الخميس ٢١ سبتمبر ٢٠١٧
هل الخارج يوظّف الداخل لمصالحه أم أن الداخل يستدرج الخارج لتقوية هذه أو تلك من الفئات السياسية أو الطائفية؟ الأمران معاً يحدثان في بلاد عجزت عن تكوين دولة حديثة. وها أن سورية تبدأ ولادتها الثانية بعدما استكمل المجتمعون في آستانة، برضى إقليمي ودولي، رسم مناطق خفض التصعيد الأربع بضم إدلب إليها. ولادة ثانية، ولكن مرهونة بقوى خارجية تضبط حراكها السياسي لئلا تتجدد معارك عبثية تهدم ما تبقى، باسم معارضة لنظام أو لتثبيت سيطرة نظام: لا استقلال لأحد، خصوصاً للمجتمعات المترهّلة والموهومة والمنقسمة على نفسها، فلا تستطيع الاتفاق على دولة جامعة. الانطلاقة التأسيسية لمناطق خفض التصعيد بدأت في الجبهة الجنوبية بمشاركة ودعم من روسيا والأردن والولايات المتحدة وإسرائيل. وهي الخطوة الأولى في مسار الألف ميل لإنهاء الحرب السورية أو الحرب على سورية أو ما يرى كل سوري ومراقب في منظار عواطفه ومصالحه. والانطلاقة المكملة تبدأ هذه الأيام في محافظة إدلب ومحيطها. والتحدي الأكبر هو «جبهة فتح الشام» (الاسم الجديد لـ «جبهة النصرة» التي هي بدورها اسم محلي سوري لتنظيم «القاعدة») التي تسيطر على إدلب وجوارها وتندرج في لائحة الإرهاب، فكيف يمكن فصلها عن المعارضين المسلحين غير الإرهابيين بعدما هزمتهم وطردت بعضهم وضمت إليها البعض الآخر؟ الواقع أن معنويات «النصرة» انحسرت في الأسابيع الأخيرة بعدما كانت نجمة المعارضة وأمل قوى خارجية ترغب…
الخميس ٠٧ سبتمبر ٢٠١٧
تشير مأساة أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار إلى وجه آخر للرهبان البوذيين، يقوم على العنف ضد الآخر لا على التضحية بالذات في سبيل ما يعتبره حقاً. يبدو أن زمناً انطوى كان فيه الراهب البوذي يؤذي نفسه لإظهار هدف عادل يتبنّاه ولحث الناس على النضال لتحقيقه. أحرق رهبان بوذيون أنفسهم في شوارع سايغون للاعتراض على الطغمة الحاكمة والجيش الأميركي الذي يدعمها، ولم يكن هناك تنسيق بين الرهبان والشيوعيين الفيتكونغ الذين خاضوا حرب عصابات أرهقت الأميركيين ودفعتهم إلى الانسحاب وانتهت بتوحيد فيتنام. ومثلما في سايغون كان رهبان بوذيون يشتعلون في الصين احتجاجاً على إلغاء الحكم الذاتي للتيبت، ولم يقدّر لهذا الحكم العودة، لكن زعيمه الدالاي لاما بقي جوالاً في عواصم العالم وعضواً في نادي الشخصيات البارزة. على رغم الأنباء الشحيحة عن مأساة الروهينغا، تصل إلى العالم صور أبرياء يهربون من الموت تحت المطر ويعبرون الأنهار فيموت على الطريق أطفال وعجائز وشبان ينزفون من ضربات تهدف إلى محو هذا الشعب من الوجود. مأساة تصنعها قوات حكومة ميانمار وتجمّعات المتعصبين البوذيين الذين ازداد عدوانهم بعد انتصار الديموقراطية فيما كانت عواطفهم السلبية حبيسة نفوسهم في عهد الديكتاتورية. هذا مثل على أن حرية الشعوب تطلق الشرّ إلى جانب إطلاقها الخير، ويحتاج الأمر وقتاً مديداً لتبلور الديموقراطية نظامها وتدفعه نحو حفظ حقوق الإنسان والاعتراف بالآخر المختلف. في…
الخميس ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦
