السبت ١٣ يونيو ٢٠١٥
لكل رُشد ملامحه، وشكله، وصوره المتعددة، يغلب السفه أحيانا المجتمع، كما يعم الأفراد، حتى يعجز عن نفسه. من بعيد التفت نبي الله لوط يسأل عن رجل واحد رشيد يتحدث معه في مجتمعه، بين كل هذا الضجيج البشري الذي يحيط به. "أليس منكم رجل رشيد". على الرغم من أنهم رجال في مراتب البلوغ، إلا أن الرشد غائب، وليس حاضرا، لقد حضر البالغون حوله، ولم يحضر الرشد، ولم يكن فيهم رشيد واحد.. إنها أمة من الناس، منيت بالجهل والسفه الغالب. في فلسفة التاريخ لكل مجتمع مراحل النمو والتطور التي لا تختلف عن الفرد، طفولة، ومراهقة، ورجولة وقوة، ثم الهرم والضعف والشيبة. وقصة الحضارة في الإنسان والعمران هي فقط في عمر الدورة الزمنية، وطول كل مرحلة من عمرها الإنساني. إن أمة من الناس تعيش عمرها كله وهي في مرحلة الطفولة ولا تخرج عنها. إن عمرها أقصر من بلوغها الرشد.. إنها بحاجة إلى نبوة وعي غائبة، ولم يحالفها الحظ، بالولي المرشد الذي يقودها إلى سبيل الرشاد، وبعض المجتمعات تبلغ النضج ثم لا تعود إلى جهل الطفولة، وسذاجة الفهم، وتسطيح الوعي، وتبسيط الحكم على كل شيء، والفرح بالضئيل البسيط الذي يليق الفرح به إن صدر من طفل ساذج، حامل وعي ضيق محدود. المسيحيون قتل بعضهم بعضا في قرون متصلة لأسباب دينية، بين الكاثوليك والبروتستانت، كل…
السبت ٠٣ يناير ٢٠١٥
يوجد دائما أسوأ من الأسوأ في العقول، والسلوك وطبائع النفوس، كثير منا تحول من العبادة بالظاهر إلى العبادة بلا معنى، حتى غار ضميره، ومات قلبه، وتصاغرت فيه الرحمة، وكثير منا تحول من مخافة الحرام إلى خوف العيب وقلق الفضيحة، هذا التحول الذي يرتكز على خصلة مخافة الناس وعدم الخوف من الله أو النظر إليه. وكثير منا تحول خلال ثلاثة عقود فقط من "مستهلك" إلى "مُهلك" يعبر المسافة الفاصلة بين الاستهلاك الطبيعي إلى الإهلاك العبثي المتعمد، المتهتك.. بطرت معيشتهم، تباعد السلوك فيهم حد الطغيان، وكفران النعمة، والتهاون بها، واليقين بالدوام وثبات الحال "وما أظن أن تبيد هذه أبدا". التحول للأسوأ يحدث قريبا من كل واحد فينا، يحدث فينا، أو يحدث بسببنا، دون أن نشعر، أو ربما دون وعي، أو لتلك الأسباب المتصلة بخصال المترفين، التي يأتي في أولها، أنهم أنساهم الله أنفسهم، نسيان بصيرة الذات نسيان هديها، سبيل رشادها، خيرها وزكاتها وصلاحها. أن ينسى المجتمع نفسه يعني أكثر مما نعتقد، أو أكثر مما نتصور إنه مكلف جدا. وخسائره باهظة جدا. 200 مليار ريال قيمة الطاقة الكهربائية المهدورة في دول مجلس التعاون سنويا! بما يكفي لغنى الفقراء ورفع حرمانهم، وكفاية حاجتهم. وبناء منازل فارهة لهم، وبناء مستشفيات ومدارس ومصانع عملاقة وضخمة. فقط من خلال قليل من الرشد والحس بالمسؤولية التي يتمانع الجميع…