محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

لبنان بانتظار الصاعق!

السبت ٢٣ مارس ٢٠١٣

بالنسبة للنظام السوري، لبنان زائدة تابعة له.. هكذا استقر في ذهن متخذ القرار السوري منذ زمن طويل، وبنى على الفكرة ممارسات كانت خليطا من الخُوة والاستزلام، واستمرت تلك الممارسة حتى غدت عادة. لقد كان منظر السفير اللبناني لدى الكويت، وهو كالظل للسفير السوري، محط استهجان، فكل ما يقوله السفير السوري لوسائل الإعلام يردده - السفير اللبناني - كما هو من دون حرف زائد، بل يتبع الثاني الأول في المنتديات الشعبية ولا يتحدث إلا مؤيدا وموافقا، وذلك في مجتمع تعودت «ديوانياته» على الكلام الصريح في الشأن العام، وهكذا انتشرت ظاهرة التبعية في مؤسسات لبنان المختلفة الداخلية والخارجية. في اجتماعات الجامعة العربية كان المندوب اللبناني يُفوض بقول ما لا يقال نيابة عن النظام السوري، بل إن التصفيق في المنتديات اللبنانية عند ذكر أسماء مثل حافظ وباسل وأخيرا بشار يدوّي إلى عنان السماء، جزء منه خوف، والآخر مداراة، وبعضه تزلف. حتى جاءت انتفاضة 14 مارس (آذار) 2005 اللبنانية، بعد مجموعة تداعيات محلية وإقليمية، فاضطرت الهيمنة السورية على لبنان أن تتخفى - ظاهريا - ومظهرها المادي انسحاب الجيش وقوات الأمن البارزة من الساحة اللبنانية. غيرها من النفوذ السوري شبه المستتر استمر في الوجود بين مؤسسات لبنانية وفي شخصيات أيضا شكلها الظاهري أنها لبنانية وهي في الحقيقة سورية الهوى، عن رضا أو تخويف أو انتهازية…

لماذا على المعارضة في البحرين أن تبحث عن حل سياسي؟!

السبت ٠٩ مارس ٢٠١٣

المتابع للحراك السياسي في البحرين يلاحظ أنه يدور في حلقة مفرغة.. أسباب الدوران في المكان متعددة، منها الفهم الخاطئ من جانب المعارضة لقراءة تداعيات الربيع العربي على أنها تلقائية تحدث في أي مكان وبنفس الطريقة وتصل إلى نفس النتائج، مهما اختلفت الظروف وتلونت الوسائل. ومن الفهم الخاطئ أن النتيجة يجب أن تكون صفرية والتصرف كأقلية لها مطالب معزولة عن المجتمع ككل. البدايات الخاطئة قادت إلى صيرورة خاطئة حتى الساعة، رغم المحاولات التي قام بها البعض من أجل الوصول إلى تقارب بين السقف المطلوب من المعارضة والممكن من الدولة. هناك بعض الجوامع التي يستحسن استحضارها حتى تستقيم المناقشة، في ضوء بيئة سياسية لا تقبل إلا التحيز العاطفي دون إعمال العقل، من الجوامع الحكمة أولا أن «الثورة» إن أراد البعض أن يسميها أو الحراك في مجتمعات العالم، لا تبدأ من القرى، المعروف أن الحراك السياسي تقوده الطبقة الوسطى من أبناء المدن. ومع الاعتراف بأن مفهوم «المدينة» أو «القرية» في البحرين كونها بلدا جزيريا صغيرا فيه التباس، إلا أن القاعدة تكون صحيحة، فالحراك السياسي يمثل أهل المدن المتعلمين نسبيا، وخصوصا من أبناء الطبقة الوسطى. ثاني تلك الجوامع أن أي حراك سياسي في مجتمع تعددي (في هذه الحالة سني - شيعي)، ويقتصر كليا على جناح واحد من تلك التعددية، لا يمكن أن يستمر ويصل…

التقدم السريع إلى الخلف!

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٣

المراقب لديناميكيات التغيير العربي في أول موقعين له، تونس ومصر، قد يفاجأ بما في سيرورتهما من تماثل يصل إلى حد التطابق. قلت التغيير العربي، ولم أقل ثورة أو حتى ربيع، فالمفاهيم هنا لها أهميتها، لأن التغيير يمكن أن يكون إلى الأفضل، ويمكن أن يكون إلى الأسوأ. الطبيب يقول لمريضه: «لقد لاحظت تغييرا في حالتك الصحية في المدة الأخيرة، ألم تأخذ الدواء؟!».. والإشارة واضحة أن حالة المريض الصحية تسير إلى الأسوأ. لا أريد أن أناقش ما تناولته الأقلام كثيرا وعميقا من المنغصات السياسية والاقتصادية في حالة مصر وتونس السابقة، فلم يعد مجديا هذا السياق، لكن المؤكد أن من خرج إلى شوارع مصر وتونس، قبل عامين، كان يرغب في أن يتحول الأمر إلى الأفضل، سواء في الأداء السياسي أو الأداء الاقتصادي، وقد يسارع البعض ليقول إن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على اختلاف الأداء، وهذا قول صحيح، لكن القول الصحيح أيضا أن القطار عندما يغادر المحطة يأخذ وجهته، ويعرف راكبه أنه متجه إليها، حتى قبل أن يصل، وراكبو قطار التغيير في تونس ومصر يستطيعون من الآن أن يعرفوا إلى أي محطة هو ذاهب، أما المراقب فهو يحذر مبكرا من التوجه الخاطئ لمسيرة القطار. التماثل الكلي في الجوامع يبدو واضحا في أربع قضايا كبرى: الأولى.. كان الأمل أن يكتب دستور «توافقي» في المحطتين…

الحراك الكويتي إلى أي ميناء؟

الثلاثاء ١٢ فبراير ٢٠١٣

إلى أي ميناء تأخذ الكويت حراكها السياسي؟! ففي فبراير (شباط) من كل عام، يتذكر الكويتيون بألم وحسرة أحداث احتلال قاسٍ ومؤلم أنتج شتات الأهل، وعمّق الأحزان. ويعود فبراير هذا العام مختلفا في الشكل، ولكنه في المضمون جاء مشابها لإعادة الأحزان، البعض يرى أن ما يحدث في الكويت هو هز السفينة أكثر من اللازم، على الرغم من أنها في بحر لجي. ظاهر من الأحداث أن عددا من القضايا المرفوعة على سياسيين نشطاء ينظر إلى أعمالهم القانون المرعي على أنها خارجة عن نصوص القانون الذي وافق عليه الكويتيون، ومن ذلك المنطلق صدرت أحكام بالسجن للبعض، وينتظر البعض الآخر حكم المحاكم بهذا الصدد. كما ينتظر الكويتيون أيضا حكما من نوع آخر، هو الحكم المتوقع من المحكمة الدستورية حول الخلاف الدستوري الناشب بين الحكومة وبعض النشطاء السياسيين. يمكننا تلخيص الموقف إذن في الكويت اليوم بكلمة واحدة هي «الترقب المشوب بالحذر»، حيث أصبح المجتمع عرضة للانجراح. أريد أن ألمس الموضوع الشائك من منطلقين؛ الأول هو رأي الناس العاديين من الكويتيين والكويتيات، أمام هذا التنافر الاجتماعي السياسي الحاصل، فالكثير منهم يضعون أيديهم على قلوبهم من هذا الشقاق الذي انتاب المجتمع، هم يقفون عاجزين عن فهم دوافعه أو قبول نتائجه، أو حتى التأثير في مجرياته، هم يصلّون ويدعون أن تنقشع هذا الغمة عن الكويت على خير، في…

ماذا يريد الأتراك من العرب؟

السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٢

حري بنا أن نقلب السؤال إلى عكسه، ونقول: ماذا يريد العرب من الأتراك؟ حقيقة الأمر أن الأتراك والعرب يحتاجون في هذا العصر إلى شيء واحد، وهو أن يعرفوا بعضهم بعضا، ويكتشفوا أن العلاقة بين الشعوب دائما متغيرة، وليست ثابتة، تخضع للمصالح المشتركة، وليس للعواطف الجياشة. المخزون لدى المخيال العربي عن الأتراك، هي أحداث الخمسين سنة الأخيرة قبل سقوط الخلافة العثمانية، وقتها أصيب العرب والأتراك بما عرف بموجة القومية، التي أزاحت الرابطة الدينية إلى الخلف في المشهد السياسي، وحلت محلها العرقية، سواء أكانت الطورانية التركية، أم القومية العربية، كانت تلك الموجة تقليدا لما حدث في الغرب من الاعتماد على القومية في بناء الدول. لم تكن الأطماع الغربية بعيدة أيضا عن ذلك التوجه، فشجعت دول غربية تلك الموجة واستفادت منها، على الأقل عند العرب، فقد اعتقدوا وقتها أنهم سوف يقيمون الدولة العربية الواحدة، بعيدة عن ظلال الترك، والترك أو تركيا الفتاة وهم شباب تركيا المتحمس الذين اعتلوا موجة السياسة وقتها، اعتقدوا من جهة أخرى، أنهم سوف يصلحون من الحكم العثماني الذي تجمد، على الأقل في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، ويبنون إمبراطورية قائمة على العرق التركي، كلاهما (العرب والأتراك)، انتهى بهما المطاف بعد الحرب العالمية الأولى، إلى احتلال غربي وتقسيم داخلي لأوطانهم، وبقية القصة معروفة. التاريخ الطويل الذي نسيه الجميع أن…