قتلت قوات خاصة تركية مولود ميرد ألطنطاش بعد دقائق من إطلاقه النار في أنقرة على السفير الروسي أندريه كارلوف، الذي تشيّعه موسكو اليوم بحضور الرئيس فلاديمير بوتين، وسخر وزير الخارجية الأميركي جون كيري من اتهامات أنقرة بتورُّط واشنطن في الجريمة من خلال رجل الدين التركي فتح الله غولن. الغريب أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أبلغ كيري هاتفياً بالاتهام، قائلاً إن موسكو تشاركها ذلك، لكن الكرملين أعلن بعد ساعات من المكالمة الهاتفية أن من المبكر جداً تحديد الجهة المخططة للاغتيال. هل تكون مجموعة التحقيق الروسية- التركية استثناءً، قياساً على أن أنقرة لم تُصدر أي نتائج عن تحقيقات أجرتها في جرائم إرهابية في أنقرة وإسطنبول وأماكن أخرى؟ كل ما في الأمر أن الاتهام كان يوجّه، قبل جفاف دم الضحايا، إلى حزب العمال الكردستاني أو إلى جماعة فتح الله غولن. الارتباك ليس نتيجة عجز في أجهزة التحقيق الذي قد يحصل في جريمة واحدة، ويستحيل أن يحصل في جرائم عدة أطاحت الأمن وأضرّت الاقتصاد وأساءت إلى صورة تركيا في المنطقة والعالم كبلد مستقر. القاتل البالغ من العمر 22 عاماً أوضح في الصرخات التي أطلقها أثناء الجريمة أنه متطرّف يتبنّى مقولات «القاعدة» حرفياً، وكان على الحكومة التركية أن لا تورّط نفسها بزعم انتسابه إلى جماعة غولن، خصوصاً أن الجماعة التي تشكّل تحدّياً يومياً…
الخميس ٠٩ يونيو ٢٠١٦
واجب الدولة المركزية بسط قانونها داخل الحدود وقد تلجأ إلى القوة لفرضه على العصاة. هكذا تبدو حملة الحكومة العراقية على الفلوجة منطقية لتليها حملة على الموصل وما جاورها. وبهذا الواجب نسلّم، إذا كانت الدولة مركزية حقاً وكان قانونها واحداً يتساوى أمامه المواطنون. والحال أن «حزب الدعوة» الحاكم في بغداد، يهرب من عجزه أمام المعارضة الوطنية والنفوذ الإيراني المتمادي بفتح معركة لتحرير الفلوجة من سيطرة «داعش». أي أنه يصدّر المشكلة إلى خارج العاصمة من دون أن يحلّها في المكان الصحيح: بغداد. الهجمة على الفلوجة لا تحظى بترجمة واحدة تقوم على إخضاع الطرف للمركز وصولاً الى المصلحة العليا للدولة ومواطنيها. ثمة ترجمات أخرى لا يمكن أن تنسب الى «الإعلام المعادي» لأنها تصدر عن وقائع حياة الأفراد والجماعات منذ الغزو الأميركي وحل الجيش العراقي وتسليم الحكم إلى جماعات الإسلام السياسي الشيعية الآتية من المنافي الأوروبية ومن جوار إيراني نظم اللاجئين العراقيين حزبياً وعسكرياً فشكّلوا بعد عودتهم ذراعاً له، ويصعب عليهم التنصُّل من هذه الصفة على رغم تمثيلهم الشعبي، خصوصاً آل الحكيم. ما من عاقل يتفاءل بسيطرة الحكومة العراقية على الفلوجة. قد تحتل هذه المنطقة أو تلك، لكن «داعش» يتسرّب دائماً إلى مناطق قريبة ويفاجئ بهجوم، وهو يمارس كالعادة تفجيراته الانتحارية وغير الانتحارية في عمق المناطق الشيعية، مطبقاً بالتقسيط حكم إعدام على جماعة بكاملها.…
الثلاثاء ٣١ مايو ٢٠١٦
