الإثنين ٠٨ أبريل ٢٠١٩
خاص لـ هات بوست : يسمي الإنسان ما يعجز عن وضع تفسير معقول له "معجزة"، وفي بداية الأنسنة كانت ظواهر الطبيعة معجزات، فالشمس والقمر والرعد والبرق والمطر كلها ظواهر لم يكن بمقدورالإنسان وضع تفسير معقول لها، فاتخذ من بعضها آلهة أحياناً، ثم تدرج في الوعي شيئاً فشيئاً، وتزامن الأمر مع إرسال الله لأنبيائه ومرسليه ليصححوا المسار ويشذبوا المعتقدات، وكان لا بد أن يؤيدهم الله بما يبهر ويمنحهم مصداقية أمام أقوامهم، ولم تكن هذه البينات إلا من ضمن قوانين الطبيعة حتى لو شكلت قفزة زمنية فيها، فاستطاع إبراهيم تحمل النار التي ألقاه بها قومه، فكانت برداً وسلاماً عليه، وتمكن موسى من تقديمعرض من البينات الحسية من العصا واليد والجراد والقمل والضفادع وغيرها، ثم شق البحر بعصاه فأغرق فرعون، وأحياالمسيح الموتى وشفاالأكمه والأبرص، وكل هذه معجزات مادية سبق فيها عالم المحسوس عالم المعقول. وإذ تدرجت الإنسانية في الوعي تناقصت المعجزات تدريجياً، حيث أصبحت المحسوسات لها تفسير على أرض الواقع، ويمكن للعقل أن يدرك حيثياتها، ولأن الرسول محمد (ص) حمل الرسالة الخاتم التي ستستمر إلى قيام الساعة، فإنه لم يؤت معجزات مادية قد لا تصمد يوماً أمام العقل، وإضافة لكونه افتتح عصر المساواة والتعددية، افتتح أيضاً عصر العقلنة، فلم تحتو رسالته على ما لا يقبله العقل، وإن كنا نجد غير ذلك في التنزيل…
الثلاثاء ١٩ مارس ٢٠١٩
خاص لـ هات بوست : تعكس جريمة نيوزيلندا حجم التطرف الذي يصيب العالم، في شتى أرجائه، وإذ بدا أن الإرهابي المنفذ لم يكن وحده، وأن هناك تيار من المناصرين له في كل مكان، فإن الإنسانية تحتاج للوقوف أمام حصيلة إنجازاتها فيما يخص مدى قبول الآخر. فقد يبدو لنا المشهد العام جميلاً ما قبل الجريمة الأخيرة، لكنه ليس كذلك، لا قبلها ولا بعدها بالطبع، رغم ما يوحي به من أن العنصرية هي الاستثناء والتعايش والتسامح هما القاعدة، إذ لا تلبث مصطلحات معينة تطفو على السطح، لتهتز معها الصورة، فهذا أبيض وذاك أسود، وهذا مسلم إرهابي وذاك مسيحي صليبي، وهذا أوروبي متحضر وذاك آسيوي متخلف، ولا تقف القضية عند المصطلحات بل تتعداها كثيراً لتصل إلى القتل كما شاهدنا، قتل على أساس الاختلاف، فيتم الحكم على الآخر المختلف بالموت، نتيجة تحميله وزر انتماء لماض لا ذنب له فيه، أو لحاضر لم يرتكب فيه أي خطأ، وثمة دائماً مستفيد من تأجيج نيران الكراهية، يحقق من خلالها غايات ما. ومجرم مساجد نيوزيلندا بالتأكيد لم يقرر بين يوم وليلة ارتكاب هكذا جريمة، لكنه خطط لها طويلاً، بناء على تهيئة فكرية حرضت لديه كراهية "المسلمين"، اعتمدت على وقائع تاريخية وغذتها بحوادث عصرية، أي هناك عقيدة فكرية معينة تلقنها، جعلته يرى في هؤلاء الأبرياء أعداء يجب قتلهم، ربما…
الإثنين ٠٤ مارس ٢٠١٩
خاص لـ هات بوست : ثمة أقوال مأثورة حفرت في العقل الجمعي العربي وتبادلها الناس فشكلت أساساً في تعاملهم، بعضها يصنف ضمن الأحاديث، دون التمحيص في مدى صحتها، كحديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" الذي كثيراً ما يتداول في مناسبات تخص الأم، ورغم عظمة دورها وعدم شكنا بثوابها، إلا أننا لسنا متأكدين من كون الرسول (ص) قد قاله أو لا. وفي سياق آخر يعتبر القول "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى"حديثاً "صحيحاً"، اعتمده