السبت ٢٦ يونيو ٢٠٢١
جذبت نتائج الانتخابات الأخيرة في إيران الكثير من التعليقات.. ولأن النظام الإيراني هو نظام شمولي فإن الحقائق عادة ما تغيب، بسبب ميله الطبيعي للإنكار ووضع كل السلبيات على غيره والغوص في وهم الانتصار والتفوق؛ لذلك فإن من المتابعين من ينزلق إلى الهوى في التفسير، له أو عليه، وقد تضيع الكثير من الحقائق. مع الوعي بهذه الإشكالية كيف يمكن أن نتعرف على ما يجري من تفاعلات في إيران اليوم، وكيف يمكن التنبؤ - إن أمكن - بمساراتها القريبة والمتوسطة؟ أعرض ما أمكن جمعه من الأقرب إلى الحقائق تمهيداً لجلاء الصورة في سبعة مؤشرات عامة: أولاً: السيد إبراهيم رئيسي هو رئيس الجمهورية الثامن في سلسلة الرؤساء، وقد خاض أولئك الرؤساء اثنتي عشرة دورة انتخابية (معظمهم حصل على دورتين)، وتراوحت أرقام رئيسي في الدورة الأخيرة بين تقليل وتعظيم، وانشغل البعض بالنسبة المحققة كمؤشر لرضا أو عدم رضا الجمهور الإيراني، إلا أن العودة إلى كل الأرقام الرسمية لما حصل عليه الرؤساء الثمانية نلحظ إشارة مهمة، وهي أن ما يعرف بالرئيس الإصلاحي يحصل على أرقام عالية (فوق السبعين في المائة) وهما فقط اثنان، خاتمي وروحاني، أما الباقي فإن الأرقام الرسمية هي أمام النصف أو ما دون النصف، أما رئيسي فهو الأدنى من الجميع، ذلك يعطي مؤشراً للمزاج العام للناخب الإيراني، والذي يتفاءل بظهور مرشح يقال…
السبت ١٩ يونيو ٢٠٢١
في أغلب الديمقراطيات الغربية هناك ثنائية حزبية وبعضها تصل إلى رباعية، وتتعدد الأحزاب السياسية في بعض تلك الدول، ولكن في الغالب هي من اثنين إلى أربعة مع عدد من الأحزاب الصغيرة، والأخيرة ليست ذات أهمية ولا تشارك في الحكومات على الأغلب. على العكس من ذلك في إسرائيل، فالأمر مختلف، فهناك أكثر من ثلاثين حزباً سياسياً يتقاسمون المائة والعشرين كرسياً في الكنيست، وينقسم بعضها على نفسه بسرعة ويظهر له أكثر من رأس، ومع تكرار الانتخابات في السنوات الأخيرة، فإن الأمر ظل تقريباً كما هو، أي يتوزع الناخبون الإسرائيليون البالغ عددهم تقريباً ستة ملايين ونصف مليون (من عدد سكان يبلغ نحو تسعة ملايين)، مقسمة على تلك الأحزاب بأعداد صغيرة نسبياً، إلى درجة عدم وجود أغلبية متماثلة تستطيع أن تشكل الحكومة كل الحكومات في العقد الماضي في إسرائيل هي حكومات ائتلافية من نوع ما، بما فيها التي شكلت الأسبوع الماضي من مجموعة من الأحزاب ذات الخلفية المتناقضة. هذا الفضاء السياسي المبعثر يعبّر بكل وضوح عن أن المجتمع الإسرائيلي مكون من جماعات عرقية وإثنية وثقافات مختلفة، بينها الكثير من الشقاق، وينظر بعضها إلى البعض الآخر أنها دونية؛ فالإسرائيلي من أصول ألمانية يختلف في الكثير عن الإسرائيلي من أصول روسية، واليهودي الشرقي بينه شق ثقافي واسع مع اليهودي الغربي، واليهودي الأبيض لا يطيق الملون، والمتدين…
السبت ١٢ يونيو ٢٠٢١