ليست الحرب السورية السبب الرئيس للخلاف التركي- الروسي، على رغم المواجهة بين حلفاء الطرفين من شمال حلب إلى جنوب دمشق. يقرأ الحاكمون في أنقرة وموسكو التاريخ بشغف لا علاقة له بالسياسة، فرجب طيب أردوغان وقادة حزبه الإسلامي يركّزون على المرحلة العثمانية ويفترضون تجديدها، ما يعني استعادة صلة سياسية مع البيئات الإسلامية الآسيوية في روسيا وجنوبها ووصولاً إلى الصين، وتترافق الاستعادة بالضرورة مع ملفات الخلاف الجيواستراتيجي، وبالتالي السياسي والاقتصادي مع موسكو. أما فلاديمير بوتين فليس مضطراً لانقلاب بقفازات ناعمة على الثورة البلشفية، كما هي حال أردوغان تجاه الأتاتوركية الحاضرة بقوة في بيته وقصره الجمهوري ومعالم المدن، خصوصاً العاصمة أنقرة. وضع بوتين أسهل لأن الاتحاد السوفياتي اكتمل تفكّكه وصارت الثورة البلشفية حكاية تروى، وهو من مكتبه في الكرملين يبدو متخففاً من أخطاء بوريس يلتسن رئيس الصدمة والفوضى اللتين أعقبتا غورباتشوف الملتبس الذي نفخ على أسوار الشيوعية فانهارت. بوتين هو القيصر وبلا عوائق، في حين أن أردوغان لم يصبح سلطاناً بعد وتفصله عن الخلافة العثمانية الجديدة عقبات داخلية وخارجية، وإن استطاع التمهيد لها بنظام رئاسي. ولا يستطيع بوتين رؤية تركيا إلا بعين كاترين الثانية وغيرها من القياصرة الذين حاولوا اجتياح المضائق إلى المياه الدافئة فما استطاعوا. هكذا هي تركيا السدّ الذي يمنع الدفء عن روسيا ويعرقل اتصالها بدول المتوسط الذي كان يسمى بحر…
الخميس ٢٦ مايو ٢٠١٦
زعماء العالم التقوا أخيراً في ما يشبه نقابة مؤسسات خيرية، ففي إسطنبول عُقدت «القمة العالمية للعمل الإنساني» بعد تحضير استمر ثلاث سنوات، لترسي تقليداً جديداً يواجه تردي أحوال البشرية نتيجة الحروب والجفاف والتغيرات المناخية، ويلحظ اتساع الهوة بين المساعدات الطارئة وتلك المخصصة للتنمية، علماً أن حوالى 130 مليون شخص يعتمدون في عيشهم على المساعدات الدولية، وهو رقم مرشح للزيادة في سياق الحروب والكوارث، خصوصاً في الشرق الأوسط. القمة الأولى من نوعها، تُظهر الجانب الخيري لدى زعماء العالم، ومن خلفهم دولهم، ربما لإخفاء الجانب السلبي الناتج من الصراعات السياسية والعسكرية، وهو ما عبّرت عنه منظمة «أطباء بلا حدود» التي قاطعت القمة واعتبرتها طوق نجاة للحكومات المسؤولة عن تصاعد الاحتياجات الإنسانية. وعلى رغم غياب قادة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا وروسيا واليابان، فإن حضور 60 رئيساً وحوالى 5 آلاف من ممثلي هيئات وجمعيات ووسائل إعلام، أضفى على القمة بعض الأمل، واعتبرها تجربة أولى للقاءات عالمية لاحقة حول الشأن الإنساني، انطلاقاً من خمسة مسؤوليات رئيسية حددها بان كي مون: مبادرات سياسية لمنع النزاعات وإنهاء ما هو قائم منها، التمسك بقواعد تصون الإنسانية، عدم إغفال أحد من المشاركة، الانتقال من تقديم المعونة إلى إنهاء العَوَز، الاستثمار في الإنسانية. لكن القمة لم تحظ باهتمام كاف من الإعلام العالمي، كأنها مجرد اجتماع عابر. وتفوقت أخبار…
السبت ٢١ مايو ٢٠١٦