الناس في حياتهم كقاعدة تشكل مخرجاً لا بأس به لراحة الضمير، على أساس أن النوايا الحسنة تكفي لنؤجر ونثاب عليها، بما معناه أنه يمكنني أن أنوي التبرع بمائة ألف دولار للفقراء كل ليلة قبل النوم وأعد نفسي بالأجر والثواب بناء على ذلك، ويمكن لسارق إقناع نفسه أن نيته من السرقة هي إنجاز مشروع يعود بالخير على المجتمع، لكن ما ينطبق عليه برأيي هو أن "طريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة"، والمثال الأكثر وضوحاً في تاريخنا المعاصر هو ما جرى في حرب 67، حيث كانت نية جمال عبد الناصر في منتهى الطيبة والصدق لكنه تسبب في خسارة الضفة الغربية بما فيها القدس إضافة لسيناء والجولان، ولم يحاسبه أحد بل اعتبر قائد عظيم لأن الأعمال بالنيات. ووفق التنزيل الحكيم الأجر يأتي جزاء لعمل {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} (التوبة…
الأربعاء ٠٦ فبراير ٢٠١٩
خاص لـ هات بوست : يعرف الكمال بأنه تمام متقطع، أما التمام فهو كمال مستمر، فنحن نكمل ما بدأناه بعد انقطاع، لكن نتم العمل حين ننهي ما اتصل منه، فإذا صمنا من الفجر إلى المغرب نتم يوم صيام، وإذا صمنا أيام شهر رمضان كلها، نكون قد أكملنا الصيام. فإذا وقفنا عند قوله تعالى في التنزيل الحكيم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة 3) نتبين أن الإسلام الذي ابتدأ مع نوح {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ---* ---إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس 71 – 72) ونادى به كل الرسل اكتمل بالرسالة المحمدية الخاتم، وتمت النعمة التي أنعهما الله على عباده بما حملته هذه الرسالة من رحمة، فخففت عنهم الإصر والأغلال، وأعلنت صلاحية الإنسانية لبدء عصر جديد، يحمل سمات مغايرة لما قبله، حيث لا فرق بين ذكر وأنثى، ولا رق ولا تمييز بين الناس، والفطرة التي يقبلها كل أهل الأرض هي الأساس في قياس الأمور، مع حنيفية بين حدود مرنة، يبلغ اتساعها ما يضم اختلاف الأهواء عبر الزمان والمكان. قد يظن القارىء أني أبالغ، لكن هذا الكلام تجدون مصداقيته في كتاب الله، وربما أو من المؤكد لن تجدوه فيما بين أيديكم من أمهات كتبنا وأدبياتنا التي اعتمدناها لننهل…
الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٩
خاص لـ هات بوست : عندما أطلق الاتحاد السوفيتي أول مركبة فضائية حول الأرض عام 1957، وجهت أكاديمية العلوم السوفيتية الدعوة للعلماء في دول العالم لحضور هذا الحدث الهام، ومن بينها سورية، حيث وصلت الدعوة لرابطة علماء الشام، وأعضاؤها علماء الفقه والشريعة، ومع احترامي لهم، لكنهم ليسوا المعنيين بالموضوع، ولا أعتقد أن ما جرى في الدول العربية الأخرى يختلف عن ذلك، والالتباس هو في التسمية، فكلمة "علماء" في عالمنا العربي تخص "علوم الدين" فقط لا غير، وطلاب كليات الشريعة هم فقط طلاب العلم، و"هيئة كبار العلماء" وما شابهها هي أبعد ما تكون عن علوم الفيزياء والرياضيات والطب والهندسة. قد لا يستحق الأمر الوقوف عنده لو أنه يقتصر على التسميات، لكنه يتعدى إلى سلسلة طويلة من الأمور تعكس ما نحن عليه منذ قرون. فالعقل الجمعي العربي تتلمذ على يد أبي حامد الغزالي الذي أحيا علوم الدين وسفه الفلسفة، في حين تمت تنحية علماء وفلاسفة ذاك العصر، وكانت إشارة البدء لعصور من الانحطاط يبدو أنها ما زالت مستمرة، حيث استكان ذاك العقل للنوم ليحل مكانه النقل، ويتصدر الأولويات، فما زلنا حتى اليوم لا نناقش النصوص، ولا نتجرأ على التفكير بها، بل نقدس تلك العنعنة، وإذا كان الإيمان بالله هو المسلمة الوحيدة التي يفترض أن يقبلها المؤمن، أضحى التسليم معمماً على كل الإرث…