العيب هو في خيانة الأوطان تحت شعارات ملفقة، في أغلبها آيديولوجية، وليس أن يحب الناس أوطانهم، فذلك إنساني وطبيعي. حولنا في هذا العالم العربي الذي نعيش كثير من ذلك التلفيق، وجب كشفه، وهو خيانة الوطن من أجل إعلاء مصالح وطن آخر، وعلى حساب أغلبية المواطنين. في الذهن أولاً، وليس كلياً، ما يحدث في العراق، فقد خرج العراقيون في مظاهرات تحت شعار غير مسبوق «من قتلني؟» جراء الاغتيالات المنظمة لناشطين عراقيين، كل مطالبهم أن يعيشوا في بلد «حُر ومستقل»، فالأرجح أن تتم إحالة المتسائلين إلى إخوانهم في لبنان الذين يعرفون الإجابة منذ مقتل رفيق الحريري إلى مقتل لقمان سليم، مروراً بعدد كبير من المغدورين اللبنانيين، الذين أصبحت معلومات من قتلهم متاحة، فمن قتل هؤلاء في لبنان هم من قتل الناشطين في العراق، ليس بأفرادهم، ولكن بكُنه المحرضين لإسكات الأصوات التي تطالب بالتحرر من نفوذه، وسوف يستمر الاغتيال في العراق. الفاعل جماعات عربية استحوذت على إرادتها القوى القابضة على القرار في طهران، وسخرتها للخروج بالسلاح، ليس عن مواطنيها، ولكن أيضاً عن وطنها. من الواضح أن تلك القوى في طهران تقرأ ما تريد أن تقرأ، في صيرورة الوعي الشعبي للبلدان العربية، وهي قراءة مختلة، سواء في اليمن أو لبنان أو سوريا أو العراق، يمكن أن تغري البعض أو تأخذهم إلى أماكن التعارض مع…
السبت ٢٩ مايو ٢٠٢١
في العمل السياسي هناك نتائج غير متوقعة أو مرتبطة بالحدث مباشرةً، طبعاً لم يقدم السيد دونالد ترمب خدمة للقضية الفلسطينية مباشرةً، ولكن في القراءة السياسية قدمها بشكل غير مباشر؛ لقد اتخذ سياسات داخلية بالغة التطرف نحو اليمين الأبيض البروتستانتي تفاعلاً مع نمو الخوف الأبيض من الملونين في الولايات المتحدة، وهذا الخوف تاريخي، ففي مرحلة سابقة (قبل الحرب العالمية الثانية) مُنع دخول أي «ملوّن أسود أو أصفر لاجئ إلى الولايات المتحدة» من أجل إبقاء اللون الأبيض سائداً. كررها السيد ترمب ضد بعض الديانات والشعوب، وفقط في مراحل احتياج الاقتصاد الأميركي إلى يد عاملة سُمح بالهجرة المؤقتة، وعلى مر العقود تكونت أقليات عرقية ودينية وألوان من البشر ونَمَت في صُلب المجتمع الأميركي ولكن في الغالب مهضومة الحقوق، ربما صيحة ترمب هي الأخيرة قبل أن تتحول الأغلبية الأميركية إلى التلون. تلك السياسات في السنوات الأربع من فترة ترمب جعلت من كل ألوان الطيف الأميركي تتكاتف وتندفع لانتخاب ثاني رئيس كاثوليكي هو جو بايدن، ونائبة رئيس سمراء أصولها من الهند. فالتفاعل الحادث في أميركا داخلياً من ثورة «حياة السود مهمة» إلى الحياة الملونة مهمة، أيقظ في قطاعات واسعة في الولايات المتحدة، خصوصاً الشباب، المطالبة بالمساواة وسيادة حقوق الإنسان «كإنسان» في وجه التعصب الأبيض، تلك الشرائح أصبحت حساسة لأي هضم للحقوق في أي مكان على…
السبت ٠٨ مايو ٢٠٢١