كما على الأرض كذلك في الفضاء، يتعزّز حصار الإسلاميين المتطرّفين لمصر، ولا يبقى سوى جهة البحر لتصبح المحروسة سجناً كبيراً يصعب التفريق فيه بين المحتجزين وحراسهم، فهم ينطقون جميعاً بلغة اليقين ويعتبرون الشعب رعايا لا مواطنين. إذا تأكّدت فرضية تفجير إرهابي للطائرة المصرية المدنية الآتية من باريس، فهي تذكّر بنكبة الطائرة الروسية التي فجّرت فوق سيناء في بداية رحلتها من شرم الشيخ إلى موسكو. وهي ضربة موجعة ثانية للسياحة، بل أكثر من ذلك، للعلاقات بين مصر (ومعها المشرق العربي ومغربه) وأوروبا. ويصعب ترميم الضربة وآثارها السلبية مع تفاقم التطرُّف الإسلامي وإنكاره العلاقة مع الآخر المختلف بإطلاق شعارات تتميز بالخفة وعدم المسؤولية، وهذا يتسبّب تالياً بحساسية شعوب أوروبية تتجه شيئاً فشيئاً الى التطرُّف اليميني والتحجُّر الوطني وتهدم تراثاً إنسانياً متجذّراً منذ الثورة الفرنسية وعصر الأنوار. أبعاد واسعة تُبنى على حدث محدود، فالطائرة المنكوبة انتقلت خلال 48 ساعة من القاهرة إلى أسمرة ثم عادت إلى القاهرة لتنتقل إلى تونس، ثم تعود مجدداً إلى القاهرة ومنها إلى باريس، وكان يُفترض عودتها الى القاهرة، لكنّ البحر المتوسط «ابتلعها». تلك الرحلات المكثّفة في وقت ضيق ستكون بنداً في تحقيق تجريه لجنة مصرية - فرنسية، إلى جانب بنود أخرى بينها التفجير الإرهابي، خصوصاً بعد التهديد الأخير الذي وجّهه «داعش» لفرنسا، وسيساعد الصندوقان الأسودان حال العثور عليهما،…
الخميس ٢٨ أبريل ٢٠١٦
لم يحظ الاحتفال بنصب تمثال نيلسون مانديلا أول من أمس في رام الله باهتمام يستحقه عربياً وعالمياً، حتى في الحد الأدنى لدى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. وأقيم الاحتفال في ميدان حمل اسم المناضل الأفريقي المتسامح، بحضور الرئيس محمود عباس وشخصيات فلسطينية ورئيس بلدية جوهانسبورغ بارك أستاو. عدم الاهتمام العربي لا يحجب الأهمية التي يوليها فلسطينيو 1948 والضفة وغزة لرمزية تمثال مانديلا في وطنهم، كونه المناضل العالمي الأبرز الذي انتصر على نظام التمييز العنصري في وطنه جنوب أفريقيا، واعترف بعد الانتصار بحقوق متساوية للبيض والسود ولكيانات قومية ودينية متنوعة، في مقدمها الهنود والمسلمون... ذلك أن الفلسطينيين يعتبرون سلطة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في عهد بنيامين نتانياهو، نظام تمييز عنصري بامتياز، وبذلك يرون في إقامة تمثال لمانديلا في بلادهم تأكيداً على مواجهتهم عنصرية إسرائيلية تكشّر عن أنيابها، عبر حركات متعصبة لا تكف عن تأكيد يهودية الدولة وأن إسرائيل دولة لليهود لا لأي شعب آخر أو لاتباع أي دين آخر، والمقصود هنا المسلمون والمسيحيون سكان البلاد الأصليون. مزاج النضال الفلسطيني المعبّر عن الحياة اليومية تحت الاحتلال، يتّجه إلى شيء من المفارقة مع المزاج العربي والإسلامي المنشغل بصراع الوجود، بين دولة حديثة تتآكل بفعل الانقسامات والإسلام السياسي المتطرف الذي يتقصّد هدم الدولة لإقامة نظام ديني يخالف القيم الإسلامية المتعارف عليها ويؤكد رؤيته الخاصة للمجتمع…
الخميس ٢١ أبريل ٢٠١٦