الجمعة ٠٤ يناير ٢٠١٩
خاص لـ هات بوست : منذ أيام ابتدأ عام جديد، وسادت الاحتفالات في العالم لاستقباله، على أمل أن تتحقق الأمنيات خلاله، واحتفلنا نحن العرب أيضاً وأملنا كغيرنا أن يحمل العام الجديد السلام والخير لبلادنا وأهلنا. لكن الاحتفالات على اختلاف حجمها، تلقى دائماً بعضاً من الرفض لأسباب عديدة، أولها فيما يخصنا هو "الحرام"، وفي حالة العام الميلادي فالحرام يغلف الاحتفال من كل جوانبه، على اعتبار أنه مناسبة تخص المسيحيين ولا تخصنا، وأن التقويم الغربي لا يعنينا، عدا عن أن الفرح في ثقافتنا أمر منبوذ. والتقويم الغربي هو تقويم اعتباري لرأس السنة، يعرّف العام بأنه دورة كاملة للأرض حول الشمس، تعتمده أغلب دول العالم، ونحن المسلمين المؤمنين بالرسالة المحمدية، نعيش منتشرين في أصقاع الأرض، كغيرنا من الناس، نؤرخ بما يؤرخ الناس حولنا ونعد سنين عمرنا كما يعدون، لا يمكننا أن ننفصل عنهم في شؤون حياتنا اليومية، ولا يفترض بنا ذلك، لنا تقويم هجري معتمد نحتفل ببدايته وكل ما يتبعها من مناسبات خاصة بنا، أما تعاملاتنا في المدارس والجامعات والمراسلات والعلاقات الخارجية والاقتصادية فتتطلب اعتماد ما يسهل أمور حياتنا، دون أن نرتكب "حراماً"، وهذا يجرنا إلى مواضيع متشعبة عدة، منها أن الحرام شمولي أبدي بيد الله وحده، لا يزيد ولا ينقض، وتختصره محرمات محدودة معدودة لا تتجاوز الأربعة عشر، تتعلق بتعاملنا مع الغير،…
الأحد ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨
خاص لـ هات بوست : خلق الله الكون ووضع قوانينه وترك للإنسان القضاء في الموجودات ضمن هذه القوانين وتماشياً مع المعرفة، فكلما زادت معرفته زاد قضاؤه، دون أن تتغير قوانين الوجود، فقانون الجاذبية مثلاَ لا يمكن أن يتبدل، وسقوط طفل وعجوز من شاهق إلى الأرض سيؤدي إلى النتيجة ذاتها، ومن القوانين الأساسية لهذا الكون قانون التغير، فلا ثابت إلا الله، وضمن هذا القانون تسير الإنسانية إلى الأمام، وتتقدم يوماً بعد يوم، فالطب اليوم لا يقارن بما كان عليه قبل مائة عام، والتكنولوجيا حدث ولاحرج، ورغم ما يراه البعض إنحلالاً أخلاقياً إلا أن القيم الإنسانية ما زالت ترقى وإن بنسب متفاوتة بين مجتمع وآخر. وإن كنا كأمة نحاول اللحاق بركب الحضارة، عبر استهلاك آخر منتجاتها على جميع الأصعدة، إلا أننا فكرياً ما زلنا نعيش في الماضي، نتغنى بأمجاد زالت، ونناقش أحقية زيد أم عمرو بالخلافة، ونتحزب لهذا أو ذاك، ونتجادل في مدى صحة معايدة النصارى، فلا وقت لدينا لاكتساب المعرفة ولا يهمنا القضاء في الموجودات، وكلنا ثقة بأن الله قد سخر لنا "الكفار" ليخترعوا ويكتشفوا ما يفيدنا بينما نحن نيام، فنحن أمة عصية على التغيير، ومجتمعاتنا قروية بامتياز، لا بالمعنى الجغرافي للقرية، إنما بالمفهوم الاجتماعي ذي اللون الواحد الثابت، لا نقبل التعددية ولا الاختلاف ولا تجاوز ما كان عليه آباؤنا، ولا…
الثلاثاء ٠٤ ديسمبر ٢٠١٨
