها مفهوم التأويل وآلياته بما لا ينفي الخلاف بينهم كما اختلف القدماء، فتجاذبه المقام (situation) والنص أو الشاهد العربي (الفصيح)، واهتمامات المؤول، ويتفاعل معه الأثر (النصي) و(المنهج). واهتم العلماء -خاصة أصحاب التفسير وعلم البيان وغيرهم- بإبراز أهمية (التأويل) في الدرس القرآني والبلاغي وآلياته، واتجهوا لدراسة التركيب وما يعترضه من أوجه تفسيرية تأويلية، وما يحدث له من تحولات لغوية وبنيوية، وتتحدد إشكالية التأويل من خلال تباين القراءة للنص، وإشكالية تحديد أبعاده ومفاهيمه. وحين نتحدث عن (التأويل) بوصفه آلية من آليات تخريج النص وتوجيهه، أو كما يعده البيانيون (انزياحاً) عن السياق، إنما نركز على آلية اللغة وعلاقتها بالأنظمة النصية المختلفة التي تراعي المواقف ومقتضى الحال، كما تركز على تناسب المفهوم مع القواعد المقررة دون خروج أو مخالفة، وتؤكد مفاهيم عدة ذات صلة بالتأويل كالاتساع الذي يحققه الكلام بحكم اتساعه وتعدد قراءاته، كما يعتمد التأويل في مفهومه (القواعدي) على قضايا الاستدلال المختلفة حين يسعى إلى إقرار مفاهيم ضمنية للنص تتوافق مع المطرد من النصوص، وتؤكد خلو القوانين اللغوية من النقض والاعتراض. ويُعنى التأويل بجدل الرسالة، والوضع اللغوي، إذ الرسالة قصدية تُوجّه من قبل شخص يعني بها شيئاً معيناً،…
الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: إن اللغة في جوهرها لا تعني مجرد نظام من العلامات، بل هي في الأساس نشاط تواصلي يقوم على استعمال العلامة اللغوية لإنجاز أفعال تواصلية، لأن وظيفتها الأساسية هي: (التواصل)، ومن ثم حظيت باهتمام كبير منذ عقود طويلة، ظهرت خلالها مدارس عديدة، ومن أحدثها المدرسة (النصية)، هذه المدرسة الحديثة التي أحدثت نقلة عملاقة تتجلى في تجاوزها التحليلات اللغوية للنظم المعهودة التي ألفتها المدارس اللغوية القديمة. لقد انكب اهتمام تلك المدارس على (الجملة) بوصفها أعلى وحدة لغوية محورية انطلاقا من أن الجملة وحدة نظرية نظامية إطارها اللغة، تنطلق من كفاءة لغوية. وتمثل هذه المدارس اتجاها في اللسانيات هو: (لسانيات الجملة)، كما حظيت الجملة باهتمام اللسانيين فلا تخلو نظرية لسانية بنيوية أو غير بنيوية من تصور محدد لتحليل الجملة. وليست التحليلات الصوتية والصرفية التي قامت بها اللسانيات عموماً واللسانيات البنيوية الأميركية خصوصا، والنتائج التي توصلت إليها سوى مدخل لدراسة بنية الجملة. فالجمل ليست ألفاظاً وضعت جنباً إلى جنب اعتباطياً، ولكنها تخضع في كل الألسن الطبيعية، لمجموعة من القيود والقواعد التي تضبط مختلف العلاقات المتحكمة في تجاور مواقع وحداتها المكونة. إن بناء الجملة ليس مجرد وضع كلمة إلى جانب أخرى، ولكنه بناء مقيد ومضبوط يقتضي أن يحصل بين مكونات الجملة نوع من الانسجام. فلا يكفي أن يجاور أي فعل اسماً…