أوباما في الرياض، زيارة وداع لسيد البيت الأبيض أم أنها عرض لموقفي الدولتين السعودية والأميركية من أزمات المنطقة العربية؟ ليس من خلاف حقاً ولكن ليس من تطابق تام، فالرياض تعي جيداً مسؤولياتها المتعاظمة لكونها المركز العربي شبه الوحيد في إقليم تعبث فيه أيدي الأصدقاء والخصوم والأعداء. واستناداً إلى هذين الوعي والمسؤولية فللسعودية أن تطلب من حليفها الأميركي المزيد من تقدير مركزيتها والتشاور في أي مبادرة أميركية معلنة أو مستترة تجاه المنطقة. وليست العلاقة بين واشنطن والرياض مجرد ورقة يتبادلها المرشحون للرئاسة الأميركية مثلما يتبادلون أوراق الداخل كالضرائب، فالعلاقة محفورة في التاريخ الحديث للدولتين وفي مصالحهما الثابتة على مرّ العهود، ولا مجال لانقلاب جذري كما يروّج أعداء العرب في أميركا وأعداء أميركا في العالم العربي. ثمة تقصير أميركي في التعامل مع الأزمات العربية، اعتذر أوباما عن بعضه (ليبيا) وربما يعتذر عن بعضه الآخر (سورية). لكن طبيعة الأطراف العربية المتصارعة تشجع أميركا وسائر الدول الكبرى على التقصير، بل على التنصُّل من واجبها تجاه السلام العالمي المتأثّر سلباً بما يحدث في بلادنا أكثر من تأثُّره بأي حدث آخر في العالم، كتمادي الصين سياسياً واقتصادياً ومحاولات اليسار البرازيلي دعم النضال ضد تبعية أميركا الجنوبية لواشنطن، وما بين الصين والبرازيل من تمرُّدات، أبرزها تململ أوروبا وانتفاضة روسيا لاستعادة دور فقدته منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. من…
الخميس ١٤ أبريل ٢٠١٦
عيون مسلمي العالم على قمة إسطنبول، بل عيون العالم كله، لأن المسلمين في أوطانهم وأوطان الآخرين مهدّدون بالتحوُّل إلى مشكلة عالمية بدل أن تكون شخصياتهم الجامعة والمنفتحة سبيلاً إلى حل مشاكل العالم اقتصاداً وبيئة واجتماعاً. ولن يجدي تعليق مشاكل المسلمين على مشجب أطماع الدول الكبرى أو الصراعات بين الدول الإسلامية الرئيسية، المشكلة في نظرة المسلمين إلى أنفسهم وإلى العالم، والبقية تفاصيل تتصل بمصالح دول تتلاقى أو تتعارض أو تتحوّل وفق ظروف معقّدة لكنها غير ثابتة، فلا تتحمّل نظرة في السياسة، جوهرانية أو حتى مقدّسة. ملفات عدة يدرسها زعماء 57 دولة في «منظمة التعاون الإسلامي»، في مقدّمها الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان في التنمية والصحة والتعليم والانفتاح الثقافي. لكنّ القمة هي في الأساس لقاء سياسي على مستوى رفيع، هدفه الحدّ من الحروب في غير مكان من العالم الإسلامي والنظر في مسارات قضايا متقادمة، مثل حق الشعب الفلسطيني ومشكلة جامو وكشمير ومعوّقات الاستقرار في أفغانستان والصومال وليبيا وسورية والعراق. وما يبعث على الأمل أن قمة إسطنبول تأتي بعد أيام من جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز المصرية التركية، وتشكيلها عصباً سياسياً قادراً على التصدّي لمشكلات الإقليم، ووضع إيران أمام مسؤولياتها كدولة، ودفعها إلى الكفّ عن التدخُّل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية وإعاقة حل المشكلات بطريقة سلمية داخل كل…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
القمة الأوروبية المدعوة في 17 الجاري لإقرار اتفاق مع تركيا للحد من سيل اللاجئين، تبدو أكثر أهمية من المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام التي بدأ التحضير لها أمس وتنطلق في 14 الجاري. ويعود تراتُب الأهمية إلى أن الأزمة السورية تحوّلت قضية لاجئين نتيجة تعقيدات داخلية وإقليمية ودولية، مثلما حوّلت إسرائيل القضية الفلسطينية منذ العام 1948 وحقّقت مبتغاها، على رغم الدولة الفلسطينية الحالية التي لا يصدّقها حتى أهلها. البطولة في لعبة اللاجئين السوريين لتركيا أردوغان، ولا يلتفت إلا القليلون إلى لبنان والأردن ومعاناتهما اقتصادياً واجتماعياً من لاجئين يشكّلون نسبة مرتفعة قياساً على مواطني البلدين. ولم يجفّ حبر أخبار زيارة أحمد داود أوغلو طهران والاتفاق على التنسيق لمواجهة الفيديرالية في سورية والصعود القومي الكردي، حتى ربط رئيس الحكومة التركية، في اجتماعه مع القيادات الأوروبية، قضية اللاجئين السوريين بإيجاد منطقة آمنة في شمال سورية، ووجد لهذا الربط تفهُّماً أوروبياً واضحاً. أليست المنطقة الآمنة شبيهة بالنفوذ الكردي في شمال سورية، بل أخطر منه في ما يتعلق بوحدة سورية شعباً وأرضاً؟ نشهد ما يشبه «البازار» التركي الأوروبي للاجئين السوريين، وإغفالاً للحل الحقيقي للمشكلة: إنجاز اتفاق سياسي وعودة السوريين إلى وطنهم. الوصول إلى هذا الحل ليس أولوية في لقاءات أوغلو الإيرانية والأوروبية، إنما تحضر المصالح والبحث عن حصص النفوذ في سورية التي لن تشبه نفسها. وإذا…
الخميس ٠٣ مارس ٢٠١٦
قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية لن يقتصر على دول المجلس، فمن المتوقّع انضمام دول أخرى عربية وغير عربية إلى القرار أو اتخاذها قرارات مماثلة. الأمر جدي ومستمر، على رغم محاولة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله التخفيف مسبقاً من سطوة القرار، على طريقته، إذ شهدنا له قبل ساعات من صدور القرار، خطاباً تلفزيونياً يحاول فيه الفصل بين السلم الأهلي اللبناني ومواجهة حزبه السعودية ودولاً أخرى بالسياسة وبالحرب، مع تأكيده التدخُّل في اليمن. وهي فكرة غريبة أن يندرج حزب لبناني متعسكر في السلم الأهلي مع سائر المواطنين، وينشط في الوقت نفسه سياسياً وعسكرياً في مواجهة دول عربية شقيقة وصديقة لها حضورها العميق في لبنان، وتحظى بتأييد الغالبية، لكون العلاقة معها عابرة المناطق والطوائف. لا يستطيع «حزب الله» النأي بلبنان عن معاركه ضد دول عربية مهمة، فالوطن الصغير لا يتحمّل هذه الفكرة غير المسبوقة وغير المعقولة. واستحالة النأي ستؤدي إلى زج لبنان في حرب مع الداخل العربي لا يرتضيها مواطنوه، ولم يسبق أن واجهوا مثل هذا الموقف الذي سيؤدي بالضرورة إلى نزاعات أهلية لا نزاع أهلي واحد. وإذا كان قائد «حزب الله» أعفى حلفاءه المحليين من تأييد موقفه طالباً حصر المعركة بحزبه من دون سائر اللبنانيين، فإن هؤلاء سيعتبرون كلامه غير واقعي، لأنه وأعضاء حزبه لا يسكنون جزيرة…