خاص لـ هات بوست : لا يسع المرء إلا أن يشعر بالسعادة لسماعه خبر وصول سيدتين "مسلمتين" إلى مقاعد مجلس النواب في بلد كالولايات المتحدة الأميركية، لا سيما أن إحداهما من أصول فلسطينية والأخرى بدأت حياتها كلاجئة في تلك البلاد، وما يحمل هذا الأمر من رد اعتبار بشكل أو بآخر لكثير ممن ينتمون إلى المضطهدين حول العالم. وإذ نتميز نحن العرب بالإنفعال والعاطفية، جيّر الكثيرون ما حصل وكأنه نصر للإسلام والمسلمين، في عقر "دار الكفر"، وكأن أمور المسلمين في ديارهم على خير وجه، ولم يبق سوى أن يضعوا موطأ قدم في برلمانات غيرهم لينتصروا، وكأني بهم يتناسون أن ما حصل هو انتصار لمبادىء الديمقراطية من حرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة وفصل السلطات، مما يحاربه الإسلام الموروث بكل ما أوتي من قوة، فهذه المبادىء سمحت للمسلمة أن تنال حقوقها كغيرها بغض النظر عما تؤمن به وكيف تؤدي صلواتها وما ترتدي، وبغض النظر عن أصولها سواء عربية أم أفريقية أم غيرها، ناهيك بالطبع عن الجنس، فهل لنا بالمقارنة مع عالمنا العربي أم من الأفضل لنا غض الطرف والاكتفاء بالمراقبة فقط؟ والمفارقة في ما نحن عليه هو تبادل الأدوار، فدورنا نحن المسلمين أتباع الرسالة المحمدية أن نفعل ما جاء في رسالتنا من رحمة للإنسانية وخاتمية وعالمية، حمل فيها رسولنا الكريم مبادىء الحرية…
الإثنين ١٩ نوفمبر ٢٠١٨
خاص لـ هات بوست : ولد الهدى فالكائنات ضياء، لم يبتعد أمير الشعراء عن الحقيقة كثيراً، إذ ربما لم يأت الهدى إلينا بشكل دقيق مع ولادة محمد رسول الله (ص)، لكنه جاء مع بعثته، فالقرآن هدى للناس جميعاً، بلغه لنا نبينا الكريم، بما فيه من بينات تصدق على الرسالة التي حملها التنزيل الحكيم، وإذا كنا لسنا متفقين على صحة التقويم الهجري المعتمد، ولا متأكدين من تاريخ ولادة الرسول تماماً، لكن ما نعرفه أن محمد (ص) أحدث قفزة نوعية في خط سير التاريخ، لا يمكن تجاهلها. فالرسول الكريم بلّغ الرسالة كما وصلته، بكل أمانة، وفرض على أتباعه الشعائر التي تقربهم إلى الله تعالى، وشرّع لمجتمعه كتطبيق أول للرسالة مع الواقع، وهنا كانت القفزة النوعية، إذ وضع أسساً لم تصلها الإنسانية إلا بعد مئات السنين، وأولها المساواة، فالناس جميعاً سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وهذه التقوى تنعكس في العمل الصالح، وبالتالي فإن المجتمع يحوي كل الملل والإثنيات والقوميات تحت مظلة واحدة تلخصها {لا إله إلا الله} فلا واحد إلا هو، وكل ما عداه متعدد مختلف، والناس أحرار فلا إكراه في الدين، ولا عبودية لأحد، فالخلق كلهم عباد الله، والعبادية تختلف عن العبودية، ومن ثم تم إلغاء الرق عن طريق تجفيف منابعه وتصريف الموجود، وتقديم البديل عبر نظام…
الثلاثاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٨
خاص لـ هات بوست : بالأمس أقدم مسلحون على إطلاق النار على باص فيه زوار أقباط لأحد الأديرة في صعيد مصر، ولا نعلم كيف يمكن لإنسان الاقتناع أن الله راض عن مرتكبي هذه الجريمة، وبغض النظر عمن تبناها وعن نظريات المؤامرة التي تملأ الأدمغة، فمن الضرورة بمكان مراجعة الحيثيات التي دفعت المجرمين للإقدام على فعلتهم سيما وأنها ارتكبت باسم الإسلام، ضمن سلسلة يبدو أنها لن تتوقف طالما أن المناهل التي نهل منها هؤلاء ما زالت موجودة. ويبدو واضحاً للعيان أننا نحتاج لامتلاك الجرأة على الاعتراف بأن ثقافتنا الموروثة تحمل في طياتها مسؤولية لا يستهان بها، تلك الثقافة التي لاتقبل