تمَّ اتخاذ قرار تأخير الانتخابات العامة الفلسطينية بعد الإعلان عنها والتوافق عليها منذ أشهر، الإعلان الذي اتخذ في اجتماع شهدته أغلبية الفصائل الفلسطينية، اتخذ على خلفية رفض إسرائيل حتى الآن إجراء انتخابات للمقدسيين في شرق القدس، وهم مواطنون فلسطينيون، وكانت المعادلة التي ذكرت أنَّ ذلك الرفض وإجراء الانتخابات من دون أهل القدس، يعني ضمنياً وسياسياً الاعتراف الكامل بخروج القدس من التراب الفلسطيني، واستخدام إسرائيل ذلك ذريعة في المستقبل للقول إنكم رضيتم بعدم إجراء الانتخابات، بما يعني اعترافاً بعدم أحقيتكم في القدس، كل القدس. منطق القرار بعدم إجراء الانتخابات منطق عقلاني وسياسي، المعارضون للقرار يرون أنه يتوجب أن تجرى الانتخابات؛ لأن ذلك استحقاق وطني مطلوب وعاجل، وفي الوقت نفسه يعلنون تمسكهم بالقدس! كيف يمكن حل هذه المعضلة، لا أحد يعلم، وكيف يفسر هذا التناقض؟ أي حمل التفاحة في اليد وأكلها في الوقت نفسه. هذا التناقض ليس قاصراً على بعض القوى السياسية الفلسطينية، هي آفة العمل السياسي العربي في أشكاله الدنيا والعليا، اسم الآفة كلمة واحدة هي «المزايدة». أهل الرفض طرحوا سيناريوهات أسباب رفضهم، وهي متعددة، فقال بعضهم أن حركة «فتح» قد تفسخت، وقلق آباؤها على فقد مكانتهم وامتيازاتهم؛ ولذلك سعوا إلى التأجيل من أجل البقاء، بعض ذلك قد يكون صحيحاً، ولكن الصحيح أيضاً أن لا أحد يرشح نفسه في انتخابات، ويعتقد…
السبت ٢٣ يناير ٢٠٢١
مع التغيرات السياسية الحادثة، فإن العودة للحديث عن الملف الإيراني يحتمل الانزلاق إلى العواطف وضبابية الرؤية بدلاً من الاقتراب العقلاني في تحليل الظاهرة في هذا الوقت المفصلي في العلاقات الإقليمية والدولية، خاصة إنْ كان الكاتب ممن ينتمون إلى الضفة الغربية من الخليج، كما هو كاتب المقالة، قلت الخليج لأن العواطف الإيرانية محمولة على أوهام تفضل أن يسمى «الخليج الفارسي»، وقد أصرت، كما شاع من اللوبي الإيراني في واشنطن، أن يكون أي تفاوض قادم بين طهران والإدارة الأميركية المقبلة على أن تكون التسمية «الفارسي»! عامل رمزي، وقد يكون ذلك الاسم الذي أطلق على هذا الحوض البحري من الجغرافيين الغربيين في وقت ما، ولكن العقل الجمعي العاطفي للإيرانيين يرفض أن ينظر إلى التسمية أنها مجرد تعبير جغرافي يفتقد بالضرورة إلى مضمون سياسي أو اجتماعي أو ثقافي، هذا الوهم تبني عليه السياسات الإيرانية أوهاماً أخرى واستحقاقاً غير عقلاني تتطلع إلى هيمنة في الحوار، في صلبها مشروع سياسي غير مقبول من الآخرين وغير تاريخي. في الواقع أن الضفة الشرقية من الخليج هي بامتياز عربية من الأحواز شمالاً إلى بندر لنجة جنوباً، حيث يقطن في هذه المناطق قبائل عربية، والسهل دون الهضبة الإيرانية مجمل ثقافته عربية أو قريب منها، إلا أن تلك الحقيقة تتلاشى أمام الفخر الإيراني المشوب بمكائد الدولة الاستبدادية. اليوم الواقع يقول لنا…
السبت ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠
أسابيع أخيرة للإدارة القائمة في واشنطن، ومع ذلك فإن السيد دونالد ترمب ما زال ينازع من أجل البقاء، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات الأميركية يتابع العالم حلقات تلك الانتخابات حلقة تلو أخرى. كان الوضع السائد بعد أيام الثلاثاء من الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) في السنة الأخيرة للإدارة أن يعرف العالم من هو الرئيس القادم، هذه المرة تابع العالم الانتخابات ثم تابع القضايا المرفوعة تجريحاً فيها، ثم انتهى الاثنين الماضي بمراقبة تسجيل أصوات «المجمع الانتخابي» والذي جرى بعضه بحراسة، ولكن المسلسل لم ينتهِ بانتظار التصويت في الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) 2021. يترك السيد ترمب الإدارة وميزان إنتاجه السياسي يميل إلى السالب، ففي معظم الملفات لم يحقق شيئاً يذكر؛ فالخزينة الأميركية التي وعد بضبطها يتركها أكثر عجزاً مالياً مما تسلمها، وعدد الوظائف المتاحة للعمال الأميركيين أقل، والاستيراد من الخارج أكثر، والعلاقات مع الحلفاء الغربيين سلبية ومع الأصدقاء غير واثقة. أما الضرر الأكبر، فهو الانشقاق العمودي بين فئات المجتمع الأميركي الذي وصل الأمر إلى أن حذر كتّاب لهم وزنهم بأن البلد في «حرب أهلية باردة» بسبب ازدراء آلية الديمقراطية. لافت في المسيرة الترمبية طغيان «ثقة الخاسر»! ليس لدى السيد ترمب ومعاونيه المقربين، لكن على قطاع واسع من القيادات الجمهورية. هذا المشهد يأخذنا إلى مكان أكثر غموضاً هو في الغالب…
السبت ٣١ أكتوبر ٢٠٢٠
أيام ويعرف العالم من القادم إلى البيت الأبيض. في الفضاء العربي هناك انقسام بين راغب في عودة السيد دونالد ترمب وآخر آمل في وصول جو بايدن، وكل فريق له منطقه الخاص في ذلك. في انتخابات سابقة غامرت بتوقع طرف للوصول إلى البيت الأبيض، ولكنه لم يصل، فتعلمت درساً ألا أتوقع؛ فالشعب الأميركي يمكن أن يفاجئك، هذه المرة سوف تكون المفاجأة أكبر. قراءة المشهد تحتاج إلى كثير من «الحيادية» إن صح التعبير؛ فأميركا اليوم تمر بمنعطف مهم، فكل الأحداث الجارية هي «عَرَض لمرض»، إن جاز التعبير، ربما سوف يصنفها الدارسون في المستقبل أنها «بدء مرحلة التراجع» عن قيادة العالم، لم يكن هذا التراجع وليد اليوم، بل مثل أي تطور اجتماعي - سياسي آخر، هو تدريجي نشهد بعض ملامحه اليوم وعلينا ربطها ببعضها في انتظار اكتمال المشهد. من مظاهر التراجع هو بدء استخدام تعبير قاسٍ؛ أن الولايات المتحدة يمكن أن يطلق عليها اليوم «الولايات المنقسمة الأميركية»؛ فالانقسام واضح في السنوات القليلة الماضية، بسبب فقدان شرائح كثيرة من الأميركيين، على خلاف انتمائهم، الإيمان بالحُلم الأميركي «الحق في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة»، وحتى الثقة بالنظام السياسي. ذاك ما يفسر أن يأتي شخص من خارج السياق التقليدي ليخترق «المؤسسة» التقليدية والتي كانت تنتج القيادات المدربة للحكم، كان ذلك تاجر العقار النيويوركي الذي لم يعمل…
السبت ١٧ أكتوبر ٢٠٢٠