حسبوه موسى !

السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٢

ليس من الضرورة أن يتطور الوضع المصري إلى ما رسمه المبدع عز الدين شكري فشير، في روايته «باب الخروج»، حيث توقع أن تعم الفوضى مصر لفترة تتجاوز العشر سنوات بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، تتلوها سلسلة من الانقلابات والتحالفات غير المستقرة، إلا أن سير تسلسل الرواية الخيالي حتى الساعة ينطبق على أحداث الأرض المصرية؛ فوضى وفراغ سياسي، وخلو من توجهات سياسية حصيفة، تخرج مصر مما هي فيه من عدم يقين مزمن ونفق يبدو أن لا نهاية قريبة له. ليس سرا أن جماعة الإخوان المسلمين تفتقد الكثير من الخبرة لممارسة السياسة العملية، ولديها قصور عن امتلاك تحليل سياسي مواكب لعالم حديث تغيرت فيه معطيات ضخمة وعميقة منذ أن بدأ الشيخ حسن البنا مخطوطاته الأولى في الدعوة ورسم المسار، وليس سرا أن التنظيم كان وما زال تنظيما حديديا أساسه الطاعة، يدرب أفراده خير تدريب لمقاومة الأمر القائم، ولكن يفتقد التدريب لإدارة الدولة. التنظيم الحديدي عادة ما ينتهي إلى إخراج المبدعين من صفوفه، لأن المبدع يتساءل ويعلق على الحدث ويريد أن يُقنع بالعقل لا بالأوامر غير المنطقية، وينتهي التنظيم بمجموعة ظل صغيرة تقود، ولا يعرف أحد - خارج المجموعة الضيقة - وجوه تلك المجموعة التي يتبعها، وجمهور مطيع ينفذ الأوامر، فيفقد التنظيم الكفاءات من جهة، ويتقوقع حول مقولات قد تغري البسطاء ولكنها…

جمهورية الجماجم.. بانتظار فعل

السبت ٠٤ أغسطس ٢٠١٢

علينا أن نفكر في عدد من السيناريوهات التي يمكن أن تتكشف عنها الأحداث في سوريا، حيث إن الربيع العربي ليس عملية تلقائية، كمثل فعل الحياة التي نهايتها الموت! بل هو كمثل قطار يمكن تعطيل طريقه. واحد من السيناريوهات - وهو الأكثر قربا إلى المنطق - وأيضا ما يتوقعه العالم، سقوط النظام الحالي. يحتاج المرء إلى خيال واسع كي يتصور طريقة السقوط تلك. قد تكون واحدا من سيناريوهات ربيع العرب العسيرة، وهما اثنان اليمني والليبي، وقد يكون هناك سيناريو آخر - غير متخيل الآن - قد يفاجئ الجميع، حيث يبقى ذلك الوجه من النظام السوري، أو يبقى منه صلبه إلى فترة أطول، وربما على رأسه القيادات الحالية. على أي وجهة يمكن أن تنتهي الأحداث، يمكن باطمئنان أن نقول: يعتمد على اللاعبين الكثر وطريقة استجابتهم للتحديات في الملعب! السيناريو الثاني لا يريد أحد أن يفكر فيه، ولكنه مع ذلك ممكن الحدوث، ويجب أن لا يغيب عن الأذهان، لأن بعضنا فقط يرغب في اختفاء النظام السوري سريعا، مما يزيح التفكير الآخر والممكن. ما يمكن أن يبقي النظام ليس مصداقيته أو أصدقاءه أو قدرته على المرونة في الحكم، إنه أهم من ذلك بكثير، هي الأداة التي اعتمد عليها في الأربعين عاما الماضية، البطش المفرط وغير المتحفظ، مع كل من يعارضه. من الحقائق التي ظهرت…