الآخر المختلف، وتبيح قتله في أحيان كثيرة، إن لم تحض على ذلك، وما زالت أفكارها هذه تدرس في المعاهد وكليات العلوم الشرعية، وتنتشر على وسائل التواصل المتعددة، بخطب الأئمة والشيوخ، فتكفّر هذا وتذم ذاك. فإذا عدنا للتنزيل الحكيم وجدنا أن الإسلام هو الإيمان بالله الواحد واليوم الآخر، واقتران هذا الإيمان بالعمل الصالح، فمن حقق هذه الشروط قبل تحت مظلة الإسلام، بغض النظر عن ملته، ومن لم يحققها حسابه على الله يوم القيامة، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون 6)،وقتل النفس حرام حرمة مضاعفة، ومن قتلها كأنما قتل الناس جميعاً {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ…
الخميس ١٨ أكتوبر ٢٠١٨
خاص لـ هات بوست : يتناقل المسلمون المؤمنون برسالة محمد (ص) حديث "يأتي زمان على أمتي فيه القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر"، والناظر بحالنا اليوم لا يحتاج نفاذ البصيرة لرؤية صحة هذا القول، فيما يخص "أمته" عليه الصلاة والسلام، بغض النظر عن مدى مطابقة الحديث لشروط الجرح والتعديل والعنعنة، وعن كونه لا يعلم الغيب ولم يدع ذلك. لكن ما يثير التساؤال ويبقى مدعاة للتوقف والبحث هو ماهية هذا الدين المقصود، وهو الإسلام بلا شك، إذ ثمة ملابسات عدة تدخل في المشهد العام، فإسلام التنزيل الحكيم مختلف تماماً عن تلك الكرة الثلجية التي تدحرجت طويلاً على أرضية من الأعراف والتقاليد فعلق بها من الشوائب ما جعلها تفقد خواصها وتصبح ديناً آخر هجين لا يشبه الأصل بل هو مسخ مشوه، يخاف منه الغرباء، ويألفه الأقرباء لأنهم وجدوه في حياتهم كما حياة آبائهم فاعتادوه، وتماهوا معه حتى أصبحوا يدافعوا عن شوائبه، بدل إزالتها. فالثقافة الإسلامية الرائجة تحكم غالباً على الشكل دون المضمون، فيقيّم تدين المجتمع وفق لباس نسائه، ما بين نقاب يرى فيه البعض من ركائز الإسلام، وبين غطاء رأس بالنسبة للبعض الآخر يضاهي في أهميته ارتكاب الفاحشة، كنكاح المحارم مثلاً، بينما لا ترقى شهادة الزور في أحيان كثيرة لتصل تلك الأهمية، وقد ترى بعض الجماعات أن للرجل لباس شرعي يحتم…
الأربعاء ٠٣ أكتوبر ٢٠١٨
خاص لـ هات بوست : تأتي أهمية التنزيل الحكيم لمن يؤمن به، من كونه كتاب جمع بين رسالة مرنة يصدق عليها قرآن يقرن قوانين الكون مع أحداث التاريخ، في تداخل متقن يشابه إلى حد كبير تداخل وظائف أعضاء جسم الإنسان، حيث الناموس ذاته والخالق واحد. ويأتي سرد القصص القرآني ليشكل حيزاً كبيراً من الكتاب، لا بهدف تسلية الرسول (ص)، ولا لرفد المناهج المدرسية بمواضيع تغني موادها، بل ليقدم لنا خطوطاً عريضة تلخص قوانين التاريخ، وتبين لنا خط سير الإنسانية تدريجياً في ابتعادها عن المملكة الحيوانية، ومن ثم استخلاص العبر{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (يوسف 111). ومن بين شخصيات القصص يأخذ إبراهيم عليه السلام مكانة مميزة، إذ دعانا الله تعالى لاتباع ملته الحنيفية {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام 161)، وتنبع أهمية مكانته من كونه رسخ مبدأ التجريد في التقرب من الله بدلاً من التشخيص، ولم يتوصل إبراهيم للإيمان بالله إلا بعد أن بدأ رحلة تفكير طويلة من الشك إلى اليقين، لجأ عبرها إلى اتباع الاستقراء العلمي، فراقب ظواهر الطبيعة ولم يقنعه أفول ما ظن أنها آلهته، حتى توصل إلى الله، لكن…