من الطبيعي أن يكثر الحديث عن الأوضاع الأميركية ومآلاتها مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الكبير في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، وقد بدأت الصحافة العربية والتلفزيونات تخصص وقتاً أطول لمناقشة ذلك الحدث على خلفية أن القادم إلى البيت الأبيض والأغلبية التي سوف تحتل الكونغرس الأميركي لأيٍّ من الحزبين سوف تؤثر في سياق السياسات في الشرق الأوسط. من جهة هناك أمل من البعض في عودة الجمهوريين، خصوصاً الرئيس الحالي دونالد ترمب إلى السلطة، وهناك تخوف من جهة أخرى من وصول جو بايدن. بعض التعليقات ترى أن هذه العودة سوف تعيد من جديد سياسة أوباما وخصوصاً تجاه ملفين أساسيين لم تكن سياساته موفقة حولهما؛ الأول هو الموقف من إيران، والآخر الموقف من تمكين بعض القوى المحافظة من الوصول إلى السلطة في الرقعة العربية كما فعلت إدارته في أثناء وبُعيد ما عُرف بحراك الربيع العربي. تلك الفرضية الثانية والقائمة على التخوف أو حتى الأولى الراجية عودة الجمهوريين، كلتاهما تقف على أرض رخوة من المعلومات واعتماد التحليل التاريخي فقط تجاه الملفات في الشرق الأوسط، متجاهلين أن هناك مياهاً كثيرة قد جرت في سياق السنوات الأربع الماضية أثرت في مجمل المشهد، من جهة سياسات إيران التنمرية، أو من جهة فشل معظم ما توقع من الربيع العربي. لا الجانب الأميركي كما يبدو يعرف أو يفهم ما…
الأربعاء ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠
في وقت حرج للإقليم وللكويت يغادر صباح الأحمد هذه الدنيا مصحوباً بحسرة كبيرة من الكويتيين والعرب وغيرهم ممن عرفه كشخص أو عرف الكويت كدولة، فله أثرٌ لم يمحَ. وأي كلمات تكتب في حقّه مهما كانت جزلة ومعبرة، لن تعطيه حقه في سبر متابعة عمل عام محلي وإقليمي وعربي ودولي دام عقوداً طويلة قامت به هذه القامة العالية. شخصياً تعاملت مع هذه الشخصية المتواضعة والحكيمة في أكثر من ملف، فكان الرجل المهاب في ثوب المحب، والمسؤول في ثوب الوالد، والحازم في رجل الدولة. آخر مرة قابلته كان بعد ندوة عقدناها في رحاب المجلس الوطني للثقافة، وكانت عن فضّ النزاعات وأعمال الإغاثة... في اللقاء جرى الحديث عن الماضي وعن الإعلام، ذكرته بالقول: «تذكر سموّك لما سلَّمتني وأنت وزير إعلام مسؤولية مجلة (العربي) أوائل الثمانينات، وقتها قلت لي إنَّ (الإعلام يجرح ويداوي)، قال بعفوية: ذلك أيام الإعلام التقليدي أمَّا اليوم، وهو يضحك (فالإعلام يجرح ويجرح بسبب شيوع وسائل التواصل الاجتماعي)». وكان على حق، هو مسهب في الحديث ودبلوماسي، ولكن ليس بالشكل التقليدي. الصراحة عنده تتعدَّى التحفظ والمداراة، خاصة عندما يصل الأمر لاتخاذ موقف تتوارى أمام قول الحقيقة. نفتقده اليوم وهو الرجل الذي دأبَ بجد على رأب الصدع العربي في كل المحطات التي شهدت الخلافات العربية، وحرصه على الصف العربي نابع من فهمه العميق…
السبت ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٠
في التراث الصوفي «القبض والبسط» مفهومان أحد تفسيراتهما أنهما متعلقان بأمر مستقبلي مكروه أو محبوب! وفي الفضاء الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط ينطبق هذان المفهومان على العلاقة بين إيران وجيرانها، في ضوء المتغيرات القائمة والقادمة، خاصة نتائج الانتخابات الأميركية، بعد 6 أسابيع من اليوم، من جهة، والمتغير الآخر في المنطقة هو الاتفاق الإماراتي البحريني مع إسرائيل من جهة أخرى. الأخير أثار شهية التصريحات المتشددة الإيرانية من جديد، السياسية والعسكرية، وكلها تهدد بـ«الويل والثبور وعظائم الأمور»! حيث إن ديناميكيات الوضع القائم في الجوار قد تغيرت جذرياً، وفي طريقها إلى التغير أكثر ما يربك حسابات طهران. النظام الإيراني بالطبع مهتم بأمور العرب والمسلمين، ولأن فلسطين عربية مسلمة فهو على استعداد أن يدفع الغالي والنفيس للدفاع عنها. بالضبط كما يفعل، ولكن وباتجاه آخر، في إهمال حقوق العرب الشيعة داخل حدود الجمهورية في الأحواز، أو كما يفعل بـ«عدم الدفاع عن الإيغور المسلمين لدى حليفته الصين»! هناك مسلمون ومسلمون في قاموس النظام، طبعاً الأمر لمن يريد أن يعرف مُسيَّس، ومن لا يريد أن يعرف يبقى في ظل الأوهام. إلا أن الأمر الأكثر جدية في الملف الإيراني هو مستقبل العلاقة مع الآخرين ومكان التموضع لها في المنطقة في القادم من الزمن، خاصة بعد نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة. في المرحلة «الترمبية» تم تفعيل سياسة «القبض» من خلال…
السبت ١٩ سبتمبر ٢٠٢٠
أما وقد تم توقيع اتفاق السلام بين دولة الإمارات ومملكة البحرين وبين إسرائيل بضمانة أميركية، فإن الحديث عن الماضي هو تحصيل حاصل، بل يتوجب الحديث عن المستقبل! إلا أن مقدمة سريعة مستحقة تظهر المشاعر الإنسانية، وهي أني أكنّ للشعب الفلسطيني كل احترام، ليس بسبب التعاطف الإنساني والقومي فقط، لكن أيضاً كوني في وقت ما أصبحت لاجئاً مثل أغلبيته، لما احتل النظام العراقي الصدامي الكويت وعشنا 7 أشهر صعبة، وقتها زاد إحساسي بما يشعر به الفرد الفلسطيني من عنت، عدا أني متعاطف كثيراً قبل ذلك الوقت وبعده مع هذه القضية التي لم تجد لها مرفأ حتى اليوم. كوني عربياً، ولا ضير من ذلك، فتعاطف اليهودي في بروكلين - نيويورك مع الشعب الإسرائيلي هو طبيعي كتعاطفي وغيرى من العرب مع فلسطين. المستقبل هو المهم، فالتوقيع الذي مهره الشيخ عبد الله بن زايد عن الإمارات والسيد عبد اللطيف الزياني مع بنيامين نتنياهو، وبحضور وتوقيع رئيس جمهورية الولايات المتحدة، مساء الثلاثاء الماضي، ليس كغيره من معاهدات السلام. فالمعاهدة الأولى (مصر) والثانية (الأردن) والثالثة (الفلسطينيون - أوسلو) كلها تمت بين إسرائيل ودولة محاذية، وفي وقت ما محاربة، أما ما تم الأسبوع الماضي فهو بين دول بعيدة نسبياً عن الصراع المباشر، ذلك يرسل رسالة مهمة جداً، وهي أن زمن «الغيتو» علينا أن نعيد النظر فيه